1
عزيزي حسن .. أنا وجهك .
أعتذر عن الرحيل بهذه الطريقة .. مهما كانت الخلافات بيننا، فلا يجدر أن نطأ في فوضاها قدسية ذكرياتنا القديمة .
سأكون صريحا معك: أنا لست سعيدا .. لست سعيدا منذ زمن .
لا أعلم لماذا .. أهزّ نفسي الآن بشيء من الحسرة، تعلو فمي تكشيرة يأس، وفي عيناي تنطفئ نظرة جامحة .. صدقني، لا أفهم شيئا مما يحدث .. طوال 25 عاما حدقت في أوجه كثيرة، لمستني أياد كثيرة، قبلتني شفاه كثيرة، أظن أن جزء مني قد أصيب بالملل، الملل من أن أكون دائما موجَّها في الواجهة .
أنت لا تفهم كثيرا مما أمر به، لا أحد من الأجزاء الباقية يفهم ما أمر به .. إن كنا فعلا كما وصفنا أحدهم: طاقم تمثيل في مسرحية ما، فأنا الممثل الرئيسي، أنا النجم، أنا الذي يجب أن لا يخطئ، أن لا يهمل شيئا، أن يكون دائما في الواجهة .. أريد أن أخطئ، أريد أن أهمل، أريد أن أختبئ في الظل، ولو لبرهة من الزمن .. أريد ان أربي ذقنا أشعثا، أريد ان أبصق في منتصف الطريق، أريد أن أغمز دون سبب، أريد أن أجلس على مقعد منزو في السوق لأراقب الناس، لا ليراقبني الناس، أريد أشياء كثيرة، ولكنني لا أعلم حقيقة ما هي بالضبط، أحتاج أن أعرف ذلك بنفسي .
أنا آسف .. ولكن جميعنا يستحق لحظة من الأنانية يوما ما .
وجهك المحب .
2
عزيزي حسن .. وجهك مرة اخرى .
منذ ستة أيام لم أقم بتفريش أسناني .. واللعنة كم أعشق هذا الشعور .
جلست البارحة في حانة، شاهدت فتاة ترقص على المسرح .. لا أستطيع ان أصف شعور الراحة في أن تحدق في شيء بمثل هذا الجمال، دون أن تسطو أعضاؤك التناسلية على العملية .
راقبت في القهوة أوجها مختلفة .. شعرت بكثير من الرثاء تجاههم: ارتفاع الحاجب، انكماش الفم، ارتعاش الوجنة، ردود فعل تحدث دون سيطرة الوجه، خضوع لأوتوماتيكية الأعصاب، لخيارات المخ .. عبودية اتباع الأوامر .. نعم، لقد أشفقت كثيرا عليهم .
قابلت وجها في محل للأنتيكات، صاحبه يعمل دبلوماسيا في وزارة الخارجية، يسمح له بالهرب بين الفينة والأخرى .. لم يكن وجها لطيف الشكل مثلي، ولكننا تشاركنا لحظات تستحق مكانا في الذاكرة .. قمنا بتدخين سيجارة حشيش، شربنا قارورة عرق كاملة، استنشقنا عدة أجرام من الهروين، لم "نفقد" طبعا، باعتبار أننا مجرد أوجه، ولكنْ رغم ذلك يظل شيئا جميلا أن تقوم بكل هذا دون قوة خارجية تتحكم بك .. سهرنا حتى طلعت الشمس، ثم وقفنا أمام الشفق، وبكينا سويا .
سأكون صريحا معك .. لازلت متوجسا من أن أؤكد سعادتي، أعني: ما هو الفرق بين شعور النشوة المهدد بالزوال، وبين السعادة ؟! أم أنهما أصلا نفس الشيء ؟! هل أنا سعيد بالفعل، أم أنني أُضَخ بالأدرينالين ؟! هل لديك فكرة عن مثل هذا الأمر ؟! جميع من سألته لا يملك جوابا حاسما .
المهم، أردت أن أخبرك أنني بخير، وأنني ... لازلت غير قادر على أن أقول: سعيد، ولذا سأكتفي بما وصفت، ولك حرية افتراض ما أنا فيه .
وجهك المحب .
3
عزيزي حسن .. وجهك .
إذاً هذا هو الزمن ؟! لم أكن أتوقعه بمثل هذا الثقل .. لا تفهمني بشكل خاطئ، أنا لا أقول أنه ممل، مستحيل، ولكنني لا أفهم لماذا تتهمونه بالسرعة .
لازلتُ أكتشف أشياء جديدة، بكثير من المتعة والنشوة .. ولكن ثمة شيء يزعجني: ما الذي يميز البكارة ؟! ما الذي يجعل عدم التجربة محفزا على مزيد من المتعة ؟! أتفهّم مشكلة التكرار، كمنغص للذة الاكتشاف، ولكن ألا يفترض أنك حينما تحب شيئا، ستُحب تكراره ؟! .. بصراحة، لا أفهم جيدا هذه النقطة .
شاهدت البارحة امرأة تقفز من جسر، ماتت منذ اللحظة التي لمست فيها الأرض، تهشم كل جسدها عدى وجهها، إلا أنه ظل ثابتا في مكانه بجمود، كان ميتا مثلها .. هذا الأمر جعلني أفكر: هل يُفترض أن أموت بموتك ؟! ولكن لماذا ؟! إنه أمر مرعب، هذا الارتباط الوثيق لدرجة الموت والحياة .
المهم .. سأحاول حل مشكلة التكرار، ليس من المنطقي أن تقوم كل يوم بشيء مختلف .
وجهك .
4
عزيزي .. وجهك .
يبدو أن الجميع في حاجة للمال، حتى الأوجه الهاربة .. لم أضع ذلك للأسف في عين الاعتبار .
لقد اضطررت لقبول وظيفة مغرية ولكن مهينة، ربما شاهدت صوري في الجريدة ؟! أنا الآن الوجه الرسمي لجاكيتة جلد أنيقة من شركة أزياء عريقة .. لست مرتاحا لبيع نفسي بهذه الطريقة، ولكنني في حاجة ماسة للمال .
استأجرت شقة تُطل على البحر، غرفة نوم وشرفة جانبية وصالة واسعة .. على أقل تقدير لستُ في حاجة لدورة مياه ههههه، إنها نكتة رائجة بين الأوجه الهاربة، أعتذر إن لم تكن مضحكة .. إنه أمر غريب، هذه الفوارق التي تفصل بيننا، أحيانا أجد صعوبة في فهم ما يقوله الآخرون، ويجد الآخرون صعوبة في فهمي، أؤكد لك أنه أمر مستفز .
واعدتُ فتاتا تعمل مصورة في الشركة .. انغمسنا في عناق حميمي وسط الشرفة، وانشغلنا بالقبل لأكثر من نصف ساعة، بالنسبة لي كنت مكتفيا بذلك، ولكننا عدنا إلى غرفة النوم، استعنت بفمي لأداء مهمة لطالما أجبرتني غصبا على القيام بها، وبعد نصف ساعة رحلت، ولم تعد مرة أخرى .. من سأخدع ؟! ليس لدي شيء أقدمه لها أكثر مما قدمتُه، وليست هي وجها فقط لتكتفي بالقبل والعناق .. دعني أؤكد لك: إنه أمر مؤسف لعين .
وجهك .
5
حسن .. أنا
شاهدت اليوم وجها، أخذ يركض في الشوارع المزدحمة بين الناس، يصرخ بصوت جنوني عابث: مسعود، مسعود، أين أنت ؟! أين ؟! اخرج حبا بالله، أنا آسف، مسعود، مسعوووود .. كان منظرا مرعبا .
هل تعلم ما هو أكثر شيء أفتقده ؟! أن أسحب بفمي نفسا عميقا أحتجزه في قاع الصدر، ثم أطلقه بشراسة .. الهواء الآن يبدو بليدا، يدخل ويخرج بأوتوماتيكية فجة .
كدتُ أن أنسى: لقد استقلت من وظيفتي .. حاولوا أن يجبرونني على حلاقة لحيتي، ولكنني لا أريد حلاقتها، إنه أمر حلمت به منذ أن بدأتَ تحلقها حينما كنا في الثامنة عشر .. ملاعين .
لا أعلم ماذا سأفعل الآن .. سأحاول البحث عن وظيفة أخرى، وإلا سأكون مضطرا للتخلي عن شقتي .
6
.. أنا
لقد أدركت اليوم حقيقة مهمة: الحياة وظيفة !
واللعنة .
7
لا أعلم .. أظن أنني مصاب بالاكتئاب .
لست حزينا، ولكنني أشعر بالملل .. لا أستطيع أن أسكر، لا أستطيع أن أرقص، لا أستطيع أن أنام، لا أستطيع أن أشعر برعشة اللذة .. سأكون صريحا معك: أشعر أنني ناقص .
8
اذا كنت مهتما .. فأنا أريد العودة .
عزيزي حسن .. أنا وجهك .
أعتذر عن الرحيل بهذه الطريقة .. مهما كانت الخلافات بيننا، فلا يجدر أن نطأ في فوضاها قدسية ذكرياتنا القديمة .
سأكون صريحا معك: أنا لست سعيدا .. لست سعيدا منذ زمن .
لا أعلم لماذا .. أهزّ نفسي الآن بشيء من الحسرة، تعلو فمي تكشيرة يأس، وفي عيناي تنطفئ نظرة جامحة .. صدقني، لا أفهم شيئا مما يحدث .. طوال 25 عاما حدقت في أوجه كثيرة، لمستني أياد كثيرة، قبلتني شفاه كثيرة، أظن أن جزء مني قد أصيب بالملل، الملل من أن أكون دائما موجَّها في الواجهة .
أنت لا تفهم كثيرا مما أمر به، لا أحد من الأجزاء الباقية يفهم ما أمر به .. إن كنا فعلا كما وصفنا أحدهم: طاقم تمثيل في مسرحية ما، فأنا الممثل الرئيسي، أنا النجم، أنا الذي يجب أن لا يخطئ، أن لا يهمل شيئا، أن يكون دائما في الواجهة .. أريد أن أخطئ، أريد أن أهمل، أريد أن أختبئ في الظل، ولو لبرهة من الزمن .. أريد ان أربي ذقنا أشعثا، أريد ان أبصق في منتصف الطريق، أريد أن أغمز دون سبب، أريد أن أجلس على مقعد منزو في السوق لأراقب الناس، لا ليراقبني الناس، أريد أشياء كثيرة، ولكنني لا أعلم حقيقة ما هي بالضبط، أحتاج أن أعرف ذلك بنفسي .
أنا آسف .. ولكن جميعنا يستحق لحظة من الأنانية يوما ما .
وجهك المحب .
2
عزيزي حسن .. وجهك مرة اخرى .
منذ ستة أيام لم أقم بتفريش أسناني .. واللعنة كم أعشق هذا الشعور .
جلست البارحة في حانة، شاهدت فتاة ترقص على المسرح .. لا أستطيع ان أصف شعور الراحة في أن تحدق في شيء بمثل هذا الجمال، دون أن تسطو أعضاؤك التناسلية على العملية .
راقبت في القهوة أوجها مختلفة .. شعرت بكثير من الرثاء تجاههم: ارتفاع الحاجب، انكماش الفم، ارتعاش الوجنة، ردود فعل تحدث دون سيطرة الوجه، خضوع لأوتوماتيكية الأعصاب، لخيارات المخ .. عبودية اتباع الأوامر .. نعم، لقد أشفقت كثيرا عليهم .
قابلت وجها في محل للأنتيكات، صاحبه يعمل دبلوماسيا في وزارة الخارجية، يسمح له بالهرب بين الفينة والأخرى .. لم يكن وجها لطيف الشكل مثلي، ولكننا تشاركنا لحظات تستحق مكانا في الذاكرة .. قمنا بتدخين سيجارة حشيش، شربنا قارورة عرق كاملة، استنشقنا عدة أجرام من الهروين، لم "نفقد" طبعا، باعتبار أننا مجرد أوجه، ولكنْ رغم ذلك يظل شيئا جميلا أن تقوم بكل هذا دون قوة خارجية تتحكم بك .. سهرنا حتى طلعت الشمس، ثم وقفنا أمام الشفق، وبكينا سويا .
سأكون صريحا معك .. لازلت متوجسا من أن أؤكد سعادتي، أعني: ما هو الفرق بين شعور النشوة المهدد بالزوال، وبين السعادة ؟! أم أنهما أصلا نفس الشيء ؟! هل أنا سعيد بالفعل، أم أنني أُضَخ بالأدرينالين ؟! هل لديك فكرة عن مثل هذا الأمر ؟! جميع من سألته لا يملك جوابا حاسما .
المهم، أردت أن أخبرك أنني بخير، وأنني ... لازلت غير قادر على أن أقول: سعيد، ولذا سأكتفي بما وصفت، ولك حرية افتراض ما أنا فيه .
وجهك المحب .
3
عزيزي حسن .. وجهك .
إذاً هذا هو الزمن ؟! لم أكن أتوقعه بمثل هذا الثقل .. لا تفهمني بشكل خاطئ، أنا لا أقول أنه ممل، مستحيل، ولكنني لا أفهم لماذا تتهمونه بالسرعة .
لازلتُ أكتشف أشياء جديدة، بكثير من المتعة والنشوة .. ولكن ثمة شيء يزعجني: ما الذي يميز البكارة ؟! ما الذي يجعل عدم التجربة محفزا على مزيد من المتعة ؟! أتفهّم مشكلة التكرار، كمنغص للذة الاكتشاف، ولكن ألا يفترض أنك حينما تحب شيئا، ستُحب تكراره ؟! .. بصراحة، لا أفهم جيدا هذه النقطة .
شاهدت البارحة امرأة تقفز من جسر، ماتت منذ اللحظة التي لمست فيها الأرض، تهشم كل جسدها عدى وجهها، إلا أنه ظل ثابتا في مكانه بجمود، كان ميتا مثلها .. هذا الأمر جعلني أفكر: هل يُفترض أن أموت بموتك ؟! ولكن لماذا ؟! إنه أمر مرعب، هذا الارتباط الوثيق لدرجة الموت والحياة .
المهم .. سأحاول حل مشكلة التكرار، ليس من المنطقي أن تقوم كل يوم بشيء مختلف .
وجهك .
4
عزيزي .. وجهك .
يبدو أن الجميع في حاجة للمال، حتى الأوجه الهاربة .. لم أضع ذلك للأسف في عين الاعتبار .
لقد اضطررت لقبول وظيفة مغرية ولكن مهينة، ربما شاهدت صوري في الجريدة ؟! أنا الآن الوجه الرسمي لجاكيتة جلد أنيقة من شركة أزياء عريقة .. لست مرتاحا لبيع نفسي بهذه الطريقة، ولكنني في حاجة ماسة للمال .
استأجرت شقة تُطل على البحر، غرفة نوم وشرفة جانبية وصالة واسعة .. على أقل تقدير لستُ في حاجة لدورة مياه ههههه، إنها نكتة رائجة بين الأوجه الهاربة، أعتذر إن لم تكن مضحكة .. إنه أمر غريب، هذه الفوارق التي تفصل بيننا، أحيانا أجد صعوبة في فهم ما يقوله الآخرون، ويجد الآخرون صعوبة في فهمي، أؤكد لك أنه أمر مستفز .
واعدتُ فتاتا تعمل مصورة في الشركة .. انغمسنا في عناق حميمي وسط الشرفة، وانشغلنا بالقبل لأكثر من نصف ساعة، بالنسبة لي كنت مكتفيا بذلك، ولكننا عدنا إلى غرفة النوم، استعنت بفمي لأداء مهمة لطالما أجبرتني غصبا على القيام بها، وبعد نصف ساعة رحلت، ولم تعد مرة أخرى .. من سأخدع ؟! ليس لدي شيء أقدمه لها أكثر مما قدمتُه، وليست هي وجها فقط لتكتفي بالقبل والعناق .. دعني أؤكد لك: إنه أمر مؤسف لعين .
وجهك .
5
حسن .. أنا
شاهدت اليوم وجها، أخذ يركض في الشوارع المزدحمة بين الناس، يصرخ بصوت جنوني عابث: مسعود، مسعود، أين أنت ؟! أين ؟! اخرج حبا بالله، أنا آسف، مسعود، مسعوووود .. كان منظرا مرعبا .
هل تعلم ما هو أكثر شيء أفتقده ؟! أن أسحب بفمي نفسا عميقا أحتجزه في قاع الصدر، ثم أطلقه بشراسة .. الهواء الآن يبدو بليدا، يدخل ويخرج بأوتوماتيكية فجة .
كدتُ أن أنسى: لقد استقلت من وظيفتي .. حاولوا أن يجبرونني على حلاقة لحيتي، ولكنني لا أريد حلاقتها، إنه أمر حلمت به منذ أن بدأتَ تحلقها حينما كنا في الثامنة عشر .. ملاعين .
لا أعلم ماذا سأفعل الآن .. سأحاول البحث عن وظيفة أخرى، وإلا سأكون مضطرا للتخلي عن شقتي .
6
.. أنا
لقد أدركت اليوم حقيقة مهمة: الحياة وظيفة !
واللعنة .
7
لا أعلم .. أظن أنني مصاب بالاكتئاب .
لست حزينا، ولكنني أشعر بالملل .. لا أستطيع أن أسكر، لا أستطيع أن أرقص، لا أستطيع أن أنام، لا أستطيع أن أشعر برعشة اللذة .. سأكون صريحا معك: أشعر أنني ناقص .
8
اذا كنت مهتما .. فأنا أريد العودة .