محمد الديهاجي - الأدب والحمار

ونحن على أبواب نهاية الموسم الثقافي لهذه السنة، تلقيتُ من إدارة مهرجان «فيستي باز» الذي تنظمه سنويا قصبة بني عمار، في ضواحي مدينة مكناس المغربية، دعوةً كريمة للمشاركة في ندوة علمية ضمن فعاليات نسخة هذا العام (الدورة الثانية عشرة)، المزمع تنظيمها ما بين 25 و28 يوليو/تموز الحالي.
والشيء اللافت في هذا المهرجان، هو احتفاؤه بالحمار، من خلال كرنفال للحمير أصبح مشهورا، إذ تتهافت عليه مجموعة من القنوات التلفزيونية العربية والدولية، حتى أنه صنف مؤخرا تراثا وطنيا لا ماديا، بعد أن فاز بالجائزة العالمية الخاصة بالخيول من طرف إحدى الجمعيات السويسرية، وذلك في دورتها الثانية 2014.
فالحمار كما جاء في ديباجة هذه الدورة، أسدى وما يزال خدمات جليلة للإنسان، خصوصا في هذه المنطقة، لذلك فإن الهدف من هذا المهرجان، هو إعادة الاعتبار لهذا الحيوان، عبر تصحيح العلاقة بينه وبين الإنسان، وكذا إعادة توضيب الصورة المشوهة التي رسمها الإنسان في مخيلته عن هذا المخلوق؛ وهي صورة، على كل حال، ضاجة بكثير من الازدراء والتطير والاحتقار والإهانة.
والحق أن علاقة الأدب، عربيا كان أم عالميا، بالحيوان عامة، علاقة موغلة في القدم، إذ يمكن في هذا السياق أن نعود إلى الشعر الجاهلي كشاهد على المكانة التي احتلتها بعض الحيوانات، كالفرس والناقة وغيرهما، عند الشعراء. فها هو الشاعر الجاهلي امرؤ القيس يصف فرسه قائلا:
وقد أغتدي والطير في وُكُناتهِ
بمنْجردٍ قيْدَ الأوابدِ هيكلِ
مكر مفر مقبل مدبر معا
كجلمود صخر حطه السيل من علِ
أما الشاعر العباسي أبو الطيب المتني، وهو بالمناسبة شاعر أقام الدنيا وشغل الناس بشعره، نجده يكرم الخيل من خلال ما قاله عن صداقة الفرس:
وما الخيلُ إلا كالصديق قليلةٌ
وإن كثرت في عينِ من لا يجربِ
علاقة الأدب بالحيوان في الأدب العربي، سوف تتجاوز الشعر إلى مجالات أدبية أخرى. فالجاحظ مثلا خصص كتابا بأكمله للحيوان، وعنونه بالكلمة ذاتها «الحيوان»، اهتم فيه بطبائع الحيوان وغرائزه وأحواله. وقيل إنه سمى الكتاب بـ»الحيوان» لأنه يتتبع ما في حياة هذا المخلوق من الحجج على حكمة الله وقدرته.
كما أن ابن المقفع أخذه هذا الموضوع، فقام بنقل كتاب «كليلة ودمنة» إلى العربية، وهو عبارة عن قصص للحكيم الهندي «بيدبا» ألفها لملك الهند «دبشليم» مستخدما الحيوانات والطيور شخصيات رئيسية، رامزا بها إلى شخصيات آدمية. وتتضمن هذه القصص مواضيع كثيرة، لعل من أبرزها العلاقة بين الحاكم والمحكوم، بالإضافة إلى عدد كبير من المواعظ والحكم.
وبالعودة إلى مهرجان «فيستي باز»، فإن إدارته، خصصت ندوة علمية لمناقشة رواية الأديب والمفكر المغربي حسن أوريد، التي تحمل عنوان «سيرة حمار». وهي بالمناسبة تتقاطع بشكل كبير، كما هو واضح، مع ثيمة المهرجان. والملاحظ أن بعض النقاد، ممن اشتغلوا على هذه الرواية، اعتبروها سيرة ذاتية لا رواية، لأنها تخفي المسار الفكري والسياسي والثقافي لمؤلفها حسن أوريد، إلا أن هذا الأخير آثر، من خلال مكر الكتابة والتجنيس، المخاتلة قدر الإمكان حتى يضفي على العمل لبوسا روائيا.
شخصيا لما قرأت هذه الرواية (السيرة الذاتية) أول مرة، استوقفني كثيرا عنوانها المستفز. ولا أدري لماذا فكرت مباشرة، لحظتئذ، في الكاتبة الفرنسية (روسية الأصل) الكونتيس دو سيجو، وتحديدا في كتابها «خواطر حمار» الصادر في أواسط القرن 19 (1860)، حيث غاصت في أعماق حمارها «كديشون» الذي أثبت بحق أنه أذكى كثيرا من الإنسان في بعض الأحيان، حتى أنه لُقب من طرف البعض بـ»الحمار العالم».
إن «كديشون» في هذا الكتاب يقوم بعدد من المغامرات التي يظهر فيها قدرته على المكر وخداع الإنسان، كما يقدم نفسه كشجاع يخاطر بحياته من أجل إنقاذ صديقته المقربة في الكثير من المرات. والحاصل، كما تبين، أن الحمار بوصفه حيوانا من درجة متأخرة، يحضر في الأدب، على عكس ما أُشيع عنه بين العامة من الناس، من أنه غبي وسيئ التصرف. ولنا أن نتصور ما يمكن أن يقوله لنا هذا المخلوق لو أتيحت له فرصة الحديث مع الإنسان.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى