يسيران بثقة رغم العيون التي تلاحقهما. لا يباليان بنظرات الأطفال وهما يشتريان من سيارة الآيسكريم. يعلمان أنهما - بالنسبة للآخرين - مسخ برأسين ، ثمانية أطراف، وجذع عريض يبدو مثل نواة التمر لم يكتمل انفلاقها!
إنهما أحمد ومحمد، التوأمان السياميان. أو (محمدين) كما يناديهما أصدقاؤهما تندراً. وهذه هي خلوتهما الأسبوعية، حيث يجلسان فيصفيان قلبيهما من الكدر والغضب الذي يحملانه تجاه بعضهما، تجاه الناس، وتجاه الشرايين والعظام التي تلصقهما ببعض، فتقيد حريتهما.
وقد انتخبا (وادي لبن) لخلوة هذا الأسبوع، وافترشا قريباً من جرف الوادي العميق سجادتهما، ثم تناوب لساناهما على الحديث ولعق الآيسكريم.
نظر أحمد إلى توأمه:
حسناً، انظر إلى الرجال من حولنا، انظر لهم يجلسون معنا في الوادي وكلهم لابس نفس الزي، نفس الثياب، نفس الأشمغة. ألم يرضوا بأن يكونوا توائم في اللباس؟! إن كانوا توائم في هذا المستوى، فأي اختلاف ترجوه على مستوى الأفكار والآراء؟! يا أخي التوأم - الذي لا يريد أن يشبهني إلا في الشكل - هكذا الناس، تكره الاختلاف. هكذا المجتمع، تمقت التفرد. فمن السهل على القطيع أن يقود نفسه إن كان مكوناً من توائم سيامية، ملتصقة ببعضها، متشابهة مع بعضها.)
صمت أحمد، كان صمته يوحي بالاقتناع، وإن لم يوحِ بالرضا.
نظر محمد إلى توأمه ضاحكاً:
حسنا، هل تعتقد أننا قد نحب؟!
لا تجب، إنه سؤال بديهي. طبعاً نستطيع أن نحب، ولكن هل هناك من تستطيع أن تحب أحدنا؟!
قبل أن تجيبني، قم بنا. فقد مللت الجلوس، دعنا نسير قليلاً على أقدامنا).
قام التوأمان وبدآ يسيران على ضفة الوادي العميق. استغل محمد لحظات المسير الصامت في التفكير بإجابة ترضي أخاه أحمد، فلقد بدا محتقنا. أو لعلها إجابة ترضي ذاته قبلاً:
وبنظرة عميقة، تأمل السيارات المتكدسة في قعر الوادي، ثم تبسم قائلاً:
أدركا أنهما قد وصلا قمة الانفصال عند قمة الوادي. لم يفكر أحمد في أخيه محمد عندما قرر الانتحار. ولم يخف محمد على نفسه حينما كان يقنع احمد بالعدول عن قراره.
استغرق السقوط في الهاوية دهراً. وفي طريقهما إلى القاع، كان شعور واحد يسيطر على أحمد، وتساؤل واحد يشغل بال محمد.
أحمد قتله الشعور بالذنب قبل موته. لن يغادر هذه الدنيا منتحراً فقط، بل وقاتلاً!. أما محمد فلقد قتله التساؤل قبل موته: هل سيقول أصدقاؤهم غداً إن أحمد انتحر وإن محمداً مات؟ أم سيقولون إن (محمدين) انتحر؟!
إنهما أحمد ومحمد، التوأمان السياميان. أو (محمدين) كما يناديهما أصدقاؤهما تندراً. وهذه هي خلوتهما الأسبوعية، حيث يجلسان فيصفيان قلبيهما من الكدر والغضب الذي يحملانه تجاه بعضهما، تجاه الناس، وتجاه الشرايين والعظام التي تلصقهما ببعض، فتقيد حريتهما.
وقد انتخبا (وادي لبن) لخلوة هذا الأسبوع، وافترشا قريباً من جرف الوادي العميق سجادتهما، ثم تناوب لساناهما على الحديث ولعق الآيسكريم.
نظر أحمد إلى توأمه:
- (لماذا يتعجبون عندما نختلف؟! أقصد لِمَ يتعجب الناس من اختلافنا، ولم يتوقعوا أننا سنتشابه في كل شيء، حتى العقل والذائقة؟ لماذا يدهشون حينما يعرفون أنني أدرس الرياضيات في الجامعة، بينما تدرس أنت اللغة العربية؟! ولم صدم أصدقاؤنا عندما لبست أنا قميصاً، بينما لبست أنت ثوبا؟! بل لم تفاجأ بائع الآيسكريم إذا طلبت أنا نكهة الفانيليا وطلبت أنت نكهة الشوكولاته؟!)
- (هوّن عليك يا أخي، فالناس تكره الاختلاف، ليس فقط بيننا نحن التوائم السيامية، بل حتى بين بعضهم البعض. الاختلاف يعقد خياراتهم، يصب عليهم التكهن بردود فعل الآخرين. من السهل عليك أن ترضخ لرغبة الناس في أن تكون مثلهم، ولكن الأصعب أن تقنعهم بحقك في الاختلاف أو التفرد.
حسناً، انظر إلى الرجال من حولنا، انظر لهم يجلسون معنا في الوادي وكلهم لابس نفس الزي، نفس الثياب، نفس الأشمغة. ألم يرضوا بأن يكونوا توائم في اللباس؟! إن كانوا توائم في هذا المستوى، فأي اختلاف ترجوه على مستوى الأفكار والآراء؟! يا أخي التوأم - الذي لا يريد أن يشبهني إلا في الشكل - هكذا الناس، تكره الاختلاف. هكذا المجتمع، تمقت التفرد. فمن السهل على القطيع أن يقود نفسه إن كان مكوناً من توائم سيامية، ملتصقة ببعضها، متشابهة مع بعضها.)
صمت أحمد، كان صمته يوحي بالاقتناع، وإن لم يوحِ بالرضا.
نظر محمد إلى توأمه ضاحكاً:
- (أتذكر تلك الفتاة التي ابتسمت نحونا، أتذكر كيف تلفتنا تجاه بعضنا متسائلين أينا تقصد، أتذكر إجابتها حينما تجرأنا فسألناها لمن تبتسم؟)
- (لا تذكرني: الساذجة! أرادت أن ترضينا جميعاً ولا تحرج أحدنا فقالت: ابتسمت لكليكما.
حسنا، هل تعتقد أننا قد نحب؟!
لا تجب، إنه سؤال بديهي. طبعاً نستطيع أن نحب، ولكن هل هناك من تستطيع أن تحب أحدنا؟!
قبل أن تجيبني، قم بنا. فقد مللت الجلوس، دعنا نسير قليلاً على أقدامنا).
قام التوأمان وبدآ يسيران على ضفة الوادي العميق. استغل محمد لحظات المسير الصامت في التفكير بإجابة ترضي أخاه أحمد، فلقد بدا محتقنا. أو لعلها إجابة ترضي ذاته قبلاً:
- (الحب - يا أحمد - قيمة مبالغ في حجمها. الناس تتوهم الحب، أو تتصنعه أكثر مما تعشق فعلاً)
- (ولكنه وهم يغذيه الأمل. أما أنا وأنت فهل لنا أمل بالحب؟ أو حتى بالزواج؟ هل تصدق ما تقوله أمنا: أنها ستزوجنا توأمتين أو على الأقل أختين؟)
- (ولم لا؟!)
- (أين ذهبت عقلانيتك يا محمد؟!
- (حسناً، وما المشكلة في ذلك؟ فلنحاول التكيف مع هذا الوضع)
- (لا استطيع التكيف مع هذا الوضع. لا تسئ فهمي، أنا لا أتمنى كثيراً الانفصال عنك، ولكن مسألة الزواج تهمني كثيرا، فأنا شاب ولدي رغبات)
- (دعني أقول أنك لست بارعاً في اخفاء رغباتك)
- (لا تقنعني أنك لا تمارس رغباتك)
- (ألا تتساءل كيف نشعر بالوحدة رغم أننا لا نفارق بعضنا؟ كيف نشعر بالعزلة رغم أننا نعجز عنها؟! كيف نطلب القرب من الآخرين، رغم أن الآخر ملتصق بنا؟!)
وبنظرة عميقة، تأمل السيارات المتكدسة في قعر الوادي، ثم تبسم قائلاً:
- ما أجمل القاع وما أبعده؟
- فيمَ تفكر؟!
- كم من الوقت سيستغرق السقوط في هذه الهاوية؟
- لا تفعلها يا أخي. اتق الله! إنه انتحار.
- بلى سأفعلها.
- لا تفعلها، أمامك الحياة بأكملها.
- أي حياة تلك بلا أمل؟!
- أرجوك لا تقفز!
أدركا أنهما قد وصلا قمة الانفصال عند قمة الوادي. لم يفكر أحمد في أخيه محمد عندما قرر الانتحار. ولم يخف محمد على نفسه حينما كان يقنع احمد بالعدول عن قراره.
استغرق السقوط في الهاوية دهراً. وفي طريقهما إلى القاع، كان شعور واحد يسيطر على أحمد، وتساؤل واحد يشغل بال محمد.
أحمد قتله الشعور بالذنب قبل موته. لن يغادر هذه الدنيا منتحراً فقط، بل وقاتلاً!. أما محمد فلقد قتله التساؤل قبل موته: هل سيقول أصدقاؤهم غداً إن أحمد انتحر وإن محمداً مات؟ أم سيقولون إن (محمدين) انتحر؟!