العنوان:
جاء جملة اسمية بسيطة من مبتدأ محذوف، وخبر، ومضاف إليه. وهو عنوان جامع لكل النصوص، إذ لا يحضر كاملا في أي نص، باستثناء كلمته الأخيرة؛ هذه الكلمة التي تحضر بقوة في كل النصوص، وتوجت بأن اتخذت لنفسها رأس نص ص28.
لعل قارئ مجموعة "شجرة القهر" سيشعر بتوتر ناجم عن الجمع بين عنصرين يبدوان متنافرين، وهما، الشجرة والقهر، فالشجرة ذات بعد طبيعي، فيما القهر يعود إلى الجانب الإنساني؛ فهو شعور بعنف موجه له من الخارج لغاية قمعه وإسكاته وبالتالي سلب ما لديه، ماديا ومعنويا، وجعله يعيش حالة من الحرمان والبؤس.
ثم إن الشجرة قد ارتبطت في ذهن الإنسان بالصمود والشموخ، حيث يقال: يموت واقفا كالشجرة، مما يعني أن الشجرة لا تنحني للقهر والاستبداد، فضلا عن أن تمثلها يرتبط بالإثمار والعطاء، بخلاف القهر الذي يحمل بعد الحرمان والفقر والعوز. لكن قراءة أخرى للشجرة يمكن أن تخفض منسوب ذلك التوتر إذا علمنا أن من الشجر ما يمنح الشوك، وبالتالي نحصل على التقابل التالي المفسر نسبيا لأبعاد العنوان، فالشوك يماثل القهر في كون كل منهما يؤذي ويؤلم. فالشجرة تلك لن تنبت سوى الشوك الذي يترك في النفس أثرا سلبيا.
عنوان المجموعة والعناوين الداخلية هي أشبه بلوحات فسيفسائيّة انتقى محمد كروم حبّاتها بعناية فائقة؛ ليقدّم خرائط ذات بعد إنسانيّ متشابك. يستدلّ القارئ من خلاله على تفاصيل حياته اليوميّة وما يكتنفها من مشاكل، وما يعترض الإنسان فيها من معوقات تقف ضد إرادته في حياة سعيدة ومتوازنة، بعين الكاتب ملتقطة بدقّة تفاصيل الحياة الإنسانيّة، من غير إرادة إعادة تكرارها بل من أجل إعادة كتابتها فنيا، وشرعت تحفر عميقاً لترسم عوالم الإنسان بكل ما فيه من ماديّة وروحيّة وفكريّة. حيث سيجد القارئ بعضاً من ذاته في كلّ قصّة، بكل تفاصيلها اليوميّة.
لوحة الغلاف:
لوحة الغلاف من أعمال الفنان التشكيلي ناهيري أمين؛ وقد جاءت معبرة لتتناغم و أجواء القصص.
تظهر الصور شخصيات في حالة رعب بدليل فتح أفواهها، لا تبين إلا ملامح حزنها الافح وهي تئن تحت أسلاك شائكة تعبر عن معاناتها.
تعالج المجموعة العديد من القضايا الحارقة والآنية والتي لا زالت تحتفظ بحرارتها، من مثل الانتخابات وما يرافقها من وعود كاذبة، والهجرة، والتسلط، والشذوذ الجنسي الذي أفرد له نصان، واحد محوري، والثاني ضمن جملة قضايا، وقد كانت المدينة والقرية مسرح وقوع الأحداث، مع استحواذ القرية على غالبية النصوص، لكن الجامع بينهما أن الفساد ضرب بعمق فيهما، وما عادت القرية مكان القيم الأصيلة؛ فقد تغيرت الأحوال، وصارت، هي الأخرى، تشهد ظواهر كانت إلى وقت قريب مرفوضة حتى من لدن رواد السجن "حدث ذات صباح" ص9.
أما شخصيات المجال الحضري فهم في أغلبهم شباب سدت في وجوههم أبواب الأمل ، يعيشون حالة إحباط وموت بطيئ.. فقصة "الصراصير" تصور غرفة مزرية لطالب يكابد ظروفا صعبة من أجل إتمام دراسته: "زحزحتُ علب الكارتون التي تحوي كتبي وأشيائي التافهة ، فبدت جثة فأر متورمة تتقرفص فوقها كتائب نمل مرعب طالما غزا سكري وعدسي وأشياء أخرى.." ص20و21..أما قصة "الصعود إلى الهاوية"22، فتتناول حياة مومس دفعتها ظروفها القاسية إلى امتهان البغاء في وضح النهار.. في عالم قاس تجرد من كل القيم الإنسانية: ..عادت تتأمل الكدوم الحمراء التي تناثرت فوق جسدها. دغدغت كدمة في عنقها وهي تتمتم: حيوان، حيوان. استلقت عارية فوق سريرها. بدأت تفكر في رجل جديد. عفوا في حيوان جديد" ص23.
الضمائر:
استخدم القاص مختلف الضمائر المعتمدة عادة في السرد والحكي..فقد أتت غالبية القصص بضمير الغائب متحكما في السرد والوصف ، والأحداث والشخصيات.. وبنسبة أقل تم توظيف عدد أقل من النصوص بضمير المتكلم الذي يعبر عن دواخل الشخصية ، ويحصر مجال حكيه في تجارب ذاتية معيشة..أما قصة "فجأة"فجاءت بضمير المخاطب "أنت"..وهو تنويع لضمير المتكلم حيث يشعر القارئ بقرب السارد من شخصياته.
المجموعة القصصيّة ما هي إلا عصارة تأمّل الكاتب في السّلوك الإنسانيّ المرتبك غالباً بفعل الواقع الحابل بالمتناقضات والمفارقات والازدواجية. حيث يحيا فيه الإنسان الغربة والحرمان والقهر وهو ينشد الحرّيّة والسلام. إنها عمل لا يتوانى عن التّطرّق إلى الحال الإنسانيّ المقهور جسديا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ؛ ، كما يسلّط الضّوء على أفكار الشخصيات المقهورة وخيالاتهم وأحلامهم المجهضة، وآمالهم المكبوتة.
في "شامة والباشا" ص15، حضور لشجرة الأركان المميزة للمغرب دون باقي الدول، تمنح أهلها الزيت والحطب والعشب. هي متعددة العطاء. هذه الشجرة التي تعد محور النص، إذ هي التي جلبت الغرباء من أجل تشييد تعاونية خاصة بها، ستمنح النظافة والفلوس، أي أن التعاونية ستحدث تغييرا في السلوكات والقيم؛ وهو ما رفضه فقيه القرية، وقام بمعارضته، لكنه لم يفلح، فاضطر إلى إلقاء سلاحه وقد عضه الجوع بنابه. شامة تتذكر كل هذا انطلاقا من رؤيتها لشيء الفقيه الأسود، لتعود إلى حاضرها وهي مقبلة على دورة تكوينية في مجال التعاون، حاملة ابنها الذي تخلص منه الباشا بعد أن ملأ ضجيجه القاعة المحترمة وكأنه تخلص من زائد مشوش وغير ضروري غير عابئ بمشاعر أمه، فأنى له أن يشعر بذلك وهو المتسلط والمتعجرف؟.
تتنوع القصص مع كثافة في الأحداث التي تحاكي الواقع بلغة رمزية جميلة، تحاول تلطيف رداءة الوضع الإنساني، بكل ما يكتنفه من معاناة ترزح تحت ثقلها غالبة شخصيات النصوص التواقة للتغيير والباحثة عن واقع أفضل، شخصيات ترمز إلى الوعي في مقابل التخلف و الجهل رغم أن الجهل في أخر المطاف سينتصر على الوعي المعزز بسلط دينية وسياسية وثقافية تدعمه وتنتصر له.
كلها شخصيات ومظاهر ترمز إلى قيمة العلم والوعي في مقابل التخلف و الجهل الذي تعكسه شخصيات أخرى؛ إما سياسية كالمنتخبين، الانتهازين، أصحاب النفوذ والسلطة…قصة "النجاة ... النجاة" ص7.وإما من السلطة كالباشا ولمقدم والمخزني.
يحضر الجهل في المجموعة القصصية على صورة عادات اجتماعية لاواعية أو عبر سلطة دينية ممثلة في الفقيه، أو سلطوية ممثلة في الباشا كما في قصة "شامة والباشا".
في معظم قصص المجموعة يعيش القارئ وجع وانكسار أبطال المجموعة، وهم في جلّهم من المهمشين الذين يعيشون ضنك ووجع اللحظة العابرة لا لشيء إلا لأنهم لا يمتلكون بديلا عن ذلك "الحذاء المؤجل" ص39..
تنحاز المجموعة للهم الإنساني وهي تصور معاناة ووجع الإنسان، ويكاد القاص لا يفارق هذا الموضوع، بل يبدو مخلصا له تماما. فقصص المجموعة تتناول القضايا الشائكة والمأزومة على ساحة المجتمع المغربي، حيث قضايا القرية وما تعرفه من ظروف قاسية انعكست على الشخصيات، فصيرتها محبطة، فاقدة لكل أمل، مع الإشارة إلى ما تشهده من تحول على مستوى القيم "حدث ذات صباح" ص9، وحيث قضايا الانتخابات ووعودها الزائفة، والرغبة في الهجرة "النجاة النجاة" ص7، فضلا عن قضية الشذوذ الجنسي "البحث عن السروال" ص46... وأخيرا الهم الإنساني المجرد. يرصد القاص القضايا الاجتماعية بفنية ذات سخرية تثير الانتباه والدهشة، يستخدم لغة مكثّفة تخلو من كل زيادات أو إطناب. فمحمد كروم يبدو جادا في تقديم مفرداته وجمله بأسلوب مبدع يشكل بصمة لأسلوبه القصصي، ويضيف رصيدا مهما لتجربته القصصية الشخصية ولمنجز القصة القصيرة المغربية.
أما عن البناء فجاء كما أشار إلى ذلك شيخ القصة أحمد بوزفور متماسكا ومرصوصا، يحذف الزائد زينتظم الشتيت، ويحرك الخامل، ويضبط بالعناوين ونهايات القصص إيقاع معزوفة الأثر والواقع. ص 6.
ختاما:
لعل "شجرة القهر" قد سكبت الكثير من التفاصيل في ثنايا نصوصها، لتلمع كالبرق في نفس المتلقي، لتحرّك وجدانه وعقله وتمنحه، في الآن ذاته، فرصة فهم الواقع وما يحبل به من قضايا شائكة، لتتحرك الأسئلة لديه عن ماهية الوجود وأسباب التردي. فالمجموعة جاءت لمعالجة واقع إنساني مضطرب ، يبتعد عن الخطابة والتقريرية الجافة، وينحاز إلى الإبداع الجميل بعمق ووضوح في الرؤيا لنفد البؤس والقهر، مع فتح أبواب ألأمل في غد أفضل يخلص الإنسان من التردي والسقوط.
جاء جملة اسمية بسيطة من مبتدأ محذوف، وخبر، ومضاف إليه. وهو عنوان جامع لكل النصوص، إذ لا يحضر كاملا في أي نص، باستثناء كلمته الأخيرة؛ هذه الكلمة التي تحضر بقوة في كل النصوص، وتوجت بأن اتخذت لنفسها رأس نص ص28.
لعل قارئ مجموعة "شجرة القهر" سيشعر بتوتر ناجم عن الجمع بين عنصرين يبدوان متنافرين، وهما، الشجرة والقهر، فالشجرة ذات بعد طبيعي، فيما القهر يعود إلى الجانب الإنساني؛ فهو شعور بعنف موجه له من الخارج لغاية قمعه وإسكاته وبالتالي سلب ما لديه، ماديا ومعنويا، وجعله يعيش حالة من الحرمان والبؤس.
ثم إن الشجرة قد ارتبطت في ذهن الإنسان بالصمود والشموخ، حيث يقال: يموت واقفا كالشجرة، مما يعني أن الشجرة لا تنحني للقهر والاستبداد، فضلا عن أن تمثلها يرتبط بالإثمار والعطاء، بخلاف القهر الذي يحمل بعد الحرمان والفقر والعوز. لكن قراءة أخرى للشجرة يمكن أن تخفض منسوب ذلك التوتر إذا علمنا أن من الشجر ما يمنح الشوك، وبالتالي نحصل على التقابل التالي المفسر نسبيا لأبعاد العنوان، فالشوك يماثل القهر في كون كل منهما يؤذي ويؤلم. فالشجرة تلك لن تنبت سوى الشوك الذي يترك في النفس أثرا سلبيا.
عنوان المجموعة والعناوين الداخلية هي أشبه بلوحات فسيفسائيّة انتقى محمد كروم حبّاتها بعناية فائقة؛ ليقدّم خرائط ذات بعد إنسانيّ متشابك. يستدلّ القارئ من خلاله على تفاصيل حياته اليوميّة وما يكتنفها من مشاكل، وما يعترض الإنسان فيها من معوقات تقف ضد إرادته في حياة سعيدة ومتوازنة، بعين الكاتب ملتقطة بدقّة تفاصيل الحياة الإنسانيّة، من غير إرادة إعادة تكرارها بل من أجل إعادة كتابتها فنيا، وشرعت تحفر عميقاً لترسم عوالم الإنسان بكل ما فيه من ماديّة وروحيّة وفكريّة. حيث سيجد القارئ بعضاً من ذاته في كلّ قصّة، بكل تفاصيلها اليوميّة.
لوحة الغلاف:
لوحة الغلاف من أعمال الفنان التشكيلي ناهيري أمين؛ وقد جاءت معبرة لتتناغم و أجواء القصص.
تظهر الصور شخصيات في حالة رعب بدليل فتح أفواهها، لا تبين إلا ملامح حزنها الافح وهي تئن تحت أسلاك شائكة تعبر عن معاناتها.
تعالج المجموعة العديد من القضايا الحارقة والآنية والتي لا زالت تحتفظ بحرارتها، من مثل الانتخابات وما يرافقها من وعود كاذبة، والهجرة، والتسلط، والشذوذ الجنسي الذي أفرد له نصان، واحد محوري، والثاني ضمن جملة قضايا، وقد كانت المدينة والقرية مسرح وقوع الأحداث، مع استحواذ القرية على غالبية النصوص، لكن الجامع بينهما أن الفساد ضرب بعمق فيهما، وما عادت القرية مكان القيم الأصيلة؛ فقد تغيرت الأحوال، وصارت، هي الأخرى، تشهد ظواهر كانت إلى وقت قريب مرفوضة حتى من لدن رواد السجن "حدث ذات صباح" ص9.
أما شخصيات المجال الحضري فهم في أغلبهم شباب سدت في وجوههم أبواب الأمل ، يعيشون حالة إحباط وموت بطيئ.. فقصة "الصراصير" تصور غرفة مزرية لطالب يكابد ظروفا صعبة من أجل إتمام دراسته: "زحزحتُ علب الكارتون التي تحوي كتبي وأشيائي التافهة ، فبدت جثة فأر متورمة تتقرفص فوقها كتائب نمل مرعب طالما غزا سكري وعدسي وأشياء أخرى.." ص20و21..أما قصة "الصعود إلى الهاوية"22، فتتناول حياة مومس دفعتها ظروفها القاسية إلى امتهان البغاء في وضح النهار.. في عالم قاس تجرد من كل القيم الإنسانية: ..عادت تتأمل الكدوم الحمراء التي تناثرت فوق جسدها. دغدغت كدمة في عنقها وهي تتمتم: حيوان، حيوان. استلقت عارية فوق سريرها. بدأت تفكر في رجل جديد. عفوا في حيوان جديد" ص23.
الضمائر:
استخدم القاص مختلف الضمائر المعتمدة عادة في السرد والحكي..فقد أتت غالبية القصص بضمير الغائب متحكما في السرد والوصف ، والأحداث والشخصيات.. وبنسبة أقل تم توظيف عدد أقل من النصوص بضمير المتكلم الذي يعبر عن دواخل الشخصية ، ويحصر مجال حكيه في تجارب ذاتية معيشة..أما قصة "فجأة"فجاءت بضمير المخاطب "أنت"..وهو تنويع لضمير المتكلم حيث يشعر القارئ بقرب السارد من شخصياته.
المجموعة القصصيّة ما هي إلا عصارة تأمّل الكاتب في السّلوك الإنسانيّ المرتبك غالباً بفعل الواقع الحابل بالمتناقضات والمفارقات والازدواجية. حيث يحيا فيه الإنسان الغربة والحرمان والقهر وهو ينشد الحرّيّة والسلام. إنها عمل لا يتوانى عن التّطرّق إلى الحال الإنسانيّ المقهور جسديا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا ؛ ، كما يسلّط الضّوء على أفكار الشخصيات المقهورة وخيالاتهم وأحلامهم المجهضة، وآمالهم المكبوتة.
في "شامة والباشا" ص15، حضور لشجرة الأركان المميزة للمغرب دون باقي الدول، تمنح أهلها الزيت والحطب والعشب. هي متعددة العطاء. هذه الشجرة التي تعد محور النص، إذ هي التي جلبت الغرباء من أجل تشييد تعاونية خاصة بها، ستمنح النظافة والفلوس، أي أن التعاونية ستحدث تغييرا في السلوكات والقيم؛ وهو ما رفضه فقيه القرية، وقام بمعارضته، لكنه لم يفلح، فاضطر إلى إلقاء سلاحه وقد عضه الجوع بنابه. شامة تتذكر كل هذا انطلاقا من رؤيتها لشيء الفقيه الأسود، لتعود إلى حاضرها وهي مقبلة على دورة تكوينية في مجال التعاون، حاملة ابنها الذي تخلص منه الباشا بعد أن ملأ ضجيجه القاعة المحترمة وكأنه تخلص من زائد مشوش وغير ضروري غير عابئ بمشاعر أمه، فأنى له أن يشعر بذلك وهو المتسلط والمتعجرف؟.
تتنوع القصص مع كثافة في الأحداث التي تحاكي الواقع بلغة رمزية جميلة، تحاول تلطيف رداءة الوضع الإنساني، بكل ما يكتنفه من معاناة ترزح تحت ثقلها غالبة شخصيات النصوص التواقة للتغيير والباحثة عن واقع أفضل، شخصيات ترمز إلى الوعي في مقابل التخلف و الجهل رغم أن الجهل في أخر المطاف سينتصر على الوعي المعزز بسلط دينية وسياسية وثقافية تدعمه وتنتصر له.
كلها شخصيات ومظاهر ترمز إلى قيمة العلم والوعي في مقابل التخلف و الجهل الذي تعكسه شخصيات أخرى؛ إما سياسية كالمنتخبين، الانتهازين، أصحاب النفوذ والسلطة…قصة "النجاة ... النجاة" ص7.وإما من السلطة كالباشا ولمقدم والمخزني.
يحضر الجهل في المجموعة القصصية على صورة عادات اجتماعية لاواعية أو عبر سلطة دينية ممثلة في الفقيه، أو سلطوية ممثلة في الباشا كما في قصة "شامة والباشا".
في معظم قصص المجموعة يعيش القارئ وجع وانكسار أبطال المجموعة، وهم في جلّهم من المهمشين الذين يعيشون ضنك ووجع اللحظة العابرة لا لشيء إلا لأنهم لا يمتلكون بديلا عن ذلك "الحذاء المؤجل" ص39..
تنحاز المجموعة للهم الإنساني وهي تصور معاناة ووجع الإنسان، ويكاد القاص لا يفارق هذا الموضوع، بل يبدو مخلصا له تماما. فقصص المجموعة تتناول القضايا الشائكة والمأزومة على ساحة المجتمع المغربي، حيث قضايا القرية وما تعرفه من ظروف قاسية انعكست على الشخصيات، فصيرتها محبطة، فاقدة لكل أمل، مع الإشارة إلى ما تشهده من تحول على مستوى القيم "حدث ذات صباح" ص9، وحيث قضايا الانتخابات ووعودها الزائفة، والرغبة في الهجرة "النجاة النجاة" ص7، فضلا عن قضية الشذوذ الجنسي "البحث عن السروال" ص46... وأخيرا الهم الإنساني المجرد. يرصد القاص القضايا الاجتماعية بفنية ذات سخرية تثير الانتباه والدهشة، يستخدم لغة مكثّفة تخلو من كل زيادات أو إطناب. فمحمد كروم يبدو جادا في تقديم مفرداته وجمله بأسلوب مبدع يشكل بصمة لأسلوبه القصصي، ويضيف رصيدا مهما لتجربته القصصية الشخصية ولمنجز القصة القصيرة المغربية.
أما عن البناء فجاء كما أشار إلى ذلك شيخ القصة أحمد بوزفور متماسكا ومرصوصا، يحذف الزائد زينتظم الشتيت، ويحرك الخامل، ويضبط بالعناوين ونهايات القصص إيقاع معزوفة الأثر والواقع. ص 6.
ختاما:
لعل "شجرة القهر" قد سكبت الكثير من التفاصيل في ثنايا نصوصها، لتلمع كالبرق في نفس المتلقي، لتحرّك وجدانه وعقله وتمنحه، في الآن ذاته، فرصة فهم الواقع وما يحبل به من قضايا شائكة، لتتحرك الأسئلة لديه عن ماهية الوجود وأسباب التردي. فالمجموعة جاءت لمعالجة واقع إنساني مضطرب ، يبتعد عن الخطابة والتقريرية الجافة، وينحاز إلى الإبداع الجميل بعمق ووضوح في الرؤيا لنفد البؤس والقهر، مع فتح أبواب ألأمل في غد أفضل يخلص الإنسان من التردي والسقوط.
