أَتَطلُبُ لَيلى وَهيَ فيكَ تَجَلَّت
وَتَحسَبُها غَيراً وَغَيرُكَ لَيسَتِ
فَذابلُهُ في مِلَّةِ الحُبِّ ظاهِرٌ
فَكُن فَطِناً فَالغيرُ عَينُ القَطيعَةِ
أَلَم تَرَها أَلقَت عَلَيكَ جَمالَها
وَلَو لَم تَقُم بِالذاتِ مِنكَ اِضمَحَلَّتِ
تَقولُ لَها اُدنُ وَهيَ كُلَّك ثُمَّ إِن
حَبَتكَ بِوَصلٍ أَوهَمَتكَ تَدَلَّتِ
عَزيزٌ لِقاها لا يَنالُ وِصالَها
سِوى مَن يَرى مَعنىً بِغَيرِ هَوِيَّةِ
كَلِفت بِها حَتّى فَنِيتُ بِحُبِّها
فَلَو أَقسَمَت أَنّيَ إِيّاها لَبَرَّتِ
وَغالَطتُ فيها الناسَ بِالوَهمِ بَعدَما
تَبَيَّنتها حَقّاً بِداخِلِ بُردَتي
وَغَطَّيتُها عَنّي بِثَوبِ عَوالِمي
وَعَن حاسِدي فيها لِشِدَّةِ غيرَتي
بَديعَة حُسنٍ أَو بَدا نورُ وَجهِها
إِلى أَكمَهٍ أَضحى يَرى كُلَّ ذَرَّةِ
تحلّت بأنواع الجمال بأسرها
فهام بها أهل الهوى حيثُ حلّت
وَحَلَّت عُرى صَبري عَلَيها صَبابَة
فَأَصبَحتُ لا أَرضى بِصَفوَةِ عُروَةِ
وَمَن ذا مِنَ العُشّاقِ يَبلُغُ في الهَوى
مَرامِيَ فيها أَو يُحاوِلُ رُتبَتي
وَبي مِن هَواها ما لَو أُلقيَ في لَظى
لَذابَت لَظى مِنهُ بِأَضعَفِ زَفرَتي
وَبِالبَحرِ لَو يُلقى لَأَصبَحَ يابِساً
وَبِالشَمِّ دَكَّت وَالسَحاب لَجَفَّتِ
ذَهَلت بِها عَنّي فَلَم أَرَ غَيرَها
وَهِمتُ بِها وَجداً بِأَوَّلِ نَظرَةِ
وَلَمّا أَزَل مُستَطلِعاً شَمسَ وَجهِها
إِلى أَن تَراءَت مِن مَطالِعِ صورَتي
فَغابَ جَميعي في لَطافَةِ حُسنِها
لأَن كُنتُ مَشغوفاً بِها قَبلَ نَشأَتي
فَدَع عاذِلي فيها المَلامَ فَإِنَّما
عَذابي بِها عَذبٌ وَناري جَنَّتي
وَإِن شِئتَ لُم فيها فَلَستُ بِسامِعٍ
دُهيتُ فَلَم يَكُن إِلَيكَ تَلفُّتي
وَكَيفَ أُصيخُ لِلمَلامَةِ في الَّتي
عَلَيها جُيوبي في الحَقيقَةِ زُرَّتِ
وَكُنتُ بِها مُغرىً أراها حَبيبَةً
إِذا أَنَّها وَاللَه عَينُ حَقيقَتي
وَفيها اِدّعيت العَين في مَذهَبِ الهَوى
وَقَطَّعتُ رَسمي كَي أُصحِّحَ حُجَّتي
وَأَصبَحتُ مَعشوقاً وَقَد كُنتُ عاشِقاً
لِأَن ظُهوري صارَ أَعظَم زَلَّتي
بِها سَمِعَت أُذني وَأَبصَرَ ناظِري
فَعايَنتُها مِنها إِلَيها تَبَدَّتِ
وَفي حالِها دارَت عَليّ كُؤوسها
فَصِرتُ بِها أَسمو عَلى كُلِّ ذَروَةِ
وَما أَبصَرَت عَينايَ لِلخَمرِ جامَها
لِأَن جامَها مِنها لَها عَينُ حِكمَتي
تَلَألَأَ مِنها كُلُّ شَيءٍ فَما أَرى
سِوى نورِها الوَقّادِ في كُلِّ وُجهَتي
أَباحَ ليَ الخِمارَ مِنهُ تَفَضُّلاً
جَناها فَصارَ الشُربُ ديني وَمِلَّتي
فَإِن شِئتُها صِرفاً شَرِبتُ وَأَن أَشأ
مَزَجتُ لِأَنَّ الكُلَّ في طَيِّ قَبضَتي
وَإِن شِئتُ أَطوي الكَونَ طَيّاً وَإِن أَشأ
نَشَرتُ جَميعَ الكائِناتِ بِنَظرَتي
شَرِبتُ صَفاءً في صَفاءٍ وَمَن يَرِد
مِنَ القَومِ شرباً لَم يَجِد غَيرَ فَضلَتي
تَقَدَّمَ لي عِندَ المُهَيمِنِ سابِق
مِنَ الفَضلِ وَاِستَدعاهُ حُكمُ المَشيئَةِ
فَلي عِزَّة المُلكِ القَديمِ لِأَنَّني
بِعِزَّةِ رَبّي في العَوالِم عِزَّتي
وَلي مَقعَدُ التَنزيهِ عَن كُلِّ حادِثٍ
وَلي حَضرَةُ التَجريدِ عَن كُلِّ شِركَةِ
جَلَستُ بِكُرسيِّ التَفَرُّدِ فَاِستَوى
مِنَ اللَهِ عَرشٌ لي عَلى ماءِ قُدرَتي
تَراني بِبَطنِ الغَيبِ إِذ أَنا ظاهِرٌ
وَما ثمَّ غَيري ظاهِرٌ حينَ غَيبَتي
تَجَلَّيتُ مِن لَوحِ البُطونِ وَلَم يَكُن
تَجَلّى مِنهُ غَيرُ تَحقيقِ حِكمَتي
لِأَنّيَ قَبل الكَونِ إِذ أَنا بَعدَهُ
وَلَم يَكُ كَون غَيرُ تَلوينِ بَهجَتي
تَجَلَّيتُ قَبل باِسمِ لوحِ القَضا كَما
تَجَلَّيتُ بَعد بِاِسمِ ناري وَجَنَّتي
تَرامَت بِأَنواري المَقاديرُ أَنَّني
عَجيبٌ بَدَت في كَثرَتي أَحَدِيَّتي
وَخَمري أَثارَت في الجَميعِ ضِياءها
وَحَقّاً بِأَنواعِ الوُجودِ اِستَبدَّتِ
مُدامٌ تُزيلُ الهَمَّ وَهيَ بِدَنِّها
وَيَنشَطُ كُلُّ الكَونِ مِنها بِنَفخَةِ
تَراها بِحَشوِ الكَأسِ وَهيَ زُجاجَةٌ
وَلَو لَم تَكُن فيهِ لَذابَ بِسُرعَةِ
بِها هُوَ مَمسوكٌ وَقَد مَسَكَت بِهِ
تُلوِّنُ كَأسي مِن تَلوّن خَمرَتي
تَلَطَّف مِنها إِذ سَرى مِنهُ نورُها
فَتَحسَبُها شَمساً عَلى البَدرِ دَرَّتِ
وَمِن عَجَبٍ كَأسٌ هُوَ الخَمرُ عَينُها
وَلكِنَّهُ يَبدو عَلى شَكلِ دُرَّةِ
فَيَحسَبُهُ الراؤونَ غَيرُ مُدامَةٍ
لِشِدَّةِ آفاتٍ بِعَينِ البَصيرَةِ
وَلَو صَفَتِ الأَسرارُ مِنهُم لَأَبصَروا
لَطائِفَ أَنوارٍ بِأَشكالِ قُدرَةِ
بَدَت بِرِياضِ المُلكِ أَزهارُ مائِها
وَبِالوَهمِ يَبدو الزَهرُ غَير المائِيَّةِ
فَإِن شِئتَ أَن تَنفيهِ فَاِترُك خَواطِراً
تَجول لِفِكرٍ لَم تَكُن في الحَقيقَةِ
وَلكِن أَتَت مِن عالَمِ الحُسنِ فَاِستَوَت
عَلى القَلبِ عَيناً وَهوَ عالمُ غَفلَةِ
وَطِر عَن حبالاتِ التَفكيرِ في الوَرى
لِكَي لا تُرى مُستَوثِقا لَم تَفلَت
وَكُن بِمَقاماتِ الرِجالِ بِظاهِرٍ
وَلا تَكُ يَوماً حذوَ كُلٍّ بِفِكرَةِ
فَكَم زاهِدٍ أَلقاهُ في اللَيلِ زُهدُهُ
تفكّرهُ فيهِ أَتاهُ بِظُلمَةِ
وَذى طاعَةٍ قَصّت جَوانِحُهُ بِها
وَعيقَ عَلى المَولى بِلَحظِ الفَضيلَةِ
وَلَم يَصفُ زُهدٌ لا وَلا عَملٌ لِمَن
يَرى نَفسَهُ في زُهدِها قَد تَرَقَّتِ
لِأَنَّ الَّذي يَأتي بِبرّ وَلا يرى
بِهِ اللَهُ آت فاتِح باب فِتنَةِ
وَلَم يَصف أَي يُخلِص مِنَ الجَهلِ أَمرَهُ
وَلَم يُلفَ إِلّا في غَياهِبِ رَيبَةِ
لإِن فَعَلنا ما لَم نَرَ اللَهَ فاعِلاً
على الشَكِّ بِالمَعبودِ في كُلِّ وُجهَةِ
لِفُقدانِ إِخلاص بِهِ اللَهُ آمِرٌ
وَذلِكَ إِفراد الإِله بِخِدمةِ
وَلَم يَكُنِ الإِفرادُ يَوماً لِعامِلٍ
إِذا نَفسهُ في ذلِكَ الفِعلِ عَنَّتِ
لِأَنَّ إِلاهَ العَرشِ عَمَّ وُجودُهُ
وَلَمّا يَكُن شَيءٌ سِواهُ بِمُثبتِ
وَلَم يُخصصِ الأَعمالَ بِاللَهِ مِن يَرى
شَريكاً لَهُ فيها بِمِثقالِ ذَرَّةِ
وَيا عَجَباً كَم تَدّعي أَحدِيَة
وَهيَ عَلى التَحقيقِ غايَةُ وَحدَةِ
وَلَمّا تَكُن في اِثنَينِ وَاللَهُ غايَةٌ
فَكَيفَ إِذا أَثبَتَ نِسبَة كَثرَةِ
أَلَم تَرَهُ يَنهى عَنِ اِثنَينِ خَلقهُ
وَشِركُ ذَوي التَثليثِ بادٍ بِحُجَّةِ
فَدَع عَنكَ أَقوالاً تَرى إِن أَتَيتَها
أَخا ظَمَإٍ يَوماً سَراباً بِقيعَةِ
وَأَلقِ لَنا أُذنَ الفُؤادِ مُصيخَةً
وَعي القَولُ مِنّي وَاِستَمع لِنَصيحَتي
إِذا شِئتَ أَن تَلقى السَعادَة وَالمُنى
وَتَبلُغَ ما عَنهُ الرِجالُ تَوَلَّتِ
فَطَهِّر بِماءِ الذِكرِ قَلبَكَ جاهِداً
بِصِدقِ اللجا وَاِغسِلهُ مِن كُلِّ عِلَّةِ
وَفَكِّر بِأَمرِ الشَرعِ أَمرَكَ كُلَّهُ
فَدونَكَ إِن لَم تَفعَل البابُ سُدَّتِ
وَدَع ما مَضى إِن تُبتَ لا تَكتَرِث بِهِ
وَلا تَلتَفِت في طاعَةٍ لِمَثوبَةِ
وَشَمِّر ذُيولَ الحَزمِ لِلَّهِ طالِباً
وَلا تَقصِدن حَظّاً بِسَيرِ الطَريقَةِ
فَمَن عَمَّهُ القُصّادُ بَل مَن عَماهُمُ
تَوَجُّهُهُم نَحوَ الحُظوظِ الدَنِيَّةِ
وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِلَهَ بِسَيرِهِ
إِلَيهِ تَراهُ راجِعاً أَيّ رَجعَةِ
بِأَن يَنتَهي لِلوَهمِ وَالباطِلِ الَّذي
لَهُ نَفسُهُ عِندَ البِدايَة أَمَّتِ
وَمِن ثمَّ كانَت عادَةُ اللَهِ في الَّذي
يَؤُمُّ سِواهُ دائِماً نَيل خَيبَةِ
فَيَحرِمُهُ ما أَمّ إِذ هُوَ لَم يَكُن
وَلا يَصِلنَ لِلَّهِ مِن فَقدِ نِيَّةِ
فَذا عَدمٌ مَحضٌ وَذا لَم يَؤمّه
فَصَفقتُهُ وَاللَهِ أَخسَرُ صَفقَةِ
فَسِر في أَمانِ اللَهِ لِلحَقِّ مُسرِعاً
وَكُن مُعرِضاً عَن ذي الأُمورِ الشَنيعَةِ
كَحِرصٍ عَلى مالٍ وَحُبِّ وِلايَةٍ
وَكَثرَةُ أَصحابٍ وَنَيل المَزيَّةِ
وَغِب عَن شُهودِ الذاتِ مِنكَ وَوَصفِها
وَصِلّ عَلى كُلٍّ تَنَل كُلَّ رِفعَةِ
وَكُن مُفلِساً مِن رُؤيَةِ الكَونِ كُلِّهِ
تَكُن بِإِلاهِ العَرشِ أَغنى البَرِيَّةِ
فَلَم يَفتَقِر مَن جاءَ بِالفَقرِ ذا الغِنى
وَلَن يَغن مَن يَأتي إِلَيهِ بِثَروَةِ
وَكُلُّ مَقامٍ لا تَقُم بِهِ فِكرَةٌ
وَدَع كُلَّ حالٍ فيهِ نَفسُكَ حَلَّتِ
إِلى أَن تَرى ما كُنتَ مِن قَبل هارِباً
بِفِكرِكَ مِنهُ نَفس عَينِ الحَقيقَةِ
وَتُبصِرُ رَبّاً قَد أَحاطَ بِما تَرى
وجوداً عَلى التَحقيقِ مِن غَيرِ مَرِيَّةِ
وَتَنظُر نوراً فائِضاً مِن حَقيقَةٍ
تلَوِّن أَلواناً لِإِظهارِ حِكمَةِ
وَتَعلَم أَنَّ الكَونَ لَيسَ بِكائِنٍ
لِأَجلِ دُخولِ الكُلِّ تَحتَ الماهِيَّةِ
وَتوقِنُ أَنَّ الكَأسَ خَمراً وَلا تَرى
سِواهُ فَما أَحلى لِقاءَ الأَحِبَّةِ
وَإِنَّكَ سِرّاً لِكُلٍّ وَالسِرُّ ذاتُهُ
وَإِنَّكَ أَنتَ العَينُ في بَينِ صنعَةِ
وَإِنَّكَ وصول وَلا ثمَّ واصِلٌ
وَلكِن مَعاني الذاتِ بِالذاتِ حفَّتِ
تَناهَت إِلَيها بَعدَما اِحتَجَبَت بِها
وَمِنها التَناهي كانَ أَوَّلَ مَرَّةِ
أَبَت أَن تَراها عَينها وَهيَ عَينها
وَفي ذا كَمالُ القُدرَةِ الأَزَلِيَّةِ
وَتَظهَر إِن شاءَت إِلَيهِ بِحال ما
بِهِ اُحتِجِبَت عَنها بِسَطوَةِ عزَّةِ
بَدَت بِجَمالٍ مِن كَمالِ صِفاتِها
فَأَهدَت بِهِ مَن بِالعِنايَةِ خُصَّتِ
وَلَو لَم تَجل بِالصِفاتِ لَما اِهتَدى
لِعِرفانِها وَاللَه فَهم الخَليفَةِ
لِأَنّ تَجلِّي الذاتِ بِمَحقِ نورِهِ
جَميعَ الَّذي يَبدو لَهُ بِالذَتِيَّةِ
أَلَم تَرَها لَمّا تَجَلَّت بِذاتِها
لِطورِ كَليمِ اللَهِ لِلصَخرِ دَكَّتِ
وَخرَّ لِذاكَ الدَكِّ موسى كَليمهُ
فَعَوَّضَ صَعقَ الطورِ عَن صَعقِ نَفخَةِ
لِأَنَّ تَجلّي الذاتِ نَفخَةُ صورِها
بِهِ تبدّل التَلطيف كُلّ كَثيفَةِ
وَمِن ثمَّ كانَت نَشأَةُ الخَلقِ أَوَّلاً
تَهدُّ وَنَشأ العَرض نَفخَةُ بَعثَةِ
فَتُدرِكُ ما لَم تَدرِ مِن قَبلِ بَعثِها
وَيَعلَمُ مِنهُ الغَيبُ نَفسَ البَديهَةِ
لِأَنَّ مُدرِكَ الأَنوارِ مِن عَينِ نورِهِ
عَلى قَدرِهِ يَبدو لَهُ في الحَقيقَةِ
أَلَم تَرَ خَيرَ الخَلقِ أَبصَرَ خَلقَهُ
تَنَزَّلَ حَتّى كانَ في المُلكِيَّةِ
وَأَصحابُهُ لَمّا عَلَو بِاِتِّصالِهِ
فَلَم يَعُد مِنهُم واحِدٌ حُسنُ دَحيَةِ
وَإِن لَم يَروا جِبريلَ إِلّا عَشيرَهُم
عَلى أَنَّهُم في الناسِ أَفضَلُ أُمَّةِ
فَكَيفَ يَرى خَلق حَقيقَةِ أَحمَد
وَلكِن يَرى ظِلّاً مِنَ البَشَرِيَّةِ
لِأَنَّهُ صونُ السِرِّ بَل سِرُّ صَونِهِ
وَالأَنوارُ طرّاً مِن سَناهُ اِستَمَدَّتِ
عَلَيهِ يَدورُ القُطبُ وَهوَ بِسِرِّهِ
يَدورُ عَلَيهِ الكَونُ في كُلِّ لَمحَةِ
تَرى حُكمَهُ بِاللَهِ في الخَلقِ نافِذاً
لِأَنَّهُ صارَ فيهِم أَصلُ نَشأَةِ
تَرقّى إِلى أَن صارَ لِلكُلِّ جامِعاً
لِسِرٍّ أَتى مِن هِمَّةٍ أَحمَدِيَّةِ
وَأَصلُ وُجودِ الشَيءِ رَحمَةُ نَفسه
لِذلِكَ كانَ رَحمَةً لِلبَشَرِيَّةِ
وَرَحمَتُهُ مِن رَحمَةِ المُصطَفى أَتَت
لِأَن سِرُّهُ مِن سِرِّ عَينِ الرَحمَةِ
لِذلِكَ كانَ القُطبُ يُبصِرُ دائِماً
لَهُ سِرُّ الاِستِخلافِ في كُلِّ بَرزَةِ
لِأَنَّهُ عَن خَيرِ الأَنامِ خَليفَةً
وَهوَ عَنِ الرَحمنِ خَيرُ خَليفَةِ
فَنورٌ سَرى في الكَونِ صورَة أَحمَدٍ
بِهِ تَهتَدي لِلَّهِ كُلُّ بَصيرَتي
فهوّ الهدى والنور من حيث إنه
على ذاته تجلى معاني الحقيقة
فَلا مُهتَدٍ إِلّا بِأَضواءِ نورِهِ
لِأَنَّ نُعوتَ النورِ بابُ الأَدِلَّةِ
وَهوَ عَلى التَحقيقِ وَاللَه وَصفه
وَمِن ثمَّ كانَ الفَتحُ مِنهُ لِحَضرَتي
فَمَن حَفَّهُ نورُ الرَسولِ يَخوضُ مِن
بِحارِ شُهودِ الذاتِ في كُلِّ لُجَّةِ
وَتنهى إِلَيهِ في الأَنامِ رِياسَةٌ
قَدِ اِستَسلَفَت في عِزِّها كُلّ رُتبَةِ
وَمَن قَد أَتى مِن غَيرِ نورِ مُحَمَّدٍ
فَإِقدامُهُ في مَهوَةِ الغَيّ زَلَّتِ
يَرومُ دُخولَ الدارِ مِن غَيرِ بابِها
وَيَطلُبُ هَدياً بِالأُمورِ المُضِلَّةِ
وَلَولا سَنى مِنها لَما وَصَلَت بِنا
سَنابِكَ أَفراسِ القُلوبِ المُجِدَّةِ
لِنَحوِ حِماها وَهيَ في مَنعَةِ الهَوى
وَصَونِ شُفوفٍ مِن سُيوفٍ أَعِزَّةِ
فَلِذا اِغتِرابي في اِقتِرابي حَبائِبي
وَهانَ عَذابي إِذ عَذابي شِقوَتي
أواري غَرامي عَن هَواجِسِ عاذِلي
فَتَكشِف عَن سَرّي حَقائِقَ سيرَتي
وَيَعذُرُني مِنهُ صَوانُ تَجَلُّدي
فَتَعذرُني مِن سُرعَةِ السَكبِ عَبرَتي
وَما كُنتُ أَدري حينَ أَدري مَدامِعي
بِأَنَّ سَرايا الطَرفِ مِن جَيشِ رقبَتي
وَإِن شُؤوني عَن شُؤوني عَبَّرَت
إِذا غَبّرَت في التيهِ أُخدودُ وَجنَتي
تَوَسَّدت مِن جِسمي الأَمان لِأَنَّهُ
إِذا ما فَنى في الحُبِّ في زيِّ مَيِّتِ
وَإِنّ حَياةَ الروحِ عَنهُ خِفيَّةٌ
إِذا أَنَّهُ لَما فَنى فيهِ حَلَّتِ
وَصارَ بِسِرِّ الذَوقِ مِن عَينِ ذاتِها
وَنالَ بَقاءً إِذ رَمى بِالبَقِيَّةِ
وَوافَقَها فيما يَعُمّهُما مَعاً
وَداما جَميعاً بَينَ خَفضٍ وَرِفعَةِ
فَهذا بِعَينِ الذاتِ نافى دائِماً
وَهذا بِنورِ العَينِ في العَينِ مُثبَتِ
فَأَضحى الوَرى لَمّا رَوى كُلُّ واحِدٍ
رِوايَتَهُ قِسمَينِ في نَوعِ عِشقَتي
فَمِن قائِلٍ هذا يُحِبُّ بُثَينَة
وَمِن قائِلٍ هذا كثيرُ عَزَّةِ
رَأَوا مِن ثِيابي في ثَباتِ تَوَلُّهي
فَأَوقَعَهُم في الوَهمِ فَهم تَثَبُّتي
وَلَمّا أَبى كَنِّي يَكنُّ هَوايَ بَل
يُذيعُ جَميعاً لِلوُشاةِ سَريرَتي
وَأَصبَحَ أَفواهاً تُناجي بِكُلِّ ما
لَهُ صارَ إِسماعاً عَلى خَلفِ إِمرَتي
فَإِن أَنهَ نطقي أَنهَ ما كانَ مُودعاً
سِواهُ وَذاعَ السِرَّ مِن كُلِّ جُملَتي
تَيَقَّنتُ إِذ لَم يَبقَ مِنّي كاتِمٌ
بِأَنّ اِستَتاري في الغَرامِ فَضيحَتي
وَصِرتُ إِذا لَم يَستُرِ الشَمسَ ظِلُّها
أُصانِعُ عَن دَرءِ الهَوى بِصَنيعَتي
وَأَعلَمُ أَنّي بِالمَعالِمَ جاهِلٌ
وَأُنكِرُ في كُلِّ اِختِباري خِبرَتي
وَأَسأَل أَهلَ الحَيِّ عَن جيرَةٍ لَها
لِتَبريدِ تَبريحي وَإِطفاءِ لَوعَتي
أُغالِطُهُم في فِتنَةِ الفَرقِ إِن فِت
نَةُ الجَمعِ لَيسَت في الصَبابَةِ فُرقَتي
بَدا غَيُّهُم مِن عَينِهِم فَتَواتَرَت
عَلَيهِم سِهامُ البَينِ مِن عَينِ نُقطَةِ
وَلَو جَرَّدوا مِن نُقطَةِ الغَينِ عَينهُم
لَفازوا بِتَفريدٍ بِهِ الذاتُ جَلَّتِ
وَشاهَدَ كُلّ عَينه عَين حُبِّهِ
وَأَفضَلُ خَلقِ اللَهِ عَينُ الوَسيلَةِ
وَلكِن إِلى أَنوارِهِ الكُلُّ يَنتَهي
فَفيهِ حَقائِقُ الكِرامِ تَرَقَّتِ
عَلَيهِ صَلاةُ اللَهِ ثُمَّ سَلامُهُ
وَآلِه وَالأَصحابِ في كُلِّ لَحظَةِ
وَأَزواجِه وَالتابِعينَ جَميعِهِم
وَأُمَّتِه الغَرّاءِ أَفضَلُ أُمَّةِ
وَتَحسَبُها غَيراً وَغَيرُكَ لَيسَتِ
فَذابلُهُ في مِلَّةِ الحُبِّ ظاهِرٌ
فَكُن فَطِناً فَالغيرُ عَينُ القَطيعَةِ
أَلَم تَرَها أَلقَت عَلَيكَ جَمالَها
وَلَو لَم تَقُم بِالذاتِ مِنكَ اِضمَحَلَّتِ
تَقولُ لَها اُدنُ وَهيَ كُلَّك ثُمَّ إِن
حَبَتكَ بِوَصلٍ أَوهَمَتكَ تَدَلَّتِ
عَزيزٌ لِقاها لا يَنالُ وِصالَها
سِوى مَن يَرى مَعنىً بِغَيرِ هَوِيَّةِ
كَلِفت بِها حَتّى فَنِيتُ بِحُبِّها
فَلَو أَقسَمَت أَنّيَ إِيّاها لَبَرَّتِ
وَغالَطتُ فيها الناسَ بِالوَهمِ بَعدَما
تَبَيَّنتها حَقّاً بِداخِلِ بُردَتي
وَغَطَّيتُها عَنّي بِثَوبِ عَوالِمي
وَعَن حاسِدي فيها لِشِدَّةِ غيرَتي
بَديعَة حُسنٍ أَو بَدا نورُ وَجهِها
إِلى أَكمَهٍ أَضحى يَرى كُلَّ ذَرَّةِ
تحلّت بأنواع الجمال بأسرها
فهام بها أهل الهوى حيثُ حلّت
وَحَلَّت عُرى صَبري عَلَيها صَبابَة
فَأَصبَحتُ لا أَرضى بِصَفوَةِ عُروَةِ
وَمَن ذا مِنَ العُشّاقِ يَبلُغُ في الهَوى
مَرامِيَ فيها أَو يُحاوِلُ رُتبَتي
وَبي مِن هَواها ما لَو أُلقيَ في لَظى
لَذابَت لَظى مِنهُ بِأَضعَفِ زَفرَتي
وَبِالبَحرِ لَو يُلقى لَأَصبَحَ يابِساً
وَبِالشَمِّ دَكَّت وَالسَحاب لَجَفَّتِ
ذَهَلت بِها عَنّي فَلَم أَرَ غَيرَها
وَهِمتُ بِها وَجداً بِأَوَّلِ نَظرَةِ
وَلَمّا أَزَل مُستَطلِعاً شَمسَ وَجهِها
إِلى أَن تَراءَت مِن مَطالِعِ صورَتي
فَغابَ جَميعي في لَطافَةِ حُسنِها
لأَن كُنتُ مَشغوفاً بِها قَبلَ نَشأَتي
فَدَع عاذِلي فيها المَلامَ فَإِنَّما
عَذابي بِها عَذبٌ وَناري جَنَّتي
وَإِن شِئتَ لُم فيها فَلَستُ بِسامِعٍ
دُهيتُ فَلَم يَكُن إِلَيكَ تَلفُّتي
وَكَيفَ أُصيخُ لِلمَلامَةِ في الَّتي
عَلَيها جُيوبي في الحَقيقَةِ زُرَّتِ
وَكُنتُ بِها مُغرىً أراها حَبيبَةً
إِذا أَنَّها وَاللَه عَينُ حَقيقَتي
وَفيها اِدّعيت العَين في مَذهَبِ الهَوى
وَقَطَّعتُ رَسمي كَي أُصحِّحَ حُجَّتي
وَأَصبَحتُ مَعشوقاً وَقَد كُنتُ عاشِقاً
لِأَن ظُهوري صارَ أَعظَم زَلَّتي
بِها سَمِعَت أُذني وَأَبصَرَ ناظِري
فَعايَنتُها مِنها إِلَيها تَبَدَّتِ
وَفي حالِها دارَت عَليّ كُؤوسها
فَصِرتُ بِها أَسمو عَلى كُلِّ ذَروَةِ
وَما أَبصَرَت عَينايَ لِلخَمرِ جامَها
لِأَن جامَها مِنها لَها عَينُ حِكمَتي
تَلَألَأَ مِنها كُلُّ شَيءٍ فَما أَرى
سِوى نورِها الوَقّادِ في كُلِّ وُجهَتي
أَباحَ ليَ الخِمارَ مِنهُ تَفَضُّلاً
جَناها فَصارَ الشُربُ ديني وَمِلَّتي
فَإِن شِئتُها صِرفاً شَرِبتُ وَأَن أَشأ
مَزَجتُ لِأَنَّ الكُلَّ في طَيِّ قَبضَتي
وَإِن شِئتُ أَطوي الكَونَ طَيّاً وَإِن أَشأ
نَشَرتُ جَميعَ الكائِناتِ بِنَظرَتي
شَرِبتُ صَفاءً في صَفاءٍ وَمَن يَرِد
مِنَ القَومِ شرباً لَم يَجِد غَيرَ فَضلَتي
تَقَدَّمَ لي عِندَ المُهَيمِنِ سابِق
مِنَ الفَضلِ وَاِستَدعاهُ حُكمُ المَشيئَةِ
فَلي عِزَّة المُلكِ القَديمِ لِأَنَّني
بِعِزَّةِ رَبّي في العَوالِم عِزَّتي
وَلي مَقعَدُ التَنزيهِ عَن كُلِّ حادِثٍ
وَلي حَضرَةُ التَجريدِ عَن كُلِّ شِركَةِ
جَلَستُ بِكُرسيِّ التَفَرُّدِ فَاِستَوى
مِنَ اللَهِ عَرشٌ لي عَلى ماءِ قُدرَتي
تَراني بِبَطنِ الغَيبِ إِذ أَنا ظاهِرٌ
وَما ثمَّ غَيري ظاهِرٌ حينَ غَيبَتي
تَجَلَّيتُ مِن لَوحِ البُطونِ وَلَم يَكُن
تَجَلّى مِنهُ غَيرُ تَحقيقِ حِكمَتي
لِأَنّيَ قَبل الكَونِ إِذ أَنا بَعدَهُ
وَلَم يَكُ كَون غَيرُ تَلوينِ بَهجَتي
تَجَلَّيتُ قَبل باِسمِ لوحِ القَضا كَما
تَجَلَّيتُ بَعد بِاِسمِ ناري وَجَنَّتي
تَرامَت بِأَنواري المَقاديرُ أَنَّني
عَجيبٌ بَدَت في كَثرَتي أَحَدِيَّتي
وَخَمري أَثارَت في الجَميعِ ضِياءها
وَحَقّاً بِأَنواعِ الوُجودِ اِستَبدَّتِ
مُدامٌ تُزيلُ الهَمَّ وَهيَ بِدَنِّها
وَيَنشَطُ كُلُّ الكَونِ مِنها بِنَفخَةِ
تَراها بِحَشوِ الكَأسِ وَهيَ زُجاجَةٌ
وَلَو لَم تَكُن فيهِ لَذابَ بِسُرعَةِ
بِها هُوَ مَمسوكٌ وَقَد مَسَكَت بِهِ
تُلوِّنُ كَأسي مِن تَلوّن خَمرَتي
تَلَطَّف مِنها إِذ سَرى مِنهُ نورُها
فَتَحسَبُها شَمساً عَلى البَدرِ دَرَّتِ
وَمِن عَجَبٍ كَأسٌ هُوَ الخَمرُ عَينُها
وَلكِنَّهُ يَبدو عَلى شَكلِ دُرَّةِ
فَيَحسَبُهُ الراؤونَ غَيرُ مُدامَةٍ
لِشِدَّةِ آفاتٍ بِعَينِ البَصيرَةِ
وَلَو صَفَتِ الأَسرارُ مِنهُم لَأَبصَروا
لَطائِفَ أَنوارٍ بِأَشكالِ قُدرَةِ
بَدَت بِرِياضِ المُلكِ أَزهارُ مائِها
وَبِالوَهمِ يَبدو الزَهرُ غَير المائِيَّةِ
فَإِن شِئتَ أَن تَنفيهِ فَاِترُك خَواطِراً
تَجول لِفِكرٍ لَم تَكُن في الحَقيقَةِ
وَلكِن أَتَت مِن عالَمِ الحُسنِ فَاِستَوَت
عَلى القَلبِ عَيناً وَهوَ عالمُ غَفلَةِ
وَطِر عَن حبالاتِ التَفكيرِ في الوَرى
لِكَي لا تُرى مُستَوثِقا لَم تَفلَت
وَكُن بِمَقاماتِ الرِجالِ بِظاهِرٍ
وَلا تَكُ يَوماً حذوَ كُلٍّ بِفِكرَةِ
فَكَم زاهِدٍ أَلقاهُ في اللَيلِ زُهدُهُ
تفكّرهُ فيهِ أَتاهُ بِظُلمَةِ
وَذى طاعَةٍ قَصّت جَوانِحُهُ بِها
وَعيقَ عَلى المَولى بِلَحظِ الفَضيلَةِ
وَلَم يَصفُ زُهدٌ لا وَلا عَملٌ لِمَن
يَرى نَفسَهُ في زُهدِها قَد تَرَقَّتِ
لِأَنَّ الَّذي يَأتي بِبرّ وَلا يرى
بِهِ اللَهُ آت فاتِح باب فِتنَةِ
وَلَم يَصف أَي يُخلِص مِنَ الجَهلِ أَمرَهُ
وَلَم يُلفَ إِلّا في غَياهِبِ رَيبَةِ
لإِن فَعَلنا ما لَم نَرَ اللَهَ فاعِلاً
على الشَكِّ بِالمَعبودِ في كُلِّ وُجهَةِ
لِفُقدانِ إِخلاص بِهِ اللَهُ آمِرٌ
وَذلِكَ إِفراد الإِله بِخِدمةِ
وَلَم يَكُنِ الإِفرادُ يَوماً لِعامِلٍ
إِذا نَفسهُ في ذلِكَ الفِعلِ عَنَّتِ
لِأَنَّ إِلاهَ العَرشِ عَمَّ وُجودُهُ
وَلَمّا يَكُن شَيءٌ سِواهُ بِمُثبتِ
وَلَم يُخصصِ الأَعمالَ بِاللَهِ مِن يَرى
شَريكاً لَهُ فيها بِمِثقالِ ذَرَّةِ
وَيا عَجَباً كَم تَدّعي أَحدِيَة
وَهيَ عَلى التَحقيقِ غايَةُ وَحدَةِ
وَلَمّا تَكُن في اِثنَينِ وَاللَهُ غايَةٌ
فَكَيفَ إِذا أَثبَتَ نِسبَة كَثرَةِ
أَلَم تَرَهُ يَنهى عَنِ اِثنَينِ خَلقهُ
وَشِركُ ذَوي التَثليثِ بادٍ بِحُجَّةِ
فَدَع عَنكَ أَقوالاً تَرى إِن أَتَيتَها
أَخا ظَمَإٍ يَوماً سَراباً بِقيعَةِ
وَأَلقِ لَنا أُذنَ الفُؤادِ مُصيخَةً
وَعي القَولُ مِنّي وَاِستَمع لِنَصيحَتي
إِذا شِئتَ أَن تَلقى السَعادَة وَالمُنى
وَتَبلُغَ ما عَنهُ الرِجالُ تَوَلَّتِ
فَطَهِّر بِماءِ الذِكرِ قَلبَكَ جاهِداً
بِصِدقِ اللجا وَاِغسِلهُ مِن كُلِّ عِلَّةِ
وَفَكِّر بِأَمرِ الشَرعِ أَمرَكَ كُلَّهُ
فَدونَكَ إِن لَم تَفعَل البابُ سُدَّتِ
وَدَع ما مَضى إِن تُبتَ لا تَكتَرِث بِهِ
وَلا تَلتَفِت في طاعَةٍ لِمَثوبَةِ
وَشَمِّر ذُيولَ الحَزمِ لِلَّهِ طالِباً
وَلا تَقصِدن حَظّاً بِسَيرِ الطَريقَةِ
فَمَن عَمَّهُ القُصّادُ بَل مَن عَماهُمُ
تَوَجُّهُهُم نَحوَ الحُظوظِ الدَنِيَّةِ
وَمَن يَبتَغِ غَيرَ الإِلَهَ بِسَيرِهِ
إِلَيهِ تَراهُ راجِعاً أَيّ رَجعَةِ
بِأَن يَنتَهي لِلوَهمِ وَالباطِلِ الَّذي
لَهُ نَفسُهُ عِندَ البِدايَة أَمَّتِ
وَمِن ثمَّ كانَت عادَةُ اللَهِ في الَّذي
يَؤُمُّ سِواهُ دائِماً نَيل خَيبَةِ
فَيَحرِمُهُ ما أَمّ إِذ هُوَ لَم يَكُن
وَلا يَصِلنَ لِلَّهِ مِن فَقدِ نِيَّةِ
فَذا عَدمٌ مَحضٌ وَذا لَم يَؤمّه
فَصَفقتُهُ وَاللَهِ أَخسَرُ صَفقَةِ
فَسِر في أَمانِ اللَهِ لِلحَقِّ مُسرِعاً
وَكُن مُعرِضاً عَن ذي الأُمورِ الشَنيعَةِ
كَحِرصٍ عَلى مالٍ وَحُبِّ وِلايَةٍ
وَكَثرَةُ أَصحابٍ وَنَيل المَزيَّةِ
وَغِب عَن شُهودِ الذاتِ مِنكَ وَوَصفِها
وَصِلّ عَلى كُلٍّ تَنَل كُلَّ رِفعَةِ
وَكُن مُفلِساً مِن رُؤيَةِ الكَونِ كُلِّهِ
تَكُن بِإِلاهِ العَرشِ أَغنى البَرِيَّةِ
فَلَم يَفتَقِر مَن جاءَ بِالفَقرِ ذا الغِنى
وَلَن يَغن مَن يَأتي إِلَيهِ بِثَروَةِ
وَكُلُّ مَقامٍ لا تَقُم بِهِ فِكرَةٌ
وَدَع كُلَّ حالٍ فيهِ نَفسُكَ حَلَّتِ
إِلى أَن تَرى ما كُنتَ مِن قَبل هارِباً
بِفِكرِكَ مِنهُ نَفس عَينِ الحَقيقَةِ
وَتُبصِرُ رَبّاً قَد أَحاطَ بِما تَرى
وجوداً عَلى التَحقيقِ مِن غَيرِ مَرِيَّةِ
وَتَنظُر نوراً فائِضاً مِن حَقيقَةٍ
تلَوِّن أَلواناً لِإِظهارِ حِكمَةِ
وَتَعلَم أَنَّ الكَونَ لَيسَ بِكائِنٍ
لِأَجلِ دُخولِ الكُلِّ تَحتَ الماهِيَّةِ
وَتوقِنُ أَنَّ الكَأسَ خَمراً وَلا تَرى
سِواهُ فَما أَحلى لِقاءَ الأَحِبَّةِ
وَإِنَّكَ سِرّاً لِكُلٍّ وَالسِرُّ ذاتُهُ
وَإِنَّكَ أَنتَ العَينُ في بَينِ صنعَةِ
وَإِنَّكَ وصول وَلا ثمَّ واصِلٌ
وَلكِن مَعاني الذاتِ بِالذاتِ حفَّتِ
تَناهَت إِلَيها بَعدَما اِحتَجَبَت بِها
وَمِنها التَناهي كانَ أَوَّلَ مَرَّةِ
أَبَت أَن تَراها عَينها وَهيَ عَينها
وَفي ذا كَمالُ القُدرَةِ الأَزَلِيَّةِ
وَتَظهَر إِن شاءَت إِلَيهِ بِحال ما
بِهِ اُحتِجِبَت عَنها بِسَطوَةِ عزَّةِ
بَدَت بِجَمالٍ مِن كَمالِ صِفاتِها
فَأَهدَت بِهِ مَن بِالعِنايَةِ خُصَّتِ
وَلَو لَم تَجل بِالصِفاتِ لَما اِهتَدى
لِعِرفانِها وَاللَه فَهم الخَليفَةِ
لِأَنّ تَجلِّي الذاتِ بِمَحقِ نورِهِ
جَميعَ الَّذي يَبدو لَهُ بِالذَتِيَّةِ
أَلَم تَرَها لَمّا تَجَلَّت بِذاتِها
لِطورِ كَليمِ اللَهِ لِلصَخرِ دَكَّتِ
وَخرَّ لِذاكَ الدَكِّ موسى كَليمهُ
فَعَوَّضَ صَعقَ الطورِ عَن صَعقِ نَفخَةِ
لِأَنَّ تَجلّي الذاتِ نَفخَةُ صورِها
بِهِ تبدّل التَلطيف كُلّ كَثيفَةِ
وَمِن ثمَّ كانَت نَشأَةُ الخَلقِ أَوَّلاً
تَهدُّ وَنَشأ العَرض نَفخَةُ بَعثَةِ
فَتُدرِكُ ما لَم تَدرِ مِن قَبلِ بَعثِها
وَيَعلَمُ مِنهُ الغَيبُ نَفسَ البَديهَةِ
لِأَنَّ مُدرِكَ الأَنوارِ مِن عَينِ نورِهِ
عَلى قَدرِهِ يَبدو لَهُ في الحَقيقَةِ
أَلَم تَرَ خَيرَ الخَلقِ أَبصَرَ خَلقَهُ
تَنَزَّلَ حَتّى كانَ في المُلكِيَّةِ
وَأَصحابُهُ لَمّا عَلَو بِاِتِّصالِهِ
فَلَم يَعُد مِنهُم واحِدٌ حُسنُ دَحيَةِ
وَإِن لَم يَروا جِبريلَ إِلّا عَشيرَهُم
عَلى أَنَّهُم في الناسِ أَفضَلُ أُمَّةِ
فَكَيفَ يَرى خَلق حَقيقَةِ أَحمَد
وَلكِن يَرى ظِلّاً مِنَ البَشَرِيَّةِ
لِأَنَّهُ صونُ السِرِّ بَل سِرُّ صَونِهِ
وَالأَنوارُ طرّاً مِن سَناهُ اِستَمَدَّتِ
عَلَيهِ يَدورُ القُطبُ وَهوَ بِسِرِّهِ
يَدورُ عَلَيهِ الكَونُ في كُلِّ لَمحَةِ
تَرى حُكمَهُ بِاللَهِ في الخَلقِ نافِذاً
لِأَنَّهُ صارَ فيهِم أَصلُ نَشأَةِ
تَرقّى إِلى أَن صارَ لِلكُلِّ جامِعاً
لِسِرٍّ أَتى مِن هِمَّةٍ أَحمَدِيَّةِ
وَأَصلُ وُجودِ الشَيءِ رَحمَةُ نَفسه
لِذلِكَ كانَ رَحمَةً لِلبَشَرِيَّةِ
وَرَحمَتُهُ مِن رَحمَةِ المُصطَفى أَتَت
لِأَن سِرُّهُ مِن سِرِّ عَينِ الرَحمَةِ
لِذلِكَ كانَ القُطبُ يُبصِرُ دائِماً
لَهُ سِرُّ الاِستِخلافِ في كُلِّ بَرزَةِ
لِأَنَّهُ عَن خَيرِ الأَنامِ خَليفَةً
وَهوَ عَنِ الرَحمنِ خَيرُ خَليفَةِ
فَنورٌ سَرى في الكَونِ صورَة أَحمَدٍ
بِهِ تَهتَدي لِلَّهِ كُلُّ بَصيرَتي
فهوّ الهدى والنور من حيث إنه
على ذاته تجلى معاني الحقيقة
فَلا مُهتَدٍ إِلّا بِأَضواءِ نورِهِ
لِأَنَّ نُعوتَ النورِ بابُ الأَدِلَّةِ
وَهوَ عَلى التَحقيقِ وَاللَه وَصفه
وَمِن ثمَّ كانَ الفَتحُ مِنهُ لِحَضرَتي
فَمَن حَفَّهُ نورُ الرَسولِ يَخوضُ مِن
بِحارِ شُهودِ الذاتِ في كُلِّ لُجَّةِ
وَتنهى إِلَيهِ في الأَنامِ رِياسَةٌ
قَدِ اِستَسلَفَت في عِزِّها كُلّ رُتبَةِ
وَمَن قَد أَتى مِن غَيرِ نورِ مُحَمَّدٍ
فَإِقدامُهُ في مَهوَةِ الغَيّ زَلَّتِ
يَرومُ دُخولَ الدارِ مِن غَيرِ بابِها
وَيَطلُبُ هَدياً بِالأُمورِ المُضِلَّةِ
وَلَولا سَنى مِنها لَما وَصَلَت بِنا
سَنابِكَ أَفراسِ القُلوبِ المُجِدَّةِ
لِنَحوِ حِماها وَهيَ في مَنعَةِ الهَوى
وَصَونِ شُفوفٍ مِن سُيوفٍ أَعِزَّةِ
فَلِذا اِغتِرابي في اِقتِرابي حَبائِبي
وَهانَ عَذابي إِذ عَذابي شِقوَتي
أواري غَرامي عَن هَواجِسِ عاذِلي
فَتَكشِف عَن سَرّي حَقائِقَ سيرَتي
وَيَعذُرُني مِنهُ صَوانُ تَجَلُّدي
فَتَعذرُني مِن سُرعَةِ السَكبِ عَبرَتي
وَما كُنتُ أَدري حينَ أَدري مَدامِعي
بِأَنَّ سَرايا الطَرفِ مِن جَيشِ رقبَتي
وَإِن شُؤوني عَن شُؤوني عَبَّرَت
إِذا غَبّرَت في التيهِ أُخدودُ وَجنَتي
تَوَسَّدت مِن جِسمي الأَمان لِأَنَّهُ
إِذا ما فَنى في الحُبِّ في زيِّ مَيِّتِ
وَإِنّ حَياةَ الروحِ عَنهُ خِفيَّةٌ
إِذا أَنَّهُ لَما فَنى فيهِ حَلَّتِ
وَصارَ بِسِرِّ الذَوقِ مِن عَينِ ذاتِها
وَنالَ بَقاءً إِذ رَمى بِالبَقِيَّةِ
وَوافَقَها فيما يَعُمّهُما مَعاً
وَداما جَميعاً بَينَ خَفضٍ وَرِفعَةِ
فَهذا بِعَينِ الذاتِ نافى دائِماً
وَهذا بِنورِ العَينِ في العَينِ مُثبَتِ
فَأَضحى الوَرى لَمّا رَوى كُلُّ واحِدٍ
رِوايَتَهُ قِسمَينِ في نَوعِ عِشقَتي
فَمِن قائِلٍ هذا يُحِبُّ بُثَينَة
وَمِن قائِلٍ هذا كثيرُ عَزَّةِ
رَأَوا مِن ثِيابي في ثَباتِ تَوَلُّهي
فَأَوقَعَهُم في الوَهمِ فَهم تَثَبُّتي
وَلَمّا أَبى كَنِّي يَكنُّ هَوايَ بَل
يُذيعُ جَميعاً لِلوُشاةِ سَريرَتي
وَأَصبَحَ أَفواهاً تُناجي بِكُلِّ ما
لَهُ صارَ إِسماعاً عَلى خَلفِ إِمرَتي
فَإِن أَنهَ نطقي أَنهَ ما كانَ مُودعاً
سِواهُ وَذاعَ السِرَّ مِن كُلِّ جُملَتي
تَيَقَّنتُ إِذ لَم يَبقَ مِنّي كاتِمٌ
بِأَنّ اِستَتاري في الغَرامِ فَضيحَتي
وَصِرتُ إِذا لَم يَستُرِ الشَمسَ ظِلُّها
أُصانِعُ عَن دَرءِ الهَوى بِصَنيعَتي
وَأَعلَمُ أَنّي بِالمَعالِمَ جاهِلٌ
وَأُنكِرُ في كُلِّ اِختِباري خِبرَتي
وَأَسأَل أَهلَ الحَيِّ عَن جيرَةٍ لَها
لِتَبريدِ تَبريحي وَإِطفاءِ لَوعَتي
أُغالِطُهُم في فِتنَةِ الفَرقِ إِن فِت
نَةُ الجَمعِ لَيسَت في الصَبابَةِ فُرقَتي
بَدا غَيُّهُم مِن عَينِهِم فَتَواتَرَت
عَلَيهِم سِهامُ البَينِ مِن عَينِ نُقطَةِ
وَلَو جَرَّدوا مِن نُقطَةِ الغَينِ عَينهُم
لَفازوا بِتَفريدٍ بِهِ الذاتُ جَلَّتِ
وَشاهَدَ كُلّ عَينه عَين حُبِّهِ
وَأَفضَلُ خَلقِ اللَهِ عَينُ الوَسيلَةِ
وَلكِن إِلى أَنوارِهِ الكُلُّ يَنتَهي
فَفيهِ حَقائِقُ الكِرامِ تَرَقَّتِ
عَلَيهِ صَلاةُ اللَهِ ثُمَّ سَلامُهُ
وَآلِه وَالأَصحابِ في كُلِّ لَحظَةِ
وَأَزواجِه وَالتابِعينَ جَميعِهِم
وَأُمَّتِه الغَرّاءِ أَفضَلُ أُمَّةِ