دخل إلى غرفة الطبيب ثلاثة رجال وممرضة، فرحبّ الطبيب بالرجال، ورجاهم الجلوس مشيراً إلى المقاعد القريبة من الطاولة التي كان يجلس وراءها، وطلب إلى الممرضة أن تحضر لهم القهوة، فبادرت إلى الخروج من الغرفة بخطى مسرعة .
قال الطبيب للرجال الثلاثة : أرجو ألاّ تعتبروا هذه الجلسة جلسة طبيب مع مرضاه بل اعتبروها جلسة تسلية ومزيد من التعارف خاصة وأنّكم شفيتم وستغادرون المستشفى في وقت قريب بعد أن أنجز كتابة تقريري عن أحوالكم.
لم يتفوه المرضى الثلاثة بأيّة كلمة، فقال الطبيب لهم : أنا محتار ولا أعرف كيف أبدأ حديثي معكم لأنّي تعوّدت الأسئلة الطبية، وصرت أجهل الأحاديث العادية. سأسألكم : مَنْ مِنكم رأى بحراً؟
فظلّ المرضى الثلاثة صامتين واجمين، فقال الطبيب لأحدهم : تكلّم يا أنور .. ألم تر في حياتك بحراً؟
فهزّ أنور رأســه هزة تعنيّ أنّه رأى البحر، فسـأله الطبيب : ومتى رأيته؟
قال أنور : رأيته قبل ثلاثة أيّام عندما عرض التلفزيون فيلماً تدور حوادثه في باخرة بحجم بناية وتغرق.
قال الطبيب : وكيف غرقت الباخرة؟
قال أنور : لا أدري، وغرقتُ من دون أن أعلم السبب.
قال الطبيب : لو كنت تجيد السباحة لما غرقت.
قال أنور : كنت أجيد السباحة، ولكنّ الماء المالح الذي دخل فمي كان أثقل مني وشدّني إلى قاع البحر.
فأشــار الطبيب بيده إلى مريض آخر، وســـأله : وأنت يا أمجــد.. ألم تر البحر؟
فقال أمجــــد : أنا أيضاً كنت في هذه الباخرة التي غرقت، وكنت بحّاراً من بحّارتها.
قال الطبيب : وهل غرقتَ كما غرق أنور؟
قال أمجد : قتلتُ قبل أن أغرق، وسقطت كتلة حديدية على رأسي وحطّمته.
قال الطبيب بأسف : لا حول ولا قوة إلا با لله.
قال أمجد : والباخرة لم تغرق مصادفة بل أنا الذي ثقبها وأغرقها.
قال الطبيب : ولماذا أغرقتها؟
قال أمجد : ما هذا السؤال؟ أغرقتها لأنّ على سطحها كمية كبيرة من الناس الفاسدين.
قال الطبيب : وبالطبع مات الأبرياء ومات المذنبون.
قال أمجد : إذا كان قتل مليون بريء يؤدي إلــى قتل مذنــب واحد، فهوّ قتل مفيد، ويجب أن يتكرر كلّما سنحت الفرصة.
قال الطبيب : ولكنّك كنـت تقول كلاماً مختلفاً قبل أن تأتي إلى مسـتشفانا. أنسيته؟
قال أمجد : لم أنسه، وما زلت أتذكّره وأسخر من بلاهتي. كنتُ أقول إنّ قتل مليون مذنب لا يبرر قتل بريء واحد.
فابتسم الطبيب ، وقال للمريض الثالث : وأنت يا سالم؟
قال سالم : أنا الوحيد الذي يستحق أن يُسأل عن البحر لأنّي ولدتُ في بيت قريب من البحر، وتعوّدت كلّ يوم أن أمشــيّ فوقه اختصاراً للمسافة بين البيت والمدرسة.
قال الطبيب : أكنت تمشيّ على وجه البحر؟
قال سالم : أحياناً كنت أمشيّ على قدميّ ، وأحياناً كنت أمرّ فوقه راكباً دراجتي.
في تلك اللحظة ، عادت الممرضة إلى الغرفة حاملة صينية عليها ثلاثة فناجين من القهوة ، وأعطت كلّ رجل من الرجال الثلاثة فنجانه، فراح الثلاثة يحتسون قهوتهم على مهل غير مبالين بالطبيب الذي كان يحملق إليهم بدهشة ممتزجة بكثير من الغبطة والفخر .
من كتاب ( سنضحك ) 1998
قال الطبيب للرجال الثلاثة : أرجو ألاّ تعتبروا هذه الجلسة جلسة طبيب مع مرضاه بل اعتبروها جلسة تسلية ومزيد من التعارف خاصة وأنّكم شفيتم وستغادرون المستشفى في وقت قريب بعد أن أنجز كتابة تقريري عن أحوالكم.
لم يتفوه المرضى الثلاثة بأيّة كلمة، فقال الطبيب لهم : أنا محتار ولا أعرف كيف أبدأ حديثي معكم لأنّي تعوّدت الأسئلة الطبية، وصرت أجهل الأحاديث العادية. سأسألكم : مَنْ مِنكم رأى بحراً؟
فظلّ المرضى الثلاثة صامتين واجمين، فقال الطبيب لأحدهم : تكلّم يا أنور .. ألم تر في حياتك بحراً؟
فهزّ أنور رأســه هزة تعنيّ أنّه رأى البحر، فسـأله الطبيب : ومتى رأيته؟
قال أنور : رأيته قبل ثلاثة أيّام عندما عرض التلفزيون فيلماً تدور حوادثه في باخرة بحجم بناية وتغرق.
قال الطبيب : وكيف غرقت الباخرة؟
قال أنور : لا أدري، وغرقتُ من دون أن أعلم السبب.
قال الطبيب : لو كنت تجيد السباحة لما غرقت.
قال أنور : كنت أجيد السباحة، ولكنّ الماء المالح الذي دخل فمي كان أثقل مني وشدّني إلى قاع البحر.
فأشــار الطبيب بيده إلى مريض آخر، وســـأله : وأنت يا أمجــد.. ألم تر البحر؟
فقال أمجــــد : أنا أيضاً كنت في هذه الباخرة التي غرقت، وكنت بحّاراً من بحّارتها.
قال الطبيب : وهل غرقتَ كما غرق أنور؟
قال أمجد : قتلتُ قبل أن أغرق، وسقطت كتلة حديدية على رأسي وحطّمته.
قال الطبيب بأسف : لا حول ولا قوة إلا با لله.
قال أمجد : والباخرة لم تغرق مصادفة بل أنا الذي ثقبها وأغرقها.
قال الطبيب : ولماذا أغرقتها؟
قال أمجد : ما هذا السؤال؟ أغرقتها لأنّ على سطحها كمية كبيرة من الناس الفاسدين.
قال الطبيب : وبالطبع مات الأبرياء ومات المذنبون.
قال أمجد : إذا كان قتل مليون بريء يؤدي إلــى قتل مذنــب واحد، فهوّ قتل مفيد، ويجب أن يتكرر كلّما سنحت الفرصة.
قال الطبيب : ولكنّك كنـت تقول كلاماً مختلفاً قبل أن تأتي إلى مسـتشفانا. أنسيته؟
قال أمجد : لم أنسه، وما زلت أتذكّره وأسخر من بلاهتي. كنتُ أقول إنّ قتل مليون مذنب لا يبرر قتل بريء واحد.
فابتسم الطبيب ، وقال للمريض الثالث : وأنت يا سالم؟
قال سالم : أنا الوحيد الذي يستحق أن يُسأل عن البحر لأنّي ولدتُ في بيت قريب من البحر، وتعوّدت كلّ يوم أن أمشــيّ فوقه اختصاراً للمسافة بين البيت والمدرسة.
قال الطبيب : أكنت تمشيّ على وجه البحر؟
قال سالم : أحياناً كنت أمشيّ على قدميّ ، وأحياناً كنت أمرّ فوقه راكباً دراجتي.
في تلك اللحظة ، عادت الممرضة إلى الغرفة حاملة صينية عليها ثلاثة فناجين من القهوة ، وأعطت كلّ رجل من الرجال الثلاثة فنجانه، فراح الثلاثة يحتسون قهوتهم على مهل غير مبالين بالطبيب الذي كان يحملق إليهم بدهشة ممتزجة بكثير من الغبطة والفخر .
من كتاب ( سنضحك ) 1998