الفضاء المحيط يمتد بالافق الملون بالهموم حول المنزل الطيني الذي يتوسط القرية، لأمرأة فقدت زوجها مبكرا وخلف لها خمسة افواه ، تجلس صامته وكلامها تفصحه الدموع المتناثرة بين الفينة والاخرى.اعتادت"أم حسن"ان تخرج من بيتها الى التل القريب الذي تحتضنهُ خضرةٌ كثيفة من الحشائش والبقل وغير ذلك ،هناك تشكو البؤس والشقاء ،عيشها المرير ورغيف الخبز الهارب التي تستدينه مرارا من الجيران.
لقد كان ذلك التل الصغير هو أنسها لوحشتها اذ يجيب عن جميع أسئلتها المتكررة، عندما تقطف "الخبّار"منه فوق نغمات دموعها النازلة كقطرات الندى في بكارة الصباح متناغمة مع حركات يدها المستظلة بالخواء واوردتها الزرقاء التي تطل بوضوح تحت جلدها الشاحب بالعناء ،امراة خمسينية أكلتها الحكايات القديمة حين فقدت زوجها الحبيب "ابو حسن" ليحيلها ركاما في ملتقى روافد الحزن العاصفة من كل جانب.
لقد عاشت هذه المراة تلعن ايامها السوداء فلااحد يعيل ابناءها الخمس ،ولاقريب ينظر في اروقة بيتها الكئيب، تعاني الحرمان بالكد والعمل غير المثمر ،ولطالما كانت تحدث الارض:
ياأرض هل تعرفي قدر مأساتي...؟
هل فقدتي النصيب من الدنيا في مهر الشباب ؟
هل تشربين وتأكلين وتتناسلين ؟
هل تعرفي متى انعتاقي من وحشتي في الحصاد المر؟
وبينما هي كذلك مستمرة في جنيها للخبّاز لوجبة الغداء والعشاء المتكررة التي اعدمت بطونهم بزرقتها يقف شابا وسيما نظيفا مناديا ماذا تفعلين ياأم حسن؟
أجابت :لاشيء أريح نفسي وأجني الطعام لأبنائي ولي موعد هام – فبادر: وكل يوم أراك هنا...
أجابته بعين دامعة وقلب مجروح كل يوم نحتاج الى الطعام ياولدي
- ولكنها وجبة مكررة
- بلى كل يوم لانه عزيز علينا وليس بارادتنا...
ابتسم قائلا :ولكن اي موعد تقصدين وقد فني العمر؟
- مع هذا التل ،و حبيبي ورفيقي فلااحدا يعطف عليّ غيره.. تركها ذلك الشاب مجافيا الحقيقة المرة التي تعيشها وهو يعرف فقرها ويتم عيالها ثم نظرت خلفه قائلة متى يصبح حسن كهذا الشاب ليكشف عناء الزمن الظالم ثم واصلت عملها ...
نظر الشاب صامتا الى هذه الكتلة البشرية السوداء التي تأن لوحدها وهز راسه وشرع الى ملاعب الشباب وتمتمت قائلة سبحان الله خلقتهم للترف ونحن للعناء – استغفر الله ...
وعادت الى دارها وتلقف الاطفال اذيال ثوبها المتهريء وهم يسألون عن الخبز وكان جوابها على الدوام يااحبابي غدا سآتي بالخبر... وتبكِ خلسة عن انظارهم ،وتلج الى باحة المطبخ وهم يتبعونها فيسالها "حسن" واين والدي ياامي.. واستدارت اليه سيعود يابني ان شاء الله فهو في سفر ميمون...كانت الكلمات تشق طريقها كالرصاص في الجسد ...جسدها الذي يمشي واقفا وهو ميتا ثَمَّ شبه كبير بينها وبين جذوع النخل السابحة بوجه الرياح بلا حياة ...امراة وفقدت مكونات الحياة والمشاركة مع الاخرين ،فترى خوار عزيمتها ونكوصها بعينين غائرتين في كهف من الجفون التي خط السواد محلا للاقامة الدائمة ..
انصرف الاطفال يلعبون بالرمل عراة الا من بعض الخرق التي تغطي اجسادهم الضعيفة وهم حفاة دون ادنى شك..الى ان اتمت وجبة الغداء المعتادة...
وهكذا قضت "ام حسن" يومها كعادتها حتى اسدل المساء جفونه فوق حزنها فكان طويلا قاهرا يستثير رحلتها الدامية .. وراحت تحدق في غرفتها وهي مضطجعة على ظهرها ،تلك الغرفة التي ملئت بالجحور والفئران وقليل من الجرذان الكبيرة ثم يستدير نظرها الضعيف الى الجدران التي تعرت وتهالكت من سنين البطش الطويلة ، وترمق الى السقف الاسود من الدخان الذي يرتفع من الموقد المحاذي لفراشها حين تطهي وجبتها المكررة في كل يوم .،استئنافت ذكريات ليلة زفافها وسجلات ذاكرتها القديمة حين كانت فتاة جميلة وهي تحلم بحياة سعيدة وهي مازالت في كنف والديها ،وكيف تقدم لها "ابو حسن" وفرحت بذلك اليوم فرحاً شديدا وتقول ربما لايحق لي ان افكر بذلك ولكن لم يبق لي شيئا سوى تلك الخواطر التي تعطيني فسحة الامل امام سقر الحياة ومردة الشياطين الذين قتلوا مااستعد له ، لقد رحلت في تفاصيل ليلة عرسها وهي ترتدي البياض وحولها نسوة القرية ودبكات الحلم المذبوح وكيف عاشا خمسة اعوام باجمل لحظات –لقد غرقت في زحام تاريخها لتصلب نفسها على شجر الذكريات الذي يبس فجأة وتعرت جذورها حتى من الرمل الذي يغطيها وشهقت باكية من الوجع لتقول انها "لعنة الحرب".
لم تنته رحلتها فهي تسال "ابو حسن" تموت وتتركني في زحمة الطريق انها امريكا اللعينة ،الغطرسة ،التهكم ، فهل تعرف امريكا والحكومة حجم اوجاعي وعنائي ،نهضت من فراشها الذي ابلاه الزمن قائلة لابد لي ان انصاع لحكمة الاقدار والحصار فلربما ذلك يرضي الجميع؟؟؟لتحل ازمة العالم... توكأت على ضياء غرفتها المعتم ونظرها الفاتر للغاية في ليلة شتاء باردة لتصمت تارة وتبكي اخرى وتمسح دموعها بمنديل تركه زوجها في كفها ليلة الزفاف حرزا من الاشباح والشياطين في وقت الغياب ..وهي تنظر الى اطفالها فتحدث الليل-
هل لك ان تنقضي لاذهب الى موعدي مع الحبيب؟
هل تعرف قصتي وهمّي كما يعرف التل القريب؟
هل تعرف الجوع ايها المساء–لا بالتاكيد جائعا مثلي لانك تاكلنا كل يوم بهمومك وفراشي البارد الذي ينز له جسدي من برودته ..
ايها الليل انا لم اهنأ بالحرارة والعناق دون نساء الارض
لم اشم العطور او اقرأ جميل السطور فقدت الليالي الحالمة مبكرا وتطأطأ راسها الى الاسفل ألهي كم عصفت بي السنين فهذه العظام قد تعبت من المسافات الوعرة وامراضي قد شلت مفاصلي وشح دمعي على نار هادئة..رحماك فيّ انا امراة موجوعة بلعنة الحرب...كما ان عش حياتي خرب والسنين عجاف وانا في وكر الحزن الذي لم يطلع عليه بشر ولكني اشكر ماء دجله فهو الوحيد الذي يعطي شربة الماء لنا وللكلاب بلا مقابل ...؟؟دلفت نفسها الى مجموعة من الصناديق القديمة تبحث عن بعض قطع الخبز اليابسة التي القتها يوما الى القطط فوقعت يدها على على صرة رمادية فحملتها ودست اصبعها من الخارج ففرحت حين تذكرت انه الشعير الذي فقدته منذ زمن غابر ، فوضعته عند وسادتها وقطع الخبز التي اثرت ان لاتاكل منه وعيالها نائمون ...وفي الصباح المبكر حملت صرتها متوجهة الى طاحونة "ابو حميد" لتطحن الشعير..وحال وصولها رأت جموع غفيرة يحملون اكياس الحبوب والطحين من الرجال الاشداء ..كم انها وجوه كالحة مغبرة وتحفها علامات جشع وضوضاء وخوف من القادم ..انطلقت الى اليه قائلة: ارجوا ان تطحن لي هذا الشعير "كغم "واحد
-نظر باستعلاء اليها واطفالها كسرب قطاة خلفها واجابها وكيف بالامكان ان اطحن كغم واحد سيضيع في فكوك الطاحونة ولم تحصلي على شيء..
- ارجوك اطفالي جياع وفي انفسهم ان يذوقوا لقمة الخبز فحدّق اليها وقد سربت دموعها بشهقة وزفرة متتالية اثناء الكلام..
- وهل لديك مبلغا للطحن
- وفي مسكنة ارملة عاجزة – لااملك منه شيئاً
ابو حميد: يعرض عنها لاوقت لدينا نضيعه في العمل التافة اذهبي الله يعطيكِ...
اخذت اطفالها الخمس وعلى مقربة من الطاحونة وحضنتهم باكية وهم يتحسسون اوجاع أمهم الارملة المفجوعة ..
لقد كان ذلك التل الصغير هو أنسها لوحشتها اذ يجيب عن جميع أسئلتها المتكررة، عندما تقطف "الخبّار"منه فوق نغمات دموعها النازلة كقطرات الندى في بكارة الصباح متناغمة مع حركات يدها المستظلة بالخواء واوردتها الزرقاء التي تطل بوضوح تحت جلدها الشاحب بالعناء ،امراة خمسينية أكلتها الحكايات القديمة حين فقدت زوجها الحبيب "ابو حسن" ليحيلها ركاما في ملتقى روافد الحزن العاصفة من كل جانب.
لقد عاشت هذه المراة تلعن ايامها السوداء فلااحد يعيل ابناءها الخمس ،ولاقريب ينظر في اروقة بيتها الكئيب، تعاني الحرمان بالكد والعمل غير المثمر ،ولطالما كانت تحدث الارض:
ياأرض هل تعرفي قدر مأساتي...؟
هل فقدتي النصيب من الدنيا في مهر الشباب ؟
هل تشربين وتأكلين وتتناسلين ؟
هل تعرفي متى انعتاقي من وحشتي في الحصاد المر؟
وبينما هي كذلك مستمرة في جنيها للخبّاز لوجبة الغداء والعشاء المتكررة التي اعدمت بطونهم بزرقتها يقف شابا وسيما نظيفا مناديا ماذا تفعلين ياأم حسن؟
أجابت :لاشيء أريح نفسي وأجني الطعام لأبنائي ولي موعد هام – فبادر: وكل يوم أراك هنا...
أجابته بعين دامعة وقلب مجروح كل يوم نحتاج الى الطعام ياولدي
- ولكنها وجبة مكررة
- بلى كل يوم لانه عزيز علينا وليس بارادتنا...
ابتسم قائلا :ولكن اي موعد تقصدين وقد فني العمر؟
- مع هذا التل ،و حبيبي ورفيقي فلااحدا يعطف عليّ غيره.. تركها ذلك الشاب مجافيا الحقيقة المرة التي تعيشها وهو يعرف فقرها ويتم عيالها ثم نظرت خلفه قائلة متى يصبح حسن كهذا الشاب ليكشف عناء الزمن الظالم ثم واصلت عملها ...
نظر الشاب صامتا الى هذه الكتلة البشرية السوداء التي تأن لوحدها وهز راسه وشرع الى ملاعب الشباب وتمتمت قائلة سبحان الله خلقتهم للترف ونحن للعناء – استغفر الله ...
وعادت الى دارها وتلقف الاطفال اذيال ثوبها المتهريء وهم يسألون عن الخبز وكان جوابها على الدوام يااحبابي غدا سآتي بالخبر... وتبكِ خلسة عن انظارهم ،وتلج الى باحة المطبخ وهم يتبعونها فيسالها "حسن" واين والدي ياامي.. واستدارت اليه سيعود يابني ان شاء الله فهو في سفر ميمون...كانت الكلمات تشق طريقها كالرصاص في الجسد ...جسدها الذي يمشي واقفا وهو ميتا ثَمَّ شبه كبير بينها وبين جذوع النخل السابحة بوجه الرياح بلا حياة ...امراة وفقدت مكونات الحياة والمشاركة مع الاخرين ،فترى خوار عزيمتها ونكوصها بعينين غائرتين في كهف من الجفون التي خط السواد محلا للاقامة الدائمة ..
انصرف الاطفال يلعبون بالرمل عراة الا من بعض الخرق التي تغطي اجسادهم الضعيفة وهم حفاة دون ادنى شك..الى ان اتمت وجبة الغداء المعتادة...
وهكذا قضت "ام حسن" يومها كعادتها حتى اسدل المساء جفونه فوق حزنها فكان طويلا قاهرا يستثير رحلتها الدامية .. وراحت تحدق في غرفتها وهي مضطجعة على ظهرها ،تلك الغرفة التي ملئت بالجحور والفئران وقليل من الجرذان الكبيرة ثم يستدير نظرها الضعيف الى الجدران التي تعرت وتهالكت من سنين البطش الطويلة ، وترمق الى السقف الاسود من الدخان الذي يرتفع من الموقد المحاذي لفراشها حين تطهي وجبتها المكررة في كل يوم .،استئنافت ذكريات ليلة زفافها وسجلات ذاكرتها القديمة حين كانت فتاة جميلة وهي تحلم بحياة سعيدة وهي مازالت في كنف والديها ،وكيف تقدم لها "ابو حسن" وفرحت بذلك اليوم فرحاً شديدا وتقول ربما لايحق لي ان افكر بذلك ولكن لم يبق لي شيئا سوى تلك الخواطر التي تعطيني فسحة الامل امام سقر الحياة ومردة الشياطين الذين قتلوا مااستعد له ، لقد رحلت في تفاصيل ليلة عرسها وهي ترتدي البياض وحولها نسوة القرية ودبكات الحلم المذبوح وكيف عاشا خمسة اعوام باجمل لحظات –لقد غرقت في زحام تاريخها لتصلب نفسها على شجر الذكريات الذي يبس فجأة وتعرت جذورها حتى من الرمل الذي يغطيها وشهقت باكية من الوجع لتقول انها "لعنة الحرب".
لم تنته رحلتها فهي تسال "ابو حسن" تموت وتتركني في زحمة الطريق انها امريكا اللعينة ،الغطرسة ،التهكم ، فهل تعرف امريكا والحكومة حجم اوجاعي وعنائي ،نهضت من فراشها الذي ابلاه الزمن قائلة لابد لي ان انصاع لحكمة الاقدار والحصار فلربما ذلك يرضي الجميع؟؟؟لتحل ازمة العالم... توكأت على ضياء غرفتها المعتم ونظرها الفاتر للغاية في ليلة شتاء باردة لتصمت تارة وتبكي اخرى وتمسح دموعها بمنديل تركه زوجها في كفها ليلة الزفاف حرزا من الاشباح والشياطين في وقت الغياب ..وهي تنظر الى اطفالها فتحدث الليل-
هل لك ان تنقضي لاذهب الى موعدي مع الحبيب؟
هل تعرف قصتي وهمّي كما يعرف التل القريب؟
هل تعرف الجوع ايها المساء–لا بالتاكيد جائعا مثلي لانك تاكلنا كل يوم بهمومك وفراشي البارد الذي ينز له جسدي من برودته ..
ايها الليل انا لم اهنأ بالحرارة والعناق دون نساء الارض
لم اشم العطور او اقرأ جميل السطور فقدت الليالي الحالمة مبكرا وتطأطأ راسها الى الاسفل ألهي كم عصفت بي السنين فهذه العظام قد تعبت من المسافات الوعرة وامراضي قد شلت مفاصلي وشح دمعي على نار هادئة..رحماك فيّ انا امراة موجوعة بلعنة الحرب...كما ان عش حياتي خرب والسنين عجاف وانا في وكر الحزن الذي لم يطلع عليه بشر ولكني اشكر ماء دجله فهو الوحيد الذي يعطي شربة الماء لنا وللكلاب بلا مقابل ...؟؟دلفت نفسها الى مجموعة من الصناديق القديمة تبحث عن بعض قطع الخبز اليابسة التي القتها يوما الى القطط فوقعت يدها على على صرة رمادية فحملتها ودست اصبعها من الخارج ففرحت حين تذكرت انه الشعير الذي فقدته منذ زمن غابر ، فوضعته عند وسادتها وقطع الخبز التي اثرت ان لاتاكل منه وعيالها نائمون ...وفي الصباح المبكر حملت صرتها متوجهة الى طاحونة "ابو حميد" لتطحن الشعير..وحال وصولها رأت جموع غفيرة يحملون اكياس الحبوب والطحين من الرجال الاشداء ..كم انها وجوه كالحة مغبرة وتحفها علامات جشع وضوضاء وخوف من القادم ..انطلقت الى اليه قائلة: ارجوا ان تطحن لي هذا الشعير "كغم "واحد
-نظر باستعلاء اليها واطفالها كسرب قطاة خلفها واجابها وكيف بالامكان ان اطحن كغم واحد سيضيع في فكوك الطاحونة ولم تحصلي على شيء..
- ارجوك اطفالي جياع وفي انفسهم ان يذوقوا لقمة الخبز فحدّق اليها وقد سربت دموعها بشهقة وزفرة متتالية اثناء الكلام..
- وهل لديك مبلغا للطحن
- وفي مسكنة ارملة عاجزة – لااملك منه شيئاً
ابو حميد: يعرض عنها لاوقت لدينا نضيعه في العمل التافة اذهبي الله يعطيكِ...
اخذت اطفالها الخمس وعلى مقربة من الطاحونة وحضنتهم باكية وهم يتحسسون اوجاع أمهم الارملة المفجوعة ..