إبراهيم محمود - البيان الأنطولوجي " من نحن؟"

نحن سودٌ، بيض، صفر، سمر، خلائط لونية، وأسودنا أسودات، وأبيضنا أبيضات، وصفرنا صُفرات، وسمرنا سُمرات، وخلائطنا دائمة الاستيلاد، نحن ملتقى ألوان، شغوفون بالألوان، متنوعون تتكلمنا ألواننا دون تحفظ، فالله يحب التنويع، ولا دخل لنا بالخالق، بمقدار ما نسعى إلى تأكيد حكمة الخلْق في التنويع، ونحن دروب، طرق، منحدرات، حافات، أرخبيلات، خلجان، صحارى، برار ٍ، مدارات، مناخات شتى، فصول في آن، طلاب حياة أنّى وجدت وكانت .

***

لا نستخدم عبارة " اتصل/ اتصلوا بنا" بطابعها الأمري، فنحن مضارع مستمر ، ننأى بأنفسنا عن كل صيغ من صيغ الأمر: مفرداً ذكرياً أم أنثوياً، جمعاً ذكرياً أم أنثوياً، فللمتصل حُكِم إرادته ، ولإرادته ذوق رغباته في الكتابة أصلاً وفصلاً ووصلاً ، لا نلتفت إلى حدود ، إنما خارجها ، لهذا ، للمتصل حرية الاتصال والتقدم برصيده في الكتابة الطليقة.
ونحن لا نواعد أحداً، ولا نطلب من أحد أن يحدد موعداً، أو يطلبه، فالكتابة التي نحفّزها، تنمو، كما تجد ضالتها في الحياة بعيداً عن مواعيد محددة، ومقابلات مراتبية!

***

لنا ألسنة شتى، تتكلمنا لغاتٌ، وتجلونا علامات، سعياً إلى مجتمع ينأى بنفسه عن قوانين واضعوها سدنة القوة ، وطالبو السلطان . لا أحكام تجمعنا، إنما إلهامات واستلهامات . لكل منا ما يتعزز به ألقاً يضاء به، ويستأنس به سواه، نتنفس الجهات المفتوحة، والحرية التي تضمن حق كل منا في مرافقة نصه، أنى كان، شريطة أن يكون لاحدودياً، أي ضد حدود العنف.

***

نحن جمْع غفير من الوجوه التي تقيم في شرفات المعاني الشفافة. لا نبحث عن " مناصب" أو " مكاسب" إنما عن مواهب، نتجنب المنابر،ونشدّد على المعابر، نطلب الإقامة خارج برودة القضبان وسخونتها، مأخوذين بفضاء من الحرية التي تمنحنا جميعاً شرف " الدازاين" بعيداً عن الأقنعة، فنحن نجهد ونجتهد بغية التحرر من كل موجود شائك ومتغطرس فينا.

***

لا نخشى من التعبير الطليق عما نحن عليه، وما نروم إليه. لا نخجل من التعبير عن أجسادنا، وما في حكم أجسادنا من حيوات، فنسمّي أعضاءنا ذكوراً وإناثاً، فلها حق علينا، ومسعانا القويم، إخراج أجسادنا هذه من التبعيات التليدة التي حجّرت علينا/ عليها، لنحسن التعبير عن طاقات قارّة فينا، بعيداً عن آمر فقهي، أو متربص سلطوي، لنكون جديرين بـ" هذا الإنسان" فينا.

***

نكتب عندما تستحضرنا الرغبة الحكيمة في الكتابة، لا منفعة مباشرة وغير مباشرة تعيننا على الكتابة في أي لون أو جنس أدبي، فكري، بحثي، فني، لا مصلحة تؤطّر فينا وجوهنا الكتابية، خطاب ألسنتنا ولغاتها، عناويننا بصبغتها الزابوقية، أو الفئوية، أو الاستئثارية، فليس من سلطان لأحد، كي يشهّر عصاه، وإنما مداه الروحي، وهو أقصى ما نسعى إليه.

***

عفويون فيما نقول ونكتب، وإن كنا نعيش مخاضات شاقة، لنطرح من داخلنا ما يضيئنا، ونعطى خطانا دفعاً أمضى، ونكون عند حسن ظن سوانا. ويمكن لأي نص، أو أثر نطرحه أنطولوجياً، أن يفسَّر أو يؤول، أو يناقش، أو يُنتقَد، أو يقرَأ بمعايير شتى، وأذواق شتى، إنما الهدف الوحيد في كل ذلك، ما يوسّع هذا الفضاء الروحي فينا، ويهيب بمن لا يعلم بأمرنا أن يأتينا بإرادته، ويدخل دون طرق باب، وهو يصطحب أثره الإنساني، ليزيد في رصيدنا القيمي اللامحدود.

هوذا بياننا، فمن شاء فليزده تعزيزاً ، ومن شاء فليستأنس به، وليزده وضوحاً، ومن شأن فليدعه وشأنه، لأنه لا يحمل إلا حضوره الإنساني، ولأننا في كل ما نقوم به، ونسطّر لا نملك إلا قيودنا!


2-7/ 2019 – دهوك
  • Like
التفاعلات: جبران الشداني

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى