روجيه غريب - الصدف و الاحتمالات تنهشني

العديد من الأسئلة الغبية المتكررة.. هي غبية لأنها متكررة بإجابات رخيصة..
أنا الإنسان.. لا أنا إنسان بدول تعريف.. أنا لا أتقيد حتى بأدوات التعريف أو الملابس أو الأمكنة
لا يهمني.. أفكر مراراً .. كم من الأيام أو الأحلام التي كادت أن تغير مسيرتي في يوم عصيب هربت عندما خرجت ليلاَ؟ أو عندما نمت بشكل أعمق قليلا؟
كم من الصدف التي لم تحدث.. كان مقدر لها أن تحدث و لم نراها , لم نعِرْها أي انتباه.. ربما كنا مشغولين بجز أظافرنا أو شلعها منا ربما ككل الأشياء التي سلخناها من أنفسنا عنوة تارة و رغبة في اللذة المصحوبة ألماً تارة أخرى ..
في جميع الأحوال حديثنا عن القدر يخفي المنطق في ثنايا الشعور.. يغلفه بإحكام ثم يقول لنا: اختاروا قليلاً علكم تشعرون..
الصدف و الاحتمالات تنهشني .. فكر للحظة لو أنك تكوين لا يتعلم من أخطائه ..ويصححها أو أنه لا يُصر عليها في بعض الأحيان إصرار طفل على التشبث بدميته القديمة ,كأرض اغتصبت عنوة.. ناهضنا لنزرعها فحصدتنا
نحن أبناء أرض اغتٌصبت .. فولدتنا .. أبناء زنوة , أحفاد ريح تلطخت بمطر خميسي.
فكر كيف أن حياتك ستكون بنفس المقدار من الملل الذي يحياه جرثوم برئ حد الغباء ..
ولادة ,تكاثر ,غذاء ,تطفل.. لا إنها ليست حياة..إنها أقرب ما تكون إلى مهمة بلا هدف أقوم بها و أكمل نومي الأبدي بلا عودة ..ولا ذكريات.. فقط القليل من الأحزان الطافية على ليلك الوجود وقصيدتين يتامى وندم..
لو ولدت في حيفا لكنت ثورياً و تخلصت من لامبالتي بالأشياء , كنت سأعشق تلك الفتاة ذي الشعر الأرجواني التي رأيت صفحتها على الفيسبوك و أعجبت بسحرها.. كانت بجواري الآن في هذا الليل العصيب نناقش الوضع السياسي و العسكري و ننسى أوضاعا جنسية عديدة تختبئ بين الطبقتين المتصارعتين على الحلم .. لو كنت من جماعة " فلسطين حرة" شيوعياً أبذل نفسي في سبيل القضية المنسية (إلا على المنابر وفي غرف النكاح المخصصة للجهاد أو للاستمناء بعيد عن الأرض) .. ستكون عشيقتي هي تلك الارض العالقة بين عينيّ كوجهة نظر..
لو كان أبي ضيعجيا أكثر من اللازم لكنت صلبا أكثر من الآن .. كنت لأقول عتابا عوضا عن الشعر الذي ألملمه من مائدة أيامي كبواقي حياة..أرسم تمثال التعب ,أعبده ,أقدم أبني ذبيحة لنأكل جميعاَ و نترك جوع الإله ينهش تلك الحياة الأبدية اللعينة..
لو كانت أمي قروية أكثر من المعتاد كنت لأفلحَ منذ الصباح الباكر حتى وجه القبر في هذه الأرض الصامدة مثلنا
اللاآبهة بالندم و الوجع و الجوع....بلا مطر ,بلا عشيقة تستريح على المدى لا تملك شيء ... أرض بور مثلنا عقيمة مثل إنجازاتنا.. سخية مثل ينبوع جاف وسط واحة الحروب..
كنت لأقضم المدينة بعنفواني زقاقاً زقاقاً .. كنت ربما لن أشلع الأوهام , كنت أداري الكفن حولي بلا قابلة للحياة.
لو ولدت في كوبا كنت كارهالأميركا .. مركز الرأسمالية السخيفة, ربما كنت قائدا لكتيب تحت إمرة" فيدل كاسترو" ألعب لعبة "عيش" مع الموت ,ألاحقه ,يلاحقني.. ونكرر المشهد إلى اللانهاية
لو ولدت في السعودية لكنت أحج على قبور إخوتي في الصومال, أطوف على أكفانهم,أرجم رأسي بالشيطان ومن ثم أذهب إلى المائدة أحتسي أنانيتي و سفاهتي , أضع قليلا من النفط على القدس و أقضم المسجد الأقصى ركعة ركعة..
لو ولدت في روسيا .. كنت لأرتوي الفودكا و لن أشعر بالبرد الذي يخدش عظامي في هذا الليل..كنت أبيضاً ذو عضل كاف لتمزيق العالم إلى قطعتي ثلج وأربعة طلقات..
لو ارتويت قليلاً من الماء السحري من يدي أمي لكنت الآن صنماً ماكر أرقد دون حراك رغبة مني في أن أتعذب قليلا لأبصر أكثر...
لو كنت أقذر قليلاً لطردتني صديقتي من منزلها فاجتمعت بأحد ذوي الاحتياجات الخاصة و سرقت من عاهته حسنة لي أقدمها للرب دليلا على إنسانيتي فيبعث بجسدي إلى النار ..
هكذا نهايتنا في أي موضع من الغيث..نهاية غير متوقعة
لو كنت عربياً أكثر من اللازم لقضمتني الحضارة مثلهم.. كنت أجلس الآن أحتسي الأغنام واحد تلو الآخر
ليأتي التاريخ يسن أمجاده و يقطع بها معدتي فيخرج أبناءه ,و يتبرى مني..
لو كنت فرنسياً أعيش في العصور الوسطى لآتى الكاهن الأعظم إلى حجرتي يلملم الليل و الواقيات الذكرية من خلف سريري و لأصدرت محاكم التعريص التاريخي صورا لي وأنا أرتدي كتاباً , أقرأ الحياة , أضحك بلا سبب ..
لأتوا بجيش من الحمقى المتعبين للقبض على أحلامي ,لنحر ذكرياتي ,لتوبيخ الأمل القابع بين أكتافي كالرأس , لإعدام ما تبقى في داخلي مني ..
لو كنت قد ولدت بعد 1000 عام ..أنا في طريقي بسرعة الصدق إلى كوكب الحقيقة, مشاعري شربتها السنين حتى ارتوت مني ..و فاض الزمن و غرقتي أنتي..
للحظة واحدة أفكر .. أنا و ما كنت وما يمكن لي أن أكون لا نختلف كثيراً عني إلا في قافية هذه القصائد..

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى