كان أحد الملوك مطيعاً لأبيه الذي ورث عنه المُلْك، وعمل بنصائحه التي تحضه على ألا يكتفي بقتل خصومه بل يقتل أيضاً أسرهم وأقاربهم وجيرانهم وأصدقاءهم ومعارفهم، فتكاثرت القبور في البلاد، ولكنها ظلت أقل عدداً من جثث المطرودين من الحياة تنفيذاً لأوامر ملكية صارمة.
وكان الملك ذا قلب رقيق، تدمع عيناه لحظة يسمع صوتاً عذباً ينشد أغنية حزينة، ولا ينسى الناس يوم أجهش بالبكاء تعاطفاً مع ولاويل طفل صغير السن ينادي أباه المحكوم بالإعدام، ولكنه لم يوقف الإعدام، وأمر رسامه الخاص بأن يرسم الطفل وهو يهديه وردة بيضاء.
وكان الملك يحبّ كل ما في مملكته ما عدا الرجال والنساء والأطفال، ويفضل الكلاب ويخاطبها طوال ساعات بغير ضجر، ويطيب له أن يتفرج عليها منقضة على قطط صغيرة السن، ويضحك مغتبطاً منتشياً كأنه يشاهد مهرجين مهرة قادرين على انتزاع الضحكات من الموتى.
ولم يتزوج الملك على الرغم من أنه كان مطوقاً بأجمل النساء، ولكنه لم يكن يبالي بهن، ولا يحس بوجودهن كأنهن مجرد أصنام من خشب تزين حدائق قصوره.
وفجأة سيطر على الملك حب غامض للنظافة، وتاق إلى أن تكون بلاده أنظف بلاد في العالم، وفكر في أساليب تتيح له نيل ما يتوق إليه، وتنبه إلى أن الطعام وطهوه هما السبب في تلك الجبال من القمامة المثيرة للإشمئزاز، فأمر بمنع الطعام، وخيّر شعبه بين أن يعيش بغير طعام نظيفاً وبين أن يرحل، ففضل شعبه الرحيل السريع تاركاً الملك وطهاته وحراسه يعيشون في بلاد لا مثيل لنظافتها.