الفنان البحريني عبد الجبَّار الغضبان: فن الجرافيك سيتخذ شأنا أكبر في الفترة المقبلة.. حوار أجراه: جعفر الديري

حوار أجراه – جعفر الديري

عند دخولك بيت الفن التشكيلي في البحرين وولوجك غرفة صغيرة كتب على بابها فن الجرافيك، ووضعت على أرففها وطاولاتها أدوات حفر ومعادن مختلفة كالزنك والنحاس، ستبصر من دون جهد كبير صورة لفنان بحريني واثق النظرة وتجد عند أسفل الصورة كلمات تقول: الفنان عبدالجبار الغضبان، فنان بحريني يعتبر الأبرز من بين الأسماء البحرينية المشتغلة على فن الجرافيك. وتلك كلمات لم يكتبها كاتبها عبثا، فالغضبان أول فنان بحريني يتخصص أكاديميا في فن الجرافيك، وهو أول من افتتح ورشة لتدريب وتدريس مادة الجرافيك لكل المهتمين به وهو أول من أقام معرضا خاصا لأعمال جرافيكية. تلك اذا رحلة طويلة جديرة بتسليط الضوء عليها لأنها خلقت شيئا جديدا وأسست لفن لايزال يحتمل الكثير من الابداع والتطور والاضافة الفنية الكبيرة. وفي هذا اللقاء سرد لفترة مهمة من تاريخ هذا الفن على لسان أحد أقطابه عبدالجبار الغضبان.

اكتشفت الجرافيك بدمشق

* هناك في دمشق وعلى مقاعد كلية الفنون، كنت الطالب البحريني الوحيد الذي تخصص في فن الجرافيك، فلماذا اختار عبد الجبار الغضبان هذا التخصص على رغم قلة الاهتمام والتقدير له كفن؟
- عندما ذهبت الى دمشق للدراسة لم أضع في اعتباري أي لون من ألوان الرسم سأتخصص فيه، فقد كان تركيزي بشكل أساسي على دراسة الرسم والتلوين بحكم اشتغالي بهما في البحرين، فقد كان الرسم الزيتي في متناول الكثيرين في البحرين. ولكن أثناء دراستي في كلية الفنون في السنتين الأولى والثانية فكرت في التخصص فقمت بالاطلاع على الأقسام الموجودة في الكلية اذ شاهدت العمل في مجال الجرافيك وتابعت تقنياته وكيفية تنفيذه، وكنت مندهشا كثيرا لأني لم أشاهد هذه العملية من قبل في بلدي مع أني كنت مطلعا عليها نظريا من قبلُ أثناء الدراسة الثانوية. فقد كان مجال الجرافيك طريقة جديدة بالنسبة إلي أنا الطالب البحريني، اذ لم أجد وقتها أحدا في بلدي مستغلا لها، لذلك قررت التخصص في مجال الجرافيك بحكم خبرتي بالرسم الزيتي الذي مارسته سابقا في أعمالي الفنية، لذلك كنت أروم من دراسة الجرافيك كسب المعرفة بالجانبين الرسم الزيتي والجرافيك، في محاولة مني لنقل فن الجرافيك الى بلدي مضيفا شيئا جديدا الى الحركة التشكيلية في البحرين.

* أساليب فنون الجرافيك كالحفر على الحجر (الليتوغراف) والحفر على المعدن (الزنكوجراف) والطباعة الحريرية ( سلك سكرين)، هذه الأساليب هل استطعنا تحقيقها بدرجة متساوية، أم لا تزال تغلب علينا طريقة دون طريقة وأسلوب دون أسلوب؟
- لا أستطيع القول اننا حققنا جميع هذه الأساليب بدرجة توازي تجارب أخرى عربية لها باع طويل في هذا المجال، على رغم أن الخطوات التي أنجزناها في هذا المجال كانت مؤثرة وأعطت دفعات قوية وجديدة لانتاج العمل الفني الجرافيكي على مستوى المتذوق و المتلقي للعمل الجرافيكي وعلى رغم العدد القليل من المشتغلين بهذا الفن. وبسبب قلة المشتغلين بهذا المجال في البحرين لا أستطيع القول ان الجرافيك في البحرين له حضور كبير، وان كنت أرى أننا أفضل حالا بكثير من دول الخليج.

صعوبة تنفيد الجرافيك

* وما أسباب عزوف الفنان البحريني عن فن الجرافيك برأيك؟
- أعتقد ان سبب ذلك راجع الى الصعوبة في تنفيد أعمال الجرافيك، مع الوقت الطويل الذي يتطلبه انجاز هذه الأعمال مع المتاعب المتكررة في تحضير العمل الفني وتجهيزه، فهناك خطوات طويلة يتم القيام بها لانجاز عمل الجرافيك، وهي خطوات تبدأ بتنظيف معدن الزنك أو النحاس ومن ثم رسم الموضوع المطلوب عليه، وفي خطوة أخرى يتم الرسم بواسطة الأحماض ثم طباعة العمل بنسخ قد تصل الى عشر من أجل انجاز العمل الفني، وهناك سبب آخر مهم وهو محدودية اقتناء أعمال الجرافيك من قبل التجار والمتذوقين، فأعمال الجرافيك في منطقتنا العربية ينظر اليها على أنها ذات مستوى هابط، والسبب تعدد النسخ المطبوعة منها، وتلك نظرة خاطئة تتصور أن في طباعة العمل بأكثر من نسخة مجال لتعدد المقتنين للعمل الواحد، في حين أن من يمتلك هذا العمل يجب عليه الاعتزاز به كما يعتز باللوحة الزيتية الأغلى سعرا.

أعمال لا تتجاوز اللوحة الزيتية

* منذ معرضك الشخصي الأول لأعمالك المحفورة على معدن الزنك العام 1978 الى تأسيسك مرسم عشتار للجرافيك، الى مشاركتك في مهرجان أصيلة في المغرب، الى مشاركتك في ورشة أصيلة البحرين، مع هذه الرحلة الطويلة التي قطعتها، أين تجدنا قد وقفت بنا سفينة الجرافيك - ان صح التعبير- وهل نستطيع القول ان المنجز الفني لفن الجرافيك في البحرين منجز كبير يضاف الى الحركة التشكيلية العربية؟
- قصة معرضي الأول الذي أقمته في البحرين العام 1978 ترجع الى تلك الأيام من بعد رجوعي من الدراسة الجامعية في كلية الفنون بدمشق، اذ بحكم أني أحضرت في تلك الفترة عددا من المطبوعات الجرافيكية، رشحت لاقامة معرض متخصص لأعمال جرافيكية، فأقمت معرضا على صالة الأندلس. ولكن وللأسف الشديد وعلى رغم زيارة عدد كبير من الفنانين للمعرض فانني لم أجد أحدا من الفنانين يسألني عن كيفية صنع هذه الأعمال، ذلك أن أعمال الفنانين البحرينيين وقتها كانت لا تتجاوز اللوحة الزيتية المرسومة، فلم يقدم الفنان البحريني وقتها على عرض لوحة الجرافيك. وبين تلك الفترة والفترة التي أسست فيها مرسم عشتار لفن الجرافيك العام 1989 بون شاسع، فقد استطعت في تلك الفترة أن أنجز الكثير من الأعمال الجرافيكية التي تمتلك بعدا جماليا وأسلوبيا مختلفا عن تلك المرحلة التي انجزتها في كلية الفنون، وأنا أشعر أني قدمت انجازا كبيرا للفنان البحريني عندما درّست في مرسم عشتار فن الجرافيك للمبتدئين في هذا الفن، وأعتقد في الوقت ذاته أنني حققت حلما كبيرا كان يراودني منذ أن كنت طالبا في الجامعة وهو نقل هذه التقنية الى بلدي (البحرين)، ومع مرور الزمن منذ العام 1989وحتى الآن استطعت أن أشاهد مدى الانجاز الجميل الذي حققته، فقد انتشر فن الجرافيك في البحرين وأصبح له الكثير من المهتمين والمشتغلين به مع ازدياد عدد المعارض التي اقيمت ولاتزال تقام سواء هنا في البحرين أو في خارجها في تجربتي مع عباس يوسف أو في تجربتي مع جمال عبدالرحيم حتى قيام ورشة أصيلة البحرين لفن الحفر التي احتضنت الكثير من الفنانين العالميين وأنتجت أعمالا فنية مميزة في فترة وجيزة لا تجاوز عشرة أيام مع عدد غير قليل من الفنانين البحرينيين الذين حضروا هذه الورشة واستفادوا استفادة كبيرة منها؛ اذ كان الكل يحلم بأن يحضر ورشة من هذه الورش، فاذا بها موجودة في البحرين لكل المتذوقين. وأستطيع القول أن الفترة المقبلة ستكون ذات شأن كبير بالنسبة إلى فن الجرافيك في البحرين، اذ ان ورشة الجرافيك في مهرجان أصيلة ستكون حدثا سنويا وستدعو عددا من الفنانين من دول عربية وعالمية وكل ذلك يصب في مصلحة الفنان البحريني الذي ستتاح له الفرصة للاطلاع على تجارب الفنانين العالميين والاستفادة من خبرتهم.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى