(أ)
أقواس لا تكتمل
* قمر
لأنك جميل تصر على المجئ
بين خضرة وأشعة شمس تحرك الهواء بلطافة
كأنما الصحارى أصبحت هباء
والبحار جنات لبشر
يتنفسون مع الأسماك
يتحدثون عن عجائب ..
وينتهى الحلم
لكنما تظل أسماكا عالقة فى الفضاء
وقاعاً تراه خلف الوجوه الناحلة .
* برق
لست وحيدا تماما
فى عاصفة تسيل
ونهار آيس
تلفع الوجوه كنبى فى الظلمات
تحفر ألواحك عبر فراغ يصعد
يزيح ضوء باهتاً
لقمر موسمى
يبزغ عبر متسعٍ ضيقٍ
مثلك سيفٌ مشرعٌ أيها البرق .
* النسمات
مثل سحابة تأتى بلا ضجة
تطفو بسطح الوقت
تهب من مرقدها
تنأى خلفها المسافات
صوتها موسيقى آتية
على مائدة بلا أطباق وربما
أقواس
تعشق الظل تحت شجرة بالجوار ..
لا تكتمل
تلك النسمات ..
لعلها حين تتذكر
القاع تنخلع من ليمونها رائحة الليمون ..
تلبس بهجتها ..
تدلف فى المنحنيات أرواح ملائكة ..
بين موسمين تضع نارا فوق جبل
وجبلا فوق صخرة
والصخرة حيث أبجدية
تطل كوردةٍ فى حديقةٍ
وشجرةٍ فى ميناء تنتظر مسافراً
وطائرٍ فى الرواق ينقر كفك .
* شهوات مفاجئة
ربما إذا اختل توازنك يقفل الفراغ فجأة
وحين تستعيد وجههاً
يكون القمر
فى مقبرة جماعية يدفن ضوءه
يخرج موتاه دون ارتواء ودون ألفة
سوى صدى القرن 19 :
من تحملوا غربة الأحباب
فى صمت تحت أشجار الزيزفون
أو فى مصانع الفحم ..
يخرج باهتاً وجهك كلما مر حزن
فى عين صبى الحى
إلى نصف ليل
ونصف مسافة إلى القمر .
ولعلك حين تقرئين أوراده القديمة
تتذكرين رجلاً فى آخر الممشى يلعن الحرائق ..
تدورين
دورة كاملة كل 5 دقائق
حول مقعد ، تنعتين نفسك أيتها الفضولية
بأنك حافظة للأسرار
وعن سبب الغياب تنكرين
أنك كنت تتذوقين طعم رجل آخر
تتقيئين بضع كلمات يبقى صداها
فى هواء يتنفسه دونما رغبة حقيقية
مرغماً على البكاء
مع طيف مهرج يندس وسط الجماهير .
* حافة المدينة
إنها امرأة
عمرها عمر زهرة
تسافر فى دم السحب والذكريات
تمر القرون إلى سمائها
تموت فى آخر الربيع
ويموت فى الربيع التالى من يمر من هنا
حتما سنمر من هنا
وبلا موت نموت
نلم
ضحكات سيد وسيدة من الذاكرة الحية
ضحكات امرأةٍ خضراء
من كتابٍ أخضر
فى منتصف زمان العالم
تمر أجساد
لا تستريح
عالقة فى فانوسها
تضئ نبض الجالسين
تبحث فى مدينة العسكر
فى التباس الناس
وحوائج كانت معها
لا تلين
يدها البيضاء
قماش فوق فتارين شمع
فر من مصنع الشمع على قدمين
من فضة الوقت
من أربع شهور كنا خمسة
والآن أصبحنا نصف العالم ،
هى نصف وأنا نصف
كلانا أنصاف فى أنصاف
فى جلوسنا فوق حافتها .
* زيارة للفراغ
الأيام تسير وحدها فى الفراغ
تبحث عن وقت سقط منها بلا تعمد
والزمن فى سيره المتوقف جعل الأشياء لا تشيخ ..
أى عذاب هذا التوقف
بلا احتضار أو مواليد جديدة
أو حركة مفاجئة للخلف أو الأمام
كأن يزورك وجه من الماضى
أو شجراً يكبر أو عصفوراً
يتجول فى حديقة لم تكن هنا ـ أبدا ـ
وبلا تعمد تتجدد الحياة فعلا
وتنمو الأغصان إلى أن ترى سنديانة
وآلاف الطيور تلتقط الأيام بمنقارها
فيلتئم الفراغ .
* أسباب للفرح
الأسباب التى تجعل المحبين فرحين
ليست هى الأسباب التى تجعلك فرحا ..
أيها الطائر الأليف ..
تعبر غير واثق أن المدينة تُغلق أبوابها ؛
أن الموج يمكن أن يكون قاسياً هكذا ،
تتأمل إشراق كائناتٍ ميتة
تبحث عن رحيق ،
ما بين الدور المتراصة والحوانيت
تتذكر ضوء مصباح فى أعماقِ بئرٍ
وملامح قديسين أكلتها الظلال
وصدأَ الذكريات وتآكلَ المعادن .
* تحولات العاصفة
عاصفة فى الشاطئ الآخر
علّها تظلل موجةً تقترب
تحكى عن قمرٍ كان
وهواءٍ لم نمسه
حين يجئ تنحنى المويْجات ..
ـ ذلك الصيف القاسى ـ
يستريح على الرمال
ينظر العاصفة فى كفه لا تريم
وربما
يلتفت لطائر يهم بالطيران عبر صخرة عالية
فليكن العالم نار
والنار فوق جبل
والجبل فوق صخرة ..
والصخرة فوق قلبك ؛
ليس سوى القاع يصعد على سلمه
وأنت الوقت النازف تلوذ بتمائم نفسك .
* يتجول فىّ
شخص بلا وجه
يتيه فى الفراغ
يمسك الهواء
كفراشة فى حديقة
لمرور صوتك أو وجهاً يعبر الأسلاك
فى أول الليل
وجهٌ هوائى ليس له ثبات
لكلٍ :
حين ينهمر الصباح
بغتةً
بلا مقدمات
على الطبيعة أن تهب
تخترق الجدران
يقوم الموتى
حين تلامس أعينهم حد الشعاع .
(ب)
ديوان الضحك
نصوص
** أشباح غرف منسية
أتوقف لمرور طيف عبر الهاتف فى حجرة الجار / يحدثنى عن جارة بعيدة تسكن بعد أربعة شوارع تقريبا / تأتى كل صباح تشكو كثرة الغثيان / عن أسباب من وجه نظرها تستحق ضحكة / قصيرة للغاية / وحين تهم بارتداء ملبسها تتذكر بسمة مخبأة لمثل تلك المناسبة .
ـ ألو .
ـ أتكلم فى الشارع خوف شرطى يراقبنى خلسة .
ـ لا يمكن أن أحضر فى مثل تلك الظروف / معى مريض لا يمكن تركه خوف المضاعفات .
ـ يهمس لى الآن .. هو يريدك .
ـ لا أذكر أنى صاحبت شرطيا قط ./ ( أذكر شرطيا صاحبنى خلسة الصيف الماضى ) .
صوت صفير حاد ثم ..
ـ يمكن أن أتغيب بضع شهور .
ـ يمكن ..
يلقى سماعة الهاتف بمودة ويتابع جارته / يتذكر وجه الشرطى على السلم .. يشبه وجها مألوفاً // يتحدث عنها ولعلى أعرف كلمات تفضى إليها .. / هى آخر من تبقى له فى اللحظة التى يتناول فيها قرصا آخر للنوم /.
أبحث عن وجه مر أمام العين السحرية من أيام يتبعنى .. يهرش فى أنف متقوس من أثر النظارات .. هذا الوجه الشاحب ذو الندبات أين وكيف .. يراوغنى يعطينى اسما آخر من أسمائه ..
هذا الشرطى / الكناس / بائع متجول .. أعلى الشقة يسكن يتجول ليلا فى دهليز الغرف المنعزلة يبحث عن قط تائه / منذ يناير/ يلبس سترته الباهتة ويعلق كابا وشارة قديمة ..
هى أيضا تسكن منفردة / أو تسكن معه معظم أيام السنة .. / ولعلى أتذكر حين أبص من العين السحرية أيدٍ تتعانق ووجوها متداخلةً / جارى يفتح لهما / يدخلها ويدخله ويقول تعال // : لكنى يقرصنى البرد بلا موعد / والخارج أكثر برداً وخصوصا أنى وحدى بينكم // .
فى آخر لحظات الليل يودعها / على ميعاد آخر والشرطى الجار الأعلى يبتسم // .
يدلف عندى يشرب شايا من موقد غاز مفتوح : فاتتك الليلة سهرتنا .. حلم أن نتأرجح من سقف العالم بين ملابسها وعطور صنعت خصيصا .
يُخرج بضع قشور من أصداف تتلون فى الضوء الباهت .. تهتز الغرفة من زلزال قادم .. وأقوم بلا رغبة أحضر أوراقا // .
بعد دقائق نفتح غرفات الصمت ويمضى كل منا فى غرفته .
تدلف حيث الباب المفتوح تبكى حائرة / نسيت مفتاح الغرفة من كثرة ما نزفت من عرق .. نتحفظ فى إشفاق / تخلع ملبسها حين تموء القطط فى الشارع وعلى مدخل بيت لا أعرفه / تحت سريرى تختبئ / يغلى الشاى على الموقد / رائحة غطيط تأتى من غرفتها، أم من شخص نائم يحلم بالهاتف عن امرأة ماتت توا فى المستشفى ، تحضر يومياً وتقيم عزاء // .
الشرطى يرقبها لا يصحو إلا من إزعاج صغير عاد .. وفى الأغلب حين يخز العرق النفاذ مؤخرة الظهر.. نتجمع أربعة كانوا منذ نهار كامل يقظين لا ينصرفون على فرض : أن الشارع يصحو باكر . / نغفو على فرض آخر : أنا لا نتخاصم فى النوم ولا يمكن أن يحدث مثل العام الفائت .. // حادثة أودت بكلانا .. // .
نذهب فى الأعمال الصيفية ، أعمل بائع متجول والشرطى يعمل بعقارات مستأجرة .. جارى مخمورا كان السائق .. // نشرب شايا أو بضع قشور من صدف نلتقط.. على شط يظهر دوما أحمر قان نسبح بملابسنا .. ونظل بلا هدف نتأسف ،
موتى نتأسف // حين الدبابات تمرّ على الأطفال .. لكن الحلم يراوغنا يدلف منا فى أعماق الغرف ويفزعنا أنا أطفال جوعى بلا سكن أو مأوى غير مخيم وسط حطام المدن العربية// تجمعنا وضع منحرف لقناة البث وأجهزة الراديو والصحف المارة من أرصفة الغرباء وأغانى الشحاذين على الطرقات . /
نبحث عن وطن فى وجه عابر فى مقهى // فى شارع يهجر سكانه // يسقط فى بالوعات الصرف حلم آت ليس تماما فى المنحنيات / ننام وتحت كبارى القاهرة وفى جلسات المجلس يظهر أبوانا مبتسمين .. بهجة إبريل على الأبواب .. فى العام القادم نأتى تعبرنا عاهرة أو سكير يتبول : محتاجين قناعات شخصية أو حلما تفصيليا . // ينهمر القمر الفضى رغيفا فى المنحنيات وما بين الأحياء الشعبية والهاتف مقطوع الأسلاك يرن :
ـ ألو .. انت مين ..
** معلقين من ذاكرة
فى حقيقة الأمر وعن قصد أصر الولد على شراء البسكويت / هكذا تعود منذ الولادة على حجر جده الذى مات منذ سنوات / ولأنه ما زال مصرا على ممارسة الطفولة فى المراهقة كعنيد / يضرب البنت فيفى بنت الجيران / التى تعلق الصليب شارة على اختلاف الدين / ليس إلا / لكنها فى حقيقة الأمر تقرأ قصار السور فى المدرسة كتدريب على الإنشاء / وفى التختة المقابلة يلمحها تضحك / .
وهكذا يعاقبها المدرس الذى لا تأخذ درسا عنده / بحجة عدم الإنصات / وبعد المدرسة ، يجرها من شعرها / غيرانا / : " عيب يا فيفى والله لأقول لبابا " / بالطبع تنكر / وعلى كلٍ فى المساء نفسه يتحجج لأمه التى تعرف : " الواجب " / ويختلس قبلة طفولية فى غياب أمها / تعتب عليه بأنها سريعة / ليست كما رأتها فى السينما / ويمد يده لأسفل لكنها تتمنع بحجة الشاى الذى برد / وتقوم لتتيح له أن ينظر ظهرها بالكامل / وفى الإجازات تغافل أمها وتذهب إلى حديقة الحيوان / وعندما ترى الأسد ، تنط فى حضنه ، بلا مبالغة / خوف حقيقى من قطة تعرف التفاصيل / وهو يتظاهر باللامبالاة / مع أنه أيضا خائف / رغم السور الحديدى والحارس الذى يفهم لتكرار المشهد / يزأر الأسد وبعينيه يختار الفتاة الضاحكة كى يزأر برجولة / يعبر عن وحدته بلا أنثى / وهما فى الطريق تتعانق اليدان فى انفعال حقيقى ويقينا بالمفارقة على أول الشارع / لكن ولدا آخر ، يرغب حقيقة فى مصاحبتها / فيشى لأمهما / فتضحك الأمَّان / على لعب العيال / .
ويقينا بعد عشرين عاما سيلتقيان / هى وأطفالها من رجل آخر تَقدم صدفةً / وهو مع زوجة اختارتها أمه / ويبتسمان / متذكرين تلك الأيام / تُعرِّفه على زوجها الواشى / فيبسم دونما رغبة حقيقية فى الابتسام // . تلمح شعرة طويلة على كتفه الأيمن / منذ عشرين عاما / تمد يدها وتأخذها / حقها / أن يعود ما تملكه يوما / وأعطته له بمحض إرادتها / لكنه يمانع / فتتركها عن ثقة أيضا بأنها لا تمانع / والشعرة التى استقرت عشرين عاما لا تمانع / والجيران ، الذين رأوا هذه الشعرة مرات عديدة لا يمانعون / والزوجة التى اختارتها أمه لا تمانع / حيث أنها ذكريات طفل لا يكبر على الرضاع / وخطف السندوتشات / ومعاكسة بنات الجيران ، بعد / وعلى كلٍ / إن الحياة التى فرقتهم كفيلة بأن تجمعهما فى الذاكرة / غصبن عن الجميع / لذا أغمضوا عيونهم عن حلم دائما ما يصحو عليه / .
هفهفة خصلات على صدره وأولاد كثيرون جاءوا / وأحفاد يضحكون على مذكراتهما / فى الأجندات المدرسية / ولو / رجع الزمان / لكان حتما أن يظلا هكذا معلقين من ذاكرة على سور يبدو فى صورة التقطها الأم خلسة / وخلفيتها حديقة الحيوان / والأسود فى أقفاصها وحارس وحيد / يهش للجمهور المائت من الضحك لمرور عربة قديمة تحمل الزائرين / حيث يركبها الصبية الآخرون / وتتكرر الذكريات الحية / وهما يشاهدان زئير الأسد / وخوف صبيَّة وارتماؤها فى حضن صبى فى مثل سنهما آنئذ / ..
** يناير شهر الضحك
لمسافة طويلة وهى تضحك / . وربما انفلتت ضحكة على الأسفلت بلا صاحب .. ألتقطها وأضحك / .
ضحكةً وحيدة يناسبنى مقاطعها الممرورة فى الصدى ..
أمشى بطيئا علِّ أصادفها وهى تضحك / .
فألتقط الضحكة ، بلا واسطة .. خوف هواء بارد ، على هامش خارج الطقس تقريبا .. أتساءل : ما العلاقة بين البرد والضحك / .
وربما مرت بجوار أذنى تماما .. حيث الفتح أمامى مباشرة والبحر خلفى واحتراق سفنى على ضفة المالح ، أفتح جزيرة بلا لغة ولا سلاح .. أظل بها إلى أن يعود الصليبيون .. حيث يجمعون الضحكات .. ويرحلون بلا مقاومة .. فيكثر السياح فى الكرنك// .
لو أننى هناك لاستطعت وحيدا إيجاد معادلة لصناعة ضحكة تمتد لألف عام قادم، أنا المتعطش لماء النهر الذى يتحول عن مجراه إلى بحيرة فى البعيد تطل على كنز الفراعين .. وربما تحولت نورسا ، يتيه بأعماق البحر ويرجع بلؤلؤ الخليج ، أضعه فى كف الحبيبة التى ربما ما تزال تضحك / .
تنظر فى الحارة من مشربيتها حيث الدكاكين والأنوار ، وأكشاك الهاتف ـ كحل وحيد للفقر ـ بلا حرارة وبكهرباء مقطوعة ..
لو ركبتُ الباص سأنزل منكسرا بعد محطتين .. أخرج سيجارة مكسورة من جيبى الخاوى ، أضع يدى مكان الكسر موهما أحد المارة ـ عندما يولع لى ـ أشعر بسعادة غامرة بإبقاء الكبريت معى ، ويبتسم شاكرا ، لأننى الوحيد الذى كلمته هذا الصباح .. وبوسعى أن أدلف للميدان ، متظاهرا بأننى سعيد وأضحك / .
لا تغادر ضحكتى فمى ، حيث أصطدم بأجساد لا مرئية ، وبكتف تلميذ ، يعلونى قليلا ، فأنظر جديا إلى ضحكته ، فأضحك / .
وأمسح دمعة ضاحكة ، أمام المحطة ، يشترى لى تذكرة ذهاب ، لمطعم رخيص ، فى أول الشارع ، حيث البنت تضحك/.
وأقول لا بأس ، ربما مصادفة ألتقى بضحكتها على الباب أو فى القطار الخارج من المدينة ، ويبدو أن العالم جميل، يا أصدقائى لدرجة أن الواحد يمكن أن يستنشق هواء ضاحكا بلا تلوث ، وبلا اكتراث لما يحدث فى الرئة، أو نتحجر على الطريق .. فى المسافة بين البنت وضحكتها ، لحين وصولها للشرفة وبفرض أن المسافة بضع سنتيمترات فلقد مشيت ألف عام لأضحك/.
وأموت من الضحك / .
** قمر على الباب
لم لا تقل لى يا حبيبى : افتحى الراديو على أغنية " يامّا القمر على الباب " / هل كان هناك قمر يا حبيبى على الباب فعلا / أم أن شخصك على الباب يضحك / بالنسبة لى على الأقل // هنا حياة فى الحياة تجرى بين إصبعينا إثر " موسيقى وألحان " ولعلنا حين ندلف للسرير / تظل موسيقى الفراش حتى بعد خمس سنوات من السفر للخليج //
أحمد يقول بابا / وأنا أقول بابا / كأنه أبى صغيرا عاد / وأمه تضحك / وأنا أيضا أضحك / عندما يركبنى كحمار ويقع من السرير فجأة / هذى هى بهجة الحياة إذن / هل لعلاقة بينى وبين حيوان شديد الغباء//.
فى مرة وحيدة كدت أضحك بلا سبب / سوى الضحك / والضحك فقط على شجر لا يضحك إطلاقا نعتز به فى المنتزه / يا ليتنا نموت واقفين مثله هكذا / رغم أنه لا يظلل شيئا لكننى أضحك . //
هل عبث الحياة هو الذى يضحكنا بلا سبب / أم أنه الضحك // وقطعا سيسألنا / فنقول : يأتى الأطفال يا حبيبى بعد بسمة ثم ضحكة / يتشارك الجيران فيها / ولا ينتهى الضحك / لمراهنة بين الله والشيطان // وعندما نموت / رغم البكاء نضحك / على ذكريات ساءتنا كثيرا / كانفعال مكتوم / حتى المعزين يضحكون / سيموتون بعد الضحك / ربما مباشرة لأن الحياة ساخرة / بما يكفى لأن نضحك / وأيضا عندما نسير إلى بلاد غريبة / مهانين نضحك / ونعود بالفقر كما كنا ونضحك . //
هل رأيت يا أحمد الحياة تضحك / وأنا أضحك / وأمك تضحك / كما كان جدك يضحك / لا شئ غير الضحك / وأنبوبة الغاز فارغة وفاتورة الكهرباء / ورغيف واحد نتقاسمه / بلا عدل / ونضحك // هل لأننا أحفاد ضاحك كبير نزل إلى الأرض بضحكةٍ // لا شئ يا إلاهى سوى أننا نضحك / فقد علمتنا الضحك ولهذا لا نكف / فى أحلك الظروف عن الضحك . //
** أبى
الذين يرحلون فجأة يتركون دفئاَ حقيقياَ فى الفراغ // يشاركوننا الأسى والضحك. حتى أننا لا نعرف الفرق بين الطيف والجسد // أبى كان هنا بيد عظمية تناول كوبه الحجرى // بضع مرات فقط أقوم من نومى أراه أمام الثلاجة // يهم بانفلات لا يقول شيئا فقط يمضى ويأتى مساء آخر // وعندما أهم بالكلام يبتعد / ليس من عادته أن يصادر الكلام // ليس من عادتى أن أهش له // كنا كما ضلفتى باب // لا نستطيع أن نهاجر بالمفصلات // وفى الليل نتكئ خوف برد قادم // دون أن نحدث صوتا // تتسع الغرفة تعطى مساحة من الدفء الذى كان // ليس جسدا تماما ولا طيفا // إنما فى اللحظة التى تفر من أجندة المواعيد نلتقى // وعند النوم بعد إرهاق فى تأمل الحياة // يطبطب علىَّ ويحبك الغطاء حولنا ثم ينصرف // وفى الصباح نتناول الفطار والشاى والجرائد // كأنه عاد // كأنما يعتذر فى فجأة النسيان عن موعد فات // نعشق التدخين بينما أمى فى مشوارها اليومى للسوق // تأتى بلا ضجة تفرد أمامنا ما يحبه عادة // بالنظرة الغامضة يهم بالطيران يختفى بلا مبرر // هل لأن الطائر يفرد جناحيه خوف الوقوع من عل // معاندا الريح // أم أن أمى قطبت جبينها فجأة لضيق ذات اليد // .
** التجاعيد
بوسع الرجل المجدور الوجه الجاحظ العينين أن ينظر امرأته وقد خلت من وجهها التجاعيد فجأة / تبسم بعد رحيل الأولاد / وتبادله نظرة إشفاق من كثرة أعباء المنزل / يمكن أن يدلف تحت غطاء محبك خوف البرد / ويمكن أن يضحك خصيصا حين ينظر من شباك المطبخ // فى المنور قطط تتسلى وبقايا ورق ملفوف لجرائد باهتة اللون // يتسمع حركة الحشرات ويتبعها / يبحث عن وقع أقدام تبحث عن صاحب / بلا صوت يأخذها ويطلقها فى الغرفة / وإلى حد ما على وقعها يستريح // هنا أقدام كثيرة كانت .. // تنحنى المرأة العجوز وتتأمل أقداما صغيرة كانت // لم تزل غضة // أحيانا ينسى ويمشى على أربع / يلعق فضلات الجير على الجدران // تنظره // ثمة رابط بينهما فى الوحدة وثمة أشياء بوسعهما إعادة تكوينهما كأن يتبول على باب الجار أو يخلع زر الراديو // فى المقهى ينظر شجرا ويداعبه يتحدث عن جدوى الطيران / وعن امرأة أحبها فى الطفولة / يتذكر وجهها ويضحك .
** غرفة المهملات
رائحة خبيز تعبر بدنى بطيئة والظلام فى لمبة الجاز يشع بالحرارة / أفتح النافذة عل هواء باردا يدخل / يمكن أن يهب قلبى السعادة / حتى أكمل الحلم / عبر حارات ضيقة مسدودة النهايات كى لا يعبر الجيران منها والبرد /
لزوجة الشارع بحلقى // أتخيل أطياف أصدقائى منذ ثلاثين عاما // نحمل ألواحنا إلى الكتاب وكسر الخبز فى السيالة // حرارتى تجاوزت الأربعين والكمادات لا تجدى // لا أريد ماء باردا ، فقط هواء // الماء يغلى على جبهتى سريعا ويتبخر// يدخل من النافذة كلب أبيض وينام بجانبى تقريبا / هو دمية بيضاء أتخيلها / لا أعرف / يمضى الصبية هكذا مبللين بالطين والمطر بلا حذاء / ارفعوا الأغطية / عن وجوه أصدقائى لربما مات صديق من البرد تحت الغطاء المبلل واللحاف المزخرف ببقايا سراويلنا التى أضناها الغسيل // ينهرنى شيخ فى السبعين " كلنا هكذا يا أبنائى وفى يناير بالذات يحبنا الله لأن يومنا مر بلا كارثة سوى الكوارث القديمة تلك التى تتجدد يوميا /
ومع ذلك نحس أننا مقصرين " // .
ما أروعهم حين يندفعون تحت جلدى هؤلاء البشعين كالإبر/
أضع الطعام لأصدقائى علَّهم يكونون أكثر صخبا ريثما يجف المطر على جبهتى وربما ماتوا من كثرة الطعام والشيخ فى السبعين لا تكف عصاه تكسر اللوح وتهرأ الطبشور من كثرة الغثيان والضحك مع أصدقائى الأطياف// .
بالأمس بطة جاءت على مائدتى / يا رب ماذا تعنى بطة فى الحلم / فى التو نبت لى ريش وجناحان حلقت فى سقف الغرفة أصطاد نجفة صدأة منذ ثلاثين عاما على طبق من الخزف المنحول تحولت إلى ديدان // هم أصدقائى إذن يخرجون " لن نأكل حتى تنفذ للسطح " .. آه هؤلاء الخبيثون يهمسون بلا مودة .. تقع الضحكات فى الطبق الخاوى // لكنهم يفقشون بيض البطة الراقدة ويأكلون خبزنا بلا تحية موهمين أنفسهم بكرم الضيافة/ وأنا أسمّى بدلا منهم ينتظرون العشاء وشراعة الباب كالكمين وتلك البطة الراقدة فى الشتاء//
فى غرفة المهملات فناجين أيضا بلا أيد ومشروخة أحيانا حيث نصف الشعب جائع والنصف الآخر تحت جلدى فى المطر يلبس ملبسه ويبتسم بائع " يارب أضحكتنا كثيرا بتلك التحف الرخيصة " //
يارب أعطنى القدرة كى أخلص من جسدى فيستريحون يوما واحدا فقط علهم يحلمون مثلى / كأن يهتف شرطى آخر الليل أو يرتعشون من قانون الطوارئ ولظرف طارئ أجد نفسى مضطرا لتوديعهم / : الهواء بارد يا أصحاب // .
** بضع علامات لم تكن هنا
أشد ما يمكن أن تجد براحا من الهواء وناسا آخرين يضحكون مثلا / وإلى الآن يهتف أحد ما : هنا نستطيع المراوغة نستطيع أن نقول ما نريد مثلا بلا خوف وبلا ضغينة فعلا / مع أن التلاميذ بسيطون للغاية نفسها لا يذاكرون بقدر استعدادهم للمعصية وشد جونلة المعلمة لكى يتأكدوا فقط من متانة الصناعة // ومؤكد سيقولون : لونه أسود تعبيرا عن مناسبة لا تهم فى الغالب . سيشعر أحدهم باستياء ويشكو ندرة هذا النوع / لوجود بنات على الأرجح كأنهن وجدن فى اللحظة التى يهمسن بأسرارهم ، وبانتباه تتحول إحداهن إلى النافذة لإلقاء تحية عابرة لطالب بعيد فى المدرسة المقابلة حيث أن الوزارات تحب التجاور فى الخطأ وفى خطة المراوغة فى المجلس / ولا يهم خلط الذرة بالعجين لصناعة خبز يكفى تراكم الديون وسعر الصرف القديم ؛ طالما أنهم يأكلون بلا اكتراث ويشربون السفن أب فى الفنادق المميزة والمؤتمرات وما أشبه / وربما بتواطؤ الجميع يحسن الزوغان وربما يكون غريبا عن المدينة ليس له غير النظر من بعيد .. علَّها وهى تسرح شعرها للخلف وتخرج مرآة من حقيبتها وتنظر ليس للمرآة .. للشارع الخلفى حيث ينتظرها على الناصية بدموع الفرح فى الشارع الملئ بأمثالهم من طالبى العدالة فى التعبير عن شعورهم بالفقد مثلا // .
كأن يهمس فى المظاهرات :
" هنا لا يجوز الكلام عن لون اللباس الداخلى "
" هنا أرجوحة الصمت "
" هنا سر ضائع بين قدمى عابرٍ مر صدفة ومضى ونحن نبحث بلا جدوى "
قبل انهمار قنابل الدخان / وربما يبتهج العشب والأشجار فى أطراف المدينة ويصحو على تأوهاتهما الطير وتلامسهما بحميمية / كأن لم يكن فى يوم ما نفور من العادات الرديئة لمعلمة الفصل والواجب المدرسى ومنشورات الطلبة ومذكرات الجامعة . وربما فى أول الوقت الذاهب لليل طويل يضمهما سرير ما بغرفة الطلبة بعقد متفق عليه ومن البداية حيث أنهما واضحين فى علاقة واضحة لأيام غير واضحة إلا فى التلفاز ويبسمان كل مرة بلا اكتراث // .
** الشرك
صدفة أن تبتسم المرأة المشاكسة // تبطئ وهى على موعد تتوقف بغتة وتسأل عن شارع معين لا تعرفه // كأن يكون مكونا من أربع أسماء أو اسما بالكاد تسمع عنه وعندما تشعر بالاحباط تنتشلك من ورطة كأن تقول " قريب من هنا أو يمكن اسم مقارب لشارع آخر" /
يتجمع المارة غير مدركين الشرك وأنكما غريبان عن الحى الذى يسكنه صاحب العنوان وتمشى به يوميا دون أن تنظر اليفط أو محلات البقالة // وهى كعادتها تدلف آخر الليل تحبك المسألة ليس إلا // تموء تحت الغطاء وفى الصباح تنتابك عادة شفقةٌ غير مبررة وشعورٌ بالاثم// .
( ج )
قصائد طائر النسيان
*** سؤال وإجابة
س :
هل يعصف الهواء بى ،
أم يعلن السحاب
أن الضوء جارف ،
أن شجيرة تحبو نحو التلال ،
أن كثافة المعادن لا يستنشقها الأطفال
وأن ما أحبه فوق حلمى ..
ج :
لا يستطيع الأفق أن يهزم طائر
سلاحه الوحيد جناح حى
ومنقار لاصطياد حلم
من هواء يعبر العالم
بين جارين متخاصمين .
*** فجأة النسيان
تقذفنى المدينة تحت قلعتها كل يوم فأعود من الأبواب
يحملنى الغبار ولهب الشمس ؛
حيث السحاب طفل بين يدىّ والبرق أخى الشقى المحبوب ..
ألتقط الرمل وحبيبات الملح
ـ حيث لا النسور والحدآات حيث لا الطائرات بدخانها تطير ، حيث لا أبرح ـ
أصدقائى الأعشاب والطيور الشريدة
معى الشجر المسافر ونار التوقد ودهشة الحلم وصخرة الكابوس
على التراب المغطى بصوتى
ما تحولت أعين المحارات والبوم والعناكب فى الظهيرة القاسية
لفقدان أحبة ضحكوا ساعة ثم ماتوا فى فجأة النسيان .
*** فى النسيان
أطياف تتناثر فى خفيف الضباب
يغنون بلا صوت ولا موسيقى سوى الرحيل ..
والموسيقى تنط فجأة على الطريق
حول حكايات قديمة وأحزان تهيئ وصلة غنائية فى المهد
وفى البرزخ ـ تبسم يا أصدقائى ـ
حيث أحجبكم خلف سد مهترئ من زمن العصف
وفى أواخر الصيف أكون قصباً برياً وحنطة وخمراً معتقة
تتجلى فى العتمة ضفة نهر وجزيرة حولها الأوز وبركان فى الساحة ..
أطير فوق حوادث ينشق عنها النهر ،
أقودكم بين الأعشاش حيث يمرح الصغار فى جدول يمتد من شرايينهم
أضع على الجرح ابتسامتى وعلى الضمادة رحيق زهرة من الأرض البعيدة
لعلى أستطيع كتابة مغايرة لطقس مغاير حول خندق
بالنظرة التى أملأ بها نفسى بكائن حى رقيق وجميل
بروح الألفة تعود أطيافكم فى تراكم الغبار
حيث لا طائرات ولا صيادين ولا بنادق
لا أشعة موجهة تكشف ما أخبئه وماذا أخبئ :
تلك المواسم فى راحتى وتلك اختلاجات تبدد وهمها بين التلال
ـ غريبة هى تلك أمنية التلال ـ
وأغنية المقاعد أن تسافر وحدها بمحبوبين تحت الاختبار ؟.
*** مطارد بالأفق
لى النظرة المتأنية حول الأسباب التى تجعل الفرح
يزور المحبين بلا سبب
سوى
زهرة تهجر الرحيق
ـ على هامش طائر فوق متسع ، مطارد بالأفق والريح والسحاب ـ
ولابد أنه آخر العام
أواجهكم بعنفوان
رحيق يهجر المكان
ومطر غزير حيث تغرب شمس ويستريح طائر
بجوار النافورات والشوارع
والمشربيات العائمة
يشحذ قلبا يدق على وجه الماء الجمد .
*** مد البحر
أنا مد البحر
وصخرة الكابوس
والسمك المهاجر
أنا حلم الزهرة الميتة
واللون ومياه النهر
أهملت اصطياد اللآلى
مع انهمار المطر
والسمك
البحرى السريع النسيان
يصعد تلتى .
*** إعصار عيد الميلاد
أفر من موت محقق بالصمت والرياء
والفقر وعيون منكسة
إثر اختلال ما بين شاة وجزار
ـ بينى وبين طبيعة الصياد ـ
أرى مسرى الرصاصات حين تحط تُسلم
بشغف زائد السلام المودع كمحبوبين التقيا بعد إعصار
أنا الطائر لا أستطيع قيادة الطائرات ؛
تلك التى تهتف هتافا فجائياً ومعادياً
بدقة تصويبة مدفع ـ بلا مبرر ـ
سوى احتفال الكبار بأعياد ميلادهم .
*** عديد مكرر
حيث لا يوجد غير الترقب والغزاة ،
حنجرتى موصولة بالتتر :
تقول يا خليج
يا محار يا ردى
لكنما الردى لا يأتى ولا يكون
يا بابل الجنود والجنون
هذا أنا تمر العراق والعرق
ودجلة الفرات والأرق
أموت لا أموت
بخنجر الكلام والسكوت .
نصوص ديوان :
ديوان الضحك
حيث شجر كئيب لا يعرف الضحك إطلاقا
(وقصائد أخرى)
ـــــــــــ
شعر
صلاح عبد العزيز
الزقازيق ٢٠٠٤
========
المحتوى
( أ ) أقواس لا تكتمل :
1 ـ قمر .
2 ـ برق .
3 ـ النسمات .
4 ـ شهوات مفاجئة .
5 ـ حافة المدينة .
6 ـ زيارة للفراغ .
7 ـ أسباب للفرح .
8 ـ تحولات العاصفة .
9 ـ يتجول فى .
( ب ) ديوان الضحك
1 ـ أشباح غرف منسية .
2 ـ معلقين من ذاكرة .
3 ـ يناير شهر الضحك .
4 ـ قمر على الباب .
5 ـ أبى .
6 ـ التجاعيد .
7 ـ غرفة المهملات .
8 ـ بضع علامات لم تكن هنا .
9 ـ الشرك .
( ج ) قصائد طائر النسيان
1 ـ سؤال وإجابة .
2 ـ فجأة النسيان .
3 ـ فى النسيان .
4 ـ مطارد بالأفق .
5 ـ مد البحر .
6 ـ إعصار عيد الميلاد .
7ـ عديد مكرر .
أقواس لا تكتمل
* قمر
لأنك جميل تصر على المجئ
بين خضرة وأشعة شمس تحرك الهواء بلطافة
كأنما الصحارى أصبحت هباء
والبحار جنات لبشر
يتنفسون مع الأسماك
يتحدثون عن عجائب ..
وينتهى الحلم
لكنما تظل أسماكا عالقة فى الفضاء
وقاعاً تراه خلف الوجوه الناحلة .
* برق
لست وحيدا تماما
فى عاصفة تسيل
ونهار آيس
تلفع الوجوه كنبى فى الظلمات
تحفر ألواحك عبر فراغ يصعد
يزيح ضوء باهتاً
لقمر موسمى
يبزغ عبر متسعٍ ضيقٍ
مثلك سيفٌ مشرعٌ أيها البرق .
* النسمات
مثل سحابة تأتى بلا ضجة
تطفو بسطح الوقت
تهب من مرقدها
تنأى خلفها المسافات
صوتها موسيقى آتية
على مائدة بلا أطباق وربما
أقواس
تعشق الظل تحت شجرة بالجوار ..
لا تكتمل
تلك النسمات ..
لعلها حين تتذكر
القاع تنخلع من ليمونها رائحة الليمون ..
تلبس بهجتها ..
تدلف فى المنحنيات أرواح ملائكة ..
بين موسمين تضع نارا فوق جبل
وجبلا فوق صخرة
والصخرة حيث أبجدية
تطل كوردةٍ فى حديقةٍ
وشجرةٍ فى ميناء تنتظر مسافراً
وطائرٍ فى الرواق ينقر كفك .
* شهوات مفاجئة
ربما إذا اختل توازنك يقفل الفراغ فجأة
وحين تستعيد وجههاً
يكون القمر
فى مقبرة جماعية يدفن ضوءه
يخرج موتاه دون ارتواء ودون ألفة
سوى صدى القرن 19 :
من تحملوا غربة الأحباب
فى صمت تحت أشجار الزيزفون
أو فى مصانع الفحم ..
يخرج باهتاً وجهك كلما مر حزن
فى عين صبى الحى
إلى نصف ليل
ونصف مسافة إلى القمر .
ولعلك حين تقرئين أوراده القديمة
تتذكرين رجلاً فى آخر الممشى يلعن الحرائق ..
تدورين
دورة كاملة كل 5 دقائق
حول مقعد ، تنعتين نفسك أيتها الفضولية
بأنك حافظة للأسرار
وعن سبب الغياب تنكرين
أنك كنت تتذوقين طعم رجل آخر
تتقيئين بضع كلمات يبقى صداها
فى هواء يتنفسه دونما رغبة حقيقية
مرغماً على البكاء
مع طيف مهرج يندس وسط الجماهير .
* حافة المدينة
إنها امرأة
عمرها عمر زهرة
تسافر فى دم السحب والذكريات
تمر القرون إلى سمائها
تموت فى آخر الربيع
ويموت فى الربيع التالى من يمر من هنا
حتما سنمر من هنا
وبلا موت نموت
نلم
ضحكات سيد وسيدة من الذاكرة الحية
ضحكات امرأةٍ خضراء
من كتابٍ أخضر
فى منتصف زمان العالم
تمر أجساد
لا تستريح
عالقة فى فانوسها
تضئ نبض الجالسين
تبحث فى مدينة العسكر
فى التباس الناس
وحوائج كانت معها
لا تلين
يدها البيضاء
قماش فوق فتارين شمع
فر من مصنع الشمع على قدمين
من فضة الوقت
من أربع شهور كنا خمسة
والآن أصبحنا نصف العالم ،
هى نصف وأنا نصف
كلانا أنصاف فى أنصاف
فى جلوسنا فوق حافتها .
* زيارة للفراغ
الأيام تسير وحدها فى الفراغ
تبحث عن وقت سقط منها بلا تعمد
والزمن فى سيره المتوقف جعل الأشياء لا تشيخ ..
أى عذاب هذا التوقف
بلا احتضار أو مواليد جديدة
أو حركة مفاجئة للخلف أو الأمام
كأن يزورك وجه من الماضى
أو شجراً يكبر أو عصفوراً
يتجول فى حديقة لم تكن هنا ـ أبدا ـ
وبلا تعمد تتجدد الحياة فعلا
وتنمو الأغصان إلى أن ترى سنديانة
وآلاف الطيور تلتقط الأيام بمنقارها
فيلتئم الفراغ .
* أسباب للفرح
الأسباب التى تجعل المحبين فرحين
ليست هى الأسباب التى تجعلك فرحا ..
أيها الطائر الأليف ..
تعبر غير واثق أن المدينة تُغلق أبوابها ؛
أن الموج يمكن أن يكون قاسياً هكذا ،
تتأمل إشراق كائناتٍ ميتة
تبحث عن رحيق ،
ما بين الدور المتراصة والحوانيت
تتذكر ضوء مصباح فى أعماقِ بئرٍ
وملامح قديسين أكلتها الظلال
وصدأَ الذكريات وتآكلَ المعادن .
* تحولات العاصفة
عاصفة فى الشاطئ الآخر
علّها تظلل موجةً تقترب
تحكى عن قمرٍ كان
وهواءٍ لم نمسه
حين يجئ تنحنى المويْجات ..
ـ ذلك الصيف القاسى ـ
يستريح على الرمال
ينظر العاصفة فى كفه لا تريم
وربما
يلتفت لطائر يهم بالطيران عبر صخرة عالية
فليكن العالم نار
والنار فوق جبل
والجبل فوق صخرة ..
والصخرة فوق قلبك ؛
ليس سوى القاع يصعد على سلمه
وأنت الوقت النازف تلوذ بتمائم نفسك .
* يتجول فىّ
شخص بلا وجه
يتيه فى الفراغ
يمسك الهواء
كفراشة فى حديقة
لمرور صوتك أو وجهاً يعبر الأسلاك
فى أول الليل
وجهٌ هوائى ليس له ثبات
لكلٍ :
حين ينهمر الصباح
بغتةً
بلا مقدمات
على الطبيعة أن تهب
تخترق الجدران
يقوم الموتى
حين تلامس أعينهم حد الشعاع .
(ب)
ديوان الضحك
نصوص
** أشباح غرف منسية
أتوقف لمرور طيف عبر الهاتف فى حجرة الجار / يحدثنى عن جارة بعيدة تسكن بعد أربعة شوارع تقريبا / تأتى كل صباح تشكو كثرة الغثيان / عن أسباب من وجه نظرها تستحق ضحكة / قصيرة للغاية / وحين تهم بارتداء ملبسها تتذكر بسمة مخبأة لمثل تلك المناسبة .
ـ ألو .
ـ أتكلم فى الشارع خوف شرطى يراقبنى خلسة .
ـ لا يمكن أن أحضر فى مثل تلك الظروف / معى مريض لا يمكن تركه خوف المضاعفات .
ـ يهمس لى الآن .. هو يريدك .
ـ لا أذكر أنى صاحبت شرطيا قط ./ ( أذكر شرطيا صاحبنى خلسة الصيف الماضى ) .
صوت صفير حاد ثم ..
ـ يمكن أن أتغيب بضع شهور .
ـ يمكن ..
يلقى سماعة الهاتف بمودة ويتابع جارته / يتذكر وجه الشرطى على السلم .. يشبه وجها مألوفاً // يتحدث عنها ولعلى أعرف كلمات تفضى إليها .. / هى آخر من تبقى له فى اللحظة التى يتناول فيها قرصا آخر للنوم /.
أبحث عن وجه مر أمام العين السحرية من أيام يتبعنى .. يهرش فى أنف متقوس من أثر النظارات .. هذا الوجه الشاحب ذو الندبات أين وكيف .. يراوغنى يعطينى اسما آخر من أسمائه ..
هذا الشرطى / الكناس / بائع متجول .. أعلى الشقة يسكن يتجول ليلا فى دهليز الغرف المنعزلة يبحث عن قط تائه / منذ يناير/ يلبس سترته الباهتة ويعلق كابا وشارة قديمة ..
هى أيضا تسكن منفردة / أو تسكن معه معظم أيام السنة .. / ولعلى أتذكر حين أبص من العين السحرية أيدٍ تتعانق ووجوها متداخلةً / جارى يفتح لهما / يدخلها ويدخله ويقول تعال // : لكنى يقرصنى البرد بلا موعد / والخارج أكثر برداً وخصوصا أنى وحدى بينكم // .
فى آخر لحظات الليل يودعها / على ميعاد آخر والشرطى الجار الأعلى يبتسم // .
يدلف عندى يشرب شايا من موقد غاز مفتوح : فاتتك الليلة سهرتنا .. حلم أن نتأرجح من سقف العالم بين ملابسها وعطور صنعت خصيصا .
يُخرج بضع قشور من أصداف تتلون فى الضوء الباهت .. تهتز الغرفة من زلزال قادم .. وأقوم بلا رغبة أحضر أوراقا // .
بعد دقائق نفتح غرفات الصمت ويمضى كل منا فى غرفته .
تدلف حيث الباب المفتوح تبكى حائرة / نسيت مفتاح الغرفة من كثرة ما نزفت من عرق .. نتحفظ فى إشفاق / تخلع ملبسها حين تموء القطط فى الشارع وعلى مدخل بيت لا أعرفه / تحت سريرى تختبئ / يغلى الشاى على الموقد / رائحة غطيط تأتى من غرفتها، أم من شخص نائم يحلم بالهاتف عن امرأة ماتت توا فى المستشفى ، تحضر يومياً وتقيم عزاء // .
الشرطى يرقبها لا يصحو إلا من إزعاج صغير عاد .. وفى الأغلب حين يخز العرق النفاذ مؤخرة الظهر.. نتجمع أربعة كانوا منذ نهار كامل يقظين لا ينصرفون على فرض : أن الشارع يصحو باكر . / نغفو على فرض آخر : أنا لا نتخاصم فى النوم ولا يمكن أن يحدث مثل العام الفائت .. // حادثة أودت بكلانا .. // .
نذهب فى الأعمال الصيفية ، أعمل بائع متجول والشرطى يعمل بعقارات مستأجرة .. جارى مخمورا كان السائق .. // نشرب شايا أو بضع قشور من صدف نلتقط.. على شط يظهر دوما أحمر قان نسبح بملابسنا .. ونظل بلا هدف نتأسف ،
موتى نتأسف // حين الدبابات تمرّ على الأطفال .. لكن الحلم يراوغنا يدلف منا فى أعماق الغرف ويفزعنا أنا أطفال جوعى بلا سكن أو مأوى غير مخيم وسط حطام المدن العربية// تجمعنا وضع منحرف لقناة البث وأجهزة الراديو والصحف المارة من أرصفة الغرباء وأغانى الشحاذين على الطرقات . /
نبحث عن وطن فى وجه عابر فى مقهى // فى شارع يهجر سكانه // يسقط فى بالوعات الصرف حلم آت ليس تماما فى المنحنيات / ننام وتحت كبارى القاهرة وفى جلسات المجلس يظهر أبوانا مبتسمين .. بهجة إبريل على الأبواب .. فى العام القادم نأتى تعبرنا عاهرة أو سكير يتبول : محتاجين قناعات شخصية أو حلما تفصيليا . // ينهمر القمر الفضى رغيفا فى المنحنيات وما بين الأحياء الشعبية والهاتف مقطوع الأسلاك يرن :
ـ ألو .. انت مين ..
** معلقين من ذاكرة
فى حقيقة الأمر وعن قصد أصر الولد على شراء البسكويت / هكذا تعود منذ الولادة على حجر جده الذى مات منذ سنوات / ولأنه ما زال مصرا على ممارسة الطفولة فى المراهقة كعنيد / يضرب البنت فيفى بنت الجيران / التى تعلق الصليب شارة على اختلاف الدين / ليس إلا / لكنها فى حقيقة الأمر تقرأ قصار السور فى المدرسة كتدريب على الإنشاء / وفى التختة المقابلة يلمحها تضحك / .
وهكذا يعاقبها المدرس الذى لا تأخذ درسا عنده / بحجة عدم الإنصات / وبعد المدرسة ، يجرها من شعرها / غيرانا / : " عيب يا فيفى والله لأقول لبابا " / بالطبع تنكر / وعلى كلٍ فى المساء نفسه يتحجج لأمه التى تعرف : " الواجب " / ويختلس قبلة طفولية فى غياب أمها / تعتب عليه بأنها سريعة / ليست كما رأتها فى السينما / ويمد يده لأسفل لكنها تتمنع بحجة الشاى الذى برد / وتقوم لتتيح له أن ينظر ظهرها بالكامل / وفى الإجازات تغافل أمها وتذهب إلى حديقة الحيوان / وعندما ترى الأسد ، تنط فى حضنه ، بلا مبالغة / خوف حقيقى من قطة تعرف التفاصيل / وهو يتظاهر باللامبالاة / مع أنه أيضا خائف / رغم السور الحديدى والحارس الذى يفهم لتكرار المشهد / يزأر الأسد وبعينيه يختار الفتاة الضاحكة كى يزأر برجولة / يعبر عن وحدته بلا أنثى / وهما فى الطريق تتعانق اليدان فى انفعال حقيقى ويقينا بالمفارقة على أول الشارع / لكن ولدا آخر ، يرغب حقيقة فى مصاحبتها / فيشى لأمهما / فتضحك الأمَّان / على لعب العيال / .
ويقينا بعد عشرين عاما سيلتقيان / هى وأطفالها من رجل آخر تَقدم صدفةً / وهو مع زوجة اختارتها أمه / ويبتسمان / متذكرين تلك الأيام / تُعرِّفه على زوجها الواشى / فيبسم دونما رغبة حقيقية فى الابتسام // . تلمح شعرة طويلة على كتفه الأيمن / منذ عشرين عاما / تمد يدها وتأخذها / حقها / أن يعود ما تملكه يوما / وأعطته له بمحض إرادتها / لكنه يمانع / فتتركها عن ثقة أيضا بأنها لا تمانع / والشعرة التى استقرت عشرين عاما لا تمانع / والجيران ، الذين رأوا هذه الشعرة مرات عديدة لا يمانعون / والزوجة التى اختارتها أمه لا تمانع / حيث أنها ذكريات طفل لا يكبر على الرضاع / وخطف السندوتشات / ومعاكسة بنات الجيران ، بعد / وعلى كلٍ / إن الحياة التى فرقتهم كفيلة بأن تجمعهما فى الذاكرة / غصبن عن الجميع / لذا أغمضوا عيونهم عن حلم دائما ما يصحو عليه / .
هفهفة خصلات على صدره وأولاد كثيرون جاءوا / وأحفاد يضحكون على مذكراتهما / فى الأجندات المدرسية / ولو / رجع الزمان / لكان حتما أن يظلا هكذا معلقين من ذاكرة على سور يبدو فى صورة التقطها الأم خلسة / وخلفيتها حديقة الحيوان / والأسود فى أقفاصها وحارس وحيد / يهش للجمهور المائت من الضحك لمرور عربة قديمة تحمل الزائرين / حيث يركبها الصبية الآخرون / وتتكرر الذكريات الحية / وهما يشاهدان زئير الأسد / وخوف صبيَّة وارتماؤها فى حضن صبى فى مثل سنهما آنئذ / ..
** يناير شهر الضحك
لمسافة طويلة وهى تضحك / . وربما انفلتت ضحكة على الأسفلت بلا صاحب .. ألتقطها وأضحك / .
ضحكةً وحيدة يناسبنى مقاطعها الممرورة فى الصدى ..
أمشى بطيئا علِّ أصادفها وهى تضحك / .
فألتقط الضحكة ، بلا واسطة .. خوف هواء بارد ، على هامش خارج الطقس تقريبا .. أتساءل : ما العلاقة بين البرد والضحك / .
وربما مرت بجوار أذنى تماما .. حيث الفتح أمامى مباشرة والبحر خلفى واحتراق سفنى على ضفة المالح ، أفتح جزيرة بلا لغة ولا سلاح .. أظل بها إلى أن يعود الصليبيون .. حيث يجمعون الضحكات .. ويرحلون بلا مقاومة .. فيكثر السياح فى الكرنك// .
لو أننى هناك لاستطعت وحيدا إيجاد معادلة لصناعة ضحكة تمتد لألف عام قادم، أنا المتعطش لماء النهر الذى يتحول عن مجراه إلى بحيرة فى البعيد تطل على كنز الفراعين .. وربما تحولت نورسا ، يتيه بأعماق البحر ويرجع بلؤلؤ الخليج ، أضعه فى كف الحبيبة التى ربما ما تزال تضحك / .
تنظر فى الحارة من مشربيتها حيث الدكاكين والأنوار ، وأكشاك الهاتف ـ كحل وحيد للفقر ـ بلا حرارة وبكهرباء مقطوعة ..
لو ركبتُ الباص سأنزل منكسرا بعد محطتين .. أخرج سيجارة مكسورة من جيبى الخاوى ، أضع يدى مكان الكسر موهما أحد المارة ـ عندما يولع لى ـ أشعر بسعادة غامرة بإبقاء الكبريت معى ، ويبتسم شاكرا ، لأننى الوحيد الذى كلمته هذا الصباح .. وبوسعى أن أدلف للميدان ، متظاهرا بأننى سعيد وأضحك / .
لا تغادر ضحكتى فمى ، حيث أصطدم بأجساد لا مرئية ، وبكتف تلميذ ، يعلونى قليلا ، فأنظر جديا إلى ضحكته ، فأضحك / .
وأمسح دمعة ضاحكة ، أمام المحطة ، يشترى لى تذكرة ذهاب ، لمطعم رخيص ، فى أول الشارع ، حيث البنت تضحك/.
وأقول لا بأس ، ربما مصادفة ألتقى بضحكتها على الباب أو فى القطار الخارج من المدينة ، ويبدو أن العالم جميل، يا أصدقائى لدرجة أن الواحد يمكن أن يستنشق هواء ضاحكا بلا تلوث ، وبلا اكتراث لما يحدث فى الرئة، أو نتحجر على الطريق .. فى المسافة بين البنت وضحكتها ، لحين وصولها للشرفة وبفرض أن المسافة بضع سنتيمترات فلقد مشيت ألف عام لأضحك/.
وأموت من الضحك / .
** قمر على الباب
لم لا تقل لى يا حبيبى : افتحى الراديو على أغنية " يامّا القمر على الباب " / هل كان هناك قمر يا حبيبى على الباب فعلا / أم أن شخصك على الباب يضحك / بالنسبة لى على الأقل // هنا حياة فى الحياة تجرى بين إصبعينا إثر " موسيقى وألحان " ولعلنا حين ندلف للسرير / تظل موسيقى الفراش حتى بعد خمس سنوات من السفر للخليج //
أحمد يقول بابا / وأنا أقول بابا / كأنه أبى صغيرا عاد / وأمه تضحك / وأنا أيضا أضحك / عندما يركبنى كحمار ويقع من السرير فجأة / هذى هى بهجة الحياة إذن / هل لعلاقة بينى وبين حيوان شديد الغباء//.
فى مرة وحيدة كدت أضحك بلا سبب / سوى الضحك / والضحك فقط على شجر لا يضحك إطلاقا نعتز به فى المنتزه / يا ليتنا نموت واقفين مثله هكذا / رغم أنه لا يظلل شيئا لكننى أضحك . //
هل عبث الحياة هو الذى يضحكنا بلا سبب / أم أنه الضحك // وقطعا سيسألنا / فنقول : يأتى الأطفال يا حبيبى بعد بسمة ثم ضحكة / يتشارك الجيران فيها / ولا ينتهى الضحك / لمراهنة بين الله والشيطان // وعندما نموت / رغم البكاء نضحك / على ذكريات ساءتنا كثيرا / كانفعال مكتوم / حتى المعزين يضحكون / سيموتون بعد الضحك / ربما مباشرة لأن الحياة ساخرة / بما يكفى لأن نضحك / وأيضا عندما نسير إلى بلاد غريبة / مهانين نضحك / ونعود بالفقر كما كنا ونضحك . //
هل رأيت يا أحمد الحياة تضحك / وأنا أضحك / وأمك تضحك / كما كان جدك يضحك / لا شئ غير الضحك / وأنبوبة الغاز فارغة وفاتورة الكهرباء / ورغيف واحد نتقاسمه / بلا عدل / ونضحك // هل لأننا أحفاد ضاحك كبير نزل إلى الأرض بضحكةٍ // لا شئ يا إلاهى سوى أننا نضحك / فقد علمتنا الضحك ولهذا لا نكف / فى أحلك الظروف عن الضحك . //
** أبى
الذين يرحلون فجأة يتركون دفئاَ حقيقياَ فى الفراغ // يشاركوننا الأسى والضحك. حتى أننا لا نعرف الفرق بين الطيف والجسد // أبى كان هنا بيد عظمية تناول كوبه الحجرى // بضع مرات فقط أقوم من نومى أراه أمام الثلاجة // يهم بانفلات لا يقول شيئا فقط يمضى ويأتى مساء آخر // وعندما أهم بالكلام يبتعد / ليس من عادته أن يصادر الكلام // ليس من عادتى أن أهش له // كنا كما ضلفتى باب // لا نستطيع أن نهاجر بالمفصلات // وفى الليل نتكئ خوف برد قادم // دون أن نحدث صوتا // تتسع الغرفة تعطى مساحة من الدفء الذى كان // ليس جسدا تماما ولا طيفا // إنما فى اللحظة التى تفر من أجندة المواعيد نلتقى // وعند النوم بعد إرهاق فى تأمل الحياة // يطبطب علىَّ ويحبك الغطاء حولنا ثم ينصرف // وفى الصباح نتناول الفطار والشاى والجرائد // كأنه عاد // كأنما يعتذر فى فجأة النسيان عن موعد فات // نعشق التدخين بينما أمى فى مشوارها اليومى للسوق // تأتى بلا ضجة تفرد أمامنا ما يحبه عادة // بالنظرة الغامضة يهم بالطيران يختفى بلا مبرر // هل لأن الطائر يفرد جناحيه خوف الوقوع من عل // معاندا الريح // أم أن أمى قطبت جبينها فجأة لضيق ذات اليد // .
** التجاعيد
بوسع الرجل المجدور الوجه الجاحظ العينين أن ينظر امرأته وقد خلت من وجهها التجاعيد فجأة / تبسم بعد رحيل الأولاد / وتبادله نظرة إشفاق من كثرة أعباء المنزل / يمكن أن يدلف تحت غطاء محبك خوف البرد / ويمكن أن يضحك خصيصا حين ينظر من شباك المطبخ // فى المنور قطط تتسلى وبقايا ورق ملفوف لجرائد باهتة اللون // يتسمع حركة الحشرات ويتبعها / يبحث عن وقع أقدام تبحث عن صاحب / بلا صوت يأخذها ويطلقها فى الغرفة / وإلى حد ما على وقعها يستريح // هنا أقدام كثيرة كانت .. // تنحنى المرأة العجوز وتتأمل أقداما صغيرة كانت // لم تزل غضة // أحيانا ينسى ويمشى على أربع / يلعق فضلات الجير على الجدران // تنظره // ثمة رابط بينهما فى الوحدة وثمة أشياء بوسعهما إعادة تكوينهما كأن يتبول على باب الجار أو يخلع زر الراديو // فى المقهى ينظر شجرا ويداعبه يتحدث عن جدوى الطيران / وعن امرأة أحبها فى الطفولة / يتذكر وجهها ويضحك .
** غرفة المهملات
رائحة خبيز تعبر بدنى بطيئة والظلام فى لمبة الجاز يشع بالحرارة / أفتح النافذة عل هواء باردا يدخل / يمكن أن يهب قلبى السعادة / حتى أكمل الحلم / عبر حارات ضيقة مسدودة النهايات كى لا يعبر الجيران منها والبرد /
لزوجة الشارع بحلقى // أتخيل أطياف أصدقائى منذ ثلاثين عاما // نحمل ألواحنا إلى الكتاب وكسر الخبز فى السيالة // حرارتى تجاوزت الأربعين والكمادات لا تجدى // لا أريد ماء باردا ، فقط هواء // الماء يغلى على جبهتى سريعا ويتبخر// يدخل من النافذة كلب أبيض وينام بجانبى تقريبا / هو دمية بيضاء أتخيلها / لا أعرف / يمضى الصبية هكذا مبللين بالطين والمطر بلا حذاء / ارفعوا الأغطية / عن وجوه أصدقائى لربما مات صديق من البرد تحت الغطاء المبلل واللحاف المزخرف ببقايا سراويلنا التى أضناها الغسيل // ينهرنى شيخ فى السبعين " كلنا هكذا يا أبنائى وفى يناير بالذات يحبنا الله لأن يومنا مر بلا كارثة سوى الكوارث القديمة تلك التى تتجدد يوميا /
ومع ذلك نحس أننا مقصرين " // .
ما أروعهم حين يندفعون تحت جلدى هؤلاء البشعين كالإبر/
أضع الطعام لأصدقائى علَّهم يكونون أكثر صخبا ريثما يجف المطر على جبهتى وربما ماتوا من كثرة الطعام والشيخ فى السبعين لا تكف عصاه تكسر اللوح وتهرأ الطبشور من كثرة الغثيان والضحك مع أصدقائى الأطياف// .
بالأمس بطة جاءت على مائدتى / يا رب ماذا تعنى بطة فى الحلم / فى التو نبت لى ريش وجناحان حلقت فى سقف الغرفة أصطاد نجفة صدأة منذ ثلاثين عاما على طبق من الخزف المنحول تحولت إلى ديدان // هم أصدقائى إذن يخرجون " لن نأكل حتى تنفذ للسطح " .. آه هؤلاء الخبيثون يهمسون بلا مودة .. تقع الضحكات فى الطبق الخاوى // لكنهم يفقشون بيض البطة الراقدة ويأكلون خبزنا بلا تحية موهمين أنفسهم بكرم الضيافة/ وأنا أسمّى بدلا منهم ينتظرون العشاء وشراعة الباب كالكمين وتلك البطة الراقدة فى الشتاء//
فى غرفة المهملات فناجين أيضا بلا أيد ومشروخة أحيانا حيث نصف الشعب جائع والنصف الآخر تحت جلدى فى المطر يلبس ملبسه ويبتسم بائع " يارب أضحكتنا كثيرا بتلك التحف الرخيصة " //
يارب أعطنى القدرة كى أخلص من جسدى فيستريحون يوما واحدا فقط علهم يحلمون مثلى / كأن يهتف شرطى آخر الليل أو يرتعشون من قانون الطوارئ ولظرف طارئ أجد نفسى مضطرا لتوديعهم / : الهواء بارد يا أصحاب // .
** بضع علامات لم تكن هنا
أشد ما يمكن أن تجد براحا من الهواء وناسا آخرين يضحكون مثلا / وإلى الآن يهتف أحد ما : هنا نستطيع المراوغة نستطيع أن نقول ما نريد مثلا بلا خوف وبلا ضغينة فعلا / مع أن التلاميذ بسيطون للغاية نفسها لا يذاكرون بقدر استعدادهم للمعصية وشد جونلة المعلمة لكى يتأكدوا فقط من متانة الصناعة // ومؤكد سيقولون : لونه أسود تعبيرا عن مناسبة لا تهم فى الغالب . سيشعر أحدهم باستياء ويشكو ندرة هذا النوع / لوجود بنات على الأرجح كأنهن وجدن فى اللحظة التى يهمسن بأسرارهم ، وبانتباه تتحول إحداهن إلى النافذة لإلقاء تحية عابرة لطالب بعيد فى المدرسة المقابلة حيث أن الوزارات تحب التجاور فى الخطأ وفى خطة المراوغة فى المجلس / ولا يهم خلط الذرة بالعجين لصناعة خبز يكفى تراكم الديون وسعر الصرف القديم ؛ طالما أنهم يأكلون بلا اكتراث ويشربون السفن أب فى الفنادق المميزة والمؤتمرات وما أشبه / وربما بتواطؤ الجميع يحسن الزوغان وربما يكون غريبا عن المدينة ليس له غير النظر من بعيد .. علَّها وهى تسرح شعرها للخلف وتخرج مرآة من حقيبتها وتنظر ليس للمرآة .. للشارع الخلفى حيث ينتظرها على الناصية بدموع الفرح فى الشارع الملئ بأمثالهم من طالبى العدالة فى التعبير عن شعورهم بالفقد مثلا // .
كأن يهمس فى المظاهرات :
" هنا لا يجوز الكلام عن لون اللباس الداخلى "
" هنا أرجوحة الصمت "
" هنا سر ضائع بين قدمى عابرٍ مر صدفة ومضى ونحن نبحث بلا جدوى "
قبل انهمار قنابل الدخان / وربما يبتهج العشب والأشجار فى أطراف المدينة ويصحو على تأوهاتهما الطير وتلامسهما بحميمية / كأن لم يكن فى يوم ما نفور من العادات الرديئة لمعلمة الفصل والواجب المدرسى ومنشورات الطلبة ومذكرات الجامعة . وربما فى أول الوقت الذاهب لليل طويل يضمهما سرير ما بغرفة الطلبة بعقد متفق عليه ومن البداية حيث أنهما واضحين فى علاقة واضحة لأيام غير واضحة إلا فى التلفاز ويبسمان كل مرة بلا اكتراث // .
** الشرك
صدفة أن تبتسم المرأة المشاكسة // تبطئ وهى على موعد تتوقف بغتة وتسأل عن شارع معين لا تعرفه // كأن يكون مكونا من أربع أسماء أو اسما بالكاد تسمع عنه وعندما تشعر بالاحباط تنتشلك من ورطة كأن تقول " قريب من هنا أو يمكن اسم مقارب لشارع آخر" /
يتجمع المارة غير مدركين الشرك وأنكما غريبان عن الحى الذى يسكنه صاحب العنوان وتمشى به يوميا دون أن تنظر اليفط أو محلات البقالة // وهى كعادتها تدلف آخر الليل تحبك المسألة ليس إلا // تموء تحت الغطاء وفى الصباح تنتابك عادة شفقةٌ غير مبررة وشعورٌ بالاثم// .
( ج )
قصائد طائر النسيان
*** سؤال وإجابة
س :
هل يعصف الهواء بى ،
أم يعلن السحاب
أن الضوء جارف ،
أن شجيرة تحبو نحو التلال ،
أن كثافة المعادن لا يستنشقها الأطفال
وأن ما أحبه فوق حلمى ..
ج :
لا يستطيع الأفق أن يهزم طائر
سلاحه الوحيد جناح حى
ومنقار لاصطياد حلم
من هواء يعبر العالم
بين جارين متخاصمين .
*** فجأة النسيان
تقذفنى المدينة تحت قلعتها كل يوم فأعود من الأبواب
يحملنى الغبار ولهب الشمس ؛
حيث السحاب طفل بين يدىّ والبرق أخى الشقى المحبوب ..
ألتقط الرمل وحبيبات الملح
ـ حيث لا النسور والحدآات حيث لا الطائرات بدخانها تطير ، حيث لا أبرح ـ
أصدقائى الأعشاب والطيور الشريدة
معى الشجر المسافر ونار التوقد ودهشة الحلم وصخرة الكابوس
على التراب المغطى بصوتى
ما تحولت أعين المحارات والبوم والعناكب فى الظهيرة القاسية
لفقدان أحبة ضحكوا ساعة ثم ماتوا فى فجأة النسيان .
*** فى النسيان
أطياف تتناثر فى خفيف الضباب
يغنون بلا صوت ولا موسيقى سوى الرحيل ..
والموسيقى تنط فجأة على الطريق
حول حكايات قديمة وأحزان تهيئ وصلة غنائية فى المهد
وفى البرزخ ـ تبسم يا أصدقائى ـ
حيث أحجبكم خلف سد مهترئ من زمن العصف
وفى أواخر الصيف أكون قصباً برياً وحنطة وخمراً معتقة
تتجلى فى العتمة ضفة نهر وجزيرة حولها الأوز وبركان فى الساحة ..
أطير فوق حوادث ينشق عنها النهر ،
أقودكم بين الأعشاش حيث يمرح الصغار فى جدول يمتد من شرايينهم
أضع على الجرح ابتسامتى وعلى الضمادة رحيق زهرة من الأرض البعيدة
لعلى أستطيع كتابة مغايرة لطقس مغاير حول خندق
بالنظرة التى أملأ بها نفسى بكائن حى رقيق وجميل
بروح الألفة تعود أطيافكم فى تراكم الغبار
حيث لا طائرات ولا صيادين ولا بنادق
لا أشعة موجهة تكشف ما أخبئه وماذا أخبئ :
تلك المواسم فى راحتى وتلك اختلاجات تبدد وهمها بين التلال
ـ غريبة هى تلك أمنية التلال ـ
وأغنية المقاعد أن تسافر وحدها بمحبوبين تحت الاختبار ؟.
*** مطارد بالأفق
لى النظرة المتأنية حول الأسباب التى تجعل الفرح
يزور المحبين بلا سبب
سوى
زهرة تهجر الرحيق
ـ على هامش طائر فوق متسع ، مطارد بالأفق والريح والسحاب ـ
ولابد أنه آخر العام
أواجهكم بعنفوان
رحيق يهجر المكان
ومطر غزير حيث تغرب شمس ويستريح طائر
بجوار النافورات والشوارع
والمشربيات العائمة
يشحذ قلبا يدق على وجه الماء الجمد .
*** مد البحر
أنا مد البحر
وصخرة الكابوس
والسمك المهاجر
أنا حلم الزهرة الميتة
واللون ومياه النهر
أهملت اصطياد اللآلى
مع انهمار المطر
والسمك
البحرى السريع النسيان
يصعد تلتى .
*** إعصار عيد الميلاد
أفر من موت محقق بالصمت والرياء
والفقر وعيون منكسة
إثر اختلال ما بين شاة وجزار
ـ بينى وبين طبيعة الصياد ـ
أرى مسرى الرصاصات حين تحط تُسلم
بشغف زائد السلام المودع كمحبوبين التقيا بعد إعصار
أنا الطائر لا أستطيع قيادة الطائرات ؛
تلك التى تهتف هتافا فجائياً ومعادياً
بدقة تصويبة مدفع ـ بلا مبرر ـ
سوى احتفال الكبار بأعياد ميلادهم .
*** عديد مكرر
حيث لا يوجد غير الترقب والغزاة ،
حنجرتى موصولة بالتتر :
تقول يا خليج
يا محار يا ردى
لكنما الردى لا يأتى ولا يكون
يا بابل الجنود والجنون
هذا أنا تمر العراق والعرق
ودجلة الفرات والأرق
أموت لا أموت
بخنجر الكلام والسكوت .
نصوص ديوان :
ديوان الضحك
حيث شجر كئيب لا يعرف الضحك إطلاقا
(وقصائد أخرى)
ـــــــــــ
شعر
صلاح عبد العزيز
الزقازيق ٢٠٠٤
========
المحتوى
( أ ) أقواس لا تكتمل :
1 ـ قمر .
2 ـ برق .
3 ـ النسمات .
4 ـ شهوات مفاجئة .
5 ـ حافة المدينة .
6 ـ زيارة للفراغ .
7 ـ أسباب للفرح .
8 ـ تحولات العاصفة .
9 ـ يتجول فى .
( ب ) ديوان الضحك
1 ـ أشباح غرف منسية .
2 ـ معلقين من ذاكرة .
3 ـ يناير شهر الضحك .
4 ـ قمر على الباب .
5 ـ أبى .
6 ـ التجاعيد .
7 ـ غرفة المهملات .
8 ـ بضع علامات لم تكن هنا .
9 ـ الشرك .
( ج ) قصائد طائر النسيان
1 ـ سؤال وإجابة .
2 ـ فجأة النسيان .
3 ـ فى النسيان .
4 ـ مطارد بالأفق .
5 ـ مد البحر .
6 ـ إعصار عيد الميلاد .
7ـ عديد مكرر .