رغبة متأججة تشدها يوميا لإطعام سرب حمام، ارتضي المكوث علي سور سطح بيتهم قلقا، ورغبتها الملحة مجذوبة بوعد وعهد التزمت بهما مع حبيبها..
- كل جناح يحلق سوف أطمعه عله يهدل بما نغني.
تذكر مشوارهما المخطوف من شح الوقت فما إن تبزغ من الشارع المنزوي حتي يتسابقا لتشبيك أنامله -وهما يفكران بلقاء أخر- وقبل أن يوصلها إلي آخر نقطة وداع يمران بساحة الحمام بخطوات وئيدة كي لا يثيران فزع تلك المخلوقات الساكنة لطمأنينة المكان بعد أن يكونا قد ابتاعا من الباعة المتجولين كيسين من الحب، والدخن. لنثرهما في تلك الساحة الشاسعة، عاقدان أحلامهما بنية مضمرة لتحملها الرياح والحمام معا.. وفي كل زيارة له لمدينتها يمارسان الفعل نفسه فقط ينتهي بسؤال بحيرتهما :
- أحلامنا معلقة علي أجنحة حمام لا نعرف أين تضعه.؟
في أول عبور لهذه الساحة ومع تناثر الحبوب علي هامات العابرين وعلي أرضية رخام لساحة مفتوحة علي كل الشوارع المرتبطة بها، نفرت حمامات فوق رأسيهما، وأقبلت بعضها لنقر الحبوب بتؤدة وقفز خفيض أسفل قامتيهما، حمامة بيضاء -فاقع لونها- نفرت وحطت علي كتفها، فتقافزت فرحة سرعان ما فردت جناحيها واختلطت بالحمام، يومها - أمسك بيدها- قائلا:
- هذا أدعي لأن تطعمي الحمام يوميا...عديني بأن تفعلي ذلك دائماً
وصمت قليلا بينما كانت أنامله تغوص في راحة يدها:
- عديني أن تفعلي هذا بنية الحب الذي بيننا..
احتضنت أنامله وفرقت بينها كقصة تكمل تصعيد أحداثها:
- أعدك
وتحشرج صوتها بانكسار:
- وأنت عدني -عندما تسافر إلي موطنك - أن تفعل ذلك.
سحب أنامله من راحة يدها، وأسلم قامته لشارع مكتظ بالسيارات والمارة والباعة وواجهات المتاجر ولم يهرب من عينيها إلا عندما التهمه شارع منزو.
مرت الأيام ولحظات تواصلهما عبر الجوال- كأنها الأعياد بين قلبيهما.. كانت دائما تذكره بقصيدة درويش »لاتنس قوت الحمام» في أول مرة رد علي وصيتها:
- حبيبتي هناك ساحة بالقرب من منزلي سأجعلها مأوي للحمام..
ارتاحت لذلك الرد وعزمت النية علي أن يكون منزلهم مأوي للحمام..
غدا الحمام مظلتها الأمانة فكلما خطف قلبها الخوف.. هرعت إلي الحمام لتطعمه لعل الله يدفع عنها وعن من تحب الأذي..
كان شاقا عليها الخروج والعودة من ساحة الحمام فجعلت من أعلي منزلها مأوي له علها تستكين لهديله فكلما تمنت ألقت أمنيتها علي جناح حمامه فلا يلبث النهار من طي ساعاته حتي تتلقي بشارة سعيدة..
وعندما يأوي كل شيء لنفسه، تشاغل ساعات الليل بذكرياتها وتعبث في راحة يدها بحثا عن أنامل حبيبها التي لطالما ضمت راحتها بدعة وشوق..تنام علي جناح يخفق في بالها أن تري حبيبها في ساحة الحمام.. كانت تسابق الشمس في الوصول إلي العليه تترك الماء وتنثر الحب حولها فيحط الحمام..
أصاب فؤادها الجزع، ها هي لليوم الثالث تسابق الصباح وتنتظر الحمام أن يحط ويلتقط قوته..كانت تري الحمامات يصطففن فوق سُوَر المنزل..ورؤوسهن حائرات تنظر يمنة ويسري فلا تري أي منهن تتقافز لنقم الحب، تسمع هديلهن كاحتفال بصباح يظللهن بالسكينة وقفت طويلا تنتظر انتشارهن لاقتسام قوت الصباح فيما بينهن..
أصغت لهديل كأنه سيمفونية تتناغم مع رفيف الأجنحة المقبلة المدبرة، عظم الحمام في نفسها وكلما تعاظم هجست:
- كيف لهذا الطائر أن يحمل كل هذه التفاصيل الحميمة..
ها هي في صباحها الثالث تشاهد الحمامات يصطففن فوق سترة سطح المنزل ساكنات وأجنحتها توسوس بالتحليق إن حدث أمر مباغت،
استشعرت أن الحمام يهابها علي غير عادة، وكلما جالت خطواتها في السطح تنافرت الحمامات القريبات من خطواتها، حملت كيس الحب وتراجعت للخلف ناثرة الحبوب أمامها حتي توارت خلف النافذة المطلة علي العليه.. وجثمت تراقب الحمام عن كثب وتفتش في صدرها عن طمأنينة بأن الحمام حصَّل علي قوته..
ضربت صفحا عن تفتيش صدرها وتيقنت أن الحمام أذكي من حيلها في الاختباء فحواسه شديدة التيقظ والتربص، فحين استشعر بقربها من المكان لم يهبط ولم يحلق ظلت أجنحته علي أهبة الاستعداد لآستقبال الفضاء برفيفها..تتنقل فوق سور السطح بخفة ورشاقة حاملة خوفا حائرا كحيرتها...
رجعت أدراجها وفِي نفسها شيء من التحدي..كانت تريد أن تعود ألفة الحمام ليطير حولها في سلام ويلتقط حبه وحب قلبها ويطير بشذرات أنفاسها يبلغ حبيبها أنها لم تنس قوت الحمام وفي الوقت نفسه غلبت ظنها أن حبيبها ينثر الحب للحمام في فضاء مواز.
نزلت سلالم الدرج المؤدي الي الدور الأرضي وهي تتشاجر مع نفسها:
- لو يعلم هذا الحمام حاجتي إليه لما وجل مني..ولكن الله وحده يعلم حاجة قلبي.
في اليوم التالي لم تسابق تنفس الصباح بل سابقت عيون الحمام واستفاقت مبكرا جدا..صعدت لعلية منزلهم وأمانيها تحث الخطي بأن الحمام التقم وجبته ليوم أمس وكم كانت حسرتها فاقعة حينما وجدت الحب والماء متروكين علي حالهما لم ينقص منهما شيء.
كان الغبش يتخلي عن رماديته شيئا فشيئا، والشمس الصاعدة إلي مدرجات الشروق تلون الغمام بألوان فائقة امتزجت بالأحمر والبرتقالي مخلفة سواد الليل خلفها استشعرت بثقل الوقت فالحمام لم يظهر بعد، فشاغلت نفسها:
- أكل هذا الوقت يمضي في النوم؟
ولكي تتم فكرتها الداخلية:
- هل ينام الحمام ليحلم؟ وما هي تلك الأحلام؟
رددت سؤالها بصوت تكاد تسمعه أنفاس الصباح:
- من يطير ليس في حاجة لأن يحلم.
ووقفت كفزاعة وسط سطح المنزل وفي ثبات حركتها تمنت لو أنها حمامة لتطير من أنقاض واقعها الخرب.. فصنعت في خيالاتها ما الذي يمكن لها أن تفعله كحمامة مطلقة الجناحين.. وكان أول خاطر انتشت به أن تطير إلي لقاء حبيبها لتشابك أنامل يديه العابثة براحة يدها وأن يسيرا متجاورين كتفاً بكتفاً ينثران الحب للحمام.
تصلب وقفتها أصاب مفاصلها بالفتور فمكنت قدميها من الاستدارة الكاملة حول سطح منزلهم رغبة في إحداث حركة لتبعثر الوقت.. ارتاعت لرؤية حمامة بيضاء فاقع لونها - نافقة أسفل سلم خشبي اعتادوا إسناده للوصول إلي خزان المياه.. حمامة تتطاير ريشها وانبعجت أحشاؤها وانكشفت عظام ساقيها الهشة وتوترت مخالبها الرقيقة وقد تدلي رأسها الصغير كيفما اتفق.. انثنت تتأمل تلك المخلوقة الرقيقة في طيرانها وفي موتها :
- ما الذي أدي لموت هذه الحمامة؟
جاهدت نفسها لمعرفة السبب، وجال خاطرها في المسببات :
- هل من الممكن أنها كانت فريسة لقط أو لأشعة الشمس الحارقة أو لحبيب ابتعد وطوته المسافات؟
تبسمت لآخر سبب طرأ ببالها.. ظلت علي مسافة قريبة بعيدة عن جثة تلك الحمامة وكلما دنا من بالها أن تكون هي المتسببة بموت الحمامة يصيبها التبرم.. كانت تفلي ذاكرتها وتذكرت تعثرها وسقوطها -قبل أربعة أيام - حين كان الحمام يحيط بها ويحط علي مقربة من قدميها ملتقما الحبوب ومتجاورا في مشيته مع خطاها وبينما كانت في حبور لمشهدية هبوطه والتقامه للحب ورفرفته علي مستوي منخفض.. تذكرت أنها تعثرت بوعاء الماء فسقطت علي حمام كان أسفل منها سرعان ما تنافروا باتجاه ذروة السطح إلا واحدة ظلت تحجل قبل اختفائها عن عينيها.. صرخت من غير أن تشعر:
- قاتلني الله إن كنت أنا المتسببة!
تجاسرت واقتربت لحمل تلك الجثة بعيدا وفيما كانت علي تلك الوضعية تنبهت لرفيف أجنحة تتكاثر علي سطح منزلهم وتهدل كأنفاس الصباح، اختلطت مشاعرها بين فرحة وندم وأسرعت لكيس الحب تنثره في كل مكان وتنتظر أن يحط الحمام...
وكلقطة سينمائية ثابتة ظل كل شيء متشبثا بمكانه...كانت توزع عينياها بين الحمام المتربص بحركتها والساكن علي ذروة السطح وبين تلك الحمامة النافقة... ثقل الوقت واستطال علي ذلك المشهد..
سحبت قدميها من تصلبهما وأنثنت لحمل الحمامة النافقة لكي تحمي الجثة من تحللها تحت لهيب الشمس..وما إن حملت الجثة في يدها واستقامت حتي سمعت هديلا غائرا ورأت رفيف أجنحة تخبط الهواء بقوة وحلق سرب الحمام نحو البعيد ولم يعد ثانية.
- كل جناح يحلق سوف أطمعه عله يهدل بما نغني.
تذكر مشوارهما المخطوف من شح الوقت فما إن تبزغ من الشارع المنزوي حتي يتسابقا لتشبيك أنامله -وهما يفكران بلقاء أخر- وقبل أن يوصلها إلي آخر نقطة وداع يمران بساحة الحمام بخطوات وئيدة كي لا يثيران فزع تلك المخلوقات الساكنة لطمأنينة المكان بعد أن يكونا قد ابتاعا من الباعة المتجولين كيسين من الحب، والدخن. لنثرهما في تلك الساحة الشاسعة، عاقدان أحلامهما بنية مضمرة لتحملها الرياح والحمام معا.. وفي كل زيارة له لمدينتها يمارسان الفعل نفسه فقط ينتهي بسؤال بحيرتهما :
- أحلامنا معلقة علي أجنحة حمام لا نعرف أين تضعه.؟
في أول عبور لهذه الساحة ومع تناثر الحبوب علي هامات العابرين وعلي أرضية رخام لساحة مفتوحة علي كل الشوارع المرتبطة بها، نفرت حمامات فوق رأسيهما، وأقبلت بعضها لنقر الحبوب بتؤدة وقفز خفيض أسفل قامتيهما، حمامة بيضاء -فاقع لونها- نفرت وحطت علي كتفها، فتقافزت فرحة سرعان ما فردت جناحيها واختلطت بالحمام، يومها - أمسك بيدها- قائلا:
- هذا أدعي لأن تطعمي الحمام يوميا...عديني بأن تفعلي ذلك دائماً
وصمت قليلا بينما كانت أنامله تغوص في راحة يدها:
- عديني أن تفعلي هذا بنية الحب الذي بيننا..
احتضنت أنامله وفرقت بينها كقصة تكمل تصعيد أحداثها:
- أعدك
وتحشرج صوتها بانكسار:
- وأنت عدني -عندما تسافر إلي موطنك - أن تفعل ذلك.
سحب أنامله من راحة يدها، وأسلم قامته لشارع مكتظ بالسيارات والمارة والباعة وواجهات المتاجر ولم يهرب من عينيها إلا عندما التهمه شارع منزو.
مرت الأيام ولحظات تواصلهما عبر الجوال- كأنها الأعياد بين قلبيهما.. كانت دائما تذكره بقصيدة درويش »لاتنس قوت الحمام» في أول مرة رد علي وصيتها:
- حبيبتي هناك ساحة بالقرب من منزلي سأجعلها مأوي للحمام..
ارتاحت لذلك الرد وعزمت النية علي أن يكون منزلهم مأوي للحمام..
غدا الحمام مظلتها الأمانة فكلما خطف قلبها الخوف.. هرعت إلي الحمام لتطعمه لعل الله يدفع عنها وعن من تحب الأذي..
كان شاقا عليها الخروج والعودة من ساحة الحمام فجعلت من أعلي منزلها مأوي له علها تستكين لهديله فكلما تمنت ألقت أمنيتها علي جناح حمامه فلا يلبث النهار من طي ساعاته حتي تتلقي بشارة سعيدة..
وعندما يأوي كل شيء لنفسه، تشاغل ساعات الليل بذكرياتها وتعبث في راحة يدها بحثا عن أنامل حبيبها التي لطالما ضمت راحتها بدعة وشوق..تنام علي جناح يخفق في بالها أن تري حبيبها في ساحة الحمام.. كانت تسابق الشمس في الوصول إلي العليه تترك الماء وتنثر الحب حولها فيحط الحمام..
أصاب فؤادها الجزع، ها هي لليوم الثالث تسابق الصباح وتنتظر الحمام أن يحط ويلتقط قوته..كانت تري الحمامات يصطففن فوق سُوَر المنزل..ورؤوسهن حائرات تنظر يمنة ويسري فلا تري أي منهن تتقافز لنقم الحب، تسمع هديلهن كاحتفال بصباح يظللهن بالسكينة وقفت طويلا تنتظر انتشارهن لاقتسام قوت الصباح فيما بينهن..
أصغت لهديل كأنه سيمفونية تتناغم مع رفيف الأجنحة المقبلة المدبرة، عظم الحمام في نفسها وكلما تعاظم هجست:
- كيف لهذا الطائر أن يحمل كل هذه التفاصيل الحميمة..
ها هي في صباحها الثالث تشاهد الحمامات يصطففن فوق سترة سطح المنزل ساكنات وأجنحتها توسوس بالتحليق إن حدث أمر مباغت،
استشعرت أن الحمام يهابها علي غير عادة، وكلما جالت خطواتها في السطح تنافرت الحمامات القريبات من خطواتها، حملت كيس الحب وتراجعت للخلف ناثرة الحبوب أمامها حتي توارت خلف النافذة المطلة علي العليه.. وجثمت تراقب الحمام عن كثب وتفتش في صدرها عن طمأنينة بأن الحمام حصَّل علي قوته..
ضربت صفحا عن تفتيش صدرها وتيقنت أن الحمام أذكي من حيلها في الاختباء فحواسه شديدة التيقظ والتربص، فحين استشعر بقربها من المكان لم يهبط ولم يحلق ظلت أجنحته علي أهبة الاستعداد لآستقبال الفضاء برفيفها..تتنقل فوق سور السطح بخفة ورشاقة حاملة خوفا حائرا كحيرتها...
رجعت أدراجها وفِي نفسها شيء من التحدي..كانت تريد أن تعود ألفة الحمام ليطير حولها في سلام ويلتقط حبه وحب قلبها ويطير بشذرات أنفاسها يبلغ حبيبها أنها لم تنس قوت الحمام وفي الوقت نفسه غلبت ظنها أن حبيبها ينثر الحب للحمام في فضاء مواز.
نزلت سلالم الدرج المؤدي الي الدور الأرضي وهي تتشاجر مع نفسها:
- لو يعلم هذا الحمام حاجتي إليه لما وجل مني..ولكن الله وحده يعلم حاجة قلبي.
في اليوم التالي لم تسابق تنفس الصباح بل سابقت عيون الحمام واستفاقت مبكرا جدا..صعدت لعلية منزلهم وأمانيها تحث الخطي بأن الحمام التقم وجبته ليوم أمس وكم كانت حسرتها فاقعة حينما وجدت الحب والماء متروكين علي حالهما لم ينقص منهما شيء.
كان الغبش يتخلي عن رماديته شيئا فشيئا، والشمس الصاعدة إلي مدرجات الشروق تلون الغمام بألوان فائقة امتزجت بالأحمر والبرتقالي مخلفة سواد الليل خلفها استشعرت بثقل الوقت فالحمام لم يظهر بعد، فشاغلت نفسها:
- أكل هذا الوقت يمضي في النوم؟
ولكي تتم فكرتها الداخلية:
- هل ينام الحمام ليحلم؟ وما هي تلك الأحلام؟
رددت سؤالها بصوت تكاد تسمعه أنفاس الصباح:
- من يطير ليس في حاجة لأن يحلم.
ووقفت كفزاعة وسط سطح المنزل وفي ثبات حركتها تمنت لو أنها حمامة لتطير من أنقاض واقعها الخرب.. فصنعت في خيالاتها ما الذي يمكن لها أن تفعله كحمامة مطلقة الجناحين.. وكان أول خاطر انتشت به أن تطير إلي لقاء حبيبها لتشابك أنامل يديه العابثة براحة يدها وأن يسيرا متجاورين كتفاً بكتفاً ينثران الحب للحمام.
تصلب وقفتها أصاب مفاصلها بالفتور فمكنت قدميها من الاستدارة الكاملة حول سطح منزلهم رغبة في إحداث حركة لتبعثر الوقت.. ارتاعت لرؤية حمامة بيضاء فاقع لونها - نافقة أسفل سلم خشبي اعتادوا إسناده للوصول إلي خزان المياه.. حمامة تتطاير ريشها وانبعجت أحشاؤها وانكشفت عظام ساقيها الهشة وتوترت مخالبها الرقيقة وقد تدلي رأسها الصغير كيفما اتفق.. انثنت تتأمل تلك المخلوقة الرقيقة في طيرانها وفي موتها :
- ما الذي أدي لموت هذه الحمامة؟
جاهدت نفسها لمعرفة السبب، وجال خاطرها في المسببات :
- هل من الممكن أنها كانت فريسة لقط أو لأشعة الشمس الحارقة أو لحبيب ابتعد وطوته المسافات؟
تبسمت لآخر سبب طرأ ببالها.. ظلت علي مسافة قريبة بعيدة عن جثة تلك الحمامة وكلما دنا من بالها أن تكون هي المتسببة بموت الحمامة يصيبها التبرم.. كانت تفلي ذاكرتها وتذكرت تعثرها وسقوطها -قبل أربعة أيام - حين كان الحمام يحيط بها ويحط علي مقربة من قدميها ملتقما الحبوب ومتجاورا في مشيته مع خطاها وبينما كانت في حبور لمشهدية هبوطه والتقامه للحب ورفرفته علي مستوي منخفض.. تذكرت أنها تعثرت بوعاء الماء فسقطت علي حمام كان أسفل منها سرعان ما تنافروا باتجاه ذروة السطح إلا واحدة ظلت تحجل قبل اختفائها عن عينيها.. صرخت من غير أن تشعر:
- قاتلني الله إن كنت أنا المتسببة!
تجاسرت واقتربت لحمل تلك الجثة بعيدا وفيما كانت علي تلك الوضعية تنبهت لرفيف أجنحة تتكاثر علي سطح منزلهم وتهدل كأنفاس الصباح، اختلطت مشاعرها بين فرحة وندم وأسرعت لكيس الحب تنثره في كل مكان وتنتظر أن يحط الحمام...
وكلقطة سينمائية ثابتة ظل كل شيء متشبثا بمكانه...كانت توزع عينياها بين الحمام المتربص بحركتها والساكن علي ذروة السطح وبين تلك الحمامة النافقة... ثقل الوقت واستطال علي ذلك المشهد..
سحبت قدميها من تصلبهما وأنثنت لحمل الحمامة النافقة لكي تحمي الجثة من تحللها تحت لهيب الشمس..وما إن حملت الجثة في يدها واستقامت حتي سمعت هديلا غائرا ورأت رفيف أجنحة تخبط الهواء بقوة وحلق سرب الحمام نحو البعيد ولم يعد ثانية.