حسن إمامي - زوايا في التفكير (3).. في أهمية منظومة قيم مواطنة

عبر التاريخ دائما نجد مرجعيات تكتل المجتمعات والشعوب، وقد نندهش لتفوق بعضها في التنظيم والالتزام بمشروع سياسي أو حضاري وبكل ما اتربط بهما ماديا ومعنويا وسلوكيا. وها نحن كمتجمع مغربي، نجد أنفسنا امام ضائقة هذا الاجتياح الوبائي والذي خندقنا جميعا في مصير إنساني مشترك ومهدد، لكنها خندقة تأخذ منحى سلبيا في الاشتراك في التأثر بعدوى وباء كورونا 19.
قد نُسائل انطلاقا من مرجعية بيئية، ونرافع كل هذه الشعارات العالمية التي استعانت بها منابر الخطب السياسية والديبلوماسية، ونقول من سيحاكم مغامرة التجارب الكيماوية والنووية وكل ما يهدد البيئة والحياة والطبيعة والخلائق؟ من سيوقف زحف هذا الشره نحو امتلاك القوة والنفوذ والسيطرة على الآخرين والجشع المرتبط بتوسيع الروات والاستحواد علهيا؟ وكل ذلك على حساب البيئة والتوازن البيئي؟
وقد نُسائل انطلاقا من مرجعية ثقافية وسوسيو-ثقافية تاريخية، فنقول: أما آن الأوان للبشرية لكي تنصهر في مشروع حضاري جديد يتجاوز النيات المبيتة نحو السيطرة والتغلب على الآخرين؟ ها هي أشكال التهديد وقد فضحت مجموعة من القرارات السياسية التي عرّت على هشاشة الالتزامات وفراغ العقود والمواثيق الدولية من قيمتها؟ نستحضر مرحلة الجلوس كمتفرجين لحظات ظهور الوباء في دولة الصين وإقليم ووهان. نستحضر استمرار تجاهل ما يقوم به من فتك وهدر وسلب للأرواح في إيران وإيطاليا وغيرهما من الدول.
وقد نُسائل انطلاقا من مرجعية وطنية صحية فنقول: أما آن الأوان لكي نتجاوز الإديولوجيات المرَضية والمجزِّئة للوطن ولروح الانتماء والبناء لهذا الوطن؟ أما آن الأوان لكي نفكر في النهوض بكل فئات وطبقات المجتمع بدل جعل الضعيفة منها تقتات على الفتات وعلى سياسيات الركوب على البرامج من أجل الاغتناء الفردي أو الطبقي أو الأسري والفئوي؟
المنطلق ملزِمٌ بتتبع نسق التحليل المناسب: منظومة قيم مواطنة. وها هي الإجراءت الملمية تبين أهمية الأجهرة والمؤسسات والسياسات الشاملة والمتكاملة في التصور وفي التنزيل وفي التخطيط والتدبير. لذلك وجب علينا التفكير في الشخصية المواطنة، وهي شخصية معنوية أكثر منها مادية. مادية في كونها ترتبط بالذات المتفاعلة مع التصور، ومعنوية في كونها تنطلق من المشترك ومن الالتزام بالمشروع الوطني. ولعلنا هنا نستحضر كذلك ودائما أهمية مقولة دولة الحق والقانون، دولة المؤسسات والالتزامات. فكم منا ربط مشروع اغتنائه وعيشه بتحدي الجماعة أو تخريبها أو نهبها أو القفز على التزاماته وأشكال قسَمِه التي أداها عهدا وضميرا لكي لا يخونها. لكنه خانها ونهبها وسرقها وجدد جلده كل حين بكشل تمساحي أو حربائي أو وحشي عام في صورة جوكندا وديعة الابتسامة. ركب على موجة الجماعة لكي يصل إلى مبتغاه الأناني. وماذا بعد؟
آن الأوان لكي نبين أن المسألة أخلاقية وقيمية وتربوية قبل أن تكون سياسية وقانونية. لكن عنصر الثقة إذا لم يكن مرتبطا بالمحاسبة على مدى الوفاء له ولاتزاماته هو الذي جعل البعض يستصغر ويحتقر المرجعية الأخلاقية، فيعتبرها ضعيفة وقانونا للضعفاء. فلسفيا ووجوديا، هو واعق الحال، لكن، وطنيا وحضاريا وتربويا، بات لزاما علينا لكي نرجع لها قيمتها. من هنا كانت الدراسات التي تؤكد على أهمية مرجعية القيم والتي تتضمن إلى جانب الأخلاق المطلوبة، التصورات النظرية والفلسفية والسلوكية، تلك البنية التحتية التي تقوم عليها القوانين والممارسات: تشريعيا وقضائيا وتنفيذيا وحياتيا...
هكذا ينفضح ناب الاستغلالي في شكل كاركاتوري يجعله يبدو في صورة ناب مفترس يسيل لعابا، ويتهيأ لأكل لحم أخيه الإنسان: أيحب أحدكم أن يأكل لحم اخيه ميتا فكرهتموه). الصورة تضيف إلى الآية من السورة القرآنية شكلا أبشع، وليس مجرد غيبة ونميمة، هو شكل تحوّل الإنسان إلى لاحم يأكل لحم بني جنسه من الآدميين. وما أقبحها صورة.
لكن الحياة ما اجملها في أشكال التضامن والتآزر التي ظهرت مع أزمة هذا الوباء. بدا أن قلوب الناس مستعدة بفضل التربية والمحبة والأخوة لكي تحافظ على تماسك الجماعة والعيش المجتمعي الراقي. ولنتذكر أننا نمتلك داخل ثقافتنا الحضارية والدينية والتاريخية مرجعيات قيمية إيجابية جدا، لكننا لا نستثمرها بشكل جيد وفعّال. ونخشى أن ينطبق علينا الوصف: كمثل الحمار يحمل أسفارا! مثال بسيط يتجلى في قيمة النظافة وشعارها الديني والأخلاقي: النظافة من الإيمان. مثال نقيض وواقعي، يتجلى في سلوكاتنا السلبية المنبثقة عن جهل أو نقص تربية في رمي بقايا المأكولات في الأرصفة والشوارع. صورة متناقضة لإعطاء المثال وللعبرة فقط.
لكننا نمتلك الأمل والغيرة والشعور الإنساني المشترك عالميا وحضاريا من أجل الرقي.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى