أمين الزاوي - ليبيا.. هل هي طريق عودة العثمانيين الجدد إلى شمال أفريقيا؟ حلم استعادة الخلافة يراود أردوغان و"الإخوان المسلمين" وسيلته لاختراق البلاد

يقول المثل الفرنسي، "الذئب في الحظيرة"، وهو ما ينطبق على حال أردوغان، لقد وصل الذئب إلى ليبيا، ولم يبق له إلا الشروع في الافتراس. وضحاياه الأوائل هم الليبيون والتونسيون على حد سواء.

الرجل المريض يقيم في أردوغان

إن قراءة "سَيكو- سياسية" لسلوك النظام التركي القائم اليوم، والمتمثل أساسا في تصرفات زعيمه الأوحد ذي السلطة المطلقة أردوغان، وفي خطبه وتصريحاته وتهديداته ومغامراته شرقا وغربا وحروبه القائمة واستعداداته لحروب مفتوحة جديدة علنية أو مستترة في ثلاث قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا، هذه القراءة السيكو- سياسية تكشف لنا دون شك عن "اللا مُصرّح به" "النائم في اللا وعي التركي" وهو الحلم في استعادة زمن السبي والخراج والإنكشارية وزمن القراصنة والاعتداءات على سلامة البحرية العالمية، زمن الخلافة.

هذه الأحلام يحرسها ويتم تثميرها في مخابر حزب قريب في أفكاره ورؤاه من الأحزاب النازية والفاشية التي عرفتها أوروبا منذ مطلع القرن العشرين، وأعني به حزب الرئيس أردوغان ألا وهو حزب الإخوان المسلمين الأتراك، أو ما يطلق عليه في الطبعة التركية "حزب العدالة والتنمية"، المهيمن على السلطة بالشعبوية وبالدجل السياسي الذي يستثمر أولا في الإسلام وفي القضية الفلسطينية، بإظهار نوع من العداء لإسرائيل وهي أكبر صديق له، قد يكون هذا من حقه، لكن عليه أن يكون واضحا أمام شعبه وأمام الشعوب العربية المسلمة التي كثيرا ما يغرر بها بخطابه "الثورجي"، الذي لا يحمل أي مصداقية في الواقع، خاصة حين يتعلق الأمر بعنترياته الفلسطينية.

اليوم أردوغان ينزل بشمال أفريقيا مهددا وغازيا وحالما بخلافة عثمانية جديدة بعد أن سبقته المسلسلات التركية التي غزت الشاشات، وشوّهت وعي جيل كامل تاريخيا واجتماعيا وصنعت من تاريخ عثماني-تركي مليء بالدم والسبي والانتقام والقرصنة تاريخا من الأمجاد والانتصارات الدموية.

اليوم ينزل أردوغان بأرض ليبيا، وهو يحضر لنزول ساحة حرب جديدة تجري على أرض شمال أفريقيا، أو المغرب الكبير، ينزل بليبيا وهو يحلم بأن يسترجع مجدا ضيعه السلطان العثماني الداي حسين، وهو يسلم مفاتيح مدينة الجزائر للاستعمار الفرنسي في 5 يوليو (تموز) 1830 بعد استعمار تركي دام أزيد من ثلاثة قرون من 1512-1830، ينزل أردوغان بأرض ليبيا وهو يريد أن يتخلص من عقدة الداي حسين النفسية والسياسية والتاريخية.
لا يزال الجزائريون يتناقلون صورة الداي حسين آخر الحكام الأتراك وهو يغادر الجزائر العاصمة ذليلا، في 15 يوليو (تموز) 1830، في اتجاه إيطاليا، على متن باخرة جان دارك وقد حمل فيها أكياس الذهب وقطيعا من حريمه من النساء والغلمان، أليست هذه الصورة هي التي تقض مضجع الزعيم العثماني اليوم وتجعله يحلم بالعودة إلى بلاد تامزغا شمال أفريقيا.

ليبيا المرفأ الأفريقي لانكشاريي أردوغان

كان حلم أردوغان أن تكون مصر الإخوان المسلمين في عهد محمد مرسي هي بوابته للعودة إلى أفريقيا، لكن الأحداث جرت بما لم يكن في الحسبان، وما لم تشتهه سفن السلطان، وسقطت سلطة الإخوان، ولكن حلم أردوغان لم يسقط، بل وجد في ليبيا بما هي عليه من فوضى وتفكك الفرصة لتحقيق هذا الحلم.
إن الوجود التركي في ليبيا، كما يتصوره ويخطط له أردوغان، لا يعني استعادة جزء من مجد السلطان العثماني وانتقام السلطان العثماني الجديد أردوغان من هزيمة التاريخ في القرن التاسع عشر وفقط، ولكنها أيضا فرصة تاريخية لهذا النظام كي يتخلص من الآلاف من الإرهابيين القتلة الهاربين من إدلب ومن سوريا بشكل عام، حيث المعركة النهائية لتنظيم داعش بعد اغتيال زعيمهم الإرهابي أبو بكر البغدادي.

كان على أردوغان أن يجد لهؤلاء القتلة الإرهابيين الذين يعودون إليه أفواجا أفواجا، كبصقة أطلقها في السماء ليسقط رذاذها على وجهه، إرهابيون موّلهم وصنعهم في مخابر حزبه وساعدهم على الوصول إلى سوريا والعراق ودول عربية أخرى في المنطقة. ها هو يجد في ليبيا عمر المختار موطأ قدم جديد للإرهاب، مستغلا ما هي عليه من تفكك وما تتمتع به شرذمة من الإخوان المسلمين الليبيين من بقايا سلطة لم يبق لها من بديل كي يطول عمرها سوى الدوران في فلك الزعيم الإخواني الأكبر.

أن يرمي أردوغان بنفاياته التي جلبها من سوريا ممثلة في الإرهابيين الهاربين من المعارك، على أرض ليبيا ففي ذلك أيضا استثمار ريعي كبير، وهو الحلم في تقاسم الثروة البترولية الليبية مع هؤلاء الإرهابيين وعملائهم من المرتزقة العابرين للحدود، كما كان الأمر بينه وبين الإرهابيين ومهربي بترول آبار دير الزور في شمال سوريا قبل سنوات.

يدخل أردوغان ليبيا مدعما بإرهابي إدلب والحسكة وغيرها من أجل إعادة حلم دير الزور البترولي.

ينزل أردوغان بجيش إدلب الإرهابي في ليبيا وهو يحلم أن يفتح طريقا إلى منطقة الساحل لدعم الإرهاب هناك لإزعاج فرنسا التي تمثل له شوكة في ليبيا وفي مواقع أخرى.

ينزل أردوغان ليبيا، لمهمة أيضا أيديولوجية، وهي تدعيم تيار الإخوان المسلمين الذي يعرف تراجعا كبيرا في بلدان شمال أفريقيا خاصة بعد المآل الذي وصل إليه في مصر، إضافة إلى ما يعانونه من تضييق في أوروبا، وهي قاعدتهم الخلفية، خاصة بعد التفجيرات في باريس ببروكسل ونيس وبرلين وغيرها. ولعل آخر علامة على هذا التضييق هو سجن زعيمهم الرمزي طارق رمضان المتهم في فضائح جنسية غريبة وشاذة.

أردوغان يسحب تونس من الحياد الإيجابي إلى الشعبوية الإسلامية

يسعى أردوغان من خلال تحالفه مع النظام التونسي الجديد، برئاسة قيس سعيد القريب من التيار الإخواني الشعبوي والمدعوم من حزب النهضة برئاسة راشد الغنوشي رئيس البرلمان وهم إخوان تونس، كي يفتح له المجال للاستفراد بليبيا، وذلك بإشعار النظام التونسي الجديد بأن مستقبله مرتبط بليبيا التي يتصورها أردوغان سواقي بترول وقوافل الغنائم.

بذلك فأردوغان، وللمرة الأولى في تاريخ الأنظمة الحاكمة في تونس، يحاول أن يقنع الرئيس التونسي الشعبوي بالانتقال من السياسة البراغماتية البورقيبية المحايدة التي كانت تسير عليها تونس منذ استقلالها إلى سياسة التحالفات الشعبوية التي ستضع البلد لاحقا في فوهة الفوضى والتضييق الاقتصادي الأوروبي الذي لطالما ارتبطت به عجلة الاقتصاد التونسي.

إن تحالف أردوغان مع قيس سعيد هو خطر على تونس البراغماتية البورقيبية المستقرة.

أردوغان على أثر الداي حسين في الجزائر

ينزل أردوغان أرض ليبيا لإعطاء نفس جديد لإخوان الجزائر الذين تورطوا مع الرئيس المخلوع عبد العزيز بوتفليقة، وبعض من كان من قادتهم موجود الآن في السجن بتهمة الفساد، وهو بذلك يريد أن يعيد لهم عذرية جديدة من خلال تحريك إخوان ليبيا وتونس الموجودين في قمة السلطة.

إن أردوغان يحاول قدر الإمكان أن يستثمر في الوضع الجزائري غير المستقر، خاصة منذ بداية الحراك الشعبي الذي يدخل شهره الحادي عشر، فالجزائر التي كانت تعتبر دائما أمن ليبيا من أمنها تعيش اليوم نوعا من الانقلاب السياسي وأيضا بداية أزمة اقتصادية حادة وتراجع مردود البترول وارتفاع البطالة وشلل في المؤسسات الاقتصادية، وهو ما يجعل السلطان التركي الجديد يلعب خلف جدران الدار بكل حرية. لكني أعتقد أن ما غاب عن أردوغان هو أن المؤسسة العسكرية الجزائرية متماسكة وتتمتع بحرفية عالية، وهي قادرة على التعامل مع مسألة الحدود مع ليبيا بشكل تقليدي، لأنها تعرف خصوصية المنطقة منذ الخلافات على الحدود في سنوات الثمانينيات في حكم الشاذلي بن جديد والعقيد معمر القذافي، وقد تمت معالجة مسألة الحدود في كل مرة من قبل المؤسسة العسكرية كقضية جغرافية أو كقضية معابر للتهريب بكل أنواعه "الإرهاب والسلاح والبشر والهجرة" بشكل عقلاني وإيجابي، وقد استطاعت المؤسسة العسكرية الجزائرية أن تواجه أكبر تجربة لها مع ليبيا حين سقوط نظام القذافي واستيلاء بعض الأطراف المتطرفة على مخازن الأسلحة وهو ما كان ساعتها يهدد أمن الجزائر.

إن اجتماع مجلس الأمن الجزائري برئاسة الرئيس الجديد عبد المجيد تبون، وتدارسه مسألة الحدود مع ليبيا، هي رسالة إلى تركيا العنصر الجديد في الأزمة الليبية، وهي في الوقت نفسه تأكيد على سياسة الجزائر في عدم التدخل في شؤون جيرانها، ولكنها في الوقت نفسه تريد أن تؤكد أن ليبيا جارة وأن ما يحدث في هذا البلد إيجابا أو سلبا هو بالضرورة ينعكس على الجزائر سياسيا وأمنيا واقتصاديا.

هل سيحول أردوغان ليبيا إلى سوريا أخرى؟ الإخوان المسلمون لا يعيشون إلا في الفوضى والمغامرات السياسية غير محسوبة العاقبة.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى