دارين أحمد - في منتصف كلِّ ليلة...

في منتصف كلِّ ليلة...

أتراشق مع احتضاراتٍ كثيرة لأشياء عبرتْ في اليوم الفائت. واليوم، في تعبيراتنا، هو الوقت المتاح لتراكُمات أكثر وأكثر. لا يهم الآن ما نُراكِم. ما يهم هو أن اليوم قد اختُصِر بمحض معجزة حضارية إلى اختراع!

عددتُ طَرَقاتِ الحذاء على وجه الرصيف

أربعمائة طرقة

وخمسة عشر

ينبوعًا من الخَدَر

وكأنني أسري في أسري

هكذا هي الضحكة الملعونة

ترسم ما شاءت من الأشكال على ملامح الغير

وتهدم ما بَنَتْ على ساعديَّ النجومُ

من أعشاش صغيرة

لشِعْرٍ في هشاشة عصفور صغير

زَغَبٍ للكلام يُنبِّتُه العاشقُ المحمومُ

في صدري

وما تعبتُ من الشِّعر ولكنْ

تعبتْ طفولةُ الحبِّ من ضجري


في منتصف كلِّ ليلة...

يتراءى لي أن للَّحظاتِ قضبانًا سكريةَ الطَّعْم، هائجةَ الحضور. وأقرأ على فراغ السقف أو في قشور المكسَّرات موتًا مجانيًّا يتزيَّا بحنين الأجنحة إلى ولادة عذرية من برعم فرح طائش!

يتبدل الرملُ على شواطئ المُنتظرْ

تتبدل خطوطُ الكفِّ

ويكف حزني عن النواحْ

حين أُتبِعُه

بقطرة صفراءَ من صُلْبٍ

يُحتضَرْ

بنجمةٍ رحلت عند الصباحْ

تفتش في خفايا الموت علَّها تدري

إذا ما مات العاشقُ المحمومُ

وماتت نجمتُه البعيدة

أيبقى على حاله

تنفُّسُ البحر؟!


في منتصف كلِّ ليلة...

تتراكب الذاكرةُ كلغز مستحيل الحل. إذا شئنا أن نكون صادقين، وإذا كانت التفاصيلُ الصغيرة – التي بلا معنى! – تعني الكثير دون أن ننتبه!

أيها اللحظة المباحة كسمكة على المائدة

أزيحي من يديَّ ليونةَ التَّمَفْصُل

قبل أن تبرع السكينُ فيهما

وتلتهمني الطقوسُ

أيتها الثقيلةُ حتى إنني لا أعرف كيف أمشي

أمامكِ

والخفيفةُ حتى يستطيع قلبي وِسْعَ أبنائك كلِّهم

أريد لبراعتي أن تكون وهمًا

ولوجهي أن يكون قناعًا

أحتاجكِ طاهرةً بكثرة

كحبٍّ بلا إضافات

أمنحه ما لديَّ

وما لدي ليس لحنًا منمقًا كأغنية حماسية

وليس كرةً سحريةً مشحونةً بمستقبل يبكي

وليس تافهةً تجلس على كرسي مقهى وحول فتاتِها فُتاتْ

لدي خلاصات أبدِّدها

وبؤسٌ يعشِّش في ضحكة تمرُّ دون أثر

على شرايين عنقي البعيدة الغور

عن لحم تماهى بأشكال شفاه لا تنتهي

فكم أحتاجكِ الآن كي أذبل

كوردة بلا أمير صغير

يسكن بين الشوك والعطرِ


في منتصف كلِّ ليلة...

يكون الحب أملسَ كطفل، وأكون مجعدةَ الازدحام كمقبرة كل أمواتها يثرثرون!

كل ما حولي محالٌ

أن أقوله بعضًا

وها أنا

قد قلتُ أشياء كثيرة لكني نسيتُ

طَعْمَ الملح في فمي

ونسيتُ

ضبابَ قلبي في زرقةٍ ترمي على ساحل الشريان نورسَها

وترميني

في بيتٍ لعِرْيِكِ فيه انكسارْ

أيتها اللحظة

قام النهارُ

مات النهارْ

يستنفد عقلي ملامحَه

وأسقط في موت الجسد

للجنون والموت لغةٌ واحدة

لا يعرفها كائنٌ حي وعاقل مثلي

فهل تركتِ على ضفتي اليسرى فراغًا

أثور لأجله

منك

فتعتذرين؟!


في منتصف كلِّ ليلة...

تتفتَّح حكاياتٌ جديدة لمسارات مناسبة يكون فيها الألمُ هو الوجه الأجمل للحب، ويكون فيها العبورُ من موت إلى موت هو الوجه الأوحد للشِّعر، ويكون الشِّعرُ هو الحقيقة الأكمل للحب، والحبُّ هو الصورة الأولى للشعر، ويكون الألم–الحب–الشعر هو الظلُّ الذي لا أطراف له لكائن بشري صغير بأربعة أطراف!

رأيتُ محوي لنفسي بنفسي

كي يمرَّ الحب

كشمطاءَ لعينة

أعبد كلَّ ما فيها

ورأيتُ كم سأُقال على الشفاه:

عابرةٌ شهقتْ أمانيَها وماتت في السؤال!

وكم سيُمَّحى عن شفاهي

أني ارتجفتُ

وحلمتُ

بأشياء صغيرة

صغيرة

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى