عمر السراي - عتيق للبيع.. شعر

بهدوء ٍ أخرس َ ..
وصمت ٍ .. كمكائن مكتوفة ِ الأيدي ..
وفراغ ٍ .. كدمىً .. لأطفال ٍ ميتين ..
أغوص ُ بأعتى بياضات ِ غيمة ..
أسلسل ُ بخارَها وفق الأبجدية ..
وأقتنص ُ وسادة ً منها لمتسوِّل ٍ ظل َّ يشحذ طيلة َ ذاكرة ِ طفولتي المقوسة الظهر ..
الاسم .. : أنا ..
بائع ٌ متجوِّل ٌ في أروقةِ النسيان ..
المهنة ُ .. : عاطل ٌ إلا عن التجهم ِ
العنوان .. : في كل ِّ صفيحة ٍ ( مزنجرة ٍ ) .. في عيون ِ المطر ..
العمر .. : أقل ُّ كثيرا من فكرة ٍ كنت ُ أستسهلها في صباي ..
الصورة ُ .. : مغوشة ٌ جدا .. فالبكـَّـاؤون َ يرون َ الأشياء َ من خلف ِ زجاج دموعهم ..
اتفتح ُ عادة ً .. بعد خفوت ِ الناس ..
بين إغماضة ِ جبن ٍ .. وجفن ..
ظهري .. يضع ُ على قلبه ِ كيسا قديما ..
يبدأ فارغا أول َ الليل .. وينتهي ..
أجوب ُ الظلام ..
أرى .. وردة ً أهملها حبيب ٌ بعد َ أن قضت حبيبته ُ الشتاء َ تنفخ ُ عطرها فيها .. له ..
أرى .. ثـُـلمة َ خبزة ٍ يبصقها متكرش ٌ ..
ويتمناها جائع ٌ في وجه الأرض الآخر ..
أرى .. أما ً .. قلـَّـمت الجدران لتنحت َ شباكا ..
تنطر ُ على دكـَّـته ِ ولدها السائح َ في الحروب ..
أرى قمرا ً .. يفك ُّ قضبان َ الليل ِ بأصابع َ من ورق ..
وشمسا .. تترك ُ الصباح َ نائما في الثلج ..
أرى .. حلم َ صبية ٍ تحصي مفاتنها في مرآة ٍ ..
تعكس ُ لها صورة َ بقعة ِ دم ٍ .. تحيط ُ رأس َ زوجها المفقود ..
أرى درهما .. جائعا في الطين ..
وأثرين ِ لخطوتين ِ صغيرتين .. منزلقتين .. قربه ..
أرى .. صوت َ صافرة ِ إنذار ٍ .. تعلن ُ بدء َ الفجيعة ..
أرى الصمت َ نفسه ُ .. ذاك المتـَّـشح َ بضوضاء السكون ..
أرى .. كل َّ شيء ..
فأذكر ُ .. أن لا مكان َ في الكيس الذي خلف ظهري ..
وأذكر ُ .. أني بائع ٌ للعتيق ِ .. يشتري الألم ..
له قلم ٌ واحد ٌ .. واهم ٌ .. ضيـَّـعه ُ ذات مدرسة ..
فجلده ُ المعلمون َ بالقصاص ..
وله .. قلم ٌ .. واحد ٌ .. أيضا ..
سرقه ُ بعد السادسة والربع مساء ً .. من فترة ِ برامج الأطفال ..
تاركا بطل أفلام الرسوم المتحركة .. كحصان ٍ بلا صهيل ..
أرسم ُ .. موعدا أليفا لحبيبين بلا رقباء ..
أرسم .. تنورا يوزع ُ الأرغفة َ .. ويرتب ُ الكائنات على شدّة نحولهم ..
أرسم ُ .. شباكا .. وظهر َ أم ٍ مبتسمة ٍ .. فابنها في آخر الأفق ِ يلـوِّح ُ عائدا .. والخاكي ُ منزوعا .. خلفه .. ومدفونا في صناديق البريد ..
أرسم ُ كوكبا .. تزفـُّـه ُ النجوم ُ بعيدا عن المقصلة ..
أرسم ُ وجها ً للمتشابهين َ ..وشارات ٍ تميزهم عن وجوه ٍ بيضاء َ بلا شامات ..
أرسم ُ أحمر َ شفاه ٍ .. لمراهقة ٍ غضـَّـة ٍ .. لا يعرف ُ حبيبها .. إلا طعمـَـه ُ ..
فالضوء ُ القصير ُ يذيب ُ الألوان ..
أرسم ُ ليلة ً دافئة ً لأضلاع ٍ ترتجف ..
أرسم ُ للهور ربطة َ عنق ٍ تكتـِّـف ُ جفافه ُ الأخرق ..
أرسم ُ دراهم َ مبصرة ً .. عدد َ ما بلعه ُ النهر ُ .. وما خبـَّـأه ُ الطين ُ من سقطات ِ التلاميذ ..
وأشتري أثاثا فائضا ..
أثاثا .. يليق ُ لسجاجيد ِ الحزن التي اشتريتها أمس ..
حين كنت ُ آخر َ فكرة ٍ لمشنوق ٍ يسقط ُ ظلما ..
قبل َ أن يسمع َ جلادوه ُ صوت َ انكسار ِ حبله ِ الشوكي ..
سأقتصد ُ مساحات كل ِّ الدواليب التي دارت معي ..
وأترك ُ العنان َ لورد ٍ جديد ٍ ميزتـُـه ُ .. أني سأزوده ُ بالرائحة ..
وأرخي خدود َ وريقاته ِ شفافة ً .. لأشتري َ ( مصطبة ً ) .. على الكورنيش .. أراها خلاله ُ وهي تصوِّر ُ قبلة ً سريعة ً لعاشقين خائفين ِ من العسس ..
أشتري جسدا طويلا للأعياد التي لا تحرم ُ طفلة ً معوَّقة ً من المراجيح ..
أشتري نشرات ِ الأخبار المفخخة .. وأعبث ُ بمذيعاتها كما أشاء ..
أرسم ُ شاربين ِ لهن على الشاشات ..
وأقايضهن َّ بمذياع ٍ يرتـِّـب ُ التراب َ على صوت ِ ( عفيفة اسكندر ) ..
( يا حلو .. يا أسمر ُ .. غنى بك السمـَّـر ُ .. ) ..
أرسم كيسا جديدا لي .. يليق ُ بمقتنياتي الجديدة ..
وأوزِّع ُ بلا تساو ٍ .. فأنا حر ..
سحر َ اللهفة ِ .. والصداقة َ .. والأشجار َ ..
أرسم ُ عالما ً .. كثيرا .. يكفي أن يملأ رضـَّـاعة ً فارغة ً لعائلة ٍ تنتظر ..
( عتيق .. للبيع ..
أستبدله ُ بكل ِّ جميل ٍ .. جديد ٍ للشراء .. ) .......

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى