ها أنا بلا رأسٍ ولا حُلمٍ؛
أسألُ روحي في المرآة:
كيف تَلَّتني الحُمّى للجبين، والتمعَ القمرُ في كفِّها كَمِديةٍ
وأنا مازلتُ شهوةً
تحاول أن تؤاخي _حتى هذه اللحظة_ وجهَ عَرَّافي؛
العرَّاف
الذي طَلعَ في دمي ، منذ انفراج البدء، نَكْهَةَ حقلٍ
وطغى!
...
لعلَّه لمّا تجلّى آخر مرةٍ
وطرقَ بابي
تمنّى أن أربط حصانه الأزرق بباحتي
لعلَّه تشهّى أن أمسح عن جبهته أتربةَ السُبل
وأردمُ بِركَ يأسِه بيواقيت مائي
وبحبّات التوت أنقشُ على صدرِه الوثنيّ آيةً
تروّع في ضلوعه الرعدةَ والعماء!
لعلَّه...
...........
أُرِيْت ، ساعتها، أنّه جاثٍ على عتبة البيت
بينما كنتُ أنتصبُ بين وصيفات الماء مثل أيَّةِ بشارة
فخرجتُ وَجِلةً دون أن أنشّفَ جسمي حتى، وناديتُ:
"أما سَارَرْتَ اليقينَ بعد؟!
هَلُمَّ إليَّ؛ أخشى عليكَ من دهاقنة الليل
تَرجَّلْ.. وَلْيَدُمْ عصفُكَ الحرون ، هذي المرّة، أعياداً وفراديسَ
اصعدْ.. فلكلِّ انتظار عُجْمَةٌ تعلمها الوحيداتُ جيداً
ووحدك _يا شقيق الرياحين_ تُرْجُمان".
غير أنّه استبطأني
فَنَخَسَ حِصانَه... وطار!
**
لعَرَّافي ثلاثُ غيباتٍ:
الأولى.. يجعل الصلصال فيها إسكافياً على بوابة الأفلاك.
الثانية.. يبطشُ طوال أيامها بصولجان الزَّبَد.
والثالثة.. يباهي في لياليها صحراءه بنداوة التعب.
**
إذا ابتغيتكَ فأين أحدّق؟!
وما الذي أردتَه آخر مرّة مني ؟!
أحقّاً رَجَّكَ الظمأ؛ فَقَرَعتَ
أم أنني توهّمتُ ، طائشةً، طَرقاتِكَ بالسَّكِينةِ العَذْبةِ تجيئ؟!
..
كلما رأيتُ الشّمسَ تغربُ، خُيّلَ إليَّ أنّها امرأة مثلي تتأهب لعاشقها
فتركض معه ، بعد مغيبها، في أروقة سريّة ودهاليزَ بغيةَ أن تصل إلى سريره،
يضربها باللهاث المحموم؛ فتسّاقط هي فوقه ، راضيةً، وتُعرّش هيكلَه الباردَ بالتِّبْرِ والعسل.
**
ألم تقل لي في خلوتنا:
"اكتبي لي في غيابي...
دعي الذكريات تنمو في راحتكِ فأساً، وراقبي رنينها وهو يضيئ عتمة الأركان.
شاهدي غزالات أصدائها كيفَ تَسْري أمامكِ في أخاديد البياض، لتُنْبِتَ بين يديكِ قصيدةً تشهدُ بكِ أولاً قبل أن تشهدَ لكِ."
ما لي إذاً كلما كتبتُ لا أستريح؟!
أتأرجح بين أسودين: ليل ومِداد
أرتجلُ أنفاسي لأبقرَ بطنَ الضبابِ، ثُمَّ... ينطفئ كُلُّ شيئٍ.
أبدأُ..كَـمَنْ يتبعُ حِبْراً لوّثه الغبارُ؛كَلاَّ.. كَـمَنْ يتبعُ غباراً لوّثه الحِبْرُ!
آهٍ..
شيئٌ مِن رئةِ الرّيح يهزّني مع إشراقة الصّباح و ينهضُ فيَّ مثل أُمومَةِ الموسيقى
ولا يني يهمسُ دافئاً:
"حبيبتي عَبّادةُ شَمسٍ، وعند ساقها أنام."
**
ألم تعلّمني أن الإشارةَ أبجديةٌ بأكملها
وها أنا أتيمَّمُ بترابِها الذهبيّ؛ لأصلي:
"سلاماً عليكَ يا حبيبي
حين منعتَ ، بين ذراعيّ، الترادفَ
وفَرّقتَ ، واثقاً، بين ماء اللغة؛ لتقودني إلى لغة الماء".
لا تلمني إذن
عندما أقرأ كتابكَ ولا أؤول
لا تلمني إن فُتنتُ بالمُشَبِّهةِ
وصِحتُ واجفةً:
...
"بلى!
لربّي وصاحبي يدان"!
اليسرى تحت رأسي تسندُ الصهيلَ
واليمنى تباركُ نبيذي وتَدُلّني على ممالك حوضي المتوسط
تُسِرُّ:
ههنا
ألف عاصرة
في قَدمِ كلِّ واحدة منهن ألف خلخال
على فِضّةِ كلِّ خلخال ألف شمس
في منتصف كل شمس ألف شجرة
وتحت كل شجرة ألف أفعى
تحمل كل أفعى جوهرةً
تدحرجها
حتى تصلَّ بها إلى قَفْرٍ موعود
في كَبِدِ كُلِّ قَفْرٍ عاشقةٌ مختارةٌ
تكتبُ بإصبعها على الرمل نبوءةً واحدة:
ستلوذ بـديمةٍ،
تكون لك آيةً وتكونُ خطَّها الثُّلُثَ والديوانيّ
بين طيّات أوراقها تعطيكَ اسمَها، وفي الفجر تُمهِركَ بالقيامةِ...
فَغِبْ كيفما شئتَ
فأنتَ حاضرٌ هنا
ولكن...
وقتما تعود يا عَرَّافي
سيتعافى السؤالُ مُجدّداً بين يديكَ كما يتعافى ، الآن، قُدَّام مرآتي:
_متى تُخلّص الماء من مواثيق المتاهة وترفع عن كاهله إرثَ المجاهلِ والظلال؟!
ديمة حسون ـ سوريا
أسألُ روحي في المرآة:
كيف تَلَّتني الحُمّى للجبين، والتمعَ القمرُ في كفِّها كَمِديةٍ
وأنا مازلتُ شهوةً
تحاول أن تؤاخي _حتى هذه اللحظة_ وجهَ عَرَّافي؛
العرَّاف
الذي طَلعَ في دمي ، منذ انفراج البدء، نَكْهَةَ حقلٍ
وطغى!
...
لعلَّه لمّا تجلّى آخر مرةٍ
وطرقَ بابي
تمنّى أن أربط حصانه الأزرق بباحتي
لعلَّه تشهّى أن أمسح عن جبهته أتربةَ السُبل
وأردمُ بِركَ يأسِه بيواقيت مائي
وبحبّات التوت أنقشُ على صدرِه الوثنيّ آيةً
تروّع في ضلوعه الرعدةَ والعماء!
لعلَّه...
...........
أُرِيْت ، ساعتها، أنّه جاثٍ على عتبة البيت
بينما كنتُ أنتصبُ بين وصيفات الماء مثل أيَّةِ بشارة
فخرجتُ وَجِلةً دون أن أنشّفَ جسمي حتى، وناديتُ:
"أما سَارَرْتَ اليقينَ بعد؟!
هَلُمَّ إليَّ؛ أخشى عليكَ من دهاقنة الليل
تَرجَّلْ.. وَلْيَدُمْ عصفُكَ الحرون ، هذي المرّة، أعياداً وفراديسَ
اصعدْ.. فلكلِّ انتظار عُجْمَةٌ تعلمها الوحيداتُ جيداً
ووحدك _يا شقيق الرياحين_ تُرْجُمان".
غير أنّه استبطأني
فَنَخَسَ حِصانَه... وطار!
**
لعَرَّافي ثلاثُ غيباتٍ:
الأولى.. يجعل الصلصال فيها إسكافياً على بوابة الأفلاك.
الثانية.. يبطشُ طوال أيامها بصولجان الزَّبَد.
والثالثة.. يباهي في لياليها صحراءه بنداوة التعب.
**
إذا ابتغيتكَ فأين أحدّق؟!
وما الذي أردتَه آخر مرّة مني ؟!
أحقّاً رَجَّكَ الظمأ؛ فَقَرَعتَ
أم أنني توهّمتُ ، طائشةً، طَرقاتِكَ بالسَّكِينةِ العَذْبةِ تجيئ؟!
..
كلما رأيتُ الشّمسَ تغربُ، خُيّلَ إليَّ أنّها امرأة مثلي تتأهب لعاشقها
فتركض معه ، بعد مغيبها، في أروقة سريّة ودهاليزَ بغيةَ أن تصل إلى سريره،
يضربها باللهاث المحموم؛ فتسّاقط هي فوقه ، راضيةً، وتُعرّش هيكلَه الباردَ بالتِّبْرِ والعسل.
**
ألم تقل لي في خلوتنا:
"اكتبي لي في غيابي...
دعي الذكريات تنمو في راحتكِ فأساً، وراقبي رنينها وهو يضيئ عتمة الأركان.
شاهدي غزالات أصدائها كيفَ تَسْري أمامكِ في أخاديد البياض، لتُنْبِتَ بين يديكِ قصيدةً تشهدُ بكِ أولاً قبل أن تشهدَ لكِ."
ما لي إذاً كلما كتبتُ لا أستريح؟!
أتأرجح بين أسودين: ليل ومِداد
أرتجلُ أنفاسي لأبقرَ بطنَ الضبابِ، ثُمَّ... ينطفئ كُلُّ شيئٍ.
أبدأُ..كَـمَنْ يتبعُ حِبْراً لوّثه الغبارُ؛كَلاَّ.. كَـمَنْ يتبعُ غباراً لوّثه الحِبْرُ!
آهٍ..
شيئٌ مِن رئةِ الرّيح يهزّني مع إشراقة الصّباح و ينهضُ فيَّ مثل أُمومَةِ الموسيقى
ولا يني يهمسُ دافئاً:
"حبيبتي عَبّادةُ شَمسٍ، وعند ساقها أنام."
**
ألم تعلّمني أن الإشارةَ أبجديةٌ بأكملها
وها أنا أتيمَّمُ بترابِها الذهبيّ؛ لأصلي:
"سلاماً عليكَ يا حبيبي
حين منعتَ ، بين ذراعيّ، الترادفَ
وفَرّقتَ ، واثقاً، بين ماء اللغة؛ لتقودني إلى لغة الماء".
لا تلمني إذن
عندما أقرأ كتابكَ ولا أؤول
لا تلمني إن فُتنتُ بالمُشَبِّهةِ
وصِحتُ واجفةً:
...
"بلى!
لربّي وصاحبي يدان"!
اليسرى تحت رأسي تسندُ الصهيلَ
واليمنى تباركُ نبيذي وتَدُلّني على ممالك حوضي المتوسط
تُسِرُّ:
ههنا
ألف عاصرة
في قَدمِ كلِّ واحدة منهن ألف خلخال
على فِضّةِ كلِّ خلخال ألف شمس
في منتصف كل شمس ألف شجرة
وتحت كل شجرة ألف أفعى
تحمل كل أفعى جوهرةً
تدحرجها
حتى تصلَّ بها إلى قَفْرٍ موعود
في كَبِدِ كُلِّ قَفْرٍ عاشقةٌ مختارةٌ
تكتبُ بإصبعها على الرمل نبوءةً واحدة:
ستلوذ بـديمةٍ،
تكون لك آيةً وتكونُ خطَّها الثُّلُثَ والديوانيّ
بين طيّات أوراقها تعطيكَ اسمَها، وفي الفجر تُمهِركَ بالقيامةِ...
فَغِبْ كيفما شئتَ
فأنتَ حاضرٌ هنا
ولكن...
وقتما تعود يا عَرَّافي
سيتعافى السؤالُ مُجدّداً بين يديكَ كما يتعافى ، الآن، قُدَّام مرآتي:
_متى تُخلّص الماء من مواثيق المتاهة وترفع عن كاهله إرثَ المجاهلِ والظلال؟!
ديمة حسون ـ سوريا
