كّلما مررت من سور حديقتها المفروش بالياسمين ، ظهر لي وجهها المشرقُ من بين الأغصان ففاجأني وأفزعني .. فغالباً ما كنت أتسلل لأقطف بعضاً من تلك الزهرات البيضاء الجميلة ، حين كان عطرها يغريني ، حيثُ أنني لم أجد في مدينتي كلّها أزهاراً برونقها وجمالها ، فلا أقاوم هذا الجمال فأقطفه ليلقى التكريم اللائق في كلّ زاوية من بيتي المتواضع ..
السّورُ عالٍ لامرأةٍ في سنّها قد جاوزت الخمسين ، لكنها تخطّت حدود السنّ بشباب الرّوح ، رغم ما عصف بقلبها النقيّ من عواصف الزمان ، فأرداها وحيدة في بيت فسيح .. ملأت حدائقه وروداً ، وغطّت جدرانه بزهر الياسمين ..
تقفُ طويلاً على ذلكَ الكرسيّ الحديديّ ، ترقبُ الرائح والغادي ، لتبحث بين المارّة عن شخص تعرفه ، تناديه ُ بعباراتٍ مشحونة بالحبّ والرجاء ، لكي يقبل دعوتها ، فيضفي شيئاً من حياةٍ على المكان ، أويشاركها باحتساء فنجانٍ ساخنٍ من القهوة ، ويصغي لأحاديثها الشيّقة التي لا تنتهي إلا مع حلول الظلام ..
وغالباً ما كنتُ أنا الوحيدة التي تستجيبُ دون أدنى تردد ، فالثّمن غالٍ ، طاقة ورود ملوّنة ، ومنديلٌ مليء بالياسمين !
سافرت بي الأيّامُ بعيداً ، فأنستني الكتبُ والأوراق اسمي ، ورقم هاتفي ، وعنواني ..
وأنستني أيضاً طعم القهوة الساخنة ، في ظلال الياسمين ..
فرحةُ تخرّجي كانت عظيمة .. بعد أعوام كدٍّ وتعب ..
تذكرت ذلك الوجه البشوش الذي كان يلوح من بين الخضرة خلف السّور كزهرة برّية ..
واشتقتُ لثرثرة مليئة بالحياة ، وشاقني الحنين لأغمر تلك المرأة بابتسامة حبّ وأزفّ لها بشرى النجاح ..
لاشكّ بأنها ستفرح كثيراً ، وستزيّن رأسي بالزهور البيضاء الرقيقة ، وتملأ منديلي بعبقٍ أصيل ..
لأصوغ منها قلادة وسواراً وتاجاً من حنانٍ آسر ..
لاشكّ بأنها ستعانقني بفرحٍ كبير ، وستمضي الأسبوع كلّه تثرثر عنّي ، سأتصدّر الصفحة الأولى من أخبارها ، وسيكون لي الشّرف العظيم في لقائها ..
أسرعتُ إليها أحمل بين يديّ هديّة اعتذار عن تقصير غير مبرر ، وعربون شكرٍ وامتنانٍ على تلك السعادة التي ملأت عمري بها ، قصداً أو من دون قصد ..
كانت خطواتي تخبرني بأن الآتي عصيب ..
صورتها لم تفارقني طوال الطريق ..
هل تراها ما تزال وحيدة ؟
هل وجدت من تؤنسها ؟ أم أن الوحدة مازالت تمزقها بصمت ؟
هذا هو البيت ..
ماذا جرى ؟ السّور يغصّ في أنين ..
وهنا وجوم ، وهناك يبكي الياسمين !
البيتُ موحش ..
أطرق الباب مراراً
لا أحد يجيب !
أين أميرة القصر ؟ أين مالكة الحدائق والورود ؟
قالوا لي بحزن : لقد رحلت منذُ مدّة ..
وقد كانت تذكركِ بنبرة شوقٍ في آخر ساعات وفاتها ..
لقد ماتت صديقتي الطيبة !
دون وداع .. دون بسمة .. دون أن تكبدني عناء القلق والخوف وأنّات الفراق .. دون أن تهديني كعادتها طوقاً من ياسمين !
ماتت وما رسمت على جبينها قبلة ، وما سكبتُ في عزائها دمعة ، ولا آنستُ لها وحدة !
جلستُ مسندة ظهري على ذلكَ السّور الحزين ..
ورحتُ أبكي دموع الشّوق ، أثرثرُ وحدي بصوتِ يخنقه الحنين .. وأسقي بدمعي زهرَ الياسمين !
السّورُ عالٍ لامرأةٍ في سنّها قد جاوزت الخمسين ، لكنها تخطّت حدود السنّ بشباب الرّوح ، رغم ما عصف بقلبها النقيّ من عواصف الزمان ، فأرداها وحيدة في بيت فسيح .. ملأت حدائقه وروداً ، وغطّت جدرانه بزهر الياسمين ..
تقفُ طويلاً على ذلكَ الكرسيّ الحديديّ ، ترقبُ الرائح والغادي ، لتبحث بين المارّة عن شخص تعرفه ، تناديه ُ بعباراتٍ مشحونة بالحبّ والرجاء ، لكي يقبل دعوتها ، فيضفي شيئاً من حياةٍ على المكان ، أويشاركها باحتساء فنجانٍ ساخنٍ من القهوة ، ويصغي لأحاديثها الشيّقة التي لا تنتهي إلا مع حلول الظلام ..
وغالباً ما كنتُ أنا الوحيدة التي تستجيبُ دون أدنى تردد ، فالثّمن غالٍ ، طاقة ورود ملوّنة ، ومنديلٌ مليء بالياسمين !
سافرت بي الأيّامُ بعيداً ، فأنستني الكتبُ والأوراق اسمي ، ورقم هاتفي ، وعنواني ..
وأنستني أيضاً طعم القهوة الساخنة ، في ظلال الياسمين ..
فرحةُ تخرّجي كانت عظيمة .. بعد أعوام كدٍّ وتعب ..
تذكرت ذلك الوجه البشوش الذي كان يلوح من بين الخضرة خلف السّور كزهرة برّية ..
واشتقتُ لثرثرة مليئة بالحياة ، وشاقني الحنين لأغمر تلك المرأة بابتسامة حبّ وأزفّ لها بشرى النجاح ..
لاشكّ بأنها ستفرح كثيراً ، وستزيّن رأسي بالزهور البيضاء الرقيقة ، وتملأ منديلي بعبقٍ أصيل ..
لأصوغ منها قلادة وسواراً وتاجاً من حنانٍ آسر ..
لاشكّ بأنها ستعانقني بفرحٍ كبير ، وستمضي الأسبوع كلّه تثرثر عنّي ، سأتصدّر الصفحة الأولى من أخبارها ، وسيكون لي الشّرف العظيم في لقائها ..
أسرعتُ إليها أحمل بين يديّ هديّة اعتذار عن تقصير غير مبرر ، وعربون شكرٍ وامتنانٍ على تلك السعادة التي ملأت عمري بها ، قصداً أو من دون قصد ..
كانت خطواتي تخبرني بأن الآتي عصيب ..
صورتها لم تفارقني طوال الطريق ..
هل تراها ما تزال وحيدة ؟
هل وجدت من تؤنسها ؟ أم أن الوحدة مازالت تمزقها بصمت ؟
هذا هو البيت ..
ماذا جرى ؟ السّور يغصّ في أنين ..
وهنا وجوم ، وهناك يبكي الياسمين !
البيتُ موحش ..
أطرق الباب مراراً
لا أحد يجيب !
أين أميرة القصر ؟ أين مالكة الحدائق والورود ؟
قالوا لي بحزن : لقد رحلت منذُ مدّة ..
وقد كانت تذكركِ بنبرة شوقٍ في آخر ساعات وفاتها ..
لقد ماتت صديقتي الطيبة !
دون وداع .. دون بسمة .. دون أن تكبدني عناء القلق والخوف وأنّات الفراق .. دون أن تهديني كعادتها طوقاً من ياسمين !
ماتت وما رسمت على جبينها قبلة ، وما سكبتُ في عزائها دمعة ، ولا آنستُ لها وحدة !
جلستُ مسندة ظهري على ذلكَ السّور الحزين ..
ورحتُ أبكي دموع الشّوق ، أثرثرُ وحدي بصوتِ يخنقه الحنين .. وأسقي بدمعي زهرَ الياسمين !