محمد كريم الساعدي - هوية المواطنة المحلية والمحو الثقافي العالمي الجديد

ترتكز عملية البناء الفكري والمعرفي في خطابات الرد الثقافي على مغيرة الافعال المستمدة من البنى الايديولوجية التي كانت عليها الكولونيالية سواء كانت في قديمها التي مارستها على الشعوب الواقعة فيما مضى تحت السيطرة بكافة اشكالها ( السياسية والاقتصادية والعلمية ) وحتى على مستوى البناء السيكولوجي للفرد في المستعمرات البريطانية والفرنسية ،أو في جديدها التي تهيمن عليه الآلة التقنية الأميركية وأسلحتها الفتاكة في إخضاع العالم ومنها المستعمرات الغربية السابقة ، وفي محورها قلب معادلة الشرق الأوسط بمسمياته المختلفة وحسب ما يرسم له من خارطة جديدة وتقسيمات تقوم على أهداف للمائة عام القادمة ، وهنا تأتي أفعال المغايرة للقديم والجديد من الكولونيالية بمختلف أشكالهم ،وأهمها الثقافية التي أصبحت أكثر تغلغلاً في الأوساط كافة ، وهنا تأتي أفعال المغايرة من أجل دق جرس الإنذار لما يحصل وسيحصل مستقبلاً ، لأن الثمن سيكون محو الهوية الثقافية لصالح الآخر الذي يوظف كل شيء لذلك الهدف ، على اعتبار إن الإمبريالية الثقافية في أشكالها الأكثر كلاسيكية هي شكل المركزية وعنصرية فاعلة سياسياً. إنها اثنومركزية تحولت الى أيديولوجية تقدم نفسها كطريق لخلاص الجماعات الدنيا والفكرة الأساسية هي أن الشعوب الأخرى أما أن تضع نفسها على الصفحة مع الحضارة الغربية ، وإما أن تكون غير جديدة بالإعتبار ككيانات قابلة للاحترام " والتدوين في الصفة الثقافية الغربية ، وهذا يعني الكثير من التغيرات والتشكلات الجديدة في الملامح الثقافية للشعوب الطائعة لرؤية الحضارة الغربية ومقاساتها التي تجلب الإحترام، لكن هذا الإحترام يبقى ناقصاً لأنه سيكون من الدرجة الثانية أو على هامش الحضارة ،ولأن الغربي على وفق المفهوم الكولونيالي يبقى السيد والآخر الشرقي يبقى هو التابع على وفق المتقابلات التي وضعها العقل الغربي لتصنيف سلم الحضارة وتحويل شعوبها الى أول وثاني وثالث ، وسجل الإستعمار حافل بهذه الصور والتصنيفات التي أصبحت علامات فارقة في الخطابات الكولونيالية أو ما يسمى بالعالمية ومركزيتها وهنا يرى الدكتور( جابر عصفور) في (الهوية الثقافية) في ما تعني العالمية وما تلقي بظلالها على البناء السيكولوجي للشعوب التي تكافح من أجل الخروج الى النظام الجديد بكرامة دون أن تقع تحت استجداء العطف من المركزية يقول عصفور : ولذلك ترتبط مفاهيم ( العالمية ) الغالبة على وعينا ، من حيث هي علامة وصول الى محطة التقدم بتوترات قديمة لا تخلو الى اليوم من شعور بالدونية الذي لا يفارق الشعور بالغبن في عالم يخلو من معنى التكافؤ بين الإبداعات القومية والوطنية ،أو المحلية وهي تراكمت لتصنع هذه العقد النفسية التي ينطوي عليها المتخلف في علاقته بالمتقدم والتي تؤدي الى أستجابات عصابية في حالات كثيرة ولم تنحل بعد في مرحلة إيجابية تتوازن فيها الدوافع المتناقضة ،أو المتعارض اعني استجابات تتقلب ما بين المواقف الحديّة وتنهي إما الى الرفض المطلق أو القبول المطلق للمعايير ،أو التمثيلات، أو الصور المفروضة من الأعلى على الادنى ، لأنه ما فرض على الأدنى في زمن القوة والسيطرة العسكرية لا يمكن ان يستمر في هذا الزمن، لذلك ينظر لهذه على أنها صراع حضارات ،أو صِدام حضارات بحسب (صامويل هنتجتون) في تواصل للرؤى الغربية التي تفرض على المهمش حضارياً .
إن هذا الصراع النفسي الذي تعيشه الشعوب بين العودة والحفاظ عل الهوية الثقافية المحلية والتعايش بسلام مع الثقافات الاخرى ومنها الغربية صاحبة الإمكانات التقنية الهائلة التي يسوق لها في كل أغلب المحافل العالمية ،أو التصادم مع المركز العالمي من أجل التنافس معه حضارياً حتى تكون هناك فرص متساوية للحياة ، وما هذه الحروب التي تحصل وتملأ الأرض إلا ردات فعل لما هو مفروض على الادنى وما هذا التطرف الحاصل اليوم في العودة الى الاسلاف ، ما هو إلا صورة أريد لها ان تكون حاضرة حتى يقال إن الصراع هو بين ثقافة وحضارة متقدمة وأخرى متخلفة ،وهذا التوجه مت المركزية الغربية هو ليس موجهة فقط للأخر الذي يقع خارج أسوار الحضارة الغربية ومفاهيمها المتمركزة في اللوغوس الغربي ، بل هو ايضاً موجه نحو أفراد المجتمعات الغربية لتأكيد اختلافها عن الآخر الشرقي، وهذه الممارسات لها سياقاتها في تشكيل العقل الغربي بصورة ممنهجة ومستمرة ،أي ان هذه الممارسات لا تنطبق السيطرة على الخطاب بوصفها ممارسة اجتماعية فحسب بل تنطبق أيضاً على عقول الذين يتحكم بهم ،أي التحكم بمعرفتهم وآرائهم واتجاهاتهم وأيديولوجياتهم وكذلك تمثيلاتهم الشخصية أو الأجتماعية وبصورة عامة قد تكون السيطرة تعني – ايضاً – السيطرة غير المباشرة على الأفعال وهذا ما يجعل عملية البناء المؤسساتي في الأنظمة السياسية والاقتصادية الغربية تقوم على استطلاعات الرأي العام تجاه المواقف المعينة وخصوصاً في العصر الحالي على النظرة للآخر الشرقي وبالأخص الإسلامي ،واستغلال ما يحرك من صور كولونيالية قديمة قائمة على أوصاف عدائية متجددة على وفق الحرب على الإرهاب والمعنى القديم المطابق للإرهاب في العقل الغربي هو الإسلام كما هي في ذاكرة الحروب الصليبية، وهذه النظرة وغيرها هي من شّكل الذاكرة الغربية المركزية وخطاباتها الكولونيالية في الثقافة ،لذا فأن صورة المركزية العالمية ثقافياً هي قائمة على مشروع بعيد المدى أنتج في مؤسسات متعددة المسميات لكنها مشتركة الأهداف والغايات في ايجاد مساحات معرفية تستطيع أن تمارس من خلالها رغباتها في السيطرة و الإخضاع ، لأن المركزية الأحادية السياسية والثقافية للمشروع الكولونيالي كانت نتيجة طبيعية لتقاليد العالم الأوربي الفلسفية وأنساق التمثيل التي أضفت عليها تلك التقاليد امتيازاً وقد اسفر ذلك في المقام الأول عن انتاج ممارسات الخضوع الثقافية التي أعتبرها أحد نقاد ما بعد الكولونيالية ( انكماشاً ثقافياً ) خلفته الأفعال الكولونيالية ضد الشعوب التي وقعت تحت السيطرة والخضوع لها مما جعل في بداية الأمر تتولد صور سلبية قامت بالتركيز عليها في البناء الاجتماعي الاخلاقي لهذه الشعوب وبالتركيز على الجوانب السيكولوجية من خلال توظيف بعض المفاهيم التي أصبحت ملازمة للهوية المحلية ثقافياً ، ومن هذه المفاهيم المهمة هي تأكيد معنى الاستلاب والابتعاد عن الذاتية ما يولد إنفصال وإنفصام عن الشخصية وإرثها الثقافي والحضاري الذي يستند عليه الوعي الفردي والجمعي في أي مجتمع قائم على بناء العلاقة الإيجابية مع جذوره، لكن الفكر الكولونيالي عمل على حصول هذا الإنفصال حتى يتمكن من بناء قاعدة فكرية وأخلاقية جديدة تجعل من الوضع الثقافي الأصيل وضع مستلب وخارج عن الأصلانية ،من خلال تهديم الصور الأجتماعية والثقافية المرتبطة بأهم الموروثات ودلالاتها في تشكيل الوعي الوطني والقومي، وحتى القيم الإنسانية المشتركة مع المجتمعات الإنسانية الأخرى، لأن مبدأ الاستلاب والابتعاد عن الذاتية تجعل من الفرد يعيش حالة اغتراب ذاتي مع من حوله من المؤسسات الوطنية وقيمها التي قام عليها المجتمع ، وبالتالي يتحول هذا الإستلاب الى مرحلة من التشكيك واليأس من الوضع الراهن الذي يعيشه الفرد في هذه المؤسسات ومدى تأثيرها عليه في التواصل المعرفي والاجتماعي والنفسي مع محيطه وبيئته الثقافية ،وهذا ما ساعد وسهل عمل التغلغل الثقافي للعالمية ومركزيتها في الثقافات المحلية، وأصبح ما هو ثقافي عالمي مرغوب أكثر من المحلي، مما أدى الى السيطرة الثقافية ممارسة التهميش الذي أخذ صور ثلاث كان للآداب والفنون وغيرها من وسائل التعبير نصيباً مهماً في السيطرة وإخضاع الثقافات الأصلانية ومن أولى هذه صور التهميش الذي يتقلص بالحضور ، ويدني به الى حال أقرب الى الغياب ،وثانيتها اختيار ما لا يخلف في الوعي الثقافي العام سوى الاوهام التي يراد تثبيتها والإبقاء على شيوعها ،وثالثتها رفض دعم ترجمة الآداب المهمشة والأنصراف عن نشر المترجم منها على اوسع نطاق وذلك جنباً الى جنب وتضييق دائرة التعريف بهذه الآداب الى أبعد حد تجعل من الثقافات المهمشة تعيش العزلة المعرفية خارجياً من خلال السيطرة على منافذ الترويج الثقافي ، وداخلياً من خلال جعل المنتمين لهذه الثقافات يبتعدون عنها شيئا فشيئاً ، مما يولد الأغتراب الداخلي عن الثقافة الأم /الثقافة الأصلانية صاحبة الهوية المحلية التي يهدف الفكر الكولونيالي الى التخلي عنها لصالح الثقافات الاخرى.
إن خطابات الرد الثقافي مارست افعال المغايرة ضد التهميش الثقافي وتغييب الهوية الأصلانية، لأن المهمة التي وجت من أجلها هذه الخطابات هي إعادة بعث الحياة في هكذا أنواع ثقافية وأدبية وفنية ،كان لها الأولوية في تأكيد الهوية الوطنية وإعادة الثقة للمواطن الأصلاني بمثل هكذا ممارسات تعيد اليه روح الانتماء الى تراثه ولغاته التي تعيد بمثابة حلقة الوصل مع الجذور الثقافية لمثل هكذا ممارسات ،حتى تجعل من التهميش الثقافي لها داخلياً وخارجياً يقل في ضغوطه وممارساته على الهويات الوطنية ،وهنا يأتي دور الخطابات الرد الثقافي لنظرية ما بعد الكولونيالية والذي يهتم بتقصي وتطور إقتراحات حول الأثر الثقافي للغزو الأوربي على المجتمعات المستعمرة وطبيعة استجابات تلك المجتمعات وتتعلق نظرية ما بعد الكولونيالية بمدى أوسع من الإنشغالات الثقافية : اثر اللغات الإمبريالية على المجتمعات المستعمَرة ، تأثير ( الخطابات الكبرى ) الأوربية كالتاريخ والفلسفة ، طبيعة وسياقات التعليم الكولونيالي والروابط بين المعرفة الغربية والسلطة إنها تتعلق بالتحديد باستجابات المستعمرين : والصراع للسيطرة على التمثيل الذاتي للشعوب المهمشة في ساحة الحضارة العالمية ،إذ سعت ما بعد الكولونيالية من خلال خطاباتها الى البحث والتفتيش بين ثنايا الخطابات الكبرى الكولونيالية من أجل زعزعت وتحريك تمركزها وتموضعاتها حول المبادئ الأساسية التي قام عليها اللوغوس الغربي في تدوين الصور النمطية للآخر المغاير لها على صفحات هذه الخطابات ومدى أهليته في تمثيل نفسه ذاتياً ووصف عجزه عن أداء أدواره الثقافية للبحث عن هذه الأوصاف النمطية التي عملت خطابات الرد المغايرة فيما بعد الكولونيالية على متقابلات يستطيع الأصلاني أن يعيد انتاج هويته الأصلانية ومعرفة مدى حركة التهميش التي وقعت عليه وبدأت حركة أخرى هي البحث في الفضاءات المهجنة التي عملت الثقافة الأعلى على إنتاجها وتذويب ما هو ذاتي ومحلي فيها لصالح الثقافة الأعلى المسيطرة .
إن العمل على إعادة انتاج الهوية الثقافية يأتي من خلال البحث والتقصي للامساك بناصية التهميش المفروض عليه، ويجعل من التهجين والتوفيقية مصدراً لإعادة التعريف الأدبي والثقافي. ان نصوص ما بعد الكولونيالية بإفراطها في تدوين ظرف ( الآخرية ) إنما تؤكد مدى تعقيد( الاطراف ) المتقاطعة بوصفها المادة الفعلية للخبرة لكن النضال الذي يقتضيه ضمناً هذا التأكيد – ( إعادة تعيين موضع ) نص ما بعد كولونيالية – يتمركز على محاولة الأطراف السيطرة على عمليات الكتابة التي يمكن أن تعيد صياغة الخطابات الكبرى ،وهنا الكتابة لا تقتصر على التدوين في الصفحات والنقش على المطويات ،بل تأخذ الكتابة بعداً أخر بحسب مفهوم ( جاك دريدا ) لها فهي تدخل في أشكال الحياة الابداعية ومنها السينما والمسرح والتلفزيون وغيرها ،لأن معنى الكتابة هو ما يسطره المبدع من أعمال يريد بها أعادة كتابة تاريخ الاشياء ،فالكتابة اخذت بعداً أكبر من بعدها التدويني في الصفحات .
إنَّ مجالات ما بعد الكولونيالية متعددة ومتنوعة البحث في الآثار الكولونيالية على الشعوب ،وهذا التعدد في المجالات جعل من خطابات المغايرة تأخذ أبعاد أوسع في مناقشة الظاهرة الكولونيالية ، وهنا يرصد(دوغلاس روبنسون ) هذه المجالات في كتابه (الترجمة والإمبراطورية) وكما يأتي :
دراسة مستعمرات أوربا السابقة منذ استقلالها ،أي كيفية استجابات شعوبها للإرث الكولونيالي ثقافياً .
دراسة مستعمرات أوربا السابقة منذ أستعمرها ،أي الكيفية التي استجابت بها الشعوب المستعمرة للإرث الكولونيالية ثقافياً .
دراسة جميع الثقافات / المجتمعات / البلدان / الأمم من حيث علاقات القوة التي تربطها بسواها من الثقافات ،أي الكيفية التي أخضعت لها الثقافات المفتوحة لمشيئتها .
ومن خلال هذه المجالات الثلاثة يصف ( دوغلاس ) حقول العمل فيها بحسب رأي المشتغلين فيها الى ثلاثة أنواع من الدراسات ما بعد الكولونيالية وهي : ( دراسات ما بعد الأستقلال) من خلال دراسة التاريخ القريب لثقافات ما بعد الكولونيالية معينة ، و ( دراسات ما بعد الاستعمار الاوربي ) من خلال مقاربة تفيد الأوربيين المناهضين للهيمنة، و( دراسات علاقة القوة ) من خلال دراسة رأي المنظرين الثقافيين الذين يتركز اهتمامهم على إبراز علاقات القوة بين المستعمِر والمستعمَر .
إنَّ هذه الأنواع الثلاثة من الدراسات ما بعد الكولونيالية شكلت القاعدة الفكرية لخطابات المغايرة ضد الأفعال والممارسات التي قامت بها السلطات الكولونيالية ؛إذ أخذت هذه الخطابات بالبحث في أغلب مجالات المواجهة والمجابهة الثقافية ،ومن هذه المجالات التي نركز عليها في هذا كتابنا هي الفنون ، وخاصة الفنون الأدائية التي لها مدخليه مهمة في نقد الفكر الغربي بصورة عامة والفكر الثقافي الكولونيالي بصورة خاصة ، من خلال مقاومة الأفكار التي أتجهت في جوانب مهمة من العمل الفني على التمركز الغربي ثقافياً وفنياً ، وهنا يرى ( سعد البازغي ) في كتابه (الأختلاف الثقافي) أن التيارات الثقافية في العالم التي استهدفت التمركز الثقافي الغربي إنصب أهتمامها على ثلاثة محاور هي :
التمركز الأوربي ( الغربي ) في مفاهيم مثل التنوير وغيرها التي ساهمت في توسع التغلغل الثقافي ،وهذا النقد أتى من مفكري مدرسة فرانكفورت ( أدورنو و هوركهايمر ).
فكر ما بعد الحداثة ونقد للحداثة التي أوجدت مشكلات عدة على المستويات الأقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها .
النقد ما بعد الكولونيالي والذي صدر من مفكري ونقاد الحركات الثورية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وبعض الدارسين في اوربا من هذه اصول.
وفي النقطة ثالثاً يبرز دور المفكر الأمريكي ذو الأصول العربية ( فلسطينية ) ( أدوارد سعيد ) وما قدمه من مجموعة من المؤلفات التي ساهمت في نقد الفكر الثقافي الكولونيالي ومنها كتاب ( الإستشراق ) وكتاب ( الثقافة والإمبريالية ) وكتاب ( السلطة والسياسة والثقافة ) وغيرها من المؤلفات التي حملت معها قضية الفكر الكولونيالي وأثره على الثقافات المهمشة ومنها ( الشرق الاوسط ) . و( سعيد ) في مؤلفاته تناول جوانب النقد الفني لعدد من الاعمال الغربية التي كان لها دور في الترويج لثقافة التمركز الغربي ، ومن بين هذه الاعمال ( الكوميديا الالهية - دانتي ) ورواية ( توقعات عظيمة – لتشارلز ديكنز ) و(روبنسون كروزو- لدانيال ديفو) وأعمال مسرحية مثل مسرحية ( الفرس - اسخيلوس) و مسرحية (عطيل - شكسبير ) .
إنَّ الفنون بمختلف أنواعها ساهمت ايضاً في حركة النقد للإرث الكولونيالي وكشف ما هو مؤثر في الحركة الثقافية الغربية على البيئات الثقافية المحلية ،ومن بين الفنون المسرح الذي استخدم من قبل المبدعين في نقد الثقافة الكولونيالية ، والشواهد في هذا المجال عديدة ومنها ما استخدم في داخل الفضاءات الثقافية الغربية ذاتها ، ومنها ما استخدام في إخراجها وقد ذكرنا في كتابنا - الذي يحمل عنوان ( الإشكالية الثقافية لخطاب ما بعد الكولونيالية / المسرح انموذجاً )- العديد من هذه المسرحيات ، ففي الداخل الغربي قدمت مسرحيات لـ( جان بول سارتر ) مثل مسرحية( الشيخ والغانية ) التي تنتقد التعامل مع ( الزنوج ) ومسرحية ( أنشودة انغولا ) لـ( بيتر فايس ) ،ومسرحية ( أنظر خلفك في غضب ) لـ ( جون ازبورن ) ومسرحية ( كل أبناء الرب لهم اجنة ) لـ ( يوجين أونيل ) . أما في خارج الفضاءات الغربية فقد قدمت مسرحية( Vincent O. Sullivan ) وتتناول موضوع السكان أصلانيين في أستراليا ومعاناتهم مع المستعمرين ، ومسرحية ( ساندي لي ) وتتناول صورة الأبتزاز الجنسي ممثلاً بصورة آمرأة تمثل قارة ( آسيا ) وتخضع للرجل الغربي الأبيض.
إنَّ هذه الأعمال المسرحية وغيرها كان هدفها الرد الثقافي بالضد من الخطابات الكولونيالية ، والهدف الأساسي لهذا الرد هو المغايرة الأفعال الكولونيالية وتفكيك ما هو مخفي حتى تتضح النوايا من وراء الإستغلال الثقافي للإنسان المهمش والذي وقع تحت تأثير ثقافة مؤدلجة تعمل من أجل جعل الشعوب تغادر كلما هو أصيل ثقافياً لصالح البديل الثقافي ، وما ينتجه من هيمنة تشوه المحلي لصالح العالمي وإخضاعه تحت سلطة المركزية الثقافية ، لذلك فالهدف الأسمى للمسرحيات ما بعد الكولونيالية هو كشف التعمية الثقافية التي تمارس ضد الثقافات الرافضة للمرويات الكبرى للخطاب الغربي ومركزيته ، فالمسرح كفعل درامي هدفه أيضاً إعادة هذه المرويات الكبرى ولكن بصورة مغايرة للرواية الرسمية ،أي إعادة رواية " الجانب الآخر من قصة البيض الغزاة وذلك بغية مناهضة الرواية الرسمية للتاريخ والمحفوظة في النصوص الإمبريالية وكما هو الحال مع الرواية التي قدمها المستعمر Coloniser للتاريخ فان لغته ايضاً شغلت وضع السيادة وهو الوضع الذي يجب مسائلته وتفكيكه كجزء من مشروع تفكيك الاستعمار وفكر الكولونيالي ثقافياً وفنياً .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى