* الفتى
الشَّرُ بادٍ فى الوجودِ مُجَسَّماً ومُجَسَّدَا
ما بيْن مُنْحَدَرٍ وسَهْلٍ لا أرى إلَّا الرَّدَى
غُرِسَت بنَا أنْيَابَهُ
وأنينُنَا هَذَا الصَّدَى
والحبُّ يَنْسِجُ بُرْدَهُ
كَىْ مَا يُطِلُّ علَى المَدَى
والنَّهْرُ إن حَمَلَ الهَوَى
وَجَدَ الشُّطُوطَ الجلْمَدَا
إلاَّ فتًى رثُّ الثِّيَابِ لِبُؤْسِهِ مَدَّ اليَدَا
يخْتَالُ لا يَدْرِى الطَّريقَ مُشَرَّداً ومُعَرْبِدًا
وتَأَلَّقَت فِى عَيْنِهِ
قُبُلاتُ زَهْرٍ للنَدَى
*** سراب
الحبُّ يا قلبى سَرابٌ والحَبِيبُ هُوَ الخِدَاعْ
والمَوْتُ يا قَلْبِى خُلُودٌ شَفَّهُ السِّرُ المُشَاعْ
والنَّارُ تَأْكُلُ فِى العُرُوقِ وقَدْ هَوَى النَّبْضُ المُرَاعْ
والنُّورُ رِيحٌ فى لحُودٍ والدُّجَى أَدْمَى الشُّعَاعْ
مَا اسْطَعْتُ أَنْ أَحْيَا اللَّيَالِى والهَوَى والمُسْتَطَاعْ
قَدْ عِشْتُ فِى وَطَنٍ جَحُودٍ ، كلُّ شئٍ قَدْ يُبَاعْ
*** ولست أبالى
أُحَاسِبُ نَفْسِى عَلَى كُلِّ شَئٍ
كَأَنِّىَ أَحْمِلُ ذَنْبَ البَشَرْ
أَخَافُ الدُّرُوبَ أَخَافُ الوُصُولَ
أَخَافُ الحَيَاةَ أَخَافُ القَدَرْ
فَيُزْهِرُ لَيْلِى حَرِيقاً بِنَفْسِى
ويُجْدِبُ عُمْرِى كَلَمْحِ البَصَرْ
وأَخْشَى العِقَابَ عَلَى أَىِّ شَئٍ
يُخَالِفُ ربِّى بِشَتَى الصُّوَرْ
وَحِيدٌ وَمِثْلِى بإِحْسَاسِهِ
يَعِيشُ الحَيَاةَ بِعُمْقِ الشُّعُورْ
أَعِيشُ الحَيَاةَ بِلَذَّاتِهَا
عَلَى الرَّغْمِ مِنِّى وأَخْشَى المَصِيرْ
فَلا الشَّمْسُ تُرْسِلُ ضَوْءً هُنَا
ولا الزَّهْرُ يُرْسِلُ حَتَّى العَبِيرْ
فَمَالِى كأَنِّى أُرِيدُ الخُلُودَ
وأُفْنِى الشَّبَابَ بِكَأْسٍ يَدُورْ
وأَشْرَبُ مِنْهَا نَجِيعَ اللَّيَالِى
ومَا فِى الضِّيَاءِ ومَا فِى الظِّلالِ
وسُماًّ زُعَافاً بِأَذْكَى رَحِيقٍ
يُصَبُّ بِأَنْفِى بِعُمْقِ الخَيَالِ
فَيَسْكَرُ قَلْبِى بِمَا فِى الحَيَاةِ
ويَسْبَحُ حِيناً بِبَحْرِ الضَّلالِ
وتَخْبُو بِعَيْنِى شُطُوطُ النَّجَاةِ
ويَخْدَعُ ظَنِّى جَمَالُ الجَمَالِ
ولَسْتُ أُبَالِى إِذَا مَا سُقِيتُ
بِكَاسِ هَوَاكَ المُعِزُّ المهينْ
ولَسْتُ أُبَالِى إِذَا مَا انتَشَيْتُ
بِكَاسِ رِضَاكَ لِقَلْبِى الحَزِينْ
ولَسْتُ أُبَالِى إِذَا مَا فُؤَادِى
حَوَاهُ الضِّيَاءُ ونُورُ اليَقِينْ
أُحِبُّكَ أَنْتَ وكُلُّ الوَرَى
إِذَا مَا غَفَرْتَ رَمَادٌ وطِينْ
*** الحلم
الحلم أزهى ما نرى أما الحقيقة ظلنا
لا بد أن يأتى الصباح ويستضيئ بظلنا
فالعمر يجرى لاهثا .. لن يستطيع وقفنا
لو اللقاء الحلو يأتى سوف أحيا ألف عام
هذا المساء روايه أم قصة تحكى الغرام
أنا لا أخاف من المساء ولا أخاف من الظلام
فتعال يا حلو المنى
كى ما نبارك حبنا
بقبلة لهفى تذوب وتنتشى من سكرنا
أو ضمة حيرى على صدر يذَوِّب شوقنا
وتعال نشهد فرحنا
ونذوب حتما فى الأثير
ونغادر الدنيا الكئيبة مثلما يفنى الشعور
وتعال يا شهد الجنى
كى ما يُغَيَّبنا السنى
إن السعادة فى الحياة هناك حتما لا هنا
*** ماذا نغنى
ماذا نُغَنِى أيُّها الشعراءُ
والقدس تبكى والوجود شقاءُ
حكامكم خَانُوا الأمانةَ واللوا
ءَ وشعبكم أودى به الأعداءُ
ياقدس تاه العدلُ فى أوطاننا
فبكلِّ قطرٍ نكبةٌ خرساءُ
طال انتظار الموتِ فى هذى الدنى
أين الردى ؟ ما للمريض شفاءُ
إلا إذا سقطَ القنَاعُ عن الدجَى
واستبشرت بسقُوطه البسطاءُ
رسَى على المحْرَابِ قلبى ساخطاً
قد نالهُ الإعياءُ والبرحاءُ
وتجولت عيناى بين أرائكٍ
مشدوهةٍ قد شفَّها استجداء
ترنو إلى كئيبةً ملتاعةً
فكأنما روحٌ بها ودماءُ
تبكى على الوطن الجريح المستبا
ح وخلفها الصخرةُ الملساءُ
أبنى العروبة فكروا لا تنكروا
أن القوى يعيشُ كيف يشاءُ
حتى إذا بلغ الذرى سجدت له
بنسورها والناس والأرجاء
كم سجل التاريخ أنا فى الوغى
أُسْدٌ تُهاب وما لنا قرناء
*** أعز مكان
أعز مكان فى الدُّنَا مكتبُ الرَّدى
وخير جليس فى الزمان رئيسُ
لمصلحة الحكامِ يُغْتالُ حلمنا
لكى يستبدوا بالورى ويسوسوا
وحق إلاهى إن صَرختُ بحيكم
ألن يستدير الحارس الأبنوس ؟
ليصفعنى وسط الظلام لأننى
أقول له إن الملوك مجوسُ
فكم مخبر خلف الشبابيك منصت
ويا أسفى فالمخبرون تيوس
إذا قلت أننى ها هنا ـ متحذلقا ـ
لَغَلَّ يَرَاعِى منجل وتروسُ
ألا ليت كفَّ المَوْتِ تغتالُ ما أرى
وتَخْمِدُ فِى أنْفَاسِهمْ .. وتدوسُ
فمعذرة يا مصر لست أنا الذى
يخون الثرى .. بل مجرم وخسيس
فهذا تبيع لليهود وخيله
بساح الوغى ترتد ثم تحيس
وذاك دعى المجد فيه جهالة
وأبصرت الأمجاد فيه نفوس
بلادى بلاد المجد أيكة يعرب
ألم بنا خطب ونحن جلوس
وأنظمة الحكام وارفة الصدى
كلام كلام تحتسيه كؤوس
ولاح الرضا من بعد مؤتمر الهوى
على كل وجه والخنوع أنيس
*** الفجر
لا يبزغ الفجر إلا حين تكتحلى
يا مصر يا ألقا فى مهمه الدول
أرى الضياء سينضو ليل غربتنا
ببسمة منك تهدى النور للمقلِ
طال الوقوف وخيل الحق رافعة
سيفَ الجهاد بليلٍ بالغِ الطِوَلِ
هل يمتطى الضوء إلا من يسابقه
ويسبق القول بالأفعال والعمل ؟
لا يسكب الحب من ماتت ضمائرهم
ولا يراقص نجماً نازفُ الأجل
صُفَّت كتائب جند الله حارسة
أرض العروبة من أعدائها الأوَل
تفجَّر الأفق فازدانت معالِمه
بروح بدر وقد حلَّتْه بالحلل
أوائل الشهداء فى مواكبه
وشعلة الحق تمحو بيْدر الملل
وأخرون ورح الله تدفعهم
للحرب عطشى فكان المت كالزجلِ
والجيش يزحف فوق الترب فى لهفٍ
فاندك فى لحظة بارليف بالجبلِ
أُسْدٌ غضاب وروح الموت دائرة
تطوى الجراح بقلب الزاحف البطل
*** السندباد
وسندبادنا يعود فى المساء
يكون شاحبا مهلهل الجسد
وجدانه يحْكى حكاية الشقاء
وصخرة بلهاء ضمها الزبد
على الشراعِ هالة من الصفاء
وفى العيون بسمة من الأبد
يموت من هوى
من حالق الضياع
وليس فى الهوى
أشلاء من شرد
يعيش فى كمد
من عاش فى حسد
مستقبل السِّهام يرصدُ القدر
كالنجم فى العلا ينام فى المطر
حوى الضياء رسمه ثمَّ انفجر
فبدد العمر وألهب الفكر
وشهرزادُ فى ردائها قمر
تقول يا مولاى أنت .. لا البشر
*** الغيم والليل
الغيم والليل والأقدار لاهية
فى لهوها الآن لم تحفل بألوانى
والطير والنسم والأزهار صامتة
ونادم البؤس فى الآفاق حرمانى
أصبحت فى وحدتى لا دمع أرشفه
غلَّت يد الحزن دمع الساهر العانى
لكنما خاطرى والحب يملؤه
كالروح سابحة فى العالم الثانى
ولى بها من أزاهير المنى أرب
يا ليتها فى المدى تكفى لأشجانى
من عمق عفتها أو زهر بهجتها
حتى يرى خافقى زهرا ببستانى
*** رثاء
ما جال فى خاطرى أنى سأرثيه
زهر القوافى لعمرى الآن يبكيه
ما كان يحسب أن الموت يخطفه
فأرسل الدمع من أغوار ماضيه
والموت كأس بلا شك نجرعه
هل يملك الخلد من غامت أمانيه ؟
أين العظام وأين الروح إذ تسرى
مد الظلام جناحا من خوابيه
أين الضياء الذى كم بات ينشره
يد الردى القاسى شَلّت أياديه
لا تترك الدرب إنى صرت أجهله
هل بعدك الآن من يكشف دياجيه
*** طير المساء
هذا الفضاء دموعه الشفق
والنفس كالأصداء تختنق
ومن تمنى فى جوانحه
يُردى الأمانى والمنى الرهقُ
فالغيم ملء يدين يسكبه
روح الصبا المرنان والأرقُ
سدلت عيون الليل أجنحة
بها طيور الحزن تنطلق
فى غور أبصار بها شَرَقٌ
أودى بها الإبصار والشرقُ
طير المساء مرنح ثمل
كل المدى اشتعلت به الحُرَقُ
لم يترك الأوهاد مرتفعاً
إلا استبد به الهوى الفَرِقٌ
*** أزهار الوهم
لا توقظى جرحى
فالجرح قد ناما
ضاع الهوى منى
والحب قد غاما
قد كان لى حلما
يا ليته داما
دنياك والذكرى
منابع تهمى
ألوانها حيرى
تقتات من وهمى
والوهم أزهار
تنثال فى حلمى
لا شئ أبغيه
والنار بى تسرى
أشعلتنى حبا
حتى انطفى فجرى
من قبل أن ألقى
نجم الهوى الدُرِّى
أمشى على دربى
يا زهرة الحب
أمشى كمرتاب
بساعد الغيب
خطوى به قيد
رحماك يا ربى
النور يا ليلى
قد عانق الظلمهْ
واللحن فى عودى
يذوى كما الغيمهْ
يا رب لا تبقى
ظلا ولا نسمهْ
مل الهوى دمعى
والدمع كالشوك
أٌصغى بلا سمعٍ
وهو الذى يحكى
ما ضاع لن يرجع
فالحب كالسرك
أنا الذى ضعتُ
فى عالم وثنى
يرتد ما قلتُ
سوطا على بدنى
ما زلت مسجونا
بحائط الزمن
النار إن تهجع
يجتاحها الموتُ
ينهدُّ ما أصنعْ
أبيتُ أم شئْتُ
والشمس ساطعةٌ
إنى إذن حرْتُ
إن قلت لا أحيا
فالصدق من شيَمى
ما كنت كذابا
صدَّاحة السُدُمِِ
غنى إذن غنى
يا واحة الحلم
إن توقظى جرحى
سترين أشلائى
ضاع الهوى منى
أطفأتِ أضوائى
قد كان لى حلما
يطفو بأرجائى
*** إنتحار
هذى الرسائل كالصدى لا تبعث النغما
أنا ملء كفى زهرة تسقى الأنين دما
وتغوص فى عمق النفوس فيزهر العدما
والشمس طالعة اللهيب لتبعث السقما
لا تملك الروح المدى بل تملك الندما
ردى على رسائلى هى بعض أنات الدماءِ
لن تعرفى الحب الذى قد صب عينى فى السماءِ
ما أنت إلا قالب طين ومعجون بماءِ
أو بعض حبات الرمال على شطوط من وفائى
واليوم تنهمر السيول فلا رمال فى رجائى
يا هاته الأطيار غنى وارو عنى لحن حبى
ما شئت حزنا غردى زمن الصعاب وعاه قلبى
هذى البراعم سرها كالضوء فى العينين يسبى
سكنت على قمم الهوى فأظلها تغريد سرب
وحكت جنون غرامها فأزالها السيل الملبى
وهناك يجلس راهبٌ أفنى الدجى بشبابه
شرب الندى من حزنه وهوى بقاع حبابه
وغفا على لحن الهوى نشوان ماد بحبه
حتى إذا حل الصباح تجده دون صوابه
صار الضياء جراحه وأذله بكتابه
قد كان يعشق كوكبا إما غدا أو راحا
وعلى ضفاف غرامه غمر المدى أرواحا
صدئت أمانى عمره وتعربدت أشباحا
قد كان ينظر مولدا وإذا الدجى قد لاحا
وطوى الضبابُ خيالَه فى رقصة الموجِ
والصخر يلعق بالذرى لهباً على ثلج
ما شفَّ طائرهُ الصدِى كأميرة الزنج
ما مات من رهبٍ ولا نصْلِ الهوى اللج
*** بؤس المحب
شفه الوجد والوجود القاسى
يا لبؤس المحبِّ حين يقاسى
وشكى لى بعبرة وبأَنات جوىً
صَبَّ الليلُ منْها بكاسى
نغَماً هاجَ بالهَوى احتراقاً
يُشْعلُ الوجدَ فى قلوبِ الناس
وكأنَّ النحيبَ فيه لَهيبٌ
وضِرامٌ أُُشْرِبْتُه بحواسى
شَفَّنى صوْته فرُحْتُ بدمعى
أسكب الحزن من رُبَا إحساسى
وأنادى يا ساكن الأيك قد ذ
كَّرْتَنى بالجرحِ المُدَمَّى القاسى
فكلانا متيمان بحب بات كا
لجرح فى دُجًى وأماسى
غير أن الحب الَّذى شفنى لا
يرتَوى إلا من دمى وأساسى
آه من أشواقى .. من صوتكَ المرْ
نانِ ياحلماً طاف تحت الراس
*** الحزن والميلاد
الحزن يا حبيبتى قد جال فى المدينهْ
فأغرق المدينهْ
وحدى هنا
بليلتى الحزينهْ
ألوكها
تلوكنى
ونغفى
ونشعل النيرانَ فى دوامةِ الرياحِ والسكينهْ
الليلة جاءت أحزانى
وجراحاً فتكت بالروح
كالموت يصارع اكفانى
كالوهم الناتئ بجروحى
وأمامى سفر الميلاد
فيه ترانيم الإنشاد
تبكى لكيانى وجموحى
يا لحظة صدق تجمعنا
لا تجرح ضوء المصباح
ماضٍ ويلازم حجرتنا
ويطول مع النجم الصاحى
لا يملك إلا أنغاماً
تسكر من أمل وضاح
وتمر بعمرى أيامٌ
تحمل أفراح الأشباح
قد سال الحزن فأرقنى
وأجتاح الليل وروَّعه
دق الباب فافزعنى
وفتحت لعلِّى أدفعه
فوجدت العمر ومصرعه
كسراب أرشفه فيلذعنى
وأسافر فى درب الحزن
تقهرنى أمواج الشجن
يدفعنى وهمى يدفعنى
لتخطى أسوار الزمن
لأعانق روحا للوطن
هامت كضباب بالكون
فلعلِّى نحو الإشراق
ألتف مع النور عناق
وأمامى سفر الميلاد
يبكى لكيانى وجموحى
كالوهم الناتئ بحروحى
ما أحزن قلبى وجروحى
الليلة ثارت بكيانى
ذكرى النور الإنسانى
فقضيت الليل بأشجانى
أبكى وأرتل قرآنى
والليل يفجر أحزانى
حزنا فيضعضع أركانى
والليلة الكئيبة
كآبة الأشعار فى عروقنا الغريبة
كالعنكبوت تنسجْ
بيوتها
تصيد من أرواحنا بقايا
كلَّ فرحة أو بسمة قريبة
فمن زمان ليلتى
مذلتى
على رصيف مدينتى
وأنت يا حبيبتى
لا تستريحى ولا تبوحى
*** جزر العنبر
اقتربى
اقتربى أكثر
يا أشهى من ماء الكوثر
اقتربى
اقتربى منى
كى يذهب عطشك أو حزنى
فالطفل بحزنى لا يكبر
اقتربى ودعيه يراك
كالورد بغير الأشواك
فالجسم .. رخام .. أو سكر
فسأدخل فيك بأحزانى
وسأطفئ يوما نيرانى
فلماذا الحزن بإنسانى
كالطير الصخَّاب المضجر
اقتربى
كشعاع خيال كالشهب
ما أروع أضواء الشهب
تسرى فى قلب متخدر
من يوم اللقيا لا أذكر
إلا الأشواق
قدم تشتاق وتتعثر
نحوالإشراق
احتارت نفسى وتحير
قلب خفاق
مرى بيديك على صدرى
فى الصدر خريف قد يزهر
قد تنمو زهور بالأحداق
عيناى يجافيها نوم
والحزن بعينى قد أبحر
يا عمق البحر ويا أجلى
يا موجا يسحبنى للأعمق
فى لحظة عشق ضمينى
لم أدر بأنى قد أعشق
إنى أشتاق ويشقينى
نغما من ماض يتكرر
فاقتربى يا جزر العنبر
اقتربى
اقتربى أكثر
*** العاشق
عين الأشياء تلاحقنى عين الأشياء
مقهور فى جوف الأرض ومصلوب فى ضوء سماء
لا أعرف ما سر وجودى لا أعرف مكنون الأسماء
لا أعرف إلا أياما فى عمر يُقذف فى الصحراء
وسرابا عاش يغازلنى فى الحدق الساكن فوق الماء
والأرض دماء
والأفق دماء
منبوذا عشت على ذكرى وكأنى لست من الأحياء
انهار بصدرى ألف جدار
واللحظة تلو اللحظة تزحف ألف نهار ألف نهار
خطواتى إن تجرى .. خلفى .. لو أسبح ضد التيار
النهر الغارق يجمعنا يتدفق فى حزن الأشعار
يتدفق فى دمنا يحى ما بين الموجة والأحجار
لو كان الفرح بأيدينا
لاشتعل الضوء وغنى البرق مع الأقمار
فأنا المشنوق بليلى وأنا المخنوق نهار
وسواء عشنا .. لا نعرف سر القضبان
إنى المسجون بأيامى
من أنت ؟
أنت السجن .. أم السجان ؟
هل أرحلُ فى دنيا عدم يأخذنى صمت الأسحار
كسجينٍ فى بحر ضياع مغمور فى ألف قرار
كالوجهِ الضائع أعرفنى فى الجسم أعانى .. أحتار
محفورٌ فى صفحة يم عمرى الضائع فى الأشعار
أشتاق لحلم يجمعنا ويكون نهاية مشوار
*** استجداء
الليل تخنقه العواطف
هاج فى الصدر الملال
وعلى الجفُونِ براعمٌ
لم ترو أعواماً طوالْ
والشمسُ فى عليائِها زيفٌ ووهمٌ أو ضلالْ
ولقد كتبت قصائدى
وحروفها ..
كانتْ حياتى فى السهولِ وفى التلالْ
كانت إليك وفكْرتِى كانت رحالْ
لو تنظرى الحبَّ الندى دنا التلاقى فى المحالْ
فهجير منْ
بالقلبِ يغمرنى بليل فيه أنفاسُ الجبالْ
يا ويلَ قلبى هل تَرى شمسُ الهوى
جدبَ الظلالْ
أصبحْتُ لا أهفو لشئ
والخيالُ هو الخيالْ
هل للمحبِ المنتهِى من فيض عطف أو نوال
فالحب فى صحرائه
أثراً وجرحاً فى الثرَى سحقته عاصفة الرمال
مالِى حبيبٌ أنت وحْدَك لى حبيبْ
تخبُو حياتِى
يا حبيبى فى الشروقِ وفى الغرُوبْ
كم عابدٍ قبلى أنا
يرجوك عطفاً لا ينالْ
كم حدثتنى ليْلتى
عَزَّ الحديثُ فما يقالْ
هل ذاك حب وانقضى
كان الجواب هو السؤالْ
ولقد صحوت وما أرى
إلا الدياجى والضلالْ
إن لم تهبنى قاتلى
لحظاتك الغرِّ القلالْ
تخبو نجيْماتُ السما
تخبو حياتى والدوالْ
*** ترحيب
أهلا بكم فى حينا
والله قد شرفتمونا
أهلا بكم فلأجلكم
زف الصباح لنا الفنونا
فاليوم هلت بسمة
أحنى النسيم لها الجبينا
والظرف جاء إلى هنا
فأظلنا وسبى العيونا
وسقى النفوس بسحره
وجماله حتى رُوينا
الله ما هذا اللقاء الغر بين الأقربينا
بنو الأيامى والندامى والكؤوس .. الشاربينا
خمر الأصيل على النخيـ
ـل مع الطيور مغردينا
أنفاسكم قد عطرت
أجواءنا حينا فحينا
فكأنكم بستان ورد
والشذى فيكم وفينا
يا هذه الأطيار غنـ
ـنى واسجعى شتى اللحونا
صبى بكأسى فرحة
فالحب فن يحتوينا
أو رفرفى بين الجوا
نح والمحبة قد تبينا
إنا زرعناها منى
فحصادنا دنيا .. ودينا
فهنا الرفاق تجمعوا
كالمد يحتضن السفينا
وبحفلنا غنى الهوى
كل الأناس بنى أبينا
فضيوفنا قد شرفونا
وهموا الكرام المكرمينا
أنتم ينابيع العلو
م وعطركم يكفينا
*** أمى
يا أعذب ضوء بسمائى
يا أجمل لحن وضاء
يا قمرا أخضر والدنيا
تهتز على فرع نماء
يا نبع الحب وفى زمنى
ماتت أطيارى ورجائى
لولاك لعشت على طلٍ
أتخبط فى جهل غبائى
الله حواك برحمته
وأجلك فوق العلياء
والجنة موضع قدميك
لتتفجر ينبوع ضياء
يا أمى لو ألف قصيد
ما وفّت حقك يا أمى
فكريم خصالك أعيانى
أن أكتب شعرا فى الكرم
هل أروى حبك فى مرضى
أم فرحك حين خطت قدمى
وجناحك حين يظللنى
لأقارب آفاق النُجُم
وأنام وجسدك لى حصنا
كى لا أتلوى فى حلمى
كم باتت عينك ساهرة
تُضْفى الأنوار على الظلَم
فضلك يا أمى لا يُجحد
فبفضلك كانت أنفاسى
مذ كنت جنينا فى الأحشا
ء أُصاغُ حبابا فى كاسى
وأعذب بدنك يا أمى
كالداء العربيد القاسى
وخرجت إلى الدنيا طفلا
مشدود القامة والراس
ويداك تداعبنى تحملنى
وتُغيِّر مبلول لباسى
لن أنس حنانك يا أمى
فحنانك أصبح نبراسى
عيدك يا أجمل أعيادى
قد أيقظ غرِّيد الوادى
يا ليت جناحى يحملنى
لأصلى على طه الهادى
فرضاك رضاه ومطلبه
ووفائى يا كل مرادى
لن أشق وروحك تتبعنى
وحياتك أنفاس بلادى
أقسمت بأنى سأوفى
وسأكسر قيدا لعنادى
بعضا من أفضالك علِّى
أغفو وأرتل أورادى
فلكم عاندتك يا أمى
ولجهلى زادت ثوراتنى
غرٌّ يجهل ما يعنيه
عقوق الأم من الهلكات
لكنى الآن وذا قلبى
يستشرف أغوار الآتى
ستكون حياتك نبراسى
ويضئ نشيدك كلماتى
يا رب امنحها جناتك
وامنحها عمرى وحياتى
منك وإليك ويا أمى
وسلاما لك وتحياتى
1985 ـ 1986
صلاح عبد العزيز
الزقازيق
الفهرست
1) الفتى
2) سراب
3) ولست أبالى
4) الحلم
5) ماذا نغنى
6) أعز مكان
7) الفجر
8) السندباد
9) الغيم والليل
10) رثاء
11) طير المساء
12) أزهار الوهم
13) إنتحار
14) بؤس المحب
15) الحزن والميلاد
16) جزر العنبر
17) العاشق
18) استجداء
19) ترحيب
20) أمى
- من شعر البدايات
الشَّرُ بادٍ فى الوجودِ مُجَسَّماً ومُجَسَّدَا
ما بيْن مُنْحَدَرٍ وسَهْلٍ لا أرى إلَّا الرَّدَى
غُرِسَت بنَا أنْيَابَهُ
وأنينُنَا هَذَا الصَّدَى
والحبُّ يَنْسِجُ بُرْدَهُ
كَىْ مَا يُطِلُّ علَى المَدَى
والنَّهْرُ إن حَمَلَ الهَوَى
وَجَدَ الشُّطُوطَ الجلْمَدَا
إلاَّ فتًى رثُّ الثِّيَابِ لِبُؤْسِهِ مَدَّ اليَدَا
يخْتَالُ لا يَدْرِى الطَّريقَ مُشَرَّداً ومُعَرْبِدًا
وتَأَلَّقَت فِى عَيْنِهِ
قُبُلاتُ زَهْرٍ للنَدَى
*** سراب
الحبُّ يا قلبى سَرابٌ والحَبِيبُ هُوَ الخِدَاعْ
والمَوْتُ يا قَلْبِى خُلُودٌ شَفَّهُ السِّرُ المُشَاعْ
والنَّارُ تَأْكُلُ فِى العُرُوقِ وقَدْ هَوَى النَّبْضُ المُرَاعْ
والنُّورُ رِيحٌ فى لحُودٍ والدُّجَى أَدْمَى الشُّعَاعْ
مَا اسْطَعْتُ أَنْ أَحْيَا اللَّيَالِى والهَوَى والمُسْتَطَاعْ
قَدْ عِشْتُ فِى وَطَنٍ جَحُودٍ ، كلُّ شئٍ قَدْ يُبَاعْ
*** ولست أبالى
أُحَاسِبُ نَفْسِى عَلَى كُلِّ شَئٍ
كَأَنِّىَ أَحْمِلُ ذَنْبَ البَشَرْ
أَخَافُ الدُّرُوبَ أَخَافُ الوُصُولَ
أَخَافُ الحَيَاةَ أَخَافُ القَدَرْ
فَيُزْهِرُ لَيْلِى حَرِيقاً بِنَفْسِى
ويُجْدِبُ عُمْرِى كَلَمْحِ البَصَرْ
وأَخْشَى العِقَابَ عَلَى أَىِّ شَئٍ
يُخَالِفُ ربِّى بِشَتَى الصُّوَرْ
وَحِيدٌ وَمِثْلِى بإِحْسَاسِهِ
يَعِيشُ الحَيَاةَ بِعُمْقِ الشُّعُورْ
أَعِيشُ الحَيَاةَ بِلَذَّاتِهَا
عَلَى الرَّغْمِ مِنِّى وأَخْشَى المَصِيرْ
فَلا الشَّمْسُ تُرْسِلُ ضَوْءً هُنَا
ولا الزَّهْرُ يُرْسِلُ حَتَّى العَبِيرْ
فَمَالِى كأَنِّى أُرِيدُ الخُلُودَ
وأُفْنِى الشَّبَابَ بِكَأْسٍ يَدُورْ
وأَشْرَبُ مِنْهَا نَجِيعَ اللَّيَالِى
ومَا فِى الضِّيَاءِ ومَا فِى الظِّلالِ
وسُماًّ زُعَافاً بِأَذْكَى رَحِيقٍ
يُصَبُّ بِأَنْفِى بِعُمْقِ الخَيَالِ
فَيَسْكَرُ قَلْبِى بِمَا فِى الحَيَاةِ
ويَسْبَحُ حِيناً بِبَحْرِ الضَّلالِ
وتَخْبُو بِعَيْنِى شُطُوطُ النَّجَاةِ
ويَخْدَعُ ظَنِّى جَمَالُ الجَمَالِ
ولَسْتُ أُبَالِى إِذَا مَا سُقِيتُ
بِكَاسِ هَوَاكَ المُعِزُّ المهينْ
ولَسْتُ أُبَالِى إِذَا مَا انتَشَيْتُ
بِكَاسِ رِضَاكَ لِقَلْبِى الحَزِينْ
ولَسْتُ أُبَالِى إِذَا مَا فُؤَادِى
حَوَاهُ الضِّيَاءُ ونُورُ اليَقِينْ
أُحِبُّكَ أَنْتَ وكُلُّ الوَرَى
إِذَا مَا غَفَرْتَ رَمَادٌ وطِينْ
*** الحلم
الحلم أزهى ما نرى أما الحقيقة ظلنا
لا بد أن يأتى الصباح ويستضيئ بظلنا
فالعمر يجرى لاهثا .. لن يستطيع وقفنا
لو اللقاء الحلو يأتى سوف أحيا ألف عام
هذا المساء روايه أم قصة تحكى الغرام
أنا لا أخاف من المساء ولا أخاف من الظلام
فتعال يا حلو المنى
كى ما نبارك حبنا
بقبلة لهفى تذوب وتنتشى من سكرنا
أو ضمة حيرى على صدر يذَوِّب شوقنا
وتعال نشهد فرحنا
ونذوب حتما فى الأثير
ونغادر الدنيا الكئيبة مثلما يفنى الشعور
وتعال يا شهد الجنى
كى ما يُغَيَّبنا السنى
إن السعادة فى الحياة هناك حتما لا هنا
*** ماذا نغنى
ماذا نُغَنِى أيُّها الشعراءُ
والقدس تبكى والوجود شقاءُ
حكامكم خَانُوا الأمانةَ واللوا
ءَ وشعبكم أودى به الأعداءُ
ياقدس تاه العدلُ فى أوطاننا
فبكلِّ قطرٍ نكبةٌ خرساءُ
طال انتظار الموتِ فى هذى الدنى
أين الردى ؟ ما للمريض شفاءُ
إلا إذا سقطَ القنَاعُ عن الدجَى
واستبشرت بسقُوطه البسطاءُ
رسَى على المحْرَابِ قلبى ساخطاً
قد نالهُ الإعياءُ والبرحاءُ
وتجولت عيناى بين أرائكٍ
مشدوهةٍ قد شفَّها استجداء
ترنو إلى كئيبةً ملتاعةً
فكأنما روحٌ بها ودماءُ
تبكى على الوطن الجريح المستبا
ح وخلفها الصخرةُ الملساءُ
أبنى العروبة فكروا لا تنكروا
أن القوى يعيشُ كيف يشاءُ
حتى إذا بلغ الذرى سجدت له
بنسورها والناس والأرجاء
كم سجل التاريخ أنا فى الوغى
أُسْدٌ تُهاب وما لنا قرناء
*** أعز مكان
أعز مكان فى الدُّنَا مكتبُ الرَّدى
وخير جليس فى الزمان رئيسُ
لمصلحة الحكامِ يُغْتالُ حلمنا
لكى يستبدوا بالورى ويسوسوا
وحق إلاهى إن صَرختُ بحيكم
ألن يستدير الحارس الأبنوس ؟
ليصفعنى وسط الظلام لأننى
أقول له إن الملوك مجوسُ
فكم مخبر خلف الشبابيك منصت
ويا أسفى فالمخبرون تيوس
إذا قلت أننى ها هنا ـ متحذلقا ـ
لَغَلَّ يَرَاعِى منجل وتروسُ
ألا ليت كفَّ المَوْتِ تغتالُ ما أرى
وتَخْمِدُ فِى أنْفَاسِهمْ .. وتدوسُ
فمعذرة يا مصر لست أنا الذى
يخون الثرى .. بل مجرم وخسيس
فهذا تبيع لليهود وخيله
بساح الوغى ترتد ثم تحيس
وذاك دعى المجد فيه جهالة
وأبصرت الأمجاد فيه نفوس
بلادى بلاد المجد أيكة يعرب
ألم بنا خطب ونحن جلوس
وأنظمة الحكام وارفة الصدى
كلام كلام تحتسيه كؤوس
ولاح الرضا من بعد مؤتمر الهوى
على كل وجه والخنوع أنيس
*** الفجر
لا يبزغ الفجر إلا حين تكتحلى
يا مصر يا ألقا فى مهمه الدول
أرى الضياء سينضو ليل غربتنا
ببسمة منك تهدى النور للمقلِ
طال الوقوف وخيل الحق رافعة
سيفَ الجهاد بليلٍ بالغِ الطِوَلِ
هل يمتطى الضوء إلا من يسابقه
ويسبق القول بالأفعال والعمل ؟
لا يسكب الحب من ماتت ضمائرهم
ولا يراقص نجماً نازفُ الأجل
صُفَّت كتائب جند الله حارسة
أرض العروبة من أعدائها الأوَل
تفجَّر الأفق فازدانت معالِمه
بروح بدر وقد حلَّتْه بالحلل
أوائل الشهداء فى مواكبه
وشعلة الحق تمحو بيْدر الملل
وأخرون ورح الله تدفعهم
للحرب عطشى فكان المت كالزجلِ
والجيش يزحف فوق الترب فى لهفٍ
فاندك فى لحظة بارليف بالجبلِ
أُسْدٌ غضاب وروح الموت دائرة
تطوى الجراح بقلب الزاحف البطل
*** السندباد
وسندبادنا يعود فى المساء
يكون شاحبا مهلهل الجسد
وجدانه يحْكى حكاية الشقاء
وصخرة بلهاء ضمها الزبد
على الشراعِ هالة من الصفاء
وفى العيون بسمة من الأبد
يموت من هوى
من حالق الضياع
وليس فى الهوى
أشلاء من شرد
يعيش فى كمد
من عاش فى حسد
مستقبل السِّهام يرصدُ القدر
كالنجم فى العلا ينام فى المطر
حوى الضياء رسمه ثمَّ انفجر
فبدد العمر وألهب الفكر
وشهرزادُ فى ردائها قمر
تقول يا مولاى أنت .. لا البشر
*** الغيم والليل
الغيم والليل والأقدار لاهية
فى لهوها الآن لم تحفل بألوانى
والطير والنسم والأزهار صامتة
ونادم البؤس فى الآفاق حرمانى
أصبحت فى وحدتى لا دمع أرشفه
غلَّت يد الحزن دمع الساهر العانى
لكنما خاطرى والحب يملؤه
كالروح سابحة فى العالم الثانى
ولى بها من أزاهير المنى أرب
يا ليتها فى المدى تكفى لأشجانى
من عمق عفتها أو زهر بهجتها
حتى يرى خافقى زهرا ببستانى
*** رثاء
ما جال فى خاطرى أنى سأرثيه
زهر القوافى لعمرى الآن يبكيه
ما كان يحسب أن الموت يخطفه
فأرسل الدمع من أغوار ماضيه
والموت كأس بلا شك نجرعه
هل يملك الخلد من غامت أمانيه ؟
أين العظام وأين الروح إذ تسرى
مد الظلام جناحا من خوابيه
أين الضياء الذى كم بات ينشره
يد الردى القاسى شَلّت أياديه
لا تترك الدرب إنى صرت أجهله
هل بعدك الآن من يكشف دياجيه
*** طير المساء
هذا الفضاء دموعه الشفق
والنفس كالأصداء تختنق
ومن تمنى فى جوانحه
يُردى الأمانى والمنى الرهقُ
فالغيم ملء يدين يسكبه
روح الصبا المرنان والأرقُ
سدلت عيون الليل أجنحة
بها طيور الحزن تنطلق
فى غور أبصار بها شَرَقٌ
أودى بها الإبصار والشرقُ
طير المساء مرنح ثمل
كل المدى اشتعلت به الحُرَقُ
لم يترك الأوهاد مرتفعاً
إلا استبد به الهوى الفَرِقٌ
*** أزهار الوهم
لا توقظى جرحى
فالجرح قد ناما
ضاع الهوى منى
والحب قد غاما
قد كان لى حلما
يا ليته داما
دنياك والذكرى
منابع تهمى
ألوانها حيرى
تقتات من وهمى
والوهم أزهار
تنثال فى حلمى
لا شئ أبغيه
والنار بى تسرى
أشعلتنى حبا
حتى انطفى فجرى
من قبل أن ألقى
نجم الهوى الدُرِّى
أمشى على دربى
يا زهرة الحب
أمشى كمرتاب
بساعد الغيب
خطوى به قيد
رحماك يا ربى
النور يا ليلى
قد عانق الظلمهْ
واللحن فى عودى
يذوى كما الغيمهْ
يا رب لا تبقى
ظلا ولا نسمهْ
مل الهوى دمعى
والدمع كالشوك
أٌصغى بلا سمعٍ
وهو الذى يحكى
ما ضاع لن يرجع
فالحب كالسرك
أنا الذى ضعتُ
فى عالم وثنى
يرتد ما قلتُ
سوطا على بدنى
ما زلت مسجونا
بحائط الزمن
النار إن تهجع
يجتاحها الموتُ
ينهدُّ ما أصنعْ
أبيتُ أم شئْتُ
والشمس ساطعةٌ
إنى إذن حرْتُ
إن قلت لا أحيا
فالصدق من شيَمى
ما كنت كذابا
صدَّاحة السُدُمِِ
غنى إذن غنى
يا واحة الحلم
إن توقظى جرحى
سترين أشلائى
ضاع الهوى منى
أطفأتِ أضوائى
قد كان لى حلما
يطفو بأرجائى
*** إنتحار
هذى الرسائل كالصدى لا تبعث النغما
أنا ملء كفى زهرة تسقى الأنين دما
وتغوص فى عمق النفوس فيزهر العدما
والشمس طالعة اللهيب لتبعث السقما
لا تملك الروح المدى بل تملك الندما
ردى على رسائلى هى بعض أنات الدماءِ
لن تعرفى الحب الذى قد صب عينى فى السماءِ
ما أنت إلا قالب طين ومعجون بماءِ
أو بعض حبات الرمال على شطوط من وفائى
واليوم تنهمر السيول فلا رمال فى رجائى
يا هاته الأطيار غنى وارو عنى لحن حبى
ما شئت حزنا غردى زمن الصعاب وعاه قلبى
هذى البراعم سرها كالضوء فى العينين يسبى
سكنت على قمم الهوى فأظلها تغريد سرب
وحكت جنون غرامها فأزالها السيل الملبى
وهناك يجلس راهبٌ أفنى الدجى بشبابه
شرب الندى من حزنه وهوى بقاع حبابه
وغفا على لحن الهوى نشوان ماد بحبه
حتى إذا حل الصباح تجده دون صوابه
صار الضياء جراحه وأذله بكتابه
قد كان يعشق كوكبا إما غدا أو راحا
وعلى ضفاف غرامه غمر المدى أرواحا
صدئت أمانى عمره وتعربدت أشباحا
قد كان ينظر مولدا وإذا الدجى قد لاحا
وطوى الضبابُ خيالَه فى رقصة الموجِ
والصخر يلعق بالذرى لهباً على ثلج
ما شفَّ طائرهُ الصدِى كأميرة الزنج
ما مات من رهبٍ ولا نصْلِ الهوى اللج
*** بؤس المحب
شفه الوجد والوجود القاسى
يا لبؤس المحبِّ حين يقاسى
وشكى لى بعبرة وبأَنات جوىً
صَبَّ الليلُ منْها بكاسى
نغَماً هاجَ بالهَوى احتراقاً
يُشْعلُ الوجدَ فى قلوبِ الناس
وكأنَّ النحيبَ فيه لَهيبٌ
وضِرامٌ أُُشْرِبْتُه بحواسى
شَفَّنى صوْته فرُحْتُ بدمعى
أسكب الحزن من رُبَا إحساسى
وأنادى يا ساكن الأيك قد ذ
كَّرْتَنى بالجرحِ المُدَمَّى القاسى
فكلانا متيمان بحب بات كا
لجرح فى دُجًى وأماسى
غير أن الحب الَّذى شفنى لا
يرتَوى إلا من دمى وأساسى
آه من أشواقى .. من صوتكَ المرْ
نانِ ياحلماً طاف تحت الراس
*** الحزن والميلاد
الحزن يا حبيبتى قد جال فى المدينهْ
فأغرق المدينهْ
وحدى هنا
بليلتى الحزينهْ
ألوكها
تلوكنى
ونغفى
ونشعل النيرانَ فى دوامةِ الرياحِ والسكينهْ
الليلة جاءت أحزانى
وجراحاً فتكت بالروح
كالموت يصارع اكفانى
كالوهم الناتئ بجروحى
وأمامى سفر الميلاد
فيه ترانيم الإنشاد
تبكى لكيانى وجموحى
يا لحظة صدق تجمعنا
لا تجرح ضوء المصباح
ماضٍ ويلازم حجرتنا
ويطول مع النجم الصاحى
لا يملك إلا أنغاماً
تسكر من أمل وضاح
وتمر بعمرى أيامٌ
تحمل أفراح الأشباح
قد سال الحزن فأرقنى
وأجتاح الليل وروَّعه
دق الباب فافزعنى
وفتحت لعلِّى أدفعه
فوجدت العمر ومصرعه
كسراب أرشفه فيلذعنى
وأسافر فى درب الحزن
تقهرنى أمواج الشجن
يدفعنى وهمى يدفعنى
لتخطى أسوار الزمن
لأعانق روحا للوطن
هامت كضباب بالكون
فلعلِّى نحو الإشراق
ألتف مع النور عناق
وأمامى سفر الميلاد
يبكى لكيانى وجموحى
كالوهم الناتئ بحروحى
ما أحزن قلبى وجروحى
الليلة ثارت بكيانى
ذكرى النور الإنسانى
فقضيت الليل بأشجانى
أبكى وأرتل قرآنى
والليل يفجر أحزانى
حزنا فيضعضع أركانى
والليلة الكئيبة
كآبة الأشعار فى عروقنا الغريبة
كالعنكبوت تنسجْ
بيوتها
تصيد من أرواحنا بقايا
كلَّ فرحة أو بسمة قريبة
فمن زمان ليلتى
مذلتى
على رصيف مدينتى
وأنت يا حبيبتى
لا تستريحى ولا تبوحى
*** جزر العنبر
اقتربى
اقتربى أكثر
يا أشهى من ماء الكوثر
اقتربى
اقتربى منى
كى يذهب عطشك أو حزنى
فالطفل بحزنى لا يكبر
اقتربى ودعيه يراك
كالورد بغير الأشواك
فالجسم .. رخام .. أو سكر
فسأدخل فيك بأحزانى
وسأطفئ يوما نيرانى
فلماذا الحزن بإنسانى
كالطير الصخَّاب المضجر
اقتربى
كشعاع خيال كالشهب
ما أروع أضواء الشهب
تسرى فى قلب متخدر
من يوم اللقيا لا أذكر
إلا الأشواق
قدم تشتاق وتتعثر
نحوالإشراق
احتارت نفسى وتحير
قلب خفاق
مرى بيديك على صدرى
فى الصدر خريف قد يزهر
قد تنمو زهور بالأحداق
عيناى يجافيها نوم
والحزن بعينى قد أبحر
يا عمق البحر ويا أجلى
يا موجا يسحبنى للأعمق
فى لحظة عشق ضمينى
لم أدر بأنى قد أعشق
إنى أشتاق ويشقينى
نغما من ماض يتكرر
فاقتربى يا جزر العنبر
اقتربى
اقتربى أكثر
*** العاشق
عين الأشياء تلاحقنى عين الأشياء
مقهور فى جوف الأرض ومصلوب فى ضوء سماء
لا أعرف ما سر وجودى لا أعرف مكنون الأسماء
لا أعرف إلا أياما فى عمر يُقذف فى الصحراء
وسرابا عاش يغازلنى فى الحدق الساكن فوق الماء
والأرض دماء
والأفق دماء
منبوذا عشت على ذكرى وكأنى لست من الأحياء
انهار بصدرى ألف جدار
واللحظة تلو اللحظة تزحف ألف نهار ألف نهار
خطواتى إن تجرى .. خلفى .. لو أسبح ضد التيار
النهر الغارق يجمعنا يتدفق فى حزن الأشعار
يتدفق فى دمنا يحى ما بين الموجة والأحجار
لو كان الفرح بأيدينا
لاشتعل الضوء وغنى البرق مع الأقمار
فأنا المشنوق بليلى وأنا المخنوق نهار
وسواء عشنا .. لا نعرف سر القضبان
إنى المسجون بأيامى
من أنت ؟
أنت السجن .. أم السجان ؟
هل أرحلُ فى دنيا عدم يأخذنى صمت الأسحار
كسجينٍ فى بحر ضياع مغمور فى ألف قرار
كالوجهِ الضائع أعرفنى فى الجسم أعانى .. أحتار
محفورٌ فى صفحة يم عمرى الضائع فى الأشعار
أشتاق لحلم يجمعنا ويكون نهاية مشوار
*** استجداء
الليل تخنقه العواطف
هاج فى الصدر الملال
وعلى الجفُونِ براعمٌ
لم ترو أعواماً طوالْ
والشمسُ فى عليائِها زيفٌ ووهمٌ أو ضلالْ
ولقد كتبت قصائدى
وحروفها ..
كانتْ حياتى فى السهولِ وفى التلالْ
كانت إليك وفكْرتِى كانت رحالْ
لو تنظرى الحبَّ الندى دنا التلاقى فى المحالْ
فهجير منْ
بالقلبِ يغمرنى بليل فيه أنفاسُ الجبالْ
يا ويلَ قلبى هل تَرى شمسُ الهوى
جدبَ الظلالْ
أصبحْتُ لا أهفو لشئ
والخيالُ هو الخيالْ
هل للمحبِ المنتهِى من فيض عطف أو نوال
فالحب فى صحرائه
أثراً وجرحاً فى الثرَى سحقته عاصفة الرمال
مالِى حبيبٌ أنت وحْدَك لى حبيبْ
تخبُو حياتِى
يا حبيبى فى الشروقِ وفى الغرُوبْ
كم عابدٍ قبلى أنا
يرجوك عطفاً لا ينالْ
كم حدثتنى ليْلتى
عَزَّ الحديثُ فما يقالْ
هل ذاك حب وانقضى
كان الجواب هو السؤالْ
ولقد صحوت وما أرى
إلا الدياجى والضلالْ
إن لم تهبنى قاتلى
لحظاتك الغرِّ القلالْ
تخبو نجيْماتُ السما
تخبو حياتى والدوالْ
*** ترحيب
أهلا بكم فى حينا
والله قد شرفتمونا
أهلا بكم فلأجلكم
زف الصباح لنا الفنونا
فاليوم هلت بسمة
أحنى النسيم لها الجبينا
والظرف جاء إلى هنا
فأظلنا وسبى العيونا
وسقى النفوس بسحره
وجماله حتى رُوينا
الله ما هذا اللقاء الغر بين الأقربينا
بنو الأيامى والندامى والكؤوس .. الشاربينا
خمر الأصيل على النخيـ
ـل مع الطيور مغردينا
أنفاسكم قد عطرت
أجواءنا حينا فحينا
فكأنكم بستان ورد
والشذى فيكم وفينا
يا هذه الأطيار غنـ
ـنى واسجعى شتى اللحونا
صبى بكأسى فرحة
فالحب فن يحتوينا
أو رفرفى بين الجوا
نح والمحبة قد تبينا
إنا زرعناها منى
فحصادنا دنيا .. ودينا
فهنا الرفاق تجمعوا
كالمد يحتضن السفينا
وبحفلنا غنى الهوى
كل الأناس بنى أبينا
فضيوفنا قد شرفونا
وهموا الكرام المكرمينا
أنتم ينابيع العلو
م وعطركم يكفينا
*** أمى
يا أعذب ضوء بسمائى
يا أجمل لحن وضاء
يا قمرا أخضر والدنيا
تهتز على فرع نماء
يا نبع الحب وفى زمنى
ماتت أطيارى ورجائى
لولاك لعشت على طلٍ
أتخبط فى جهل غبائى
الله حواك برحمته
وأجلك فوق العلياء
والجنة موضع قدميك
لتتفجر ينبوع ضياء
يا أمى لو ألف قصيد
ما وفّت حقك يا أمى
فكريم خصالك أعيانى
أن أكتب شعرا فى الكرم
هل أروى حبك فى مرضى
أم فرحك حين خطت قدمى
وجناحك حين يظللنى
لأقارب آفاق النُجُم
وأنام وجسدك لى حصنا
كى لا أتلوى فى حلمى
كم باتت عينك ساهرة
تُضْفى الأنوار على الظلَم
فضلك يا أمى لا يُجحد
فبفضلك كانت أنفاسى
مذ كنت جنينا فى الأحشا
ء أُصاغُ حبابا فى كاسى
وأعذب بدنك يا أمى
كالداء العربيد القاسى
وخرجت إلى الدنيا طفلا
مشدود القامة والراس
ويداك تداعبنى تحملنى
وتُغيِّر مبلول لباسى
لن أنس حنانك يا أمى
فحنانك أصبح نبراسى
عيدك يا أجمل أعيادى
قد أيقظ غرِّيد الوادى
يا ليت جناحى يحملنى
لأصلى على طه الهادى
فرضاك رضاه ومطلبه
ووفائى يا كل مرادى
لن أشق وروحك تتبعنى
وحياتك أنفاس بلادى
أقسمت بأنى سأوفى
وسأكسر قيدا لعنادى
بعضا من أفضالك علِّى
أغفو وأرتل أورادى
فلكم عاندتك يا أمى
ولجهلى زادت ثوراتنى
غرٌّ يجهل ما يعنيه
عقوق الأم من الهلكات
لكنى الآن وذا قلبى
يستشرف أغوار الآتى
ستكون حياتك نبراسى
ويضئ نشيدك كلماتى
يا رب امنحها جناتك
وامنحها عمرى وحياتى
منك وإليك ويا أمى
وسلاما لك وتحياتى
1985 ـ 1986
صلاح عبد العزيز
الزقازيق
الفهرست
1) الفتى
2) سراب
3) ولست أبالى
4) الحلم
5) ماذا نغنى
6) أعز مكان
7) الفجر
8) السندباد
9) الغيم والليل
10) رثاء
11) طير المساء
12) أزهار الوهم
13) إنتحار
14) بؤس المحب
15) الحزن والميلاد
16) جزر العنبر
17) العاشق
18) استجداء
19) ترحيب
20) أمى
- من شعر البدايات