رحيم زاير الغانم - أدب الأطفال.. فن غائب

إنَّ قراءة متأنية لمصطلح أدب الأطفال, تعني أنَّ للأطفال أدبا خاصا بهم يرعى هذه الفئة العمرية وتوجهاتها وانطلاقاتها, ويرعى كذلك مهاراتها اللغوية التي تعدُّ المحور الرئيس الذي ينطلق منه الأديب, في ضوء مستوى إدراك هذه الفئة من البشر, ليشعرهم بالمتعة العقلية والعاطفية, فهو بذا يستهدف النمو العقلي ويشحذه ليصل بهم إلى الإرضاء الفكري والتنويري, فالأطفال هم اللبنة الأولى التي تستند عليها الأمم في بناء آمالها و طموحاتها, أما التنامي العاطفي, وكما نعلم بحسب علم النفس الحديث, في تحديده لسني الطفولة, هي الفئة العمرية من عمر أشهر إلى مرحلة المراهقة, لذا يكون الطفل خلالها تحت رعاية الأسرة المباشرة, يستمد منها الحنان, أو تحت رعاية (رياض الأطفال والتعليم الابتدائية) ليتفتح عقله ويتنور فكرة في سنيه المبكرة, لذا فالطفل يبقى ينمو في رحم تسوده العاطفة وتنمية القدرات المعرفية والعقلية.
إنَّ الاهتمام بأدب الأطفال في شتى أنواعه ( القصة, المسرحية, الشعر, )أو الفنون الجمالية مثل (الرسم والنحت والموسيقى), من شأنها أن تصنع لنا أجواءً ملائمة وصحية في نفس الوقت, لصنع جيل يتلمس الجمال والأدب, مرتكز على قيم تستهدف استنهاض طاقاته الإبداعية, وتتمكن من رسم ملامح شخصيته المستقبلية بما تحقق من معرفته للأشياء, مستفيدا من الجو الثقافي الذي يخلق لديه وعيا مبكرا في شتى المجالات, كالأدب أو الفنون الأخرى, والأخذ من معينها الذي لا ينضب, وهذا يتجلى من خلال الاستعانة بوسائل الثقافة الحديثة التي من شأنها منحنا مواكبة ما وصلت إليه الأمم الأخرى, في مجال الأدب والفن أو في مجال الدراسات النفسية الحديثة, التي تضع الأطفال ونشأتهم نصب أعينها.
نجد أنَّ أدب الأطفال استقر كنوع أدبي بعد الحرب العالمية الثانية, وأتى هذا من خلال ما مرت به أوربا والعالم بشكل عام من ويلات أتت على البشر عموما والطفل خصوصا, فالأمم العظيمة تتنبه للأفراد الذين يشكلون عمودها الفقري, فالطفل مورد بشري هام, ورعايته من ضمن مسؤولية المؤسسة الثقافية الرسمية, أو مؤسسات أخرى مستقلة لكنَّها فاعلة لتمتعها بشخصية معنوية, من كلِّ هذا نجد تجربتنا مع الحرب كأمة ليس أقلَ شأناً من تجارب الأمم الأخرى, ولكي نتمكن من مواجهة آلة الحرب وويلاتها, يجب علينا, الإسهام في خلق جيل (يؤمن بالسلم, يؤمن بالآخر), من خلال إيمانه بفاعلية الأدب في تأهيل الإنسان, وأن نسجل للأدباء والفنانين العراقيين تجاربهم التي يشار لها بالبنان, لكننا اليوم نشكو ندرتها أو غيابها التام في بعض المجالات, وقد يتجه البعض إلى وضع اللوم على فئة الشباب على اعتبار أنَّها فئة/ جيل, بعيدة عن القيم وغير مؤمنة بالمواطنة, وقد يذهب البعض أكثر إلى القول بعدم انضباطها, ونتساءل من أين يأتي الالتزام بالقيم أو التحلي بالانضباط -لكي نكون موضوعيين- أن لم نؤمن بخلق الفضاءات الملائمة؟ أو العمل على تواصل الأجيال معرفيا وثقافياً, ولا نخجل أن قلنا, لقد أُسس لثقافة إهمال الشباب واستفحلت هذه الثقافة لتشمل إهمال فئة الأطفال, على الرغم من رفع شعارات فضفاضة (الأطفال, شباب المستقبل وعماد الأمة), الأمر الذي أحدث شرخا كبيرا لا يمكننا رأب صدعه ما لم تتكاتف جهود الجميع من أجل إقامة ندوات وورش تأخذ على عاتقها نشر الوعي, بفاعلية أدب الأطفال في صنع الإنسان.
قد يرى البعض الكتابة في مجال(الشعر,المسرح, القصة) للفئات العمرية الصغيرة/ الأطفال, مضيعة للجهد, وان الكتابة للكبار تأتي أُكُلُها, وهي بحسب هذه الحسابات النفعية الضيِّقة, ستشكل عائقا كبيرا- يجب علينا الإقرار به- ولأجل إنجاح مشروع تنشيط أدب الأطفال, وإعادته إلى الواجهة الثقافية, يجب أن يعمل الجميع سواء أكانوا أفرادا أم مؤسسات أدبية أو فنية, على خلق جوٍ نقي خالٍ من شوائب الحرب و أدران الأفكار المتخلفة التي قوضت عديد الفنون والآداب الحيَّة, وكذلك إشاعة روح المحبة والوئام والسلم وحرية الفكر والتوجه وحقّ الإنسان في الحياة, للمساهمة في خلق جيل يؤمن بالأخر.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى