فوزي إسماعيل - سنوات عجاف.. قصة قصيرة

شاء القدر أن تزل على قيد الحياة، بعد نجاتها من حاث مروع على الطريق الصحراوى، مات زوجها فى الحادث الأليم، أما هى فكانت اصابتها خفيفية مع كدمات فى الرأس، أسعفتها نجدة الطريق وأدخلتها المستشفى القريبة من المكان، وقامت بإجراء عملية بسيطة حتى كُتب لها النجاة.
خرجت بعد أيام قلائل من المستشفى، فوجدت الزوج قد فارق الحياة، حزنت عليه حزنا شديدا، لأنه كان مثال الأمانة معها، وكان يحبها حبا كبيرا لدرجة العشق، وكان يحقق لها كل رغباتها دون نقاش، فهو ميسور الحال يملك مشروعا كبيرا يدر عليه بمال وفير، حتى أنه كان يضع منه ما تبقى فى البنوك بأسمها.
مر على حزنها مدة حتى الاربعين، وبعد الاربعين تفرغت للبحث عن أصول زوجها من عقارات وأموال وخلافه، وبدأت مسيرة البحث ففتحت خزائن شركته التى كان يديرها، وأيضا خزينة المنزل وفتح الملفات التى بداخلها، وأيضا بعض الأدلبة الخاصة به، وبعد عناء طويل من البحث المستمر وجدت الخزائن والادلبة خاوية، عندئذ تذكرت ما قاله لها قبل موته، تذكرت بأنه وضع كل ما يملك فى البنك، أخرجت الشيكات والأوراق الخاصة بالبنك، وذهبت بهم إلى البنك فى الصباح الباكر، لتستفسر عن صحة ما هو مدون فى الشيكات، تسمرت قدماها مكانها من المفاجأة، وعجزت تماما عن الحركة بعد ما علمت أن رصيدها صفر، وجدت أيضا ما هو أفظع من ذلك، وجدت كل ما يملك بإسم امرأة أخرى، تدعى حسنات، حصلت على عنوانها من موظف البنك، وذهبت إليها على عنوانها فى الإسكندرية، حيث تسكن فى شارع العجمى إحدى شوارع الإسكندرية، واجهتها فاتضح لها أنها زوجته الأولى، وقدمت حسنات ما يثبت صحة ذلك من مستندات وقسيمة زواج، كما قدمت أيضا شهادات ميلاد أولادها الثلاثة، عمرو الأكبر والذى يبلغ من العمر عشرون عاما، وخالد الأوسط الذى يبلغ من العمر الخامسة عشر من عمره، وسهام الصغرى التى بلغت ثمانية أعوام.
لم تصدق ما ترى بأعينها، وكأنها فى حلم، حتى سألت نفسها : لماذا أخفى علىّ كل هذا..؟
شعرت بخيبة أمل، ليس ذنبها، لكن ذنب زوجها، هو الذى كان لا بوح لها بسر، وإنما كان يسايرها، مقدما لها الحياة السعيدة على طبق من ذهب، لكن تحت شعار الكذب والنفاق، وكأنه يعتقد بأنه إذا أباح بسر زوجته الأولى فشلت علاقتهما، فكان يحافظ على هذه العلاقة بالكذب والمسايرة، ظهر أمامها بأنه قديس يقدس الحياة الزوجية، حتى أنها لم تشعر تجاهه بأنه متزوج من أخرى، فكان يمارس حياته الطبيعية معها وكأنه لم يتزوج غيرها.
خرجت من عند ضرتها وهى مطرقة الرأس، صامته لا تتكلم فى أى تفاصيل، لأنها علمت بأن كل ما يملك زوجها تركهم لأولاده، أما هى فلا تنجنب منه ولدا ولا بنتا، بل هى عاقر منذ أن تزوجها منذ خمسة وعشرون عاما، رضت بما قسمه الله لها، لأنها لا تملك شيئا بيدها، بل هو أمر الله.
رجعت إلى منزلها منكسرة، وظنت أن الحياة من هذه اللحظة قد أنتهت بالفعل، لكنها تذكرت إرادة الله فى قلبها، وقامت من فورها إلى سنبور المياه وتوضأت لتصلى ركعتان لله عسى الله أن يهديها إلى طريق الصواب، بعد أن قضت الفريضة شعرت بارتياح فى نفسها، وذهبت إلى شيخ تقى قريب لمنزلها، وقصت عليه قصتها، سمعها الشيخ الوقور وأفتى بما شرعه الله، بأن لها نصيب فى التركه، فلم تستغل الموقف ورفعت دعوة أمام القضاء، لكنها أرسلت مكتوبا إلى أولاده الثلاثة، تنازلت عن كل شئ إلا الشقة التى تعيش فيها، وافقوا الأولاد بذلك، ووقعوا على قسيمة حتى لا يطمع فيها أحد منهم مستقبلا.
استمرت فى شقتها بضع أيام، ثم خرجت من صومعتها لترى الدنيا من جديد، شاهدت الدنيا وكأنها تراها لأول مرة، مرت شهور فشعرت بالضيق والوحدة، لا أنيس ولا جليس يؤنس وحدتها، وكأن القدر يناديها إلى الأمل والتفاؤل، وافقت على أول خطيب يطرق بابها، وتم زواجهما، وبعد تسعة أشهر جاءها مولودها الأول.


(انتهـــــــــت)

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى