طقم الاسنان
وأنا أغادر البناية التي أسكن إحدى شققها، التقيتُ بالسيدة التي تنظف الدرج ومدخل البناية، فألقيتُ السلام عليها بالفرنسية، لأنها لا تعرف العربية ولا التركية، وقلتُ: بونجور مدام. انتصبت المرأة وكأن سحرا أسود مسها، وقرأتُ عشرات إشارات الاستفهام والتعجب في عينيها وعلى وجهها.
ولما كنت من الاشخاص الخجولين من النساء والجمال، لم أسمح لنفسي بالتدقيق في ملامحها، خوفا من إتهامي بالتحرش الجنسي والعنصرية، فالمرأة جميلة جدا وسوداء جدا، وأنا أخاف السواد وأشتهيه، لذلك تابعتُ طريقي، محاولا فك اللغز الذي ارتسم على وجه المرأة بعد ان سلمتُ عليها.
بعد أن أصبحتُ في الشارع، وخرجت من دائرة سطوة الأسود عليّ ، رأيتُ نفس علامات التعجب والاستفهام على وجه الحلاق الذي أزوره مرة في الشهر، بعد ان قلت له بالتركي: مارابا، يعني مرحبا بالعربي، وعاد السؤال بقوة هذه المرة إلى ذهني: ماذا أصاب الناس هذا اليوم؟ هل صعقهم جمالي ووسامتي وأناقتي، أم أنه شبابي المتوثب الذي يكاد يخرج من ثيابي! شعرت أن اللعاب قد تجمع في فمي وأكاد أن اختنق به، وشعرتُ بنوبة سعال تهجم عليّ، فوضعت يدي على فمي لأمنع آثارها من الخروج، وفجأت اكتشفت سر دهشة المرأة السوداء واستغراب الحلاق: لقد نسيت وضع فك أسناني الاصطناعية قبل أن أغادر المنزل، لذلك كانت مغارة فمي المظلمة تظهر عندما أتكلم.!!!!!..
البوط
هجم الخريف هذا العام باكرا، وأنا ما زلت في اسطنبول، وبدأت السماء تهددنا بمطرها، ولم أكن مستعدا له. منذ عدة أيام، استغليت وجودي في اسطنبول الآسوية، فاشتريت بوطا شتويا وانتعلته فورا، ووضعت الآخر في محفظة الظهر، التي لاتفارق ظهري نهارا، واحملها دائما، ففيها الكاميرا، ودفتر، والايباد، وبعض الأوراق الأخرى. أمضيت نهاري كله أشكو ثقل المحفظة. في اليوم الثاني خرجت صباحا من الشقة لرؤية أصدقاء، وتذكرت وأنا في الطريق أن الحذاء القديم الثقيل ما زال في المحفظة، ولكنني تابعت عملي اليومي. في اليوم الثالث لم أتذكر الحذاء، ولم أشعر بثقل المحفظة، ولكنني في المساء كنت بحاجة له، لأنني لبست بنطالا رسميا، وهذا لا يليق على البوط الشتوي، فتذكرت أنه في محفظة الظهر. انتعلته وبي حنين إلى حمله، فقد اعتدت عليه قاعدا فوق أكتافي، رغم عدم ظهوره.
أولاد ضيعتي
كنت أظن أن أولاد ضيعتي متخلفون، واذ بهم مثل غيرهم. فقد كانوا قبل ستين عاما، عندما ينشب بينهم خلاف لأي سبب بسيط أم كبير، كانوا ينسون تعاليم دينهم السمحة، وأفكارهم المستحدثة في السياسة والاجتماع، وزيجاتهم من بنات العائلات الأخرى، التي لا تربطهم بهم رابطة الدم والنسب. وكانوا أول ما يتناسونه هو "الخبز والملح" الذي كان قاسمهم المشترك في ليالي الجوع والبرد. كان أولاد ضيعتي، ببساطة، يطلقون زوجاتهم الغريبات، ويعودون سريعا إلى "حضن العائلة" مع أول كف على خد أحدهم، أو ضربة عصا، أو رمية "عقال" على الارض.
كنت ببساطة، قبل الثورة، أظن أن اولاد ضيعتي، مختلفون بتخلفهم، وإذ بهم، بعد ست سنوات من الثورة، يشبهون كل سكان سوريا….
القانون
حدث اليوم في مونتريال، أن إحدى السيدات كانت واقفة على الاشارة الحمراء، رغم عدم وجود حركة سير، فجأة جاءت سيارة وتجاوزت الإشارة الضوئية وهي حمراء، فأخرجت بسرعة قلما وسجلت نمرة السيارة على يدها، ثم دخلت مخزني وطلبت هاتفا، فأعطيتها هاتف المحل. اتصلت بالشرطة، وشرحت لهم الحالة، وأعطتهم نمرة السيارة المخالفة، واسمها هي، وعنوانها.
قلت لها بعد أن أنهت مكالمتها: ولكن ماذا ستستفيدين أنت من هذا التبليغ؟
قالت مستهجنة: أستفيد أن القانون يجب أن يطبق، حرصا على حياة الجميع، وأولهم حياة السائق الذي ارتكب المخالفة.
نظرتْ الى بعد سؤالي وقالت: من أي بلد انت مهاجر؟ قلت لها: من سوريا. هزت رأسها وقالت: ألا تعتقد أن عدم إحترام القانون هو ما أوصل السوريين الى هذه الحالة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
وأنا أغادر البناية التي أسكن إحدى شققها، التقيتُ بالسيدة التي تنظف الدرج ومدخل البناية، فألقيتُ السلام عليها بالفرنسية، لأنها لا تعرف العربية ولا التركية، وقلتُ: بونجور مدام. انتصبت المرأة وكأن سحرا أسود مسها، وقرأتُ عشرات إشارات الاستفهام والتعجب في عينيها وعلى وجهها.
ولما كنت من الاشخاص الخجولين من النساء والجمال، لم أسمح لنفسي بالتدقيق في ملامحها، خوفا من إتهامي بالتحرش الجنسي والعنصرية، فالمرأة جميلة جدا وسوداء جدا، وأنا أخاف السواد وأشتهيه، لذلك تابعتُ طريقي، محاولا فك اللغز الذي ارتسم على وجه المرأة بعد ان سلمتُ عليها.
بعد أن أصبحتُ في الشارع، وخرجت من دائرة سطوة الأسود عليّ ، رأيتُ نفس علامات التعجب والاستفهام على وجه الحلاق الذي أزوره مرة في الشهر، بعد ان قلت له بالتركي: مارابا، يعني مرحبا بالعربي، وعاد السؤال بقوة هذه المرة إلى ذهني: ماذا أصاب الناس هذا اليوم؟ هل صعقهم جمالي ووسامتي وأناقتي، أم أنه شبابي المتوثب الذي يكاد يخرج من ثيابي! شعرت أن اللعاب قد تجمع في فمي وأكاد أن اختنق به، وشعرتُ بنوبة سعال تهجم عليّ، فوضعت يدي على فمي لأمنع آثارها من الخروج، وفجأت اكتشفت سر دهشة المرأة السوداء واستغراب الحلاق: لقد نسيت وضع فك أسناني الاصطناعية قبل أن أغادر المنزل، لذلك كانت مغارة فمي المظلمة تظهر عندما أتكلم.!!!!!..
البوط
هجم الخريف هذا العام باكرا، وأنا ما زلت في اسطنبول، وبدأت السماء تهددنا بمطرها، ولم أكن مستعدا له. منذ عدة أيام، استغليت وجودي في اسطنبول الآسوية، فاشتريت بوطا شتويا وانتعلته فورا، ووضعت الآخر في محفظة الظهر، التي لاتفارق ظهري نهارا، واحملها دائما، ففيها الكاميرا، ودفتر، والايباد، وبعض الأوراق الأخرى. أمضيت نهاري كله أشكو ثقل المحفظة. في اليوم الثاني خرجت صباحا من الشقة لرؤية أصدقاء، وتذكرت وأنا في الطريق أن الحذاء القديم الثقيل ما زال في المحفظة، ولكنني تابعت عملي اليومي. في اليوم الثالث لم أتذكر الحذاء، ولم أشعر بثقل المحفظة، ولكنني في المساء كنت بحاجة له، لأنني لبست بنطالا رسميا، وهذا لا يليق على البوط الشتوي، فتذكرت أنه في محفظة الظهر. انتعلته وبي حنين إلى حمله، فقد اعتدت عليه قاعدا فوق أكتافي، رغم عدم ظهوره.
أولاد ضيعتي
كنت أظن أن أولاد ضيعتي متخلفون، واذ بهم مثل غيرهم. فقد كانوا قبل ستين عاما، عندما ينشب بينهم خلاف لأي سبب بسيط أم كبير، كانوا ينسون تعاليم دينهم السمحة، وأفكارهم المستحدثة في السياسة والاجتماع، وزيجاتهم من بنات العائلات الأخرى، التي لا تربطهم بهم رابطة الدم والنسب. وكانوا أول ما يتناسونه هو "الخبز والملح" الذي كان قاسمهم المشترك في ليالي الجوع والبرد. كان أولاد ضيعتي، ببساطة، يطلقون زوجاتهم الغريبات، ويعودون سريعا إلى "حضن العائلة" مع أول كف على خد أحدهم، أو ضربة عصا، أو رمية "عقال" على الارض.
كنت ببساطة، قبل الثورة، أظن أن اولاد ضيعتي، مختلفون بتخلفهم، وإذ بهم، بعد ست سنوات من الثورة، يشبهون كل سكان سوريا….
القانون
حدث اليوم في مونتريال، أن إحدى السيدات كانت واقفة على الاشارة الحمراء، رغم عدم وجود حركة سير، فجأة جاءت سيارة وتجاوزت الإشارة الضوئية وهي حمراء، فأخرجت بسرعة قلما وسجلت نمرة السيارة على يدها، ثم دخلت مخزني وطلبت هاتفا، فأعطيتها هاتف المحل. اتصلت بالشرطة، وشرحت لهم الحالة، وأعطتهم نمرة السيارة المخالفة، واسمها هي، وعنوانها.
قلت لها بعد أن أنهت مكالمتها: ولكن ماذا ستستفيدين أنت من هذا التبليغ؟
قالت مستهجنة: أستفيد أن القانون يجب أن يطبق، حرصا على حياة الجميع، وأولهم حياة السائق الذي ارتكب المخالفة.
نظرتْ الى بعد سؤالي وقالت: من أي بلد انت مهاجر؟ قلت لها: من سوريا. هزت رأسها وقالت: ألا تعتقد أن عدم إحترام القانون هو ما أوصل السوريين الى هذه الحالة ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟