محمد بشكار - رسائل الكُفران.. (الجزء الثالث)

1
كنتُ أرْفض تحْريم الدِّين الإسلامي للصورة التي أصبحتْ في صُلْب معاملاتنا الإدارية بدءاً من البطاقة الوطنية وانتهاءً بإعلانات التعازي والبحث عن متغيِّب، لكنني أصبحتُ مُضْطرّاً ودون أنْ أرسل اللحية إلى جانب الدين في تحريمها مع قوم يُفضِّلون التقاط صور ضحايا الكوارث الغرقى أو الحرْقى بَدل أن يهرعوا لإنقاذ المستغيث. إننا نعيش للأسف مع بشر يفضلوننا أحياءً مُعذَّبين في الصور أمواتا في الحياة.
2
المُهِم هو العمر النَّفْسي للقصيدة وليس عمر من كتبها.
3
لا أعرف لماذا أخبار السرقة الأدبية منتشرة بين الشاعرات أكثر مما هي مُتفشِّية بين الشعراء، ربما لأن المرأة بطبيعتها العاطفيَّة أشد شراسة بل جُرأة على فضح من يريد العبث بجمالها، لذلك كلما فتحنا مع أعيننا أحد مواقع التواصل الاجتماعي وجدنا إحداهن تضع شكوى بسرقة غير أدبية في أقرب دائرة تدوينية، وما أقرب عالم الشِّعر من سوالف الشَّعْر وما يتطلَّبُهُ من حِنْكة في التَّمشيط، لذلك قد تجد امرأة لفرْط غيْرتها تقول مع وجهي الجميل ليتني أمتلك جسد فلانة كنت سيْطرْتُ على رجال العالم، ونفس الشيء بالنسبة لذات الجسد المَمْشوق الأهيف لا ينقصها إلا وجه جارتها المليح لتُخلِّف في كل خطوة ترقصها مائة جريح وما تبقى فَمِن المفقودين، ولأنَّ المرأة لا تستطيع سرقة ما صنعه الخالق من امتيازات لغيرها من النساء ولو محاكاةً، فإن بعضهن يغمضن أعينهن دون مراعاة ذكاء أحدٍ مادِّين بالسَّطو الأيادي لما أبدعه المخلوق وتحديدا في حقل الشِّعر.
أعترف أني أقرأ بمتعة نصوص بعض الشاعرات غنيات بأسمائهن عن كل تعريف وبعيدات عن كل الشُّبهات المثيرة للتَّجديف، ولكن حول هذا البعض تتحلَّق جوقة كثيفة من الشاعرات أجد في أعمال كثْرتهن مياسم شَبَهٍ من تلك القلَّة اللواتي كرَّسْن أسماءهن عبر سنوات من الجُهْد الشِّعري منذ كان النشر ورقيا في صفحات الشباب، اليوم ومع استثناءات تشي بنبوغ مبكِّر، صار القَطْر يسقط من السقف سُيولا وفي ظرف سنة من النشر بفيسبوك تُلملم إحداهن نصوصا بعُسْر وتقدِّمه لنا في ديوان على أنه شِعْر، ومن قال إن الشِّعْر طويلٌ سُلَّمُه فليعد للحياة مبعوثا إلى زمننا لينظر كيف تتسلَّقه بعض الشاعرات بكعْب عالٍ، وعِوَضَ أنْ يزِلَّ قدمُها للحضيض تصل بما الْتقطَتْه من هنا وهناك لأكبر المهرجانات وتسطع كالنجمة في الأعالي!
لا أستغرب أن تسْرق إحداهن قصيدةَ أخرى فالجمال الذي لا يُقاوم يُجْبِر بعض الغيورات أن يصِرْن غائرات كالطائرات لسرقته ولو كان محروسا في الأعين، لذا أنصح كل جميلة أن لا تتْرك وجهها أو تنساه على صفحة المرآة فمن يدري قد لا تجده مرة أخرى ولو من أجْل إلقاء نظرة!
ولكل الشاعرات اللواتي سُرقْنَ في أعزِّ ما يملكْنَ من قصائد أقول رغم أن الخطْبَ جللٌ على قلوبهن الرهيفة: لا يُسْرقُ من الشِّعر إلا الأجمل الذي تتداوله الألسُن ليكتسب أكثر من حياة أما الرديء لأنه ليس من الشِّعر فلا يُذكر!
وعلى ذكر السرقات فثمة بعض الشعراء القدامى وهم معروفون وليسوا مغمورين، اعترفوا بسرقة بعض الأبيات التي نسبُوها لأنفسهم وليس لقصائدهم تضمينا، مُعلِّلين الجُرْم بأنهم لم يستطيعوا مقاومة إغراءها وازدادوا باعترافهم وهُم من الشعراء الكبار كِبرا ليس في العُمر طبعا و لكن في الشِّعر!
4
العالم الافتراضي سجَن الجسد فما عاد المرء بحاجةٍ إليه وهو قابع في منزله ليسافر في أرض الله الواسعة عبر الانترنيت، وقد تجد من لا يستعمل الجسد حتى في الحب وهو يلتقي افتراضيا بأكثر من امرأة من مختلف الأحجام والألوان والأجناس واللغات، والأدْهى أن يُمارس مع إحداهن الجنس دون أن يمد أصبعا من جسده فبالأحرى يمد هو الفحْلُ أطول من الأصبع جسرا لتدفق الذرية الصالحة!
5
لا تكتب سيرتك فما من أحد اليوم تهمُّه حياة الآخرين وهو لا يستطيع أن يعيش حياته.
6
الرجل يدور حول المرأة والمرأة تدور حول الرجل، وتحسب لشِدة ما يُخطِّطِّان أنه لا توجد في الهندسة إلا الدائرة، ليتهما يختصران الطَّريق لبعضهما عند الزاوية القائمة للمُثلَّث بنصْف دائرة ؟
7
كان في سلام مع نفسه والعالم حتى أسعفتْه فضاءات التكاسل الاجتماعي بأوْسع الجبهات، فصار يخْتلق كل يوم حرباً إذا لم تكن مع الغير فمع نفسه، وليته ينتصر على هذه النفس الأمَّارة باليأس كان عاد كسابق عهده للسلام!
8
أنا مدينٌ وأنتِ بأبناككِ التي أفرغتْ بجشعها جيوبي مدينة!
9
اشتريتُ أمس مِخدة ووسادة، واحدة لنومي والثانية بعد أن أفيق بثانية ليقظتي!
10
بعض الرجال الذين ماهُم برجال وليس دائما بسبب خلل هرموني، يجب أن تكون مُتحفِّظاً وأنت تُخاطبهم، فقدْ يحْسَبون بعض الكلام تحرُّشاً !
11
وَمَنْ يُصِبِ اللَّيْلُ يُرْدِيهِ فَتِيلَاْ
12
عجباً طيلة حياتنا ونحن في نظر الناس في حكم الأموات، وفجأة نصبح في موتنا أكثر حياة!
13
طبيعي جداً أن ينْتاب أنْفسنا تَحَجُّر فالماء في البئر إذا جفَّ يحُلُّ مكانه الحصى، ولكن ما ليس طبيعيا أن يمُدَّ أحدنا يدهُ إلى الحجارة التي تراكمتْ في نفسه ويقذف بها الآخرين!
14
الإفراط في الأمَل باتّكاليةٍ من محراب العبادة يُورِّث البلادة.
15
هل مات فلان؟
لا الخبر غير مؤكد، ثم إنَّ الجهاز الرسمي هو الذي يعلن الوفاة من عدمها، إذا لم يُجْهز عليك الجهاز الرسمي فأنت ما زلت حيا تُرْزق، إذا لم تستخرج من دواليبه شهادة الوفاة فأنت تتمتع بالحياة بينما ثمة من يتمتع حتى بحياة الآخرين !
هل مات ذلك الفنان أو الكاتب أو الرئيس أو كل من يحمل اسماً تداولياً يحتاج لتحليل سيميائي في مختبرات السرد و(الهرد)، وليس نكرة ممن توضع ملفاتهم الشخصية في الدُّرج البئيس ويموتون يوميا دون أن يعيرهم أحدٌ من الانتباه إلا القبر والكفن؟
هل مات حقا؟ ليس بعْد لا تُصدِّق بعض المواقع فهي متخصِّصة في فبْركة المواجع، تأكد قبل أن تحجز للفقيد قبرا في فندق من خمس غيوم، وانظر وكالات الأنباء الرسمية إذا لم تجد خبرا وبجانبه جثة الميت فالخبر كاذب!
16
لا تُخْلِف وعداً قطعْته لطفلٍ، فهو إذا فَقَد الثقة أخْلف المُستقبل وعْده معنا جميعا.
17
تقلَّصتِ الجُغْرافيا ووصلتِ الأرْجُل دون أن تُصاب بتقلُّصٍ عَضَلي لأماكن تجاوزتْ في البُعد الأميال إلى الخيال، وفقَدَ الزمن بتقنيات السُّرعة الحديثة قيمته، وصار الإنسان في كل ما عاشه كما لو يولد صباحا ويموت مساءً، وتقطَّعتْ كل الروابط العائلية فلا أحد يلتقي بأحد إلا من خلال فيديو يتناقله الواتساب، لم نعد بحاجة ليس فقط لغيرنا بل لأنفسنا أيضا، وكلٌّ في مكانه يقوم بِدوره في نسَقٍ آلي عام وويلٌ لمن أخلَّ بالنظام، ولا أعجب إلا ممن ما زال ينظر للساعة ويسأل بعد أن استوى العدم والوجود هل اقتربت نهاية العالم؟


محمد بشكار

(افتتاحية ملحق"العلم الثقافي" ليومه الخميس 26 شتنبر 2019)







تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى