إلى محمد عمران صديقاً.. شاعراً يعود من رحلة التيه إلى إبداع القصيدة.
كانت تُعانِقهُ رُؤَانا في هَواهُ أو تُعَانِقُنا رُؤَاهُ على هَوَاهْ
ويحتفي شِعرٌ بمقدَمِ شِعْرِهِ
كانت تُسبِّحُ في سماهْ
لُغةٌ تَشِفُّ
كما تَشِفُّ الأرضُ عن ماءٍ
تَهيَّأ في سَلاسِتَه، لَدَانتِه، طواعيةً، شفافيةً لإبريقِ الصلاهْ
مُتيمِّماً بترابٍ ذاكرةٍ الطفولةِ
أَثمرتْ وَجَعَاً جَنيَّاً عبقَريَّ النحتِ،
ينحتُ في القصيدةِ
كان ليلُ غِلاله أرقَ الطريدةِ
ترتوي بنعاسِ يقظتها
إذا نَامتْ
ودَمعِة جِسمِه
إذا انْطرحتْ على زَنْديْه عاريةً
لِيغسلَها بِنُورٍ مِنْ شَذاهْ
كانت تُودعُه دُنَانا أَوْ تُودعنا دُنَاهْ
في رِحلةِ الأعضاء
تَهميْ عَبْرَتَانا، عَبْرَتَاهْ
هو مِنْ رأى رُؤيَا وأوجسَ أَنْ تَراهُ على مداها في مَداهْ
***
مَنْ ذا يَلوحُ على البعيدِ مِنَ البعيدِ معَ الشراعِ –إذا يُطأْطِئُ –كالشِّراعْ
أَمنارةٌ مهجورةٌ
في مرْفأٍ غافٍ
وشمسٌ رَنَّقتْ لأصيلها بِهديِلها
تُهدي لَملاَّحِ المغيبِ
شُعاعَةً لرحيلها
فيغيبُ في بحرٍ ليصطادَ الظلالَ
تَصيدُه حوريةٌ
في جسم معْنَاها
ارْتَدَتْ روحاً لمبناها
ويُغرقُها على قُربٍ من القُربى هَواهْ
مَنْ ذا يلوحُ للحبيبةِ في نُضار للشعاعِ –إذا تَوهجَ –كالشُّعاعْ
ويقتفيْ جسداً
يُجسِّدُ كونهَ في كِونها
مِنْ بُرعمِ الذكرى
ونيسانِ الحضورِ
أَمامَه
قمرٌ من الأطيافِ
يحبو
كالوليدِ
وراءَه
ظِلٌّ مِنَ المجذافِ
يهطلُ
بالنشيدِ
يضيعُ في وهمٍ توَهَّمَه فصدَّقَهُ فصادَقَهُ..... بَنَاهْ
***
هو شاعرٌ نهم الحواسِ أحسَّ بالأجراسِ تهمسُ همسَها في حِسِّه:
في ضفّتيْ جسمٍ مرَنَّحتينِ
خاصرتَيْنِ صامتَتيْنِ
ألقى للجريدةِ
حُزنه الجسديَّ
لهفة روحِه
للبوحِ في جسمٍ لأنثى من خيال الجوعِ تُزهرُ
فاجأتْه بعُريها العاري عَريّاً كالحقيقةِ
واستضاءتْ بالرَّغائبِ حُرةً وطليقةً
تنْضُو عن الأسرارِ أسرارَ الخليقةِ
أومأتْ بِنداء عينيها الجريء
دعتْ فَرِيضَةَ جِسْمِه لِغِوايَةِ التُّفاحِ، يا تفاحُ أنتَ السرُّ....
أذعنَ
للمصيرِ
المستطيرِ
وكَورَ الكفَّينِ في رُمَّانَتَيها
أطلقَ العُصفورَ من قفصِ الجنونِ، فجُنَّ
ناداتْه الفواكهُ وهي ناضجةٌ منضَّجَةٌ على أملٍ
فسّمَّى بالنبيذِ مُعتَّقاً
وعلى اسمه بكرومِ نَهديها استظلَّ وظلَّلَ الجسدَ المخضَّبَ بالعواصف
كان نخبُ صباحهِ
زقَّيْنِ مِنْ شهدٍ
وعاقَ في مساءٍ للعبورِ
رغيفَ
سُرِتَّها
حَبَا
لخميلةِ اللوزِ الظليلةِ
ثم قطَّفَ نغمةً من مشتهاهْ
في رفَّةٍ عصَرتْ رحيقَ جنونِه
وسَمَتْ به للأوجِ
طارَ
كأنما ولِدت قصيدةُ جِسمه
من وردةِ الشفَتينِ
عُتقَتا على شفتيْ إلهْ
وَدَنا إليه خريفُه ووجيفُه فانهارَ في صمتٍ وفي موتٍ رآه
***
والآن.. ماذا الآنَ؟... يلتمعُ الجليدُ على هجيرٍ في هجيرِ رماله ونصالِه من طعنةٍ
طعنتْ بلاداً
هتَّكتْ جرحاً
عباداً
أيها الوطنُ الذي يمتدُّ في ضيقٍ على ضيقٍ
دماءٍ في عروقٍ
عطَّلتْ دورانَها
سِنُة الذُّبولِ
وتمتماتٌ كالزّواحفِ للوصولِ
وهرولاتٌ تنحني لرضا ذليلٍ في قُبولٍ للقبولِ
مع المهازل
والسلاسلِ
لستَ من طينٍ ولكنْ أنت صخرٌ
فانتهضْ وانهض كما مَيتٍ يقومُ
وللدُّجى يعنو حزيناً في قيودٍ من نجيع الحزن تُظلمُ كالدَّياجي خطوتاهْ
***
أَهُوَ الضَّنى أَضناهُ من دَنَفِ المنيةِ في اشتياقٍ للرحيلِ
حفيفُ قافلةٍ من العتماتِ
ضرجَها بُكاءٌ كالصليلِ
سطوعُ مذبحةٍ تهبُّ على الأصيلِ
وعمره يفنى كقنديل المنافي في الفيافي
نَاوَشَتْهُ الريحُ
فاختلجتْ ذُبالَتُهُ
كما ضوءٍ يُغَرْغَرُ في هُتُونِ الفجرِ
جَفَّتْ قطرتاه
***
أتراهُ يصعدُ في مراق من مهاوٍ ثم يهبطُ في خفيضٍ من ذُرّاً
يعتلُّ من جَدْبٍ
ويَعفُوْ في الخصابِ
إذا رأى
وهو الذي يوماً رأى مالا يُرى فيما يَرى
ورأى الخيولَ كسيحةً
أتهيضُها فُرسَانُها؟
ورأى لقاحَ النطفةِ الخضراءِ مُنْحلاًّ
أتَلفِظُهُ دُجَى الأرحامِ؟
تلك قصيدةٌ عَزَفَتْ أنينَ اللحنِ في جسمٍ عليلِ الروحِ
صار الجسمُ صفصافاً
وغادر نبعةً للسنديانِ
وشارفَ الملكوتُ يملك مُلكَهُ
فحنتْ عليه في غياهب غيبهِ
وسورٌ من الرحمنِ
تحضُنُه
فيتلوها
وهلَّتْ في شتاءاتِ الوداعِ
سحابةٌ من أصدقاء الحرفِ
تُمطرهُ بحبٍ يانعِ الثمراتِ
هَلَّتْ مَقْلَتاهْ
ورأى المنايا عابرات برزَخَ الأحياءِ في حمَّى من الأشلاءِ
حُشِرجَ في مضيقٍ
من شهيقٍ
أمعنَ الإسراءَ في المعراجِ
كان بُراقهُ
لَمْعَ السرابِ
على بريقِ السيفِ هزَّ جذوعه،
وأتتْهُ في رؤياه أمٌّ كالسنابلِ
طمأْْنَتْه:
-"بُنيَّ
لا تجزعْ
وصابرْ، واصبرنَّ
تعودُ للريحان
في بيت تُعطَرِّه أميرتُه البهيةُ بابتسامتها الوديعةِ
نخلتاهْ
ووحيدُه، ووحيدنُا الغالي غلا بفتونه وشبابهِ
لا تيأسنَّ"
من الفناءِ رَقتْ إليه وحصنته بسبحةٍ من وِرْدِها ووُرودِها
ردَّت لغرغرةِ الظلامِ
على الأُوامِ
حشاشةَ المصباحِ
أوقدها نشيجٌ أو زفيرٌ منْ بُكاهْ
واستحضرتْ (ملاَّجةُ) الأسمارِ شاعرها يَنثُّ كما الرمادِ يّنثُّ في حطبِ الشتاءِ
سعتْ إليه
لهوفةً وعطوفةً
ونديةً وشذيةً
تستقبلُ الغادي مُعافى من عَويلِ العصفِ
يعصفُ كالزوابعِ
في بحار منْ متاهٍ ضلَّ في تيهِ المتاهْ
وتصبُّ في كفيه زَيتاً
يُعْشِبُ الزيتون في شفَتَيْه
يخفقُ بالمسرةِ سرُّه الجسديُّ
ينهضُ من رمادٍ في وهادٍ جَانحَاهْ
***
هو من رأى موجاً على موجِ المرايا نخلةَ امرأةٍ
تُحممُ
في الصحارى
مُهرةً
سمراءَ
تصهل في جحيمٍ من شرار في احتضارٍ
أشرعتْ جسداً كما الظُّلَّماتِ
يسطعُ
في نحيبِ البيدِ
وهي جميلةٌ حبلى مطهمَّةً
تُسمِّيها القبيلةُ
آيةَ الميقاتِ في العَثَراتِ
جَوَّدَها كقرآنٍ على مِسْك وبانٍ
عاشقٌ كهلٌ
وكانت بانتظار بُزُوْغِه
هتفتْ له: -يا كهلُ.. يا روضَ البنفسجِ
يا رهيفُ ويا أليفُ
ويا شغوفُ ويا عطوفُ
ويا وصيُّ على الوصيةِ
إنني أهواكَ
ساعدني وسددْ لي سُرايَ إلى سُراكَ
ولُفَّنِيْ بغيابكَ الجسديِّ
عانقني على ملأٍ بلا خجلٍ
وخُذنْي أخذَ مقْتَدرٍ قديرٍ
في يمنيكَ أو يسارك، من جنوبك أو شمالك،
بَيْنَ.. بَيْنَ
وضُمَّني لحضورك الروحي
واحرثْ في الخضابِ من الترابِ
حراثَةَ المشتاقِ غُيِّبَ في ضميرٍ للغيابِ
مَخَاضي القاصي قريبٌ يا حبيبي
وارتفِقْ بسريرتي
قمحاً سأُخصِبُ
فاغْتَرفْه بساعِدَيكَ السّابَغْينِ الساهِرَيْنِ
وقمْ إليَّ
معاً سنَنْثره على موتِ الحياهْ
وكانَ في وَسَنٍ يُطاوعه فقامَ وقامَ من ديجورِ غفوته سناه
ورأى الحديقةَ
نوَّرَتْ بالنورِ
أبيضَ كالَّلآلئ
صافياً كالطَّلِّ
أدلجَ في ندى زهرٍ تَأَمَّلهُ، تعشَّقَهُ، جَناهْ
***
هو شاعرُ الأحزانِ تُنجبُ نَسَلها العربيَّ أنضجه النهارُ
وشعَّ في ليلٍ كما رمحٍ
وعادَ لوعده
رشأً يُريشُ حنَانَه من زنبق القُبلاتِ
يرفُلُ في مروجٍ سابحاتٍ عاطراتٍ
هائماتٍ عاشقاتٍ
مِنْ جَنى حَلْىٍ حَلاهْ
وسَهتْ على يدِهِ القصائدُ والوسائدُ في حريرِ النومِ
أيقظتِ القصيدة أمُّها
أمٌّ لعائلةِ القصائدِ
أمرعتْ سُحباً تُباركها الجباه
وراح ينبوعٌ من الأنساغِ يصدحُ بالنشورِ مع البكورِ
يدورُ في ثدي الفطورِ
فتلتقي بحليبهِ الوطني أفواهٌ
وترضعُ من مَلاَوتِه
على نهم السرورِ
وفيضهِ
لهواتُ أطفالٍ جياعٍ
أسرفتْ في مصحفِ السَّجْداتِ ترتيلاً
وصلَّتْ للسُّحورِ
وقَبلَّتْ إنجيلَ جلْجُلَةٍ
لترقى ذروةً في مرتقاهْ
وطنُ القصيدةِ أنتَ يا عطشانُ رَوِّيها بأشعارٍ مقطرةٍ مُطيبةٍ
كوبل من ضحى الأزهار ينضحُ بالعبير
يَدُوفَه عسلٌ مُصفَّى
دَافهُ عَسَلُ الشِّفاهْ
وأقراْ قصيدةَ شمعةًٍ
ذابتْ على جسدٍ
تُطوِّحه هواجسُ من وساوس زمهريرٍ
قمطريرٍ
للمصير
المستجيرِ
مُوَلَّعٍ بهديلِ مبكاةٍ
لمرثاةٍ
فيا ناراً على ثلجٍ
تنادفَ رفَّ قُبرةٍ
تُسَفسفُ
ثم تهوي في غدير الدمعِ
ظامئةً إلى رحبٍ فسيحٍ
راعشٍ بالنور أو بالماء
ينبع من مجاهلَ في فلاهْ
كُونْي سلاماً من سلامِ الجسم ينزلُ كالملاكِ على سديمِ الروحِ
يعلو في بُروجٍ من شواهقَ أِتْأَمَتْ فيها عُلاها أو علاه
***
كانت تُصافحنا يداهْ
في وردةِ اللقيا
وتطفر من نسيمٍ للسعادةِ
في ترانيم الولادةِ
شهقتاهُ ودمعتاهُ
***
هو ذا ينوء بفرحةِ الجسدِ الصَّبُوْحِ
طعامُهُ من نرجس الرؤيا
على صبح الموائد
مدَّها سمرٌ صباحيٌّ
وواكبه شرابٌ من عصير البوح،
باحَتْه الجنائنُ أورقتْ خبزاً وتمراً
من حقول الزعتر الطفليِّ
تعبقُ ريحهُ ريانةً ريا
تناجي عندليب غبارِ طلعٍ
هبَّ من أفق النباتِ
على رشيمٍ من حدائقَ
أفرغتْ في مُنتهاها نطفةً نشوانةً نشوى تُكلمُ منتهاهْ
متوشحاً بوشاح نُعمى من كواكب فاغماتٍ بالضياء تضيءُ
في رئتين خضراوينِ
خاصرتينِ ناطقتين واضحتينِ
يدرجُ في المساِ مُنَغَّماً بهزارِ أغنيةٍ من السهر المطير
تفيضُ بالسرِّ السريرِ
وتزدهي بُحدَاء قافيةٍ
فيحدوها
ويُطلقُها نعيمٌ من نعائمَ أزهرتْ كهتافِ حنجرةٍ
وَرَنَّتْ في فضاء مُطلق
من غابةٍ عشقتْ فضاهْ
***
مازال لي نثرٌ على نثرِ الكلامِ
له قصائدُهُ كما سجعِ الحمامِ
ولي هوادجُ نائياتٌ دانياتٌ
ساهراتٌ نائماتٌ
حُمِّلَتْ بنساءِ مملكةٍ من الأحلامِ
شادتني على صرحٍ صريحٍ راعفٍ من عسجد الأوهامِ
شَيَّدَ لهوي اللغويُّ مقصوراتها الوسنى
بألفاظٍ حزيناتٍ غريباتٍ
شريداتٍ وحيداتٍ
ترنح ظلها كالخمرِ
لي وطنٌ أُضَمِّدُ جُرْحه بالحبِّ ينبض في خلايا من شراييني
وأعبده ويغمرُني بآلاءٍ من الشَّمَمِ الجموحِ
ينيرُ مرحلتي
أشاهدُ فيه شاهدةَ العصورِ
وأبجديتها الشهيدةَ
أصطفي لخضابه المرويِّ من أرَجِ الشهادةِ
هودجَ الأعراسِ زُفتْ للزواج الملحميِّ
وأنسلتْ بنطافها الأرضي ولداناً يزكيها الربيعُ
وتنتشي برذاذه المطريِّ فواحاً على جسدٍ
يُكللِّه من التيجان تاجٌ من نداهْ
ولكَ القصيدةُ موطناً، وطناً تهدَّجَ بالمحبةِ
في يقين حبيبة كقصيدةٍ توَّجَتْها بالتبرِ،
أنتَ شُعاعها الذهبيُّ،
تَوَّجَها بعزْفٍ أو بنزفٍ
أو بسطر أو بحبرٍ
من دماءٍ في دماهْ
ممدوح السكاف
كانت تُعانِقهُ رُؤَانا في هَواهُ أو تُعَانِقُنا رُؤَاهُ على هَوَاهْ
ويحتفي شِعرٌ بمقدَمِ شِعْرِهِ
كانت تُسبِّحُ في سماهْ
لُغةٌ تَشِفُّ
كما تَشِفُّ الأرضُ عن ماءٍ
تَهيَّأ في سَلاسِتَه، لَدَانتِه، طواعيةً، شفافيةً لإبريقِ الصلاهْ
مُتيمِّماً بترابٍ ذاكرةٍ الطفولةِ
أَثمرتْ وَجَعَاً جَنيَّاً عبقَريَّ النحتِ،
ينحتُ في القصيدةِ
كان ليلُ غِلاله أرقَ الطريدةِ
ترتوي بنعاسِ يقظتها
إذا نَامتْ
ودَمعِة جِسمِه
إذا انْطرحتْ على زَنْديْه عاريةً
لِيغسلَها بِنُورٍ مِنْ شَذاهْ
كانت تُودعُه دُنَانا أَوْ تُودعنا دُنَاهْ
في رِحلةِ الأعضاء
تَهميْ عَبْرَتَانا، عَبْرَتَاهْ
هو مِنْ رأى رُؤيَا وأوجسَ أَنْ تَراهُ على مداها في مَداهْ
***
مَنْ ذا يَلوحُ على البعيدِ مِنَ البعيدِ معَ الشراعِ –إذا يُطأْطِئُ –كالشِّراعْ
أَمنارةٌ مهجورةٌ
في مرْفأٍ غافٍ
وشمسٌ رَنَّقتْ لأصيلها بِهديِلها
تُهدي لَملاَّحِ المغيبِ
شُعاعَةً لرحيلها
فيغيبُ في بحرٍ ليصطادَ الظلالَ
تَصيدُه حوريةٌ
في جسم معْنَاها
ارْتَدَتْ روحاً لمبناها
ويُغرقُها على قُربٍ من القُربى هَواهْ
مَنْ ذا يلوحُ للحبيبةِ في نُضار للشعاعِ –إذا تَوهجَ –كالشُّعاعْ
ويقتفيْ جسداً
يُجسِّدُ كونهَ في كِونها
مِنْ بُرعمِ الذكرى
ونيسانِ الحضورِ
أَمامَه
قمرٌ من الأطيافِ
يحبو
كالوليدِ
وراءَه
ظِلٌّ مِنَ المجذافِ
يهطلُ
بالنشيدِ
يضيعُ في وهمٍ توَهَّمَه فصدَّقَهُ فصادَقَهُ..... بَنَاهْ
***
هو شاعرٌ نهم الحواسِ أحسَّ بالأجراسِ تهمسُ همسَها في حِسِّه:
في ضفّتيْ جسمٍ مرَنَّحتينِ
خاصرتَيْنِ صامتَتيْنِ
ألقى للجريدةِ
حُزنه الجسديَّ
لهفة روحِه
للبوحِ في جسمٍ لأنثى من خيال الجوعِ تُزهرُ
فاجأتْه بعُريها العاري عَريّاً كالحقيقةِ
واستضاءتْ بالرَّغائبِ حُرةً وطليقةً
تنْضُو عن الأسرارِ أسرارَ الخليقةِ
أومأتْ بِنداء عينيها الجريء
دعتْ فَرِيضَةَ جِسْمِه لِغِوايَةِ التُّفاحِ، يا تفاحُ أنتَ السرُّ....
أذعنَ
للمصيرِ
المستطيرِ
وكَورَ الكفَّينِ في رُمَّانَتَيها
أطلقَ العُصفورَ من قفصِ الجنونِ، فجُنَّ
ناداتْه الفواكهُ وهي ناضجةٌ منضَّجَةٌ على أملٍ
فسّمَّى بالنبيذِ مُعتَّقاً
وعلى اسمه بكرومِ نَهديها استظلَّ وظلَّلَ الجسدَ المخضَّبَ بالعواصف
كان نخبُ صباحهِ
زقَّيْنِ مِنْ شهدٍ
وعاقَ في مساءٍ للعبورِ
رغيفَ
سُرِتَّها
حَبَا
لخميلةِ اللوزِ الظليلةِ
ثم قطَّفَ نغمةً من مشتهاهْ
في رفَّةٍ عصَرتْ رحيقَ جنونِه
وسَمَتْ به للأوجِ
طارَ
كأنما ولِدت قصيدةُ جِسمه
من وردةِ الشفَتينِ
عُتقَتا على شفتيْ إلهْ
وَدَنا إليه خريفُه ووجيفُه فانهارَ في صمتٍ وفي موتٍ رآه
***
والآن.. ماذا الآنَ؟... يلتمعُ الجليدُ على هجيرٍ في هجيرِ رماله ونصالِه من طعنةٍ
طعنتْ بلاداً
هتَّكتْ جرحاً
عباداً
أيها الوطنُ الذي يمتدُّ في ضيقٍ على ضيقٍ
دماءٍ في عروقٍ
عطَّلتْ دورانَها
سِنُة الذُّبولِ
وتمتماتٌ كالزّواحفِ للوصولِ
وهرولاتٌ تنحني لرضا ذليلٍ في قُبولٍ للقبولِ
مع المهازل
والسلاسلِ
لستَ من طينٍ ولكنْ أنت صخرٌ
فانتهضْ وانهض كما مَيتٍ يقومُ
وللدُّجى يعنو حزيناً في قيودٍ من نجيع الحزن تُظلمُ كالدَّياجي خطوتاهْ
***
أَهُوَ الضَّنى أَضناهُ من دَنَفِ المنيةِ في اشتياقٍ للرحيلِ
حفيفُ قافلةٍ من العتماتِ
ضرجَها بُكاءٌ كالصليلِ
سطوعُ مذبحةٍ تهبُّ على الأصيلِ
وعمره يفنى كقنديل المنافي في الفيافي
نَاوَشَتْهُ الريحُ
فاختلجتْ ذُبالَتُهُ
كما ضوءٍ يُغَرْغَرُ في هُتُونِ الفجرِ
جَفَّتْ قطرتاه
***
أتراهُ يصعدُ في مراق من مهاوٍ ثم يهبطُ في خفيضٍ من ذُرّاً
يعتلُّ من جَدْبٍ
ويَعفُوْ في الخصابِ
إذا رأى
وهو الذي يوماً رأى مالا يُرى فيما يَرى
ورأى الخيولَ كسيحةً
أتهيضُها فُرسَانُها؟
ورأى لقاحَ النطفةِ الخضراءِ مُنْحلاًّ
أتَلفِظُهُ دُجَى الأرحامِ؟
تلك قصيدةٌ عَزَفَتْ أنينَ اللحنِ في جسمٍ عليلِ الروحِ
صار الجسمُ صفصافاً
وغادر نبعةً للسنديانِ
وشارفَ الملكوتُ يملك مُلكَهُ
فحنتْ عليه في غياهب غيبهِ
وسورٌ من الرحمنِ
تحضُنُه
فيتلوها
وهلَّتْ في شتاءاتِ الوداعِ
سحابةٌ من أصدقاء الحرفِ
تُمطرهُ بحبٍ يانعِ الثمراتِ
هَلَّتْ مَقْلَتاهْ
ورأى المنايا عابرات برزَخَ الأحياءِ في حمَّى من الأشلاءِ
حُشِرجَ في مضيقٍ
من شهيقٍ
أمعنَ الإسراءَ في المعراجِ
كان بُراقهُ
لَمْعَ السرابِ
على بريقِ السيفِ هزَّ جذوعه،
وأتتْهُ في رؤياه أمٌّ كالسنابلِ
طمأْْنَتْه:
-"بُنيَّ
لا تجزعْ
وصابرْ، واصبرنَّ
تعودُ للريحان
في بيت تُعطَرِّه أميرتُه البهيةُ بابتسامتها الوديعةِ
نخلتاهْ
ووحيدُه، ووحيدنُا الغالي غلا بفتونه وشبابهِ
لا تيأسنَّ"
من الفناءِ رَقتْ إليه وحصنته بسبحةٍ من وِرْدِها ووُرودِها
ردَّت لغرغرةِ الظلامِ
على الأُوامِ
حشاشةَ المصباحِ
أوقدها نشيجٌ أو زفيرٌ منْ بُكاهْ
واستحضرتْ (ملاَّجةُ) الأسمارِ شاعرها يَنثُّ كما الرمادِ يّنثُّ في حطبِ الشتاءِ
سعتْ إليه
لهوفةً وعطوفةً
ونديةً وشذيةً
تستقبلُ الغادي مُعافى من عَويلِ العصفِ
يعصفُ كالزوابعِ
في بحار منْ متاهٍ ضلَّ في تيهِ المتاهْ
وتصبُّ في كفيه زَيتاً
يُعْشِبُ الزيتون في شفَتَيْه
يخفقُ بالمسرةِ سرُّه الجسديُّ
ينهضُ من رمادٍ في وهادٍ جَانحَاهْ
***
هو من رأى موجاً على موجِ المرايا نخلةَ امرأةٍ
تُحممُ
في الصحارى
مُهرةً
سمراءَ
تصهل في جحيمٍ من شرار في احتضارٍ
أشرعتْ جسداً كما الظُّلَّماتِ
يسطعُ
في نحيبِ البيدِ
وهي جميلةٌ حبلى مطهمَّةً
تُسمِّيها القبيلةُ
آيةَ الميقاتِ في العَثَراتِ
جَوَّدَها كقرآنٍ على مِسْك وبانٍ
عاشقٌ كهلٌ
وكانت بانتظار بُزُوْغِه
هتفتْ له: -يا كهلُ.. يا روضَ البنفسجِ
يا رهيفُ ويا أليفُ
ويا شغوفُ ويا عطوفُ
ويا وصيُّ على الوصيةِ
إنني أهواكَ
ساعدني وسددْ لي سُرايَ إلى سُراكَ
ولُفَّنِيْ بغيابكَ الجسديِّ
عانقني على ملأٍ بلا خجلٍ
وخُذنْي أخذَ مقْتَدرٍ قديرٍ
في يمنيكَ أو يسارك، من جنوبك أو شمالك،
بَيْنَ.. بَيْنَ
وضُمَّني لحضورك الروحي
واحرثْ في الخضابِ من الترابِ
حراثَةَ المشتاقِ غُيِّبَ في ضميرٍ للغيابِ
مَخَاضي القاصي قريبٌ يا حبيبي
وارتفِقْ بسريرتي
قمحاً سأُخصِبُ
فاغْتَرفْه بساعِدَيكَ السّابَغْينِ الساهِرَيْنِ
وقمْ إليَّ
معاً سنَنْثره على موتِ الحياهْ
وكانَ في وَسَنٍ يُطاوعه فقامَ وقامَ من ديجورِ غفوته سناه
ورأى الحديقةَ
نوَّرَتْ بالنورِ
أبيضَ كالَّلآلئ
صافياً كالطَّلِّ
أدلجَ في ندى زهرٍ تَأَمَّلهُ، تعشَّقَهُ، جَناهْ
***
هو شاعرُ الأحزانِ تُنجبُ نَسَلها العربيَّ أنضجه النهارُ
وشعَّ في ليلٍ كما رمحٍ
وعادَ لوعده
رشأً يُريشُ حنَانَه من زنبق القُبلاتِ
يرفُلُ في مروجٍ سابحاتٍ عاطراتٍ
هائماتٍ عاشقاتٍ
مِنْ جَنى حَلْىٍ حَلاهْ
وسَهتْ على يدِهِ القصائدُ والوسائدُ في حريرِ النومِ
أيقظتِ القصيدة أمُّها
أمٌّ لعائلةِ القصائدِ
أمرعتْ سُحباً تُباركها الجباه
وراح ينبوعٌ من الأنساغِ يصدحُ بالنشورِ مع البكورِ
يدورُ في ثدي الفطورِ
فتلتقي بحليبهِ الوطني أفواهٌ
وترضعُ من مَلاَوتِه
على نهم السرورِ
وفيضهِ
لهواتُ أطفالٍ جياعٍ
أسرفتْ في مصحفِ السَّجْداتِ ترتيلاً
وصلَّتْ للسُّحورِ
وقَبلَّتْ إنجيلَ جلْجُلَةٍ
لترقى ذروةً في مرتقاهْ
وطنُ القصيدةِ أنتَ يا عطشانُ رَوِّيها بأشعارٍ مقطرةٍ مُطيبةٍ
كوبل من ضحى الأزهار ينضحُ بالعبير
يَدُوفَه عسلٌ مُصفَّى
دَافهُ عَسَلُ الشِّفاهْ
وأقراْ قصيدةَ شمعةًٍ
ذابتْ على جسدٍ
تُطوِّحه هواجسُ من وساوس زمهريرٍ
قمطريرٍ
للمصير
المستجيرِ
مُوَلَّعٍ بهديلِ مبكاةٍ
لمرثاةٍ
فيا ناراً على ثلجٍ
تنادفَ رفَّ قُبرةٍ
تُسَفسفُ
ثم تهوي في غدير الدمعِ
ظامئةً إلى رحبٍ فسيحٍ
راعشٍ بالنور أو بالماء
ينبع من مجاهلَ في فلاهْ
كُونْي سلاماً من سلامِ الجسم ينزلُ كالملاكِ على سديمِ الروحِ
يعلو في بُروجٍ من شواهقَ أِتْأَمَتْ فيها عُلاها أو علاه
***
كانت تُصافحنا يداهْ
في وردةِ اللقيا
وتطفر من نسيمٍ للسعادةِ
في ترانيم الولادةِ
شهقتاهُ ودمعتاهُ
***
هو ذا ينوء بفرحةِ الجسدِ الصَّبُوْحِ
طعامُهُ من نرجس الرؤيا
على صبح الموائد
مدَّها سمرٌ صباحيٌّ
وواكبه شرابٌ من عصير البوح،
باحَتْه الجنائنُ أورقتْ خبزاً وتمراً
من حقول الزعتر الطفليِّ
تعبقُ ريحهُ ريانةً ريا
تناجي عندليب غبارِ طلعٍ
هبَّ من أفق النباتِ
على رشيمٍ من حدائقَ
أفرغتْ في مُنتهاها نطفةً نشوانةً نشوى تُكلمُ منتهاهْ
متوشحاً بوشاح نُعمى من كواكب فاغماتٍ بالضياء تضيءُ
في رئتين خضراوينِ
خاصرتينِ ناطقتين واضحتينِ
يدرجُ في المساِ مُنَغَّماً بهزارِ أغنيةٍ من السهر المطير
تفيضُ بالسرِّ السريرِ
وتزدهي بُحدَاء قافيةٍ
فيحدوها
ويُطلقُها نعيمٌ من نعائمَ أزهرتْ كهتافِ حنجرةٍ
وَرَنَّتْ في فضاء مُطلق
من غابةٍ عشقتْ فضاهْ
***
مازال لي نثرٌ على نثرِ الكلامِ
له قصائدُهُ كما سجعِ الحمامِ
ولي هوادجُ نائياتٌ دانياتٌ
ساهراتٌ نائماتٌ
حُمِّلَتْ بنساءِ مملكةٍ من الأحلامِ
شادتني على صرحٍ صريحٍ راعفٍ من عسجد الأوهامِ
شَيَّدَ لهوي اللغويُّ مقصوراتها الوسنى
بألفاظٍ حزيناتٍ غريباتٍ
شريداتٍ وحيداتٍ
ترنح ظلها كالخمرِ
لي وطنٌ أُضَمِّدُ جُرْحه بالحبِّ ينبض في خلايا من شراييني
وأعبده ويغمرُني بآلاءٍ من الشَّمَمِ الجموحِ
ينيرُ مرحلتي
أشاهدُ فيه شاهدةَ العصورِ
وأبجديتها الشهيدةَ
أصطفي لخضابه المرويِّ من أرَجِ الشهادةِ
هودجَ الأعراسِ زُفتْ للزواج الملحميِّ
وأنسلتْ بنطافها الأرضي ولداناً يزكيها الربيعُ
وتنتشي برذاذه المطريِّ فواحاً على جسدٍ
يُكللِّه من التيجان تاجٌ من نداهْ
ولكَ القصيدةُ موطناً، وطناً تهدَّجَ بالمحبةِ
في يقين حبيبة كقصيدةٍ توَّجَتْها بالتبرِ،
أنتَ شُعاعها الذهبيُّ،
تَوَّجَها بعزْفٍ أو بنزفٍ
أو بسطر أو بحبرٍ
من دماءٍ في دماهْ
ممدوح السكاف