عبدالله الحريف - واقع اليسار في المغرب اليوم

على الرغم من كون الظروف الموضوعية في المغرب (أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية عميقة ومتفاقمة)، ملائمة لتطور اليسار وتبوئه موقع الصدارة، إلا أن هذا اليسار يتسم بالضعف والتشرذم والتيه الفكري. بل أصبح المفهوم نفسه غامضاً ومضبباً، وذلك بالخصوص بسبب الانتشار الواسع لمفاهيم "ما بعد الحداثة" وتأثيرها الذي يركز على "البنية الفوقية" لتحديد اليسار("المحافظة" مقابل "الحداثة")، وتضخيم الهويات والخصوصيات الجنسية والفئوية على حساب الطبقات الاجتماعية. وهذه المفاهيم تنظر للعمل المجزأ، وخاصة في المجتمع المدني الذي غالباً ما تحصره في المنظمات غير الحكومية الممولة من طرف مؤسسات غربية في أغلب الأحيان، وذلك على حساب الصراع الطبقي وأدواته (النقابة والحزب). فما هو اليسار اليوم؟

من هو اليسار؟

تتميز المرحلة الحالية في المغرب بالصراع من أجل التحرر الوطني من هيمنة الإمبريالية الغربية، وخاصة الفرنسية، ومن أجل الديمقراطية. هذا الصراع الذي تخوضه الطبقات الشعبية (الطبقة العاملة، الكادحين من غير العمال في البوادي والمدن، والبرجوازية الصغرى وجزء من البرجوازية المتوسطة المصطف بجانب الطبقات المذكورة سابقاً). ويتكون اليسار من القوى التي تطمح إلى تمثيل الطبقات الشعبية وتناضل من أجل مصالحها الآنية (تحسين أوضاعها المادية والمعنوية)، والاستراتيجية المتمثلة في التحرر الوطني والديمقراطية وتدافع عن قيم التقدم والحرية والعلمانية والمساواة والكرامة.

يتكون اليسار في المغرب اليوم من "حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي"، والمؤتمر الوطني الاتحادي"، و"الحزب الاشتراكي الموحد"، و"النهج الديمقراطي"، ومجموعات تروتسكية صغيرة ("المناضل(ة)" و"التحررالديمقراطي" و"رابطة العمل الشيوعي") ومجموعات منحدرة من "القاعديين"، وبالدرجة الاولى من جماعة "البرنامج المرحلي".

هكذا ينقسم اليسار إلى يسار جذري ويسار إصلاحي:

اليسار الجذري يتشكل، بالأساس، من القوى الماركسية المشكلة من التوجهات الرئيسة التالية:
- التوجه الماركسي أو الماركسي - اللينيني الذي يناضل ضد الرأسمالية ومن أجل الاشتراكية ويسعى إلى بناء حزب الطبقة العاملة كأداة لإنجاز مهام التحرر الوطني والديمقراطي على طريق الاشتراكية.
- التوجه التروتسكي الذي يرى أن الصراع، في جميع بلدان المعمورة، هو الآن بين البورجوازية والطبقة العاملة، وأن المهمة المطروحة عالميا هي الثورة الاشتراكية.

اليسار الإصلاحي هو يسار اشتراكي - ديمقراطي يناضل ضد الانعكاسات الخطيرة للرأسمالية على أوضاع الجماهير الشعبية وليس ضد الرأسمالية كنمط إنتاج، ويعتبر أن الانتخابات هي الوسيلة الأساسية لتغيير الأوضاع.
واقع اليسار عشية انطلاق الربيع العربي

إن واقع اليسار المغربي عشية انطلاق ما سمي بـ"الربيع العربي" الذي جسدته حركة 20 فبراير، له جذور تاريخية عميقة:

- ارتكب الحزب الشيوعي المغربي الذي تأسس في نهاية المرحلة الاستعمارية، أخطاء استراتيجية (تخلفه عن طرح مسألة الاستقلال والنضال من أجله، وربط هذا النضال بالنضال من أجل الثورة الزراعية)، وترك قيادة النضال من أجل الاستقلال للبرجوازية، وتراجع تدريجياً، انطلاقا من حصول المغرب على الاستقلال سنة 1956، عن مهمة بناء حزب الطبقة العاملة وعن هويته الماركسية وأصبح ذيلياً لليمين. لذلك، سيفقد تأثيره الجماهيري ونفوذه، وسيغير اسمه ليصبح "حزب التحرر والاشتراكية" ثم "حزب التقدم والاشتراكية". الشيء الذي دفع مجموعة من أطره إلى الانسحاب منه، في 30 آب/ أغسطس 1970، وتأسيس منظمة ماركسية لينينية سرية ستعرف فيما بعد بـ"إلى الأمام".

- تشكل حزب "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية"، في 1959، كحزب يساري جماهيري يضم توجهاً إصلاحياً وآخر جذرياً. وقد عمل النظام على إضعاف هذا الحزب بواسطة ضرب التوجهات الجذرية داخله (المقاومة المسلحة وجيش التحرير)، وترويض الجناح النقابي (الاتحاد المغربي للشغل) وتقوية التوجه الإصلاحي والتكنوقراطي داخله. وقد ظهر ذلك جلياً أواسط ستينيات القرن الماضي حيث عجز "الاتحاد الوطني للقوات الشعبية" عن الرد على القمع الدموي لانتفاضة الدار البيضاء في 23 آذار/ مارس 1965 (1)، وإعلان النظام حالة الاستثناء واغتيال المهدي بن بركة في 29 تشرين الاول/ أكتوبر 1965 . وقد أدى ذلك، في 1968، إلى انسحاب مجموعة من الأطر التي أسست منظمة ماركسية - لينينية سرية ستعرف لاحقا بمنظمة "23 مارس". وعاشت هذه المنظمة انشقاقاً أدى إلى انسحاب عدد من أطرها ومناضليها الذين أسسوا منظمة "لنخدم الشعب" في 1970. وتخلت منظمة "23 مارس"، شيئا فشيئا عن مهمة بناء حزب الطبقة العاملة وعن الماركسية لفائدة بناء حزب يساري اشتراكي - ديمقراطي تحت اسم "منظمة العمل الديمقراطي الشعبي"، بينما اندثرت منظمة "لنخدم الشعب". وتم، في 1972، انفصال الجناح النقابي عن الحزب الذي تحول اسمه ليصبح "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية". بعد ذلك عرف "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" انزياحاً تدريجياً نحو اليمين. الشيء الذي أدى إلى انسحابات متتالية من صفوفه:

- انسحاب الاتجاه الجذري سنة 1983، وتأسيسه لـ"حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي".

- انسحاب المركزية النقابية التابعة له، "الكونفدرالية الديمقراطية للشغل"، وتشكيلها لحزب "المؤتمر الوطني الاتحادي" في 2002.

- وأخيرا انسحاب تيار "الوفاء للديمقراطية" الذي له امتداد وسط شبيبة الحزب.

وتشكلت، خاصة انطلاقاً من ثمانينات القرن الماضي، مجموعات تروتسكية صغيرة، ليس على أساس خلافات جوهرية حول القضايا المصيرية للشعب المغربي، بقدر ما أنها انعكاس لانقسامات الحركة التروتسكية في أوروبا أو صراعات ذاتية ( تيار "المناضل(ة)" وتيار "التحرر الديمقراطي" و"رابطة العمل الشيوعي").

وتهيكل، أواخر السبعينات من القرن الماضي، تيار نقابي وسط المنظمة الطلابية "الاتحاد الوطني لطلبة المغرب" سيعرف بـ"الطلبة القاعديون"، متأثراً بالفكر الماركسي – اللينيني، وهو سرعان ما انقسم إلى مجموعات متناحرة.

هناك تيه فكري بعد انهيار تجارب بناء الاشتراكية، وضعف المجهود لتطوير الفكر الاشتراكي، واختراق الفكر البرجوازي للمنظمات والمناضلين اليساريين، وخاصة ذاك الذي يشكك في أسس الفكر التقدمي وجدوى التغيير ويطرح كبديل الاكتفاء بالعمل على قضايا جزئية، وعلى الهويات، وعلى قضايا مجتمعية، والترويج للعمل في"المجتمع المدني".

في نهاية ثمانينات وبداية تسعينات القرن الماضي، إنطلق نقاش من أجل تجميع القوى المنحدرة من تجربة الحركة الماركسية اللينينة المغربية والاستفادة من الانفراج السياسي النسبي آنذاك. أسفر هذا النقاش عن:

- تشكّل "النهج الديمقراطي"، في 15 نيسان/ أبريل 1995، كتنظيم سياسي علني يعتبر نفسه استمراراً لتجربة الحركة الماركسية - اللينينية المغربية، وخاصة منظمة "إلى الأمام"، وأن مهمته المركزية هي بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين. وسينتزع حقه في الوجود القانوني سنة 2004.

- تأسس "اليسار الاشتراكي الموحد" من خلال اندماج "منظمة العمل الديمقراطي الشعبي" وإحدى المجموعات المنحدرة من تجربة القاعديين ("الديمقراطيون المستقلون") وأخرى من تجربة الحركة الماركسية اللينينية ("الحركة من أجل الديمقراطية") وقد التحق به تيار "الوفاء للديمقراطية" ليشكل "الحزب الاشتراكي الموحد".

هكذا فإن اليسار في المغرب اليوم يتكون من "حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي" والمؤتمر الوطني الاتحادي" و"الحزب الاشتراكي الموحد" و"النهج الديمقراطي" ومجموعات تروتسكية صغيرة ("المناضل(ة)" و"التحرر الديمقراطي" و"رابطة العمل الشيوعي") ومجوعات منحدرة من القاعديين، أساسا من جماعة "البرنامج المرحلي".

وأسس "حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي" والمؤتمر الوطني الاتحادي" و"الحزب الاشتراكي الموحد" إطاراً سياسياً مشتركاً تحت اسم "فيدرالية اليسار الديمقراطي" مع الحفاظ على تنظيماتهم الحزبية الخاصة.
مقالات ذات صلة

ماذا تبقى من اليسار في الجزائر؟

إن أهم سمات اليسار اليوم هي: الضعف الكمي لتنظيماته المختلفة، وضعف ارتباطه بالطبقات والفئات والشرائح التي من المفترض أنه يمثل مصالحها، وفي مقدمتها الطبقة العاملة والكادحين يشكل عام. وضعف ارتباطه بالنساء على الرغم من كونه يدافع عن المساواة التامة بينهن وبين الرجال. وضعف ارتباطه بالشباب، ومنهم الطلبة. ربما ما عدا جماعة "البرنامج المرحلي" التي لها نفوذ في بعض الكليات، وأساساً في مدينتي فاس ووجدة.

- وهناك التشرذم: إذا كان من العادي والطبيعي أن يتواجد في اليسار تياران أساسيان ( تيار جذري وآخر إصلاحي)، فلماذا ينقسم كلا التيارين إلى عدد من المنظمات عوض البحث عمّا يوحِّد (على الأقل بالنسبة لليسار الماركسي، الذي يفترض به العمل المشترك من أجل توسيع الإشعاع والانغراس وسط الطبقة العاملة). ولماذا لا يبحث التياران عن قواسم مشتركة ويبنيان جبهة للنضال حول المشترك؟

- والتيه الفكري بسبب أزمة البديل الاشتراكي الناتج عن انهيار تجارب بناء الاشتراكية وضعف المجهود لتطوير الفكر الاشتراكي، وعن اختراق الفكر البرجوازي للمنظمات والمناضلين اليساريين، وخاصة فكر ما بعد الحداثة الذي يشكك في أسس الفكر التقدمي وجدوى التغيير ويطرح كبديل الاكتفاء بالعمل على قضايا جزئية وعلى الهويات وعلى قضايا مجتمعية كقضية المرأة مثلا والترويج للعمل في "المجتمع المدني".

وهذا الواقع دفع العديد من اليساريين إلى الابتعاد عن الماركسية والتحول إلى ليبراليين. أما أغلب المناضلين الذين بقوا مخلصين لقناعاتهم ومكافحين، فتوجهوا إلى الانغماس في الحركية واختزال الصراع الطبقي في النضال في النقابات وفي جمعيات المجتمع المدني والمنتديات الاجتماعية العالمية والقارية، والإفراط في الرهان على الحركات المناهضة للعولمة على الرغم من طابعها المائع. كما تعاني أغلب تنظيمات اليسار من تراجع الاهتمام بالنظرية وتراجع القناعة بإمكانية التغيير الجذري وبالاشتراكية.

- كان التوتر والصراع والأحكام الجاهزة تطبع العلاقة بين اليسار والإسلاميين: فاليسار كان يعتبر الإسلاميين قوة ظلامية متجانسة لا تخترقها التناقضات وأن التمايزات داخلها ثانوية لا تعبّر، في العمق، عن تموقعات طبقية مختلفة. والإسلاميون كانوا يعتبرون اليسار كقوة متجانسة واليساريين كملحدين.

كيف تعامل اليسار مع حركة 20 فبراير


انخرطت جل تنظيمات اليسار، بقوة وحماس، في "حركة 20 فبراير" ولعبت دوراً هاماً في إذكاء جذوتها، ما عدا بعض المجموعات المنحدرة من "القاعديين"، الشيء الذي أثر سلباً على طلبة بعض الكليات. كما ساهمت فيها، بشكل وازن، منظمات إسلامية، خاصة "جماعة العدل والإحسان"، وكذلك اتجاهات داخل الحركة الأمازيغية. بينما ناهضها أو حاربها "حزب العدالة والتنمية" الإسلامي وجزء من الحركة السلفية والأحزاب الإدارية و"الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" و"حزب التقدم والاشتراكية". وسرعان ما تخلت البيروقراطيات النقابية عن حركة 20 فبراير، خاصة بعد اتفاق 26 نيسان/ أبريل 2012 الذي حصل بموجبه الشغيلة على بعض المكتسبات، مما أدى إلى شبه غياب الطبقة العاملة عن حركة 20 فبراير.

اليسار كان يعتبر الإسلاميين قوة ظلامية متجانسة لا تخترقها التناقضات، وأن التمايزات داخلها ثانوية لا تعبر، في العمق، عن تموقعات طبقية مختلفة. والإسلاميون كانوا يعتبرون اليسار كقوة متجانسة واليساريين كملحدين.

وعلى الرغم من التضحيات التي قدمها اليسار للنهوض بحركة 20 فبراير، فإنه ضيّع فرصة ثمينة لتجاوز ضعفه وتحقيق اختراق ديمقراطي. وذلك للأسباب التالية:

يقود اليسار أو هو يتواجد بشكل وازن في منظمات جماهيرية حقوقية ونقابية لا يستهان بها. فهو يقود أكبر جمعية حقوقية: "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" في إفريقيا والعالم العربي، ولها إشعاع دولي. وهو يقود مركزية نقابية ("الكونفدرالية الديمقراطية للشغل") ونقابات أساسية (الجامعة الوطنية للفلاحة، والجامعة الوطنية لعمال وموظفي الجماعات المحلية، والنقابة الوطنية للتعليم)، وهي منضوية ضمن المركزية النقابية "الاتحاد المغربي للشغل". وهاتان المركزيتان من ضمن المركزيات الأكثر تمثيلية. ويقود اليسار العديد من التنسيقيات، سواء منها الفئوية أو الموضوعاتية ( التعليم، القضية الفلسطينية...) أو المقامة حول مشكل محدد (الحركة ضد غلاء فواتير الماء والكهرباء وندرة مياه الشرب، وضد الاستيلاء على الأراضي الجماعية...)، وكذلك تنسيقيات الدفاع عن الشأن المحلي (السكن، النقل، الأمن...) وغيرها من الحركات الشعبية. كما يحضر اليسار بقوة في "النقابة الوطنية للتعليم العالي" ويقود "الجمعية الوطنية لحملة الشواهد المعطّلين"... ودعم اليسار الحراكات الشعبية التي عمّت العديد من المناطق (حراك الريف وجرادة وغيرهما) وانخرط مناضلوه ومناضلاته فيها.

وعلى الرغم مما سبق، يعيش اليسار عزلة جماهيرية. وأحد أهم الأسباب هو غياب التمفصل السديد بين العمل الجماهيري والعمل السياسي والتنظيمي، بين العمل والنضال من أجل المطالب الآنية (تحسين الأوضاع المادية والمعنوية) والأهداف الاسترتيجية (التغيير لصالح الطبقات الشعبية). أما العمل في التنسيقيات، فيتسم بالمناسباتية والفوقية والإنابة، عوض الالتصاق بهموم الطبقات الشعبية ومساعدتها على أخذ شؤونها بيدها. هذا ناهيك عن كون هذه التنظيمات تستهلك طاقات هائلة وتشكل ميداناً للصراع على المواقع بين قوى اليسار عوض أن تكون ميداناً للتنافس على خدمة مصالح الجماهير الشعبية والتقارب وتطوير القواسم المشتركة.

كما عانى اليسار من عزوف الناس، وخاصة الشباب، عن العمل السياسي، وبالأحرى التنظيمي الحزبي، بسبب تحول جل الأحزاب إلى دكاكين سياسية وابتعادها عن هموم وتطلعات الناس، وأيضا بسبب الهجوم الخطير على الاشتراكية الذي وَظّف إلى أقصى الحدود انهيار الاتحاد السوفيتي ودول الكتلة الشرقية، وبسبب انتشار فكر ما بعد الحداثة.

فلا غرابة أن يفاجئ الربيع العربي اليسار المغربي الذي لم يكن مؤهلاً لبلورة استراتيجية وتكتيكات وتحالفات موحدة ملائمة للرد على خطط ومبادرات النظام. ولا غرابة أن تختلف مكونات اليسار حول شعار حركة 20 فبراير (2): فالشعار الذي رفعته كان "ضد الفساد والاستبداد" و"من أجل الديمقراطية والحرية والعيش الكريم". لكن "الحزب الاشتراكي الموحد"، بالخصوص، أصر على تحويله إلى شعار "المَلكية البرلمانية" بينما دافع "النهج الديمقراطي" عن الحفاظ على الشعار الأصلي على اعتبار أن من حق الشعب المغربي اختيار شكل النظام الذي يبتغيه. وكان التوجس والحيطة بل حتى الصراع يحكم علاقة أغلب مكونات اليسار بـ"جماعة العدل والإحسان".

يقود اليسار أو هو يتواجد بشكل وازن في منظمات جماهيرية حقوقية ونقابية لا يستهان بها، لكنه يعيش عزلة جماهيرية، ولذلك أسباب قابلة للتحديد والإعقال..

لقد أطلقت حركة 20 فبراير نقاشاً واسعاً وسط اليسار أدى إلى تقييمات مختلفة للوضع والمهام المطروحة:

ففيدرالية اليسار الديمقراطي تعتبر أن المرحلة الحالية تتطلب رفع شعار الملكية البرلمانية وتشترط للقيام بأي عمل سياسي مع باقي مكونات اليسار تبنيها لهذا الشعار وكذلك لمغربية الصحراء الغربية وأخيراً مشاركتها في الانتخابات. وتناهض أي عمل مشترك مع "جماعة العدل والإحسان". لكن ضرورة التصدي للهجوم الخطير على الأوضاع الاجتماعية والانخراط الجماعي في النضالات الشعبية المتنامية، وخاصة حراك الريف، ومواجهة القمع الذي تتعرض له، وإصرار "النهج الديمقراطي" على العمل والنضال الوحدويين، كل ذلك أدى إلى انطلاق التنسيق والعمل المشترك بين فيدرالية اليسار والنهج الديمقراطي. وقد جسدته، بالخصوص، المسيرة الوطنية في 8 تموز/ يوليو 2018 بالدار البيضاء للتنديد بالأحكام الجائرة ضد نشطاء وقادة حراك الريف والمطالبة بإطلاق سراحهم وكذلك سراح كافة المعتقلين السياسيين. بل تجاوز الأمر ذلك لتشارك القوى اليسارية و"العدل والإحسان" في المسيرة الوطنية 15 تموز/ يوليو 2018 بالرباط لنفس الغرض.

أما " النهج الديمقراطي" فاعتبر أن حركة 20 فبراير هي، في الواقع، الموجة الأولى لسيرورة ثورية ستمتد لمرحلة بأكملها وستعرف فترات من المد والجزر. لذلك، اعتبر أن المهام المطروحة على اليسار هي تأهيل نفسه من خلال تقوية مكوناته لذاتها وبلورته لخطة موحدة ليكون في الموعد في فترات المد المقبلة لا محالة. وأكد أن المخزن (3) هو العدو الآن، وأن الانتخابات لا رهان عليها بالنسبة للشعب الذي يقاطعها بشكل عارم لأن المؤسسات التي تفرزها لا سلطة لها بسبب تمركز كل السلطات بيد الملك ومستشاريه. واعتبر أن مشاركة "جماعة العدل والإحسان" في حركة 20 فبراير واستعدادها للحوار مع اليسار مسألة إيجابية يجب الاستفادة منها لتطوير العمل الميداني المشترك وإطلاق الحوار العمومي بين كل القوى المناهضة للمخزن. لذلك طرح ضرورة:

- بناء جبهة ميدانية تضم كل القوى المتضررة من المخزن، أيا كانت مواقعها الطبقية ومرجعياتها الأيديولوجية، ما عدا القوى التكفيرية والوهابية وغير المستقلة عن النظام والقوى الخارجية. وفي الوقت نفسه خوض الحوار العمومي مع مكونات هذه الجبهة حول أهم القضايا الخلافية للبلورة الجماعية للبديل المنشود.

- بناء جبهة ديمقراطية يشكل اليسار عمودها الفقري ويتمثل هدفها في تأمين المسار للبناء الديمقراطي بعد التحرر، وتضم القوى والشخصيات الديمقراطية، السياسية والنقابية والحركات الاجتماعية والحراكات الشعبية.

- القوى التروتسكية ترفض أي عمل سياسي مع المكونات اليسارية الأخرى، وبالتالي اي تحالف تكتيكي أو استراتيجي. تناضل في النقابات والحركة الحقوقية. بعضها يتبنى موقف المشاركة في الانتخابات.

- المجموعات المنحدرة من تجربة "القاعديون" تتسم بكونها شبه سرية وتنقسم بين من يقدس ستالين أو ماو أو أنور خوجة. تطرح بناء الحزب الثوري الماركسي - اللينيني في غياب تام لأية إسترتيجية للتغيير تشكل أساس التكتيك، وانغمس جلها في العنف، ليس ضد أعداء الشعب، بل ضد القوى، وخاصة الماركسية، التي قد تنافس سيطرتها على بعض الكليات.

_________________
1 - عندما قُتل المئات من المتظاهرين اثناء احتجاج تلاميذ الثانويات على قرار قاض بطرد عدد من زملائهم لاعتبارات عمرية، وكان الدافع اليه التخلص من فائض التلاميذ بسبب الازمة الاقتصادية. وقد استمر اطلاق النار والمداهمات والاعتقالات لعدة ايام، ويقال إن الضحايا صاروا بالآلاف - ملاحظة من المحرر.

2 - إثر طحن السمّاك محسن فكري في 28 أكتوبر 2016 بمدينة الحسيمة بالريف، اندلع حراك شعبي سلمي عم مختلف مدن وقرى الريف واستمر لسنة كاملة ورفع مطالب اقتصادية واجتماعية وحقوقية وطالب برفع العسكرة عن المنطقة. وقد واجهه النظام بالقمع حيث تم اعتقال أكثر من ألف شخص وتقديمهم للمحاكمة والحكم عليهم بأحكام جائرة وصلت الى عشرين سنة بالنسبة لقادة الحراك بشكل خاص. و قد تعبأت قوى اليسار وجماعة العدل والإحسان، للدفاع عن الضحايا من خلال توفير الدعم الإعلامي والسياسي والقضائي واحتضان العائلات وتنظيم وقفات متعددة ومسيرات وطنية في الرباط والدار البيضاء، ومحلية في عدد من مدن البلاد.

3 - المخزن هو الأداة الأساسية للنظام الملكي لفرض سلطته وتطبيق سياساته. وتتشكل نواته الصلبة من كبار المسئولين الأمنيين والعسكريين والقضائيين والإداريين والدينيين وأغلب المسئولين السياسيين وعدد من رجال الأعمال والإعلام وكبار مقاولي"المجتمع المدني" الرسمي وبعض كبار المسئولين النقابيين وغيرهم... ممن لهم نفوذ وسلطة أو قرب منها.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى