جعفر الديري - الناقد التونسي حسن المرزوقي: تاريخ الشتيمة قديم بقدم اللغة

كتب - جعفر الديري

قال الناقد التونسي حسن المرزوقي ان تاريخ الشتيمة قديم بقدم اللغة، ومنذ أن احتضنت اللغة فكر الانسان بدأت الشتيمة باعتبارها ممارسة لغوية تعكس فكرا وموقفا من العالم والانسان.
وأضاف المرزوقي خلال محاضرته بالملتقى الثقافي الأهلي في العاصمة المنامة، (خطاب الشتيمة): أعتقد أنه وان حذفت النصوص الدينية خطاب الشتيمة لاعتبارها نصا مدنسا فانها أحالت الى سياقات - نفترض ولا نجزم- أن بها سياق شتمي أو امكانيات شتيمة.

خطاب مسكوت عنه

ومهد مرزوقي لمحاضرته بقوله: "هذه الدراسة هي تدريب تطبيقي لخطاب مسكوت عنه في الثقافة العربية وفي الثقافات عموما وهو خطاب الشتيمة. وهو خطاب نلعنه ونلعن به، ونخفيه ونختفي وراءه. وقراءة هذا الخطاب تفتح الباب لقراءة عدة اشكالات أهمها ان دواعي بحثنا في خطاب الشتيمة ليس الشتيمة في حد ذاتها وانما ما يمكن أن يثيره هذا الخطاب من قضايا واشكال. والاشكال الأول هنا هو اشكال ثقافي لغوي. باعتبار أن خطاب الشتيمة يطرح ثنائية الشفوي والمكتوب في معالجة اللغة لنتساءل من ثم لماذا يقصي المكتوب بعض الخطابات الشفوية، فيظل المكتوب يقصي الشفوي دائما ويعتبره ضمن الهامش. فخطاب الشتيمة من هذه الخطابات المقصاة من قبل المكتوب. الاشكال الثاني هو اشكال سوسيوانتوبولوجي. وهو اشكال ثقافي اجتماعي يطرح فيه ثنائيات متعددة في مجال الانثروبولوجي كالثقافة العامة الي تقابلها الثقافة العالمة. اذ أننا نتصور أن الثقافة العالمة لا تشتم بينما العاميون هم الذين يشتمون. أما الاشكال الثالث فهو فلسفي ونقصد به مدى اختزال خطاب الشتيمة المنبوذ دينيا واجتماعيا للرؤية الاجتماعية للكون. وهو خطاب يحتوي رؤية للكون وللفرد وللمجتمع والدين واللغة اذ أن به رؤية متكاملة".

مبررات البحث

وعن مبررات هذا البحث قال " هذا البحث هو امتحان لفرضية بحث تتمثل في أن قراءتنا - بحسب ما نعتقد - للهوامش الثقافية من خلال خطاب الشتيمة كنموذج هي المدخل الأكثر نجاعة لتجريد الكثير من المفاهيم المسيطرة على الخطاب الثقافي والفكري العربي والانتليجنسي كمفهوم العقلانية مثلا. ومفهوم الطبقة الاجتماعية ومفهوم النخبة ومفهوم المثقف ومفهوم الهوية الخ من المفاهيم الكبرى التي اشتغل عليها هذا الخطاب العالم خصوصا وفلسفة الحداثة عامة وما أفرزته هذه الفلسفة من مفاهيم مركزية وحدية مثل مفهوم العقل والعقلانية أو مفهوم الفرد اذ اعتبرتها أصل الفهم لجوهر الانسان. وكي يكون بحثنا بعيدا عن التنظير قدر المستطاع سننطلق من مادتين أو من مدونتين. المدونة الأولى هي مقامة من مقامات بديع الزمان الهمذاني. واسمها (المقامة الدينارية) والتي اختزنت كما هائلا من الشتائم العربية. والمدونة الثانية يمكن التعبير عنها بما نختزنه نحن العرب في صدورنا من شتائم".

المقامة الدينارية

ثم عرض للمقامة الدينارية فذكر: "قال حدثنا عيسى بن هشام: اتفق لي نذر نذرته في دينار أتصدق به على أشحذ رجل ببغداد. وسألت عنه فدللت على أبي الفتح الاسكندري فمضيت اليه أتصدق به عليه. فوجدته في رفقة قد اجتمعت عليه في حلقة فقلت: يا بني ساسان أيكم أعرف بسلعته وأشحذ في صنعته فاعطيه هذا الدينار. فقال الاسكندري: أنا. وقال آخر من الجماعة: لا أنا. ثم تناقشا وتهارشا حتى قلت: ليشتم كل منكم صاحبه فمن غلب سلب ومن عز بز.
فقال الاسكندري: يا برد العجوز، يا كربة تموز، يا وسخ الكوز، يا درهما لا يجوز، يا حديث المغنين، يا سنة البؤس، يا كوكب النحوس، يا كوكب النحوس، يا وطأ الكابوس، يا تخمة الرؤوس، يا أم حبيب، يا رمد العين، يا غداة البين، يا فراق المحبين، يا ساعة الحين، يا مقتل الحسين، يا ثقل الدين، يا سمة الشين، يا بريد الشؤم، يا طريد اللؤم، يا بادية الزقوم، يا منع الماعون، يا سنة الطاعون، يا بغي العبيد، يا آية الوعيد، يا كلام المعيد، يا أقبح من حتى في مواضع شتى، يا دودة الكنيف، يا تنحنح المغيف اذا كسر الرغيف، يا جشاء المخمور، يا نكهة الصقور، يا خضروفة القدور، يا أربعاء لا تدور، يا طمع المقموع، يا ضجر اللسان، يا بول الخصيان، يا مؤاكلة العميان، يا شفاعة العريان، يا قرارة المخازي، يا بخل الاهوازي، يا فضول الرازي، والله لو وضعت احدى رجليك على أراونت والأخرى على دونباونت وأخذت بيدك قوس قزح وندفت الغيم في جباب الملائكة ما كنت الا حلاجا".
وقال الآخر: يا قراد القرود، يا لبود اليهود، يا نكهة الأسود، وعددا في وجود، يا كلبا في الهراش، يا قردا في الفراش، يا أقل من لاش، يا دخان النفط، يا صنان الابط، يا زوال الملك، يا هلال الهلك، يا أخبث ممن باء بذل الطلاق، ومنع الصداق، يا وحل الطريق، يا ماء على الريق، يا محرك العظم، يا معجل الهضم، يا قلح الاسنان، يا وسخ الآذان، يا أقل من فلس، يا أبغى من ابرة، يا مهب الخف، يا مدرجة الأكف، يا كلمة ليت، يا كيت وكيت".
فقال عيسى بن هشام فوالله ما علمت أي الرجلين أؤثر وما منهما الا بديع الكلام، عجيب المقام ألد الخصام فتركتهما والدينار مشاع بينهما وانصرفت وما أدري ما صنع الدهر بهما".

الشتيمة فعل لغوي

وعلق على المقامة بقوله: "لو أننا دخلنا الى معجم الشتيمة في القاموس العربي لوجدنا أن ابن منظور في (لسان العرب) لم يتعرض الى الشتيمة الا في فقرة نادرة. ولكن أسعفنا ابن سيدا الاندلسي بكم هائل من العبارات التي تطلق على كلمة الشتم، وأحصينا عنده ثمانون مرادفا لمرادفات الشتم. ولو حاولنا أن نضبط هذه المرادفات في حقول لوجدناها تدور جميعها في نواة واحدة وهي أن الشتم خطاب أو فعل لغوي له دلالات وتأثيرات. فالشتيمة هي كلمات تتحول في فعلها الى أداة مادية تؤثر في الجسد. فخطاب الشتيمة هو خطاب شفوي ينطق، وحتى لو كتب فانه يكتب على شكل شفوي بل أنه من أكثر الخطابات الشفوية بعدا عن المكتوب. وهنا يجرنا هذا الخطاب الى دراسته ضمن دراسة العقل الشفوي الذي ما زلنا نعيش به كعرب ومسلمين. ونحاول أن نستخلص هذا العقل الشفوي".
وأضاف: "لقد بدأت اللغة حركة لدى الانسان فصياح فكلمات مما يدعونا الى القول بأن تاريخ الشتيمة قديم بقدم اللغة، وأعتقد أنه وان حذفت النصوص الدينية خطاب الشتيمة لاعتبارها نصا مدنسا فانها أحالت الى سياقات - نفترض ولا نجزم- أن بها سياق شتمي أو امكانيات شتيمة فصراع قابيل وهابيل مثلا في نظرية الخلق الذي وصل بهما الى العنف المادي لابد أنه مر بعنف لفظي، كذلك الصراعات التي تكتب في الأساطير بين الآلهة والانسان والتي تنتهي كلها الى العنف المادي مؤكد أنها تمر بالعنف اللفظي. وأعتقد أن تاريخ الشتيمة هو تاريخ لغوي وهو تاريخ اللغة لأنها تاريخ الانفعال البشري، كذلك القول بأن الشتيمة هو خطاب شفوي يطرح أمامنا قضية أخرى وهي قضية الادراك الشفوي لدى الانسان".

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى