عفيف شليوط - إنهم يخافون مضمون هذا الأدب

هنالك جانب في مجالنا الثقافي شبه مهمل أو مغيّب، رغم أهميته وضرورة تطويره من أجل دعم مسيرتنا الأدبية ورفع شأنها والمساهمة في زيادة انتشار أدبنا. هذا الجانب الذي ربما لم ندرك بعد أهميته، أو حاولنا لكننا عجزنا عن اختراقه. إن موضوع ترجمة أدبنا الفلسطيني الى اللغات الأخرى لطالما أقلقني، وكم من المرات شعرت الى أي حد لا يقرأنا الآخرون، فهم لا يطلعون على إبداعاتنا ويجهلون ثقافتنا.
شعرت بحدة هذا الجهل بثقافتنا خلال لقاءاتي مع طلاب جامعيين وباحثين يهود، لا يعرفون أدباءنا، لا يقرأون ما نكتب، لم يسمعوا بمسارحنا. وخلال دراستي لموضوع المسرح الفلسطيني في قسم المسرح في جامعة تل أبيب، فوجئت أكثر فأكثر كم يجهلون تاريخ مسرحنا الفلسطيني، والأنكى من هذا كم تم تشويه هذا التاريخ وطمس صفحات هامة منه. وعندما فاجأت المحاضر بما أعرف عن المسرح الفلسطيني، وبعدم دقة المعلومات التي أطلعنا عليها المحاضر، قال لي أعتذر لأني لا أجيد اللغة العربية، وللأسف لا تتوفر عن هذا الموضوع مادة كافية باللغة الانجليزية أو العبرية، كما أن النصوص المسرحية الفلسطينية المترجمة للغات أخرى شبه نادرة، فماذا تتوقع مني؟!
إنهم لا يعرفون عن مسرحنا إلا من خلال الممثلين العرب الذين مثلوا في المسارح العبرية، فهم كانوا بمثابة النافذة على المسرح العربي، رغم أن نشاطهم المسرحي هذا مع أهميته لا يمثل المسرح العربي ولا يعتبر جزءًا منه، فهم العربي في المسرح العبري. بينما المسارح العربية التي عملت وأنتجت للجمهور العربي وباللغة العربية لا يعرفون عنها شيئًا، اللهم إلا مسرح الحكواتي المقدسي ومسرح الميدان، ولا أدري مدى إطلاعهم على الانتاجات المسرحية لهذين المسرحين، لأن حديثهم على الغالب يعتمد على الضجة الاعلامية التي تمحورت حول هذين المسرحين بالذات.
بعد ما شعرت بمدى الحاجة لإطلاع القارىء اليهودي على نشاطنا المسرحي ونصوصنا المسرحية، تبادر الى ذهني ترجمة كتابي "جذور المسرح الفلسطيني في الجليل" الى اللغة العبرية، وقررت أن أعيد كتابته باللغة العبرية بنفسي، وكم كانت المفاجأة لدي لدى صدور الكتاب باللغة العبرية من كثرة الاهتمام من قبل المؤسسات الثقافية والأكاديمية العبرية بالكتاب، والتي فاقت بكثير الاهتمام بذات الكتاب عندما صدر باللغة العربية.
عندها أدركت كم الترجمة هامة، وكم أن غياب الترجمات للقراءة والدراسة لا يمكن تصوره. فهنالك ما يقرب من ستة آلاف لغة موجودة في العالم، فلولا الترجمة كيف كان الباحثون سيطلعون على ثقافات الشعوب الأخرى التي كتبت بلغات أخرى.
تخيلوا إذًا التأثير الذي سيحدثه اختفاء الترجمات على الآخرين، فالترجمة تساعدنا على الاطلاع على كتابات أشخاص من مجتمعات أخرى، والتعرف على مشاعر وأحلام وآمال وآلام الناس من مجتمعات أخرى، وهذا يتم من خلال قراءتنا للأدب المترجم.
إن أحد الأسباب التي تدفع الأدباء ليكتبوا، هو التواصل مع أكبر عدد ممكن من الناس والتأثير عليهم، والترجمة تساهم في زيادة عدد القراء للكاتب وتنوعهم. أين نحن من هذا الطموح، فالأديب الفلسطيني عامة لم يقتحم هذا المجال، وحتى الترجمة للغة العبرية تكاد تكون معدومة، اللهم إلا بعض المبادرات القليلة الأخيرة، مثل كتاب "بلسان مبتورة"، وهو عبارة عن مجموعة قصص فلسطينية مترجمة للغة العبرية والتي تعرض أمام القارىء العبري أكثر من سبعين قصة لمبدعين فلسطينيين.
وهنا يستحضرني ما قاله الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش في مقابلة أدلى بها إلى صحيفة عبرية في تشرين الثاني/ نوفمبر 1969 "إن الجهل التام بالأدب العربي ينبع من اعتبارات وحسابات سياسية بحتة، فأولئك الذين يسيطرون على أدوات الدعاية والنشر لا يريدون أن يقدموا للقارئ العبري حقيقة الأدب العربي. إنهم يخافون مضمون هذا الأدب. ويدركون أن وصول هذا الأدب إلى الجمهور اليهودي من شأنه أن يحطم حواجز. فالأدب العربي هنا هو أدب احتجاج على وضع غير عادل بالمُطلق، كأي أدب احتجاج في العالم. وإذا كان بإمكاني أن أستعير مثلًا من أدب الاحتجاج العالمي المعاصر، فسأذكر اسم جيمس بالدوين، الأميركي - الافريقي، صاحب الكتاب المثير "لا أحد يعرف اسمي". فالقلائل- القلائل جدًا- في الوسط اليهودي هم الذين يعرفون أسماءنا وقضايانا".
فهذا الاهتمام الخجول مؤخرًا بترجمة الأدب الفلسطيني يعكس هذا الواقع الذي طرحه محمود درويش "إنهم يخافون مضمون هذا الأدب"، ولهذا بالذات واجبنا اليوم أن ننشر هذا الأدب للغة العبرية ولكافة لغات العالم حتى ننشر قضايانا وهمومنا، حتى نطلع الشعوب الأخرى وخاصة الشعب اليهودي أننا هنا، موجودون ولدينا حضارة وثقافة ولدينا أدباء وفنانين، وعليهم أن يعرفوا أسماءنا.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى