قيس مجيد المولى - قصيدة النثر: التنظير بين سوزان برنار وأدونيس

يمكن الإكتفاء بالفصل الأول من كتاب سوزان برنار ( قصيدة النثر من بودلير ليومنا هذا) والذي صدر بباريس عام 1958 ، يمكن الأكتفاء بهذا الفصل لدراسة المرتكزات الأولية لتحرير النظام الشعري منذ نهاية القرن السابع عشر وبالتحديد تحرير اللغة ومفاهيم التجديد الشعري ماقبل ظهور الرومانتيكية .
تشير برنار إشارة في غاية الأهمية الى أن النثر الشعري وقصيدة النثر مجالان أدبيان متمايزان ومتماسان، ويتشاطران نفس النزوع الى التحرر والرغبة للجوء الى طاقات جديدة في اللغة ..ولكون النثر الشعري قد تقدم زمنيا على قصيدة النثر ،فهذه الإشارة بحد ذاتها تؤشر الى أن قصيدة النثر لم تأت من فعل إعجازي، فلم تولد بدون مؤثرات على صعيد الشكل أولا وعلى صعيد المضمون ثانيا رغم ذلك التمايز الذي بينهما، إذ سبقتها أي قصيدة النثر تجارب مختلفة وأنماط شعرية ربما مهدت لقصيدة النثر في أن تكون مقبولة لدى المتلقي ضمن المفاهيم التي طرحتها برنار والتي شرحتها في إصدارها كخصائص أساسية حيث أجملتها بــ :الأختصار – الأيجاز – كثافة التأثير- الوحدة العضوية ، وتلك الأساسيات كما ذكرتها هي التي تعطي للشكل الجديد مفاهيمه الجديدة ،
هذا المفهوم الجديد ضمن مصطلحه تم التعرف عليه عربيا عندما نشر أدونيس مقالا له تحت مسمى برنار "قصيدة النثر نشره في مجلة ( شعر ) البيروتية عام 1960 ، أي بعد عامين من صدور كتاب برنار وبالتالي فأن وجهة نظر أدونيس والتي سنأتي عليها لاحقا تشير الى أنه قد قرأ أصدار برنار قراءة وافية وأختارما ينسجم مع الوجهة التنظيرية التي يؤمن بها بقضايا التجديد الشعري ومفهوم المطلق ومفاهيم الأنسان و ميتافيزقيا اللغة والتنظيم الموسيقي والرمز .
في مقال أدونيس والذي أعتبر لاحقا الوجه التنظيري لقصيدة النثر العربية فقد أقرَ بمصطلح قصيدة النثر بالصيغة التي أشارت اليها برنار وأيضا أوضَحَ أدونيس الرؤية المقاربة للتمايزات الأساسية بين النثر الشعري وقصيدة النثر ، إذ رأى أن النثر الشعري يفتقر الى الشعور المنظم، وهذا الشعور يفتقر الى قاعدة فنية، ووصف النثر الشعري بأنه شعر وصفي روائي، أي أنه يخضع لمؤثرات تتصل بالأخلاق أو المناجأة أو السرد الأنفعالي .. وقد شكل ذلك مرتكزات خطابه الشعري، وتنظيراته عن الكشف الشعري والرؤية الشعرية ومفاهيم الهدم والبناء والإيجاز وغيرها من المفاهيم النقدية الجديدة .
المهم في كل ذلك أن أدونيس طرق أولا مفهوم اللاعضوية للنثر الشعري، وباعتقاده أن النثر الشعري مجرد مادة سائبة لاخاصية ترابطية بينهما . ثانيا وبالمقابل بنى أدونيس مفهوم قصيدة النثر على خاصية تفاعلها الكياني الذاتي، وربط ذلك بفكرة اللازمنية .. ليس لها بعد زمني محدد ضمن مضمونها الكياني البنيوي، كما رأى في خاصيتها الثالثة أن قصيدة النثر والتي أستخلصنا تسميتها من شروحاته بأنها قصيدة ( الكثافة الموجزة أو الكثافة المختصرة ) بعد أن دعا الى عدم إغراق القصيدة الجديدة (بالإطالة والشروحات والإيضاحات)
هكذا نجد أن هناك بعض الحرفيات التي تطابقت مابين مفاهيم برنارد وما دعا اليه أدونيس، وفي الوقت نفسه تتطابق بعدئذ مع ماطرحه أدونيس وماسيتم طرحه من قبل زملائه في مجلة شعر كالراحل أنسي الحاج .
لاشك أن أدونيس قدم رؤيا ما لقصيدة النثر، ليست بالرؤيا المنفصلة كليا عن ماقدمته برنار وليست بالملتصقة بها كليا وأيضا ليست بالرؤيا التي بين بين، بل كانت لها خصوصيتها في بعض مساراتها لكنها بالتأكيد كانت تحت مؤثرات الخيوط العامة من مفاهيم برنار، لكن الأهم منها كان تحت تأثير الفاعلية النفسية لأدونيس في التعامل وقبول مفاهيم التجديد، ورغم ذلك نعتقد أن هناك ملاحظات ما ذات صلة في ما طرحه أدونيس تتعلق بمفاهيم الانفعال بين النثر الشعري وقصيدة النثر، وكذلك المفهوم البنائي في الشكلين .. ستكون لنا عودة إليهما لأستكمال الجوانب التي نعتقد بأنها الأكثر أهمية في التنظير لقصيدة النثر .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى