إمام عبد الفتاح إمام - حديث عن السادية!..

أما السادية. Sadism فهي مذهب في علم النفس اشتق اسمه من الماركيزدي ساد. Marquis De. Sade (1740 - 1814) وهو كاتب وأديب فرنسي غريب الأطوار لا يمل من قراءة الكتب حتى أنه يحتفظ بمكتبته وهو في السجن، كما أنه صعلوك وشاذ ومنحرف وفاسق وفيلسوف، وصاحب استبصارات قوية حول الطبيعة البشرية حتى أصبح اسمه مذهباً شهيراً في علم النفس!.أما السادية. Sadism فهي مذهب في علم النفس اشتق اسمه من الماركيزدي ساد. Marquis De. Sade (1740 - 1814) وهو كاتب وأديب فرنسي غريب الأطوار لا يمل من قراءة الكتب حتى أنه يحتفظ بمكتبته وهو في السجن، كما أنه صعلوك وشاذ ومنحرف وفاسق وفيلسوف، وصاحب استبصارات قوية حول الطبيعة البشرية حتى أصبح اسمه مذهباً شهيراً في علم النفس!. ومن هنا اختلفت فيه الآراء، فذهب البعض إلى إنه مجرم، بل شيطان آثم. وانْ كان إنساناً فهو على أقل تقدير فاسق وفاجر، ولهذا استحق أن يقضي معظم حياته في السجن، كما حدث بالفعل، وأن يُكمل البقية الباقية منها في مصحة الأمراض العقلية وأن يموت فيها! وذهب آخرون إلى أنه يجسّد الانحراف. Perversion بأنواعه المختلفة لاسيّما الانحراف الجنسي، وهو انحراف نتج عن كراهية شديدة لأمه ودفاع ضد خوفه من عقدة الخصاء. Castration كما دفعته إلى الانتقام من الأنثى عموماً. ورأى فريق ثالث أنه فيلسوف عصر التنوير غير منازع، فقد سار بأفكار ذلك العصر حتى نهايتها، فأخذ بالمادية، والإلحاد، والإباحية، في أشد صورها تطرفاً!. بينما رأى فريق رابع أن السادية ليست مجرد شذوذ أو انحراف جنسي، بل إنها كانت سلاح دي ساد لارتياد آفاق مجهولة في الطبيعة الأساسية للأخلاق.
غير أن من الباحثين مَنْ يرى أن السادية، ليست ظاهرة حديثة في حياة الإنسان، وإنما هي ظاهرة قديمة وإن لم تشكل انحرافاً فإن درجة معينة من الممارسة السادية تحدث في حياة معظم الناس الجنسية، فهم على العموم يقومون أثناء العملية بكثير من الأفعال المؤلمة. مثل: القرص، والخدش، والعصر والعض بالإضافة عنده إلى ضرب النساء بالسوط وهن عاريات، وتقول إحداهن - وهي أرملة في السادسة والثلاثين من عمرها، أنه أخذها إلى المنزل بحجة أن يستأجرها كالعادة كخادمة. أخذني إلى منزله في ضاحية من ضواحي باريس، وهناك هددني بسكين وأرغمني على خلع ملابسي ثم ضربني بالسوط وأنا عارية حتى أدمى جسدى! ثم شقق أردافي بسكين، وصب في الشقوق شمع الختم المذاب واستمر يضربني بالسوط حتى صرخ صرخات مرعبة!. كما كان يقيد المرأة بالحبال ويربطها في السرير من اليدين والساقين. قبل أن يجامعها. وغير ذلك من الأفعال الغريبة والشاذة التى ينتج عنها أحياناً بعض الآلام الخفيفة غير الضارة أو المؤذية، وأحياناً أخرى تبلغ أقصى حدود التطرف والإيذاء لأي من المشاركين فيها كما حدث في حالة الماركيز دي ساد مع المرأة المسكينة الأرملة التى ذكرناها الآن تواً.
وعلى الرغم من أن الانطباع السائد هو أن الماركيز دي ساد، قد ركزَّ اهتمامه على ممارسة العنف في العلاقات الجنسية، وهي ممارسة قد تكون مؤلمة، بل شديدة الألم في بعض الأحيان كإحداث شروخ بمشرط أو سكين في جسد الضحية وملئها بالشمع المذاب. إلخ.
وبدأ الناس يتهامسون: هؤلاء الأرستقراطيون يفلتون دائماً من العقاب!، ومثال على ذلك هذا الماركيز!
ولكن الماركيز دي ساد أنكر أمام المحاكم الجنائية الكثير من الوقائع والروايات التى تروي عنه، وان كان قد اعترف بأنه ضربهاً بالسوط لكنه أنكر الفسوق والتفصيلات الأخرى قال:
إنها لم تقلم جيداً السبب الذي استأجرتها من أجله. وأنا لم أقيدها لكني ضربتها بالسوط فقط ثلاث أو أربع مرات برزمة من الحبال ولم أشقق جسدها بل فقط لطخت جلدها بشمع أبيض يشبه البلسم!.
وتخلص دي ساد من السجن بغرامة زهيدة فقد أفرج عنه بأمر من الملك على أن يظل في المنفى في بلدة بعيدة!.
وعلى الرغم من ذلك فإنه كان يحمل الأفكار التى أصبحت مثاراً للاهتمام العلمي بعد وفاته بقرن ونصف، وذلك لأنه قد أدرك من تجربته الخاصة مدى العلاقة الوثيقة (التى أثارها سقراط في القرن الرابع قبل الميلاد في محاورة فيدون) التى تربط بين اللذَة والألم، وسواء اتفق العلم أو اختلف مع آرائه، فقد فتح مصطلح السادية. Sadism الذي يُنسب إليه باباً واسعاً للتأمل في ظاهرة قديمة وملازمة - بدرجة أو بأخرى - للحياة الإنسانية وهي ظاهرة العنف أو العدوان أو الدوافع التى تجعل الإنسانية تحدث لذة في إيذاء الغير لا لغايات جنسية فحسب، بل لغايات أخرى لا يبدو فيها أي غرض جنسي، فما أصول هذه الظاهرة أولاً: ثم ما هي الصلة بين سلوك العنف والعدوان والإيذاء الذي يمارسه الإنسان في حياته وبين الجوانب الجنسية ثانياً: ثم ما هي علاقة السادية بظاهرة إقبال الناس في معظم الحضارات والأزمان على ما يتسم بالعنف في السلوك سواء كانت هذه الأنشطة جسدية كالحروب والمعارك المؤذية أو أموات الرياضة العنيفة وغيرها من النشاطات الجسدية المتسمة بالعنف أو كانت أنشطة غير جسدية كالصور، والأفلام، والروايات بل حتى الأحلام والخيالات التى تصور العنف؟!
ولقد كتبت سيدة صديقة والده - الأب دي ساد تصف الحالة المزاجية السائدة:
لقد اندلعت كراهية عامة ضده [أي ضد الابن] تجاوز كل وصف احكم عليها أنت بنفسك! لقد اعتقد الناس أنه يندمج في عملية الجلد بالسوط الجنونية ليسخط من آلام المسيح وعذابه وأنه كان ضحية لوحشية الجماهير!.
ولقد ذهب بعض الباحثين إلى أن هذه الظاهرة الإنسانية - ظاهرة الإقدام المباشر أو غير المباشر على العنف - إنما هي مظهر من مظاهر التعبير عن الطاقة الجنسية التى لا يمكن استنفادها بشكل كاف بالطرق الجنسية المباشرة المعروفة، ولهذا السبب فلابد لها أن تظهر على صورة عنف أو ميل إلى العنف، وعلى الرغم من أنه يصعب إثبات هذه العلاقة، فإننا لا نستطيع أن نتغافل عن ملاحظة علمية تقول أن الاستجابات الجسدية الفسيولوجية للاعتداء والعنف مهما يكن الداعي إليها تشبه - في معظم الحالات - الاستجابات الفسيولوجية للعلاقات الجنسية - كما أن قدرة الفرد على ممارسة العنف - بغض النظر عن أسبابه - تضعف إلى حد بعيد، عندما يصل المرء إلى مرحلة الانطفاء للاستجابات الجنسية. أو بسبب انغماس الفرد المتواصل في الأنشطة الجنسية. وهذه الملاحظة مهمة، لأنها تبيّن لنا مدى العلاقة بين العنف والجنس في حياة الإنسان وفي المجالات المختلفة من نشاطاته.
ثم تحولت السادية إلى نظرية في علم النفس على يد سيجموند فرويد. S. Freud (1856 - 1939) وتحولت كذلك إلى نظرية في الأدب، فأصبح مصطلح السادية يدل على الفلسفة المادية الحسية التى اعتنقها كثير من أدباء القرن الثامن عشر في فرنسا، ولاسيّما فلاسفة الموسوعة من أمثال كوندروسيه. Condorcet (1743 - 1794). ودنيس ديدور. D. Diderot (1713 - 1784) وغيرهما. وهي فلسفة تذهب إلى أن العالم عبارة عن مادة في حالة حركة مستمرة، وليس في استطاعة الإنسان أن يدركها إلا من خلال حواسه. ومن ثم فعلى الإنسان في رأى هذه الفلسفة أن يدرب حواسه باستمرار ليكون على دربة ودراية تامة بطبيعتها، ولكي يدرك المبدأ الحقيقي للإنسان، فهذه الفلسفة مظهر من مظاهر سعي الإنسان وراء الحقيقة في ضوء فطرته. ويرى الماركيز دي ساد أن الإنسان بفطرته ليس خيراً. وإنما هو بالطبيعة عنيف، وقاس، والعودة إلى الطبيعة تعني الارتداد إلى هذه القسوة بإثارة ما في كوامن النفس من غرائز عنيفة، والتأمل من غير خداع للنفس في مصادر اللذة والمتعة، مما يجعله يشعر باتساع آفاق ذاته وحدودها والملاحظة أن هذه الفلسفة تعدت حدود القرن الثامن عشر، وأثرّت في الحركة الرومانسية في أوروبا حتى العقد الأخير من القرن التاسع عشر، حيث لعبت دوراً مهما في المدرسة الرمزية في فرنسا وهكذا يَبيّن لنا أن السادية لم تكن كلها ممارسة جنسية عملية يسودها العنف فحسب، بل كان لها جانب نظري تمثل في مؤلفات الماركيز دي ساد ذات المحتوى العنيف في تصوير الممارسات الجنسية وأهم هذه المؤلفات روايته الشهيرة جوستين وجوليت والمعروفة أيضاً باسم لعنة الفضيلة ونعمة الرذيلة. وإن كان الماركيز لم يمارس سوى القليل مما خلقه خياله الخصب في مؤلفاته. فإنه خلق لنا مصطلحاً ارتبط باسمه، بل أصبح من أكثر المصطلحات تداولاً على ألسنة الكّتُاب والمؤلفين، بل من أشدها تنوعاً حتى في علم النفس الحديث ذاته. فعلى حين أن السادية تعتبر في حياتنا إزاحة خارج النفس لغريزة الموت والهدم، فإنه يتبين أن الانحراف السادي يعتمد على مزج كفة الهدم، وكفة الحب والحياة معاً، وقد يكون تفريغ العداوات مجلبة للذة في حد ذاته.
وقد تفرغ عن السادية أنواع كثيرة جداً فهناك: -
السادية المعقدة.complicated Sadism عندما لا يعاني المريض وهو يقوم بفعل اللذة وحدها، بل أيضاً الرعب والاشمئزاز والألم، ويستخدم هذا المصطلح في مجال الطب العقلي.
السادية المقلوبة. Inverted Sadism وهو الكبت الإيجابي لميول سادية قوية.
السادية الاستية. Anal Sadismوهي توجد في الأصل أثناء استياء الطفل من توقيع العقاب عليه أثناء تعلمه النظافة في الإخراج.
السادية السياسية. Political Sadism وتوجد في حكم الطاغية الذي يستمتع بتعذيب الرعية، حتى يصبح الناس كما يقول نزار قباني:
حين يصير الناس في مدينة. ضفادعاً مفقوءة العيـون
فلا يثورون ولا يشكون. ولا يغنون. ولا يبكون
ولا يموتـون ولا يحيون. تحترق الغابات والأطفال والأزها تحترق الثمار
ويصبح الإنسان في موطنه. أذل من صـرصار
وسوف نعود إلى هذا النوع من السادية لأهميته بالنسبة لنا.
وهناك أيضاً السادية الفمية. Oral Sadism
وسادية الهوا أو الغرائز. Id Sadism
والسادية القضيبية. Phallic Sadism
وسادية الأنا الأعلى، والسادية اللاشعورية. وغير ذلك كثير مما تزخر به قواميس علم النفس.
ونكتفي بهذا القدر ومَنْ أراد المزيد، فليرجع إلى كتابنا عن الماركيز دي ساد!.



إمام عبد الفتاح إمام


المصدر
الأهرام اليومى

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى