علي محمد القيسي - (باشو ماتسويو) رحلة من الهوكو الى الهايكو

ما زلنا في ذات العقدة العصية على منشار الهايكو العربي الشعري والذي يبدو أن أسنانه كلت أن تعبرها وهي خصائص الهايكو الياباني بين من يراه في التراث الياباني وبين المنتج العربي للصورة الحالية (كنص نثري قصير) قابلة للتأقلم مع الشذرة والومضة .. بحسب المدارس التي تستهل هذا أو ذاك من النصوص ولعل ما فتح شهيتي للخوض بهذا الجدال الذي أصبح ازليًا هي العودة لنصوص التراث الياباني قبل 1868 م وخصوصًا لمؤسس الهايكو الياباني (باشو ماتسويو1644-1694) والذي صنف كأعظم شاعر هايكاي وهوكو الذي لم تخلُ بعض نصوصه من المجاز والأنسنة وانفلات عن خصائص ونصوص بعد نهاية القرن 18 الميلادي ولكي نمرّ نحو الهايكو وخصائصه بسلاسة علينا أن نعرف التسلسل الأدبي للقصيدة اليابانية وكيف تطورت إلى أن وصلت لباشو ..

انبثقت من تقليد شعري آخر كان سائدًا وهو الرينغا الذي وظف المثال والحكمة والقول المأثور والمقابل الادبي لها بهذه الخصائص هي الشذرة إلا أن الرينغا كانت تكتب باجتماع عدد من الشعراء ويصل طول القصيدة إلى 100 بيت شعري حيث كان الشعراء بالتناوب يكتبون قصائدًا من 17 مقطعًا صوتيًا أو 14 مقطعًا صوتيًّا وكانت الرينغا جنسًا أدبيًا رفيع المستوى * يصف القرون الوسطى في اليابان مستظهرين كلاسيكيات الشعر الياباني .. ازدهرت في القرن 15 الميلادي و في القرن 16 أصبحت الشعبية أكثر لقصيدة الهايكاي * إلا أنه مختلفٌ تمامًا عن الرينغا لقصر النص والمفارقة التي فيه استخدم فيها الشعراء التلاعب بالكلمات التي لم تكن موجودة سابقًا فضلاً عن لغته الشعبية نوعًا ما .

كان مطلع نص الهايكاي يسمى الهوكو والذي كان يتألف من 17 صوتًا حيث كان الشعراء يستخدمون المطلع كقصائد منفصلة وهي النواة الأولى للهايكو من ناحية البناء الشكلي للقصيدة والوزن الصوتي .

ويقول ريو يوتوسيا : اشتهر باشو أيام شبابه بقصائد هزلية والتلاعب بالكلمات في مطلع قصائد الهايكاي حتى عام 1680 حيث أصبحت نصوصه (الهوكو) مشحونة بالفلسفة بعد تأثره بالشاعر الصيني بتشوانغ تسو الفيلسوف الصيني في القرن 14 والذي كان يكتب ببساطة ولم يعر أهمية لزخرف الكلام (المجاز) وأنكر القصدية (التاويل) ولم يعطي قيمة للذكاء بالنص (الفلسفة) وأن قيمة الأشياء الحقيقية تظهر بالواقع بلا جدوى بعدم مخالفة الطبيعة .. إلا أن باشو رغم تأثره بتشوانغ بدأ بمخالفته لبعض قصائده والتلاعب بها عكسيّا أي أنه انتهج منهج عكسيا بالمجاز والتاويل والفلسفة وتغير طبيعة الأشياء ببعض قصائده

من هنا نعلم سر تلك القصائد للمعلم الأول التي شحنت بأبعاد فلسفية تاويلية مجازية لا بل وردت بأنسنة مفرطة .. إضافة الى قصائد أخرى كانت مشهدية تمامًا .. فقد جسد ريح فوجي وأجلسها على مروحته وهو يشير الى ايدو طوكيو اليوم وأطال سيقان البلشوم والكثير من القصائد التي يستغلها البعض اليوم كتورية للتحايل على الخصائص الكلاسيكية .. وانتشرت تلك النصوص وملأت الآفاق على أنها قصائد هوكو إذ لم يعرف وقتها (الهايكو) من هنا نفهم أن باشو انتهج الهوكو وليس الهايكو ولا يمكن أن نتعتمد بعض نصوصه التي أشرت لها آنفا أنها هايكو بصورته وخصائصه عام 1867 وما مكنه من مسيرته الشعرية استقبال الغالب الأعم لهذه النصوص كونها أصبحت سائدة لصعوبة الرينغا والهايكاي واستسهال الهوكو 17 مقطعا صوتيا كبديل عنها بلغة اخف (شعبية) ومفارقة ..

اذ بعد 1867 ظهر مجدد الهايكو شيكي ماسوكا الذي انتقد (مختارات باشو 1893في كتاب باشو زاتسيدان) لم يدحض كل الأعمال بالمجمل لكنه أخذ عليها خلوها من الصفاء الشعري كونها تتضمن عناصر تفسيرية ونثرية (تأويل ومجاز) وأثنى على قصائد بوسون يوسا (1716-1783) معتمدا تكاملها وصفاؤها الشعري علما ان بوسون كان مغمورًا بتلك الفترة .

من هنا نفهم الفرق بين الفترات الشعرية التي مرت بها قصيدة الهايكو من الهوكو واعتماد شيكي لتسمية الهايكو كي يستطيع فصل تلك الحقبة 1680-1867 كي تكون إرثا للهايكو وليس ارتكازا كونها خرجت من التجريب الى قصيدة متكاملة بخصائص منفصلة عن باقي الاجناس اليابانية

وبعد كل ما قيل يعتبر الشاعر الياباني ماتسويو باشو «1644- 1694»، أثره الكبير في حركة وتاريخ الشعر الياباني، فهو يعتبر من أبرز شعراء اليابان، واسمه الأصلي «ماتسوو مانوفوسا»، برع بشكل كبير، بداية، في الشعر النثري الذي كان يطلق عليه اسم «هايبون»، وهو جنس إبداعي يجمع في تأليفه بين النثر الشعبي والهايكو، وكانت له وظائف محددة مثل القصص الخيالية أو الحقيقية التي تفرزها واقعة ما، أو حدث ذو دوي، ومنها نصوص ملحمية طويلة وأخرى قصيرة، ليصبح فيما بعد ماتسو باشو أكبر معلم في مجال شعر الهايكو إلى جانب عدد من شعراء اليابان الكبار في فترة زمنية متقاربة، عرفت ب «قرن أوساكا الذهبي». -

خاتمة القول:

ما اريده فعلا هو لفت عناية المتلقي / المتصيد / ان باشو كونه شاعر مفصلي في الادب الياباني كتب الكثير قبل 1680 من القصائد التي ممكن ان تكون قصائد رينغا او هايكاي او هوكو مطلع للهايكاي او الرينغا .. يمكن معرفتها بخصائص تلك النصوص ولا يمكن ان نعدها هايكو بالخصائص التي اعتمدت فيما بعد كهايكو بالتالي ما ورد في هذا المقال ليس انتقاص من الشاعر بقدر النهل من تجربته المنوعة بالادب الياباني حتى بلوغ ذروته الشاعرية في الهوكو واستخلاص تجربة فريدة منها استمرت لليوم لذا المتلقي المطلع على تلك الرؤى الشعرية يستطيع ان يميز نصوص باشو من خصائصها الى اي الاجناس الادبية السابقة للهايكو ينتمي ذلك النص ولا يصنف كل ما كتب باشو انها هوكو/ هايكو ..

باشو || خمس قصائد هايكو

الغُيُومُ السّانِحَة
تُضْفِي بَعْضَ الرّاحَة،
مِنَ تَعَبِ النَّظَر للقَمَر.

*

العَناكِبُ - هَلْ تَبْكِي؟
حَسنًا، مَنْ ذا يُوَلْوِلُ
رِيَاحَ الخَرِيف؟

*

جَرَسُ المَعْبَدِ قَدْ تَوَقَّف.
غَيْرَ أنّ الصْوتَ، لا يَنِي يَأْتِي
مِنَ الزُّهُور.

*

زَهْرَةٌ غَرِيبَة،
لِلطُّيُورِ والفَرَاشات،
سَماءُ الخَرِيف.

*

عَلِيلٌ فِي رِحْلَتِي
فقط أحْلامِي تُواصِلُ التّجوال
في السُّهُوب الخاوِيَة.

*

ترجمة: سلمان مصالحة

......

شيكي ماساوكا / Shiki Masaoka

يسقط المطر الدافيء
على الأجَمَة
العارة

*

الغدير ذاب عنه الجليد.
الجمبري يتحرك
في طحالب قديمة.

*

المدفع يدحرج
زمجراته.
براعمُ شجرة.

*

يا له من نسيم عليل.
سرطان صغير، تحت المطر،
يتسلق شجرة صنوبر

*

أوراق اللوتس في الجدول
تتحرك فوق الماء.
أمطار حزيران.

*

الدخان يستدير
بعد مرور القطار.
وُرَيْقات

*

العاصفة
التي دامت نصف يوم
كسرت ساق الخُبَّيْز

*

لا يظهر القمر.
فارتفعت
أمواج عاتية.

*

فوق نقْر صخرة
تَدلّى لْبلابٌ.
مَعبدٌ صغير.

ترجمة: عبد النبي ذاكر

***

علي محمد القيسي/ العراق

....................

* تاريخ الهايكو الياباني ريو يوتوسيا / ترجمة سعيد بو كرامي

نفس المصدر

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى