جعفر الديري - هدى المطاوعة: المروءة مفهوم يتجاوز الدور البيولوجي للجنس

كتب – جعفر الديري

قالت الخبيرة الإعلامية البحرينية د.هدى المطاوعة ان مفهوم المروءة كرؤية جديدة للتعامل مع الجنوسة (الجندرة)، هو مفهوم جديد قادر على حسم الكثير من القضايا التي تعرقل العلاقات بين الجنسين وخلق توجهات ايجابية تجاه الآخر، من دون التركيز على دوره البيولوجي كذكر أو أنثى.
ورأت أن منهج المروءة باستطاعته تجاوز المنهج الفكري والثقافي العرقي أيضا بين النساء والرجال، فكلا الجنسين باستطاعتهما تعلم كيفية التعامل مع انسانيتهما خارج حدود الجندرة الضيقة بحيث يمكن للإنسان الارتقاء بذاته خارج التقسيمات المألوفة.
وأضافت د.المطاوعة خلال محاضرتها في الملتقى الثقافي الأهلي في العاصمة المنامة، الثلثاء 17 يناير 2006: ان موضوع المروءة هو اطار فكري للبحث عن اعادة النظر في تصرفاتنا ضمن سلوكيات جديدة. وهو منظور يتجاوز الجدل الذي تثيره بعض مناهج تحرير المرأة وخصوصا تلك الرؤى التي تدفع بالجنسين الى التطرف في ناحيتين متضادتين وهو ما أدى إلى تشجيع التوجهات المثلية التي لا تعترف بوجود الآخر. فمثل هذه التوجهات اذا لم تواجهها فلسفة جديدة فلن نستطيع أن نوقف مدّها. ونحن لا ننادي بمعادات الجنس نفسه. وانما المروءة تحتم احترام الآخر وليس معاداته بسبب جنسه أو كونه رجلا أو امرأة. وانما نحن بحاجة إلى فلسفة جديدة تعيد الثقة الى الرجل في المرأة والى المرأة في الرجل».

حال نفسية وأخلاقية

وأوضحت د.المطاوعة معنى المروءة بقولها: تعرف المروءة في المعجم العربي الحديث بأنها حال نفسية وأخلاقية تحتم على الفرد اتباع أعلى المستويات الأخلاقية في اطار من الحماس والفخر والعزة ¬ الرجولة الكاملة ¬ التي اقتصرت لدينا على الرجل. مع أن المروءة مشتقة من كلمة امرئ. والمرؤ ليس رجلا فقط وانما امرأة أيضا. وفي تصوري فإن المروءة أقرب الى المرأة لأنها احتفظت بالحروف المشتقة من اسم المرأة. وما أريد التركيز عليه أنه لا يجب التركيز هنا على الزاوية البيولوجية لدرجة أن الرجل غير القادر على أداء النشاط الجنسي نقول عنه إنه غير كامل الرجولة. فنحن نبحث عن مفهوم جديد يتجاوز هذه التقسيمات.
وأضافت: لتقريب كلمة المروءة الى المفهوم الغربي وجدت أن كلمة "شيفرلي" هي الأقرب وتعني سلوك الفارس الشريف ذي الخلق الكريم الطيب الذي يتحلى بالشجاعة والاقدام. وهو مفهوم كان يقتصر على فرسان العصور الوسطى وكان أشبه بالعقيدة الدينية التي يحيى ويموت الفارس ضمن تقاليدها. وأعتقد أنه مفهوم ناقص أيضا لأنه يقصد به الرجل فقط. فهذا المفهوم سعيت الى استخراجه من ثقافتنا مع التركيز على امكان أن يكون فلسفة ¬ حتى عالميا ¬ يتجاوز العرقيات والنظرة الى جنس الفرد. وتسهيلا للقارئ الانجليزي حولت كلمة المروءة الى كلمة "مروّة".

فكر كوني

ولافتة إلى أهمية منهج المروءة في تجاوز المنهج الفكري والثقافي العرقي قالت د.المطاوعة: تستطيع المروءة أن تستوعب العمل ضمن فكر كوني خال من ثنائية الجندرة يتجاوز نوع وجنس الشخص وعرقيته ولونه وجذوره وحتى خلفيته الاجتماعية والاقتصادية. وأعتقد أن منهج المروءة باستطاعته تجاوز المنهج الفكري والثقافي العرقي أيضا بين النساء والرجال. فكلا الجنسين باستطاعتهما تعلم كيفية التعامل مع انسانيتهما خارج حدود الجندرة الضيقة بحيث يمكن للإنسان الارتقاء بذاته خارج التقسيمات المألوفة. فكل شخص يمكن أن يتحلى بالمروءة حتى ذلك الذي لا يمتلك شهادات. ويكفي أن يكون انسانا يفكر بتجاوز ذاته. وهو مفهوم قريب من مفهوم الفتوة الذي كان في مصر في زمن ما. لكن الفتوة اتخذت لها مسارا آخر وتحدث مع الاجرام، على عكس الفتوة القديمة التي كانت تتحلى بالشهامة والمروءة. فالاعتراف بالآخر يتطلب احتساب احتياجات الآخر والاعتراف المتبادل بالمواجهة بين الذات والآخر، اذ يتعامل مع الآخر كذات لها حق الاحترام. وليس كشيء خارج التشيؤ. فنحن عندما نحكم على أناس بأنهم لا يساوون شيئا انما نتكلم لأننا نعطي لأنفسنا الحق في النظر إلى أنفسنا على أساس كوننا شيئاً وهم لا شيء. فمتى ما شيأنا الآخر بسبب عرقيته أو لونه أو بسبب وظيفته البيولوجية، فإن هناك نوعاً من الانتقاص وعدم الاحترام. واعتاد الناس على ثقافة الهيمنة بينما نحن بحاجة الى مقاومة أي امكان لحدوث مثل هذه الهيمنة وعلى الفرد أن ينمي ويراعي قدرته على العمل لاستيعاب الآخر.
وواصلت المحاضِرة: لقد تحدث مارتن لوثر كنج في الستينات ¬ وهو المعروف في مجال الدفاع عن حقوق الانسان والمناداة بالحلم ¬ عن الحاجة الى وجود انجيل جديد يدعو الى المحبة والى الأمل كأنجيل للأمل. وكانت هناك كاتبة أيضا تتحدث عن تحرير المرأة اسمها "بيل هوك" وكانت من أفريكن أميركنس. وقد كتبت الكثير عن ضرورة عمل شيء بخصوص المرأة الافريقية المظلومة. والسبب أن الرجل الأميركي يصور وكأنه إنسان مجرم الى درجة انه في نهاية الثمانينات جاء مليون رجل أميركي من كل الولايات الأميركية لكي يثبتوا للعالم أنهم ليسوا بمجرمين. وكانوا يرتدون لباسا مدنيا من أجل ايقاف المد التلفزيوني ضدهم. اذ لم يكن هناك لا مسلسل ولا فيلم الا وكان يسخر من الرجل الأميركي. وفي ذلك تقول "بيل هوك" إن الرجل الأميركي أصبح مسجونا ضمن هذا الاطار. الى درجة أن العشرات يموتون يوميا بسبب حمل السلاح وتناول المخدرات وأيضا لا سبيل للخروج من هذا الواقع. كما تدعو هوك الى وجود نظرية للحب، لاعادة النظر في السياسات الدولية، التي تحكم العالم والتي تحكم أميركا، وهي الخالية من الشعور بأهمية الآخر الا ضمن اطار واحد هو المتعلق بالماديات.

مسألة الاحترام

في مداخلات الحضور علق الناقد د.عبدالحميد المحادين: ان طرح موضوع المروءة كظل للحديث عن الجندرة هو طرح لمسألة الاحترام الذي تستحقه المرأة في السلوك اليومي وفي التطبيقات الاجتماعية، ومن المروءة ما كان يفعله فرسان العصور الوسطى من تقبيل يد المرأة احتراما ومن تقديمها عند المشي احتراما، فالمروءة هي الكلمة الشاملة لكل سلوك يستحسنه المجتمع. أما اشتقاقها فهي من مرؤ الشيء اذا زاد. ولذلك تقال هنيئا مريئا. فالمروءة هي الزيادة في الخلق والزيادة في السلوك زيادة فيها معنى الشفاء أي السلوك الصحيح البريء من الأمراض والعقد. فنحن لا نقول: احترام يستحقه الرجل. لأن السيطرة والقوة في كل المجتمعات للرجل وهو المنتظر منه أن يكون عطوفا. وأن يكون ذا مروءة في التعامل مع المرأة. بينما علق الشاعر كريم رضي بالقول: هناك اشتقاق في مصطلح المروءة من اللغة، واللغة اليوم في موضوع الجندر مهمة جدا وخصوصا في الغرب. فاذا كنت متقدما مثلا الى جامعة غربية تجد أنهم يكتبون ب دز سب واذا كانت هناك مصطلحات تشير الى كونك ذكرا يقدمون الاعتذار، ما يدل على أنهم حريصون جدا لأن تكون لكل انسان هويته. بينما أجد أن أمثالنا الشعبية سيئة جدا. فاذا حاولت استقراء صورة المرأة في التراث وفي الأمثال فلن تجد صورة ايجابية. فـ "أم حمار" أنثى. والجنية أخطر في التراث الشعبي من الجني. فهي ليست مجرد أمثال واعتبارها مجرد أمثال هو الخطأ لأنها تتسرب في اللاوعي. وأعطي مثالا على تعامل الغرب مع اللغة. فأجد أننا لفترة كنا نسمي المصابين بمتلازمة داون المنغوليين. بينما في الغرب لا يعتبرون حتى اللغة منحازة، فهم ينقبون. ولذلك اكتشفوا أنهم في هذا القول يشيرون الى شعب من منطقة معينة وبه إهانة لشعب منطقة منغوليا. فألغوا الاسم الى متلازمة داون. أعتقد أن هذا المصطلح يصب في هذا الاتجاه. وهو مراجعة اللغة باستمرار. فاللغة غير محايدة وهي دائما تكون منحازة وهي بحاجة الى مراجعة وبحث.

صحيفة الوسط البحرينية
العدد : 1231 | الأربعاء 18 يناير 2006م الموافق 23 صفر 1441هـ

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى