جعفر الديري - التشكيلي والمسرحي البحريني عبدالله يوسف: لا ذاكرة للفنون دون الناس

كتب – جعفر الديري

أكد الفنان التشكيلي والمسرحي البحريني عبدالله يوسف أن الفن متعلق بالناس وأن الناس هم الفن ولا انفصام بين الاثنين وأن الناس وقود المعارض والعروض المسرحية والدراما التلفزيونية والسينمائية والأغنية، لافتا إلى ان الفنون لا يمكن أن تكون ذاكرة وحاضرا وتناميا وشموخا الا بالناس وبأي شيء غير ذلك تصبح لا قيمة لها أو لا معنى لوجودها أو منبوذة من الناس طالما هي منقوصة أو مجذومة.
وأضاف يوسف خلال محاضرته بأسرة أدباء وكتاب البحرين: لقد عودت رغبتي الدائمة في ممارسة الفن على أن تكون على سجيتها وأن تنحو نحو العفوية والتلقائية والبساطة، عودتها أن تعود دوما لحظة شعورها بالكئابة أو الهم أو التوتر الى ممارسة العمل الفني باعتباره بكارة لم تفض كي يتسنى لي التلذذ بالولوج في مجهول فني لا أعرف الى أين سيأخذ رغبتي لكن عندما أعتقد أني أنجزت وفق ذلك وفق ذلك كله عملا فنيا في التشكيل على منحى خاص أزداد نشوة وقلقا، والشعور بالنشوة مرده أني خلقت لوحة من عدم وخلق لوحة يعني عندي تأسيس حيز بصري جديد للناس من أجل رؤية تكوينات وخطوط وألوان معبئة بموضوع اجتماعي انساني تاريخي أو معاصر أو مما اختزنته الذاكرة.

خليط أساليب ومدارس

وأضاف يسوف: غالبا ما أنهي اللوحة لأجدها خليطا من الأساليب والمدارس مما يستحوذ على تهكم فنانين آخرين يضعون لكل لوحة قيدا وشروطا من سلاسل الواقعية والواقعية الجديدة، الـتأثيرية، السريالية، التكعيبية، الماورائية، الفوتوغرافيه، الكلاسيكية الى أخر ما يعتقدون بأنه لا يمكن بل لا يجوز ومن غير المقبول خلط الحابل بالنابل من الأساليب والمدارس في لوحة واحدة فيما يغيب عن فطنتهم أن اللوحة أو أي منتج فني هو بالضرورة قطعة من الحياة يستعيرها المبدع من فسيفساء الناس ونسيج حياتهم وليس النسيج واحدا ولا كل الفسيفساء مصقول. أما الشعور بالقلق فمرده الخوف من أن تكون اللوحة غير جديرة بخلق متعة بصرية أخاذة وتأملات فكرية ووجدانية ذهنية عند الباحث عن كل ذلك فيها. والنماذج في ذلك عديدة في كل مناحي الانتاج الفني وذلك بالنسبة لي سبب من أسباب أخرى في قلة المشاركة في المعارض وليس في الانتاج.
وموضحا مفهومه للحداثة قال يوسف: إن لوحات كخطوة الحلم، اليد، الدرس، الرفض، العبأ، الخطيئة، الثلاجة، الحديد ساخن، كرة النار، الرسالة، من مذكرات بحار، الوقت الأخضر وهل أخبركم. مثل تلك الأعمال التشكيلية المنجزة في محاولاتي التشكيلية بدأ من نهاية الستينيات الى نهاية الثمانينيات من القرن الماضي جاءت في مناخ تشكيلي محلي غير متنوع الأساليب والمضامين بل كانت غالبا التجميلية البحته خاصة في مرحلة السبعينيات تطغى على المشهد التشكيلي العام وعلى رغم ذلك استطاعت تلك الأعمال أن تحدث ثغرة في الجدار السائد أطل منها التشكيل على الناس بكل ما تعنية كلمة الناس من تصنيف لذلك استقطبت تلك الأعمال وله وولع الناس الفطري بالفنون والآداب في تلك الفترة على رغم ما كانت تنطوي عليه تلك الأعمال من حداثة عرفتها لاحقا لمضامين انسانية وهموم اجتماعية ما زالت سائرة في الناس أو ربما تجذرت الآن واستطالت عميقا في واقعهم أكثر من أزمنة مضت لكن الناس تبعثرت وبقيت فنون التشكيل والمسرح والأدب والمسرح وغيرها لكن الناس انكفأت بفنونها السابقة والحالية وربما اللاحقة. ولماذا؟! هل لأننا كلنا أو ربما أغلبنا الأهم انشغل بعد تراكم التجارب الفنية عنده وعند غيره في اثبات جدارة انتماء الشكلانية وفي منتوجه الى الحداثة بمفاهيمها المعلبة لا لطزاجة انبثاقها من تربة الناس ووفق طبيعة أرضهم فبات يغالي في شكلانية مستديرة ليست مكتنزة ك "البمبرة" بل خاوية ككرة "البنج بونج"، أم لأننا نشعر بمسئولية تجاه العالم الخارجي؟! أم لأننا نحب التقليد؟! أم أننا نخشى أن يطلق علينا النقد المفتوح على كل الجهات؟! أن يطلق علينا تهمة التخلف عن مواكبة العصر والعولمة وما يدور في العالم من حولنا؟! وهل كتب علينا أن ندأب في تبني ما يصلنا من جهة حين الكون أربع جهات ونحن الجهة الخامسة؟! يبدو ذلك. هل ترانا فقدنا البوصلة فكثر النواخذة وتهنا وبتنا وبات الناس في التيه معنا؟! حتما بالحاح تلك الأسئلة المؤجلة وما سيستجد منها مارست الفن وأود مواصلته في مفهوم واحد هو أنه عجينة تتشكل من كل تلك الأسئلة ومربوطة بكل تلك الأساليب والمدارس والطرائق التي أطلقها الابداع البشري منذ الرسم الأول في الكهف الى يوم الناس هذا.

حداثة مستدامة

وحول تجربته المسرحية قال يوسف: مثل ما أن لي تجارب أو محاولات تشكيلية أعتقد أنها حققت علاقة مع الناس وشكلت منعطفا في الحركة التشكيلية في البحرين كونها ظلت هاربة من سطوة الأساليب والمدارس كذلك لي ما ينطبق عليه نفس الحال في تجارب مسرحية وتلفزيونية انصهرت فيها الواقعية والسريالية والتقليدية والحداثة في ذاكرة واحدة هي الناس، وربما تكون مسرحية البراحة - لم تعرض- الثعلب والعنب - لم تعرض، بنت النوخذه، أرض لا تنبت الزهور، الممثلون يتراشقون الحجارة، درب العدل، وجوه، ليلى والذئب، وطن الطائر، حكاية بوبي والجنازة- لم تعرض، وفي التجربة التلفزيونية العطش، العربة كسهرات درامية، مسلسل بن عقل، ملح وذهب، ليل البنادر ومسلسل عويشه وكلها أعمال احتفى الواحد منها في التنفيذ بالكل أو الجزء من الأساليب والمناهج والمدارس المعروفة وربما غير المعروفة لكنها في تقديري تمثل حداثة مستدامة كونها حققت صمودا باستقرارها في ذاكرة الناس.
وأضاف حول ارتباط المسرح بالناس: إن للناس مكان أثير في تجربتي المحدودة التي تحاول الوصول الى نضوج على نارهم التي تأبا الخمود وان باتوا هم شيعا وفرقا شتى وتلك بمثابة وجهة النظر عندي قد تكون صائبة اذ أنني أطمح الى ذلك أو أن تكون خائبة ولا ضير في ذلك سوى أنني سأجتهد في البحث عن خلل ما وفق نية جارفة لممارسات ابداعية مقبلة بمنهج غواية كل الفنون للتداخل وتتقاطع وتتشابك ان يسرت الظروف سبيلا لذلك.
وأكد يوسف في ختام محاضرته أن الفنون اذا ما أصيبت بالجذام - والجذام هنا ربما استعارة من الحداثة أو ما بعدها- تعتذر الذاكرة الجمعية عن استضافتها بل وتصدها كونها غير جديرة من وجهة نظرهم باشغال حيز أثير لها في الذاكرة كونها تشكلت في السديم قبل الذاكرة أو في المجهول بعد الذاكرة لذلك باتت حداثة وليست حديثة أو حادثة أو حديث أو حدوث أو حديث للعقل أو للروح الذي هو حتما لو استثمرت أو استثمر هذا الحديث بأبلغ وأرقى ما يكون عليه الاستثمار لسرى الى أرواح الناس واحتفت به ذاكرتهم أزمانا طويلة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى