عَبَرْنَا جسرَ الغيابِ
في اللحظةِ الأخيرةِ من صريرِ الورقةِ
كَانَتْ المحابرُ
في ذلكَ الوقتِ من منتصفِ النَّهارِ
تهذِّبُ الحبرَ والطاولةَ والمفرداتِ
بشاهقِ الكلامِ اللّطيفِ
الكونُ على شُرفةِ الوقتِ
يلوِّنُ الشِّفاهَ بذاكرةِ الشَّجرِ
الشجرُ ملاءةُ الظِّلِ
وطاردُ الظّهيرةِ من شوارعِ النّهارِ .
في هذا الوقتِ الرّهيفِ من صهيلِ الأغنياتِ، ثَمَّةَ شئٍ يَحْدُثُ دونَ رغبةٍ يا سيِّدتي . الرُّعاةُ في حقلِ العملِ يزرعونَ وقتَكِ بإرهاقاتٍ كثيرةٍ . الغرباءُ على النّافذةِ يزيحونَ الستائرَ ويتسللونَ إلى أنفاقِ المكانِ . الليلُ يهربُ من خيمتِهِ . السائقُ يَطْرُقُ البابَ بعنفٍ . كلُّهم يذبحونَ ضحكةَ الطفولةِ وهي تنمو بعنايةٍ في هذا الوقت من أولِ الفجرِ .
الضَّحكةُ التي تّسْردُ الحكاياتِ الغائبةَ
الضَّحكةُ التي تفضحُ الشروخَ الصغيرةَ في الصّدرِ . الضَّحكةُ التي تنيرُ الوجهَ الذي عبثت به الأشواكُ الشريرةُ في الصِّبا
الضحكةُ التي تَفِضُّ عراكَ الأصدقاءِ والصديقاتِ، الضحكةُ التي تبلِّلُ رسائلَ الوقتِ البعيدِ والرّكضِ في الشوارعِ والأزقةِ والبيوتِ .
تخرجُ الضّحكةُ من بوابةِ الأسرارِ
من فراغاتِ الأصابعِ
مثلَ نسمةٍ تمسحُ الوجهَ في أوَّلِ الصَّباح.
لكنَّه صوتُكِ
أقربُ من شهقةٍ في الصّباحِ . يكشفُ الرؤيا . يفتحُ الكونَ بطائراتِ الطفولةِ . يفتحُ شرياناً كالرّصيفِ
لنعبرَ الطريقَ نحوَ السّماءِ الشاهقةِ في سدرةِ الرُّوحِ . الليلُ يُشْبِهُ تماماً ليلَ الذاكرةِ القريبِ
يلامسُ رملَ الخريفِ على بواباتِ البيوتِ الريفيةِ
مُبلّلاً بالطّينِ الذي يَخْضَرُّ على أناملِنا، نصنعُ كائناتِ الأبنوسِ كالآلهة المجبولةِ بالحبِّ توزِّع الإشاراتِ .
كان الوقتُ منتصفَ العتمةِ . يُمْسِكُ بؤرةَ الضّوءِ مثلَ قنديلٍ عتيقٍ . السّحابُ الملئُ بالماءِ يتحفزُ . الأرضُ تَتَفَتَّحُ بالخصوبةِ . الشجرُ . الطيرُ . البناتُ . الاولادُ . النباتاتُ . البهائمُ الأليفةُ . تنتظرُ شرفةَ اللّيلِ الأنيقِ .
السّماءُ فتحتْ شرفةً وغابتْ
ما زالَ الغيمُ طريّاً والوقتُ ليس مُنَاسِباً لتأهيلِ المياه
بعدَ ساعاتٍ قليلةٍ ظلَّ الرّعدُ يصرخُ
والسّحابُ ينظرُ بنافذةِ البّرق .
أيُّ الجهاتِ كانتْ تَفْرُِشُ الأرضَ بالرغباتِ ؟
هي الأرضُ ذاتُهَا
الأرضُ التي شَطَرَتْهَا الخُصُوبَةُ جاهزةً لرحيلِ اليباب .
في الرُّبِعِ الأخيرِ من الليلِ
كأنّما نبوَّةٌ حَرَّكَتْ أنامِلَهَا بالبُخار
رأيتُ السّماءَ تُعبِّد الكونَ بالمطرِ الغزيرِ .
هو الوقتُ
كان يعيشُ في بيتِ الذّاكِرةِ. ينجو من خرائبِ النسيانِ. الوقتُ الذي ينالُ المسراتِ. يحفرُ التفاصيلَ، كتابةَ الحائطِ من أجلِ الحبيباتِ، الشِّراكَ الصغيرةِ في الخلاءِ، وصايا الكلامِ الأخيرِ من دفاترِ العشقِ الخجولِ.
هي السيرةُ الغائبةُ من حياةِ الوقتِ الذي يُشْبِهُكِ . الوقتُ الذي يُشْبِهُ أوراقَ الرسائلِ . الوقتُ الذي يُشْبِهُ أنهارَ الكونِ وقتَ الخريفِ . الوقتُ الذي يُشْبِهُ وردةً يانعةً. الوقتُ الذي فتحَ الينابيعَ في أّولِ الصَّباحِ . الوقتُ مثلَ صغارٍ يضحكونَ تحتَ الملاءةِ . يتسابقونَ في رصدِ النجومِ ومغازلةِ القمرِ .
الصغارُ
فاتحةُ الكونِ على سريرِ المشاغباتِ
سُرّاقُ الوقتِ من ضَجَرِ العالم .
في العراءِ المجاورِ للمدرسةِ
كُنْتُ أُنادِيها
ننزعُ الحشائشَ الصغيرةَ . نتركُ فراغاً يشبهُ الحروفَ
حفرنا أسماءَنا على الأرضِ .
كانت تجيدُ الغناءَ
تؤدي الأناشيدَ بألحانِ المغنينَ .
وأنا أُجيدُ الكتابةَ على السُّبورةِ الفارغةِ .
الليلُ أوغلَ في الجنونِ
أمطرتْ السّماءُ من مقلتينَا
وصمَتنا في المساءِ الأخضرِ
الآنَ
أنظرُ كمنْ يرى غاباتِ الصّمتِ تفتحُ القواميسَ
الكلامُ يسيلُ من شرفةِ الرّيح . اللُّغةُ مثلُ طفلةٍ تحفرُ الطِّينَ . الطِّينُ مشيئةُ البنتِ على رصيفِ الحنين . الحنينُ تربةُ الولدِ على أريكةِ الطِّينِ .
ثَمَّةَ حكاياتٍ عابرةٍ
الكهفُ الذَّي يفتحُ بوابَتَهُ . المكانُ الذي يأوي الذِّكرياتِ . المشاويرُ التي أزْهَرَتْ بين الضّريحِ والبيتِ . الضريحُ الذي أزهرتْ به أشجارُ السّدرِ المثمرةِ . الضريحُ خازنُ الأسرارِ والنذورِ الباذخةِ . الضريحُ هو الحديقةُ الوحيدةُ في بلدتِنا .
أيُّها القلبُ الواقفُ على سبّابةِ الحنينِ
اطرق البابَ
اطرق النّافذةَ
الصبايا العابراتُ لا يكترثنَ
الصبيّةُ التي تخصُّكَ تَسْمَعُكَ
تُزيحُ الستارةَ البيضاءَ عن بوابةِ الغرفةِ
تُناديكَ
راعشاً بالطفولةِ، ادخل
الوقت الذي يشبهُ اللهاث الرائقَ يعرفُكَ
كَنْ هنالِكَ
قريباً من دمِ البنتِ التي رصفتْ طريقَ السّماءِ
فالغيابُ بركةٌ لعينةٌ
فراغٌ معبّدٌ بالعاصفةِ
شركٌ فاجِرٌ يَمْسَحُ الرّقةَ من زُجَاجِ الكائناتِ
بينما العودةُ
وجهٌ أليفٌ من سيرةِ العُشَّاقِ
من صرخةِ الأرضِ أمامَ الماءِ
ولِهاثِ الطين نحو شَهوةٍ فارعةٍ في الطفولةِ .
السَّاعةُ تقتربُ من ولادةٍ كونيةٍ . المخاضُ ليس وجعاً يحرقُ الجسد / الجسدُ حياةُ الكائنِ . المخاضُ لحظةُ ترقّبٍ لرؤيا الغائب .
الغائبةُ في الذاكرةِ . تُوْلَدُ بأشواقٍ تَحْضُنُ اللغةَ . تَقِفُُ بالعطشِ الهائِلِ على بوابةِ الصُّبحِ .
تولدُ في الساعةِ الثانيةِ بعدَ منتصفِ اللَّيلِ .
تَخْرُجُ الغائبةُ من بوابةٍ زُجَاجِيَّةٍ، أوّلَ ماقاله الهواءُ ـ رائحةَ العطرِ الطازجِ وصهيلَ أقدامِها الشبيهِ بموسيقى المغنياتِ في سفرِ الأساطيرِ .
الأوراقُ طافحةٌ من كمائِنِ الحقيبةِ . الأسطواناتُ عَطْشَى لرشقِ الغناءِ . هي المرأةُ التي تشبهُ الكونَ .
صانعةُ الوقتَ في الفردوسِ الأكيدْ .
رأيتُها .
رأيتُ القلبَ يهتزُّ كرعدٍ يهيئُ المطرَ
رأيتُ الأرضَ زاهيةً تقبِّلُ الصّباحَ على قارعةِ البّهوِ
رأيتُ النّساءَ العابراتِ
يَفْتَحْنَ الطّريقَ
رأيتُها
من خيطٍ ناهزٍ في النّورِ
من لَذَّةٍ ناضجةٍ في الحبرِ
تشيعُ الضّوءَ كسراجِ آمنةِ الجميلِ
امرأةٌ مغسولةٌ في سهولِ الإستوائيةِ
بفاكهةٍ ما زالت تُعَانِقُ الأشجارَ
مثلَ غزالةٍ ماهرةٍ في الركضِ تَطْرُقُ الأرضَ بأصواتِ الحنين ولهفةِ الحقولِ لمياهٍ رائقةٍ تُبَلِّلُ التربةَ
تفتحُ نواةَ الحياةِ بينَ أقواسِ العاشقينَ
أشرعتْ حضورَ هيئتِها كقمرٍ وحيدٍ
وغابتْ كلُّ الوجوهِ الواقفةِ على رصيفِ الممرِّ العريضِ
رأيتُها
رأيتُها
رأيتُها
حاضنةُ الأساطيرِ والأغنياتِ والأناشيدِ والكلامِ الأخيرِ في كمائنِ الجسدْ .
الولدُ الذي كنتُ أنا . يرتدي الجينزَ الأزرقَ والفانلةَ البيضاءَ، بيدهِ قصةُ موتٍ معلنٍ لماركيز كأفيونٍ لهدمِ الوقتِ وهو يتمطّى في الطريقِ إلى المدينةِ . لكنَّ الولدَ الذي هنا ليس سنتياغو نصّار . سنتياغو نصّار قُتِلَ . نصّار الذي هنا يفتَحُ بابَ الحياةِ بوعدٍ رافقَ الروحِ منذ ملاذاتِ الطفولةِ . رصفتهُ أوراقُ الرسائلِ بأنهارِ الفتوحاتِ والكلام .
آخر اللَّيلِ
ينتظرُ على بوابةٍ واسعةٍ .
الوجوهُ مسرعة تمرُ
الوقتُ ثقيلٌ جداً يسيرُ . القراءةُ الوفيرةُ لم تكنْ سِوى ذريعةٍ بائسةٍ لتفتيتِ الزمنِ
أخيراً
الكونُ المرصودُ في أزلِ الحكاياتِ يخرجُ
بثيابٍ عَرَّفَتْنِي بها زَهرةُ الشَّمسِ
رأيتُها بلونِ أميرةٍ من ينابيعِ الأبنوسِ
تطرقُ الأرضَ كفرسٍ في شَارِعِ النِّيلِ
الكّرزُ لونُ الغطاءِ
الصّحراءُ بعذريتها تلفُّ خريطةَ الكونِ
الحذاءُ يُشبهُ الكّرزَ تماماً
خلفَ نظارةٍ شفافةٍ تبرقُ عينانِ مشعّتانِ
امرأةٌ من آلهةِ الإغريقِ
خرجتْ من بينِ حَنَايا المدينةِ اللامعةِ الخُطى
كنزيفِ الملكاتِ الشّاهقاتِ
تُلقى بنفسِها في رائحةِ العطرِ وأحضانِ العاشق
صرخَ الدّمُ
هي الزهرةُ التي طويتُ الأرضَ
في اللِّهاثِ عن شرْفتِها
عانقتُها مثلَ رسولٍ أيقظتهُ الآلهةُ .
كانتْ تحدِّقُ في الذاكرةِ .
لا أصدقُ ! .
قالتها بإبتسامةٍ شرختْ ترابَ الغيابِ .
في المصعدِ الخالي تماماً .
قبّلتُها كطفلٍ يقتلهُ الحنينُ .
الممرُ الطويلُ كان بهيجاً ذاك الصباح .
الكونُ
فتحَ أسرارَهُ بشهواتِ الغيومِ
وبلَّلَ الأرضَ .
الرّحلةُ نحوَ المجاهيلِ
صارتْ دهشةَ الينابيع
الإلفةُ التي رأيتُها تسيلُ من قلبِ الكاهنة
رعتْها الطفولةُ في الأكواخِ
وبَنَتْهَا المعاولُ في سِرْدَابِ الرُّوح
المكانُ بهيجاً وراقصاً
كعروسٍ عجنتْها الصّديقاتُ في بيتِ الجيرانِ
وَقَفْنَا على السِّياجِ
الكائناتُ مثلَ أمواجٍ تسيرُ
السَّلالمُ
كأسرابِ نملٍ تلمُّ قوتَ المساءِ
مَشَيْنَا
كعصافيرٍ بين عُشِّ الخريفِ
تَذَوَّقْنَا العَصيرَ دافئاً من شفاهٍ بلَّلَتْها السّماواتِ .
17/05/2005
من ( بيتُ المُشَاغَبَات)
نصار الحاج
في اللحظةِ الأخيرةِ من صريرِ الورقةِ
كَانَتْ المحابرُ
في ذلكَ الوقتِ من منتصفِ النَّهارِ
تهذِّبُ الحبرَ والطاولةَ والمفرداتِ
بشاهقِ الكلامِ اللّطيفِ
الكونُ على شُرفةِ الوقتِ
يلوِّنُ الشِّفاهَ بذاكرةِ الشَّجرِ
الشجرُ ملاءةُ الظِّلِ
وطاردُ الظّهيرةِ من شوارعِ النّهارِ .
في هذا الوقتِ الرّهيفِ من صهيلِ الأغنياتِ، ثَمَّةَ شئٍ يَحْدُثُ دونَ رغبةٍ يا سيِّدتي . الرُّعاةُ في حقلِ العملِ يزرعونَ وقتَكِ بإرهاقاتٍ كثيرةٍ . الغرباءُ على النّافذةِ يزيحونَ الستائرَ ويتسللونَ إلى أنفاقِ المكانِ . الليلُ يهربُ من خيمتِهِ . السائقُ يَطْرُقُ البابَ بعنفٍ . كلُّهم يذبحونَ ضحكةَ الطفولةِ وهي تنمو بعنايةٍ في هذا الوقت من أولِ الفجرِ .
الضَّحكةُ التي تّسْردُ الحكاياتِ الغائبةَ
الضَّحكةُ التي تفضحُ الشروخَ الصغيرةَ في الصّدرِ . الضَّحكةُ التي تنيرُ الوجهَ الذي عبثت به الأشواكُ الشريرةُ في الصِّبا
الضحكةُ التي تَفِضُّ عراكَ الأصدقاءِ والصديقاتِ، الضحكةُ التي تبلِّلُ رسائلَ الوقتِ البعيدِ والرّكضِ في الشوارعِ والأزقةِ والبيوتِ .
تخرجُ الضّحكةُ من بوابةِ الأسرارِ
من فراغاتِ الأصابعِ
مثلَ نسمةٍ تمسحُ الوجهَ في أوَّلِ الصَّباح.
لكنَّه صوتُكِ
أقربُ من شهقةٍ في الصّباحِ . يكشفُ الرؤيا . يفتحُ الكونَ بطائراتِ الطفولةِ . يفتحُ شرياناً كالرّصيفِ
لنعبرَ الطريقَ نحوَ السّماءِ الشاهقةِ في سدرةِ الرُّوحِ . الليلُ يُشْبِهُ تماماً ليلَ الذاكرةِ القريبِ
يلامسُ رملَ الخريفِ على بواباتِ البيوتِ الريفيةِ
مُبلّلاً بالطّينِ الذي يَخْضَرُّ على أناملِنا، نصنعُ كائناتِ الأبنوسِ كالآلهة المجبولةِ بالحبِّ توزِّع الإشاراتِ .
كان الوقتُ منتصفَ العتمةِ . يُمْسِكُ بؤرةَ الضّوءِ مثلَ قنديلٍ عتيقٍ . السّحابُ الملئُ بالماءِ يتحفزُ . الأرضُ تَتَفَتَّحُ بالخصوبةِ . الشجرُ . الطيرُ . البناتُ . الاولادُ . النباتاتُ . البهائمُ الأليفةُ . تنتظرُ شرفةَ اللّيلِ الأنيقِ .
السّماءُ فتحتْ شرفةً وغابتْ
ما زالَ الغيمُ طريّاً والوقتُ ليس مُنَاسِباً لتأهيلِ المياه
بعدَ ساعاتٍ قليلةٍ ظلَّ الرّعدُ يصرخُ
والسّحابُ ينظرُ بنافذةِ البّرق .
أيُّ الجهاتِ كانتْ تَفْرُِشُ الأرضَ بالرغباتِ ؟
هي الأرضُ ذاتُهَا
الأرضُ التي شَطَرَتْهَا الخُصُوبَةُ جاهزةً لرحيلِ اليباب .
في الرُّبِعِ الأخيرِ من الليلِ
كأنّما نبوَّةٌ حَرَّكَتْ أنامِلَهَا بالبُخار
رأيتُ السّماءَ تُعبِّد الكونَ بالمطرِ الغزيرِ .
هو الوقتُ
كان يعيشُ في بيتِ الذّاكِرةِ. ينجو من خرائبِ النسيانِ. الوقتُ الذي ينالُ المسراتِ. يحفرُ التفاصيلَ، كتابةَ الحائطِ من أجلِ الحبيباتِ، الشِّراكَ الصغيرةِ في الخلاءِ، وصايا الكلامِ الأخيرِ من دفاترِ العشقِ الخجولِ.
هي السيرةُ الغائبةُ من حياةِ الوقتِ الذي يُشْبِهُكِ . الوقتُ الذي يُشْبِهُ أوراقَ الرسائلِ . الوقتُ الذي يُشْبِهُ أنهارَ الكونِ وقتَ الخريفِ . الوقتُ الذي يُشْبِهُ وردةً يانعةً. الوقتُ الذي فتحَ الينابيعَ في أّولِ الصَّباحِ . الوقتُ مثلَ صغارٍ يضحكونَ تحتَ الملاءةِ . يتسابقونَ في رصدِ النجومِ ومغازلةِ القمرِ .
الصغارُ
فاتحةُ الكونِ على سريرِ المشاغباتِ
سُرّاقُ الوقتِ من ضَجَرِ العالم .
في العراءِ المجاورِ للمدرسةِ
كُنْتُ أُنادِيها
ننزعُ الحشائشَ الصغيرةَ . نتركُ فراغاً يشبهُ الحروفَ
حفرنا أسماءَنا على الأرضِ .
كانت تجيدُ الغناءَ
تؤدي الأناشيدَ بألحانِ المغنينَ .
وأنا أُجيدُ الكتابةَ على السُّبورةِ الفارغةِ .
الليلُ أوغلَ في الجنونِ
أمطرتْ السّماءُ من مقلتينَا
وصمَتنا في المساءِ الأخضرِ
الآنَ
أنظرُ كمنْ يرى غاباتِ الصّمتِ تفتحُ القواميسَ
الكلامُ يسيلُ من شرفةِ الرّيح . اللُّغةُ مثلُ طفلةٍ تحفرُ الطِّينَ . الطِّينُ مشيئةُ البنتِ على رصيفِ الحنين . الحنينُ تربةُ الولدِ على أريكةِ الطِّينِ .
ثَمَّةَ حكاياتٍ عابرةٍ
الكهفُ الذَّي يفتحُ بوابَتَهُ . المكانُ الذي يأوي الذِّكرياتِ . المشاويرُ التي أزْهَرَتْ بين الضّريحِ والبيتِ . الضريحُ الذي أزهرتْ به أشجارُ السّدرِ المثمرةِ . الضريحُ خازنُ الأسرارِ والنذورِ الباذخةِ . الضريحُ هو الحديقةُ الوحيدةُ في بلدتِنا .
أيُّها القلبُ الواقفُ على سبّابةِ الحنينِ
اطرق البابَ
اطرق النّافذةَ
الصبايا العابراتُ لا يكترثنَ
الصبيّةُ التي تخصُّكَ تَسْمَعُكَ
تُزيحُ الستارةَ البيضاءَ عن بوابةِ الغرفةِ
تُناديكَ
راعشاً بالطفولةِ، ادخل
الوقت الذي يشبهُ اللهاث الرائقَ يعرفُكَ
كَنْ هنالِكَ
قريباً من دمِ البنتِ التي رصفتْ طريقَ السّماءِ
فالغيابُ بركةٌ لعينةٌ
فراغٌ معبّدٌ بالعاصفةِ
شركٌ فاجِرٌ يَمْسَحُ الرّقةَ من زُجَاجِ الكائناتِ
بينما العودةُ
وجهٌ أليفٌ من سيرةِ العُشَّاقِ
من صرخةِ الأرضِ أمامَ الماءِ
ولِهاثِ الطين نحو شَهوةٍ فارعةٍ في الطفولةِ .
السَّاعةُ تقتربُ من ولادةٍ كونيةٍ . المخاضُ ليس وجعاً يحرقُ الجسد / الجسدُ حياةُ الكائنِ . المخاضُ لحظةُ ترقّبٍ لرؤيا الغائب .
الغائبةُ في الذاكرةِ . تُوْلَدُ بأشواقٍ تَحْضُنُ اللغةَ . تَقِفُُ بالعطشِ الهائِلِ على بوابةِ الصُّبحِ .
تولدُ في الساعةِ الثانيةِ بعدَ منتصفِ اللَّيلِ .
تَخْرُجُ الغائبةُ من بوابةٍ زُجَاجِيَّةٍ، أوّلَ ماقاله الهواءُ ـ رائحةَ العطرِ الطازجِ وصهيلَ أقدامِها الشبيهِ بموسيقى المغنياتِ في سفرِ الأساطيرِ .
الأوراقُ طافحةٌ من كمائِنِ الحقيبةِ . الأسطواناتُ عَطْشَى لرشقِ الغناءِ . هي المرأةُ التي تشبهُ الكونَ .
صانعةُ الوقتَ في الفردوسِ الأكيدْ .
رأيتُها .
رأيتُ القلبَ يهتزُّ كرعدٍ يهيئُ المطرَ
رأيتُ الأرضَ زاهيةً تقبِّلُ الصّباحَ على قارعةِ البّهوِ
رأيتُ النّساءَ العابراتِ
يَفْتَحْنَ الطّريقَ
رأيتُها
من خيطٍ ناهزٍ في النّورِ
من لَذَّةٍ ناضجةٍ في الحبرِ
تشيعُ الضّوءَ كسراجِ آمنةِ الجميلِ
امرأةٌ مغسولةٌ في سهولِ الإستوائيةِ
بفاكهةٍ ما زالت تُعَانِقُ الأشجارَ
مثلَ غزالةٍ ماهرةٍ في الركضِ تَطْرُقُ الأرضَ بأصواتِ الحنين ولهفةِ الحقولِ لمياهٍ رائقةٍ تُبَلِّلُ التربةَ
تفتحُ نواةَ الحياةِ بينَ أقواسِ العاشقينَ
أشرعتْ حضورَ هيئتِها كقمرٍ وحيدٍ
وغابتْ كلُّ الوجوهِ الواقفةِ على رصيفِ الممرِّ العريضِ
رأيتُها
رأيتُها
رأيتُها
حاضنةُ الأساطيرِ والأغنياتِ والأناشيدِ والكلامِ الأخيرِ في كمائنِ الجسدْ .
الولدُ الذي كنتُ أنا . يرتدي الجينزَ الأزرقَ والفانلةَ البيضاءَ، بيدهِ قصةُ موتٍ معلنٍ لماركيز كأفيونٍ لهدمِ الوقتِ وهو يتمطّى في الطريقِ إلى المدينةِ . لكنَّ الولدَ الذي هنا ليس سنتياغو نصّار . سنتياغو نصّار قُتِلَ . نصّار الذي هنا يفتَحُ بابَ الحياةِ بوعدٍ رافقَ الروحِ منذ ملاذاتِ الطفولةِ . رصفتهُ أوراقُ الرسائلِ بأنهارِ الفتوحاتِ والكلام .
آخر اللَّيلِ
ينتظرُ على بوابةٍ واسعةٍ .
الوجوهُ مسرعة تمرُ
الوقتُ ثقيلٌ جداً يسيرُ . القراءةُ الوفيرةُ لم تكنْ سِوى ذريعةٍ بائسةٍ لتفتيتِ الزمنِ
أخيراً
الكونُ المرصودُ في أزلِ الحكاياتِ يخرجُ
بثيابٍ عَرَّفَتْنِي بها زَهرةُ الشَّمسِ
رأيتُها بلونِ أميرةٍ من ينابيعِ الأبنوسِ
تطرقُ الأرضَ كفرسٍ في شَارِعِ النِّيلِ
الكّرزُ لونُ الغطاءِ
الصّحراءُ بعذريتها تلفُّ خريطةَ الكونِ
الحذاءُ يُشبهُ الكّرزَ تماماً
خلفَ نظارةٍ شفافةٍ تبرقُ عينانِ مشعّتانِ
امرأةٌ من آلهةِ الإغريقِ
خرجتْ من بينِ حَنَايا المدينةِ اللامعةِ الخُطى
كنزيفِ الملكاتِ الشّاهقاتِ
تُلقى بنفسِها في رائحةِ العطرِ وأحضانِ العاشق
صرخَ الدّمُ
هي الزهرةُ التي طويتُ الأرضَ
في اللِّهاثِ عن شرْفتِها
عانقتُها مثلَ رسولٍ أيقظتهُ الآلهةُ .
كانتْ تحدِّقُ في الذاكرةِ .
لا أصدقُ ! .
قالتها بإبتسامةٍ شرختْ ترابَ الغيابِ .
في المصعدِ الخالي تماماً .
قبّلتُها كطفلٍ يقتلهُ الحنينُ .
الممرُ الطويلُ كان بهيجاً ذاك الصباح .
الكونُ
فتحَ أسرارَهُ بشهواتِ الغيومِ
وبلَّلَ الأرضَ .
الرّحلةُ نحوَ المجاهيلِ
صارتْ دهشةَ الينابيع
الإلفةُ التي رأيتُها تسيلُ من قلبِ الكاهنة
رعتْها الطفولةُ في الأكواخِ
وبَنَتْهَا المعاولُ في سِرْدَابِ الرُّوح
المكانُ بهيجاً وراقصاً
كعروسٍ عجنتْها الصّديقاتُ في بيتِ الجيرانِ
وَقَفْنَا على السِّياجِ
الكائناتُ مثلَ أمواجٍ تسيرُ
السَّلالمُ
كأسرابِ نملٍ تلمُّ قوتَ المساءِ
مَشَيْنَا
كعصافيرٍ بين عُشِّ الخريفِ
تَذَوَّقْنَا العَصيرَ دافئاً من شفاهٍ بلَّلَتْها السّماواتِ .
17/05/2005
من ( بيتُ المُشَاغَبَات)
نصار الحاج