كانت مشاعرها جرداء تُعاني مِنْ الرهق والبوار وهي تنظر بعينٍ فاحصة إلى جبارة جاد الله سمسار الحمير– الذي لا يفرق بين الحِمار الدنقلاوي والحِمار المكادي – وهي تجلس فِي سوق قندهار غرب أم درمان تشوي لعابري الطريق بعض اللحم الضاني المحبب إليهم وما يلزمه مِنْ الشطة المُدَكْوَتّة وطبق السلطة وفحول البصل وبعض الشراب كعصير الكركدي والتمر هندي والقونقليز والشعير. وتنتقل ببصرها بين صاج اللحم والمحال المتداخلة بلا تناسق، والمشاعر المضطربة بلا جدوى. كانت تجلس بين زبائنها الرجال بلا زينة ولا عطر كأنَّها أرض قاحلة جدباء. وكان حامد الضو يرقبها بعينٍ مشتهية، وهو فِي سرواله المتسخ الأغبر، وعرَّاقِيه المُشَرَبِ بالعرقِ، وطاقيته الحمراء المائلة، وعنجهيته التي لا تطاق. وكان جبارة مشغولاً مع أحد زبائنه يدعى جابر الأغبش، يحاول إقناعه لشراء حِمار هجين يقول إنَّه دنقلاوي "حُر" ويدَّعِي معرفته بتاريخه الوراثي، وجابر يفاصله فِي السعر فِي إلحاح ممل. أتي به قصداً إلى حوَّاية – أو الرتينة كما يُسميها – فلها ولصاجها قدرة عجيبة على إقناع الزبائن. صاح بالرجل بعد أنْ مَلَّ إلحاحه:
أم درمان – السودان (مايو 2003م).
- يا زول ده حمارن دنقلاوي ود أمه .. إت جنيت .. إت ما بتعرف الحمير .. دحين هسه فِي حمارن بي سعرك ده .. علي بالطلاق قريشاتك العاجباتنك ديل حمارن مكادي ما يجيبنه ..
- طلاق شنو يا المعولق .. إت عندك طلاق .. الشغلة يفتح الله .. ويستر الله ..
- رأيك شنو يا الرتينة .. عليك الله كلام جابر ده كلام بيع وشِراء..
- هيا العوقة .. بقيت توسط فِي النساوين .. ماك راجل .. كان راجل بالصِح ما بتسأل الرتينة رأيها فوق شغلتك .. حمير شنو الداير تبيعه .. أنت بتعرف ليهن شنو يا البغل ..
- هوي يا البليد .. أمسك خشمك عليك .. بتاباهو بعدين .. والله صحي .. قلة الشغلة بتعلم القرد المشاط ..
- عجبتني .. أصله فلان ده شليق .. الله يطيره مِنْ السوق ده ..
- كُراع البقر جَيَّابة .. أمانة ما تضوق إيدي يا الفسل ..
- بلِّع يأخوي .. عارفه جايه مِنْ وين .. بلِّع .. بلِّع .. آخرته كوم تراب .. ده كله وسخ دنيا ..
- ياجابر يأخوي دايرين نتم الشغل ده قبل ما الضهر يدخل علينا ..
- أنا بدور أدَّخل بينكم .. كان بتسمعوا كلامي البيناتكم أقسموها ..
- علي بالطلاق أدفع ليه الدايره .. هيييع ..
- مبروك .. ربنا يبارك ليك فِيْهن ..
- مالك تتلفت زي كديس المطاعم ..
- ما فِي شيء يا الرتينة .. إلا أنا تعبان .. وداير أودي القروش دي لسياده ..
- الدنيا طايرة .. ما تقعد معاي شوية ..
- خلاص الكلام غلبك .. زمان ما كت تتمسح فِي الريد والعشم .. نضمت ما خليت كلام سمح ما قلته .. وأنا بي قلبي الرِهيِّف ما كضبتك .. هسه التقول انسدت فِي وجيهك القِبَل الأربعة .. بقيت الكلام ما بتعرفه .. تقول ماكِل سد الحنك ..
- أنا قت ليك يا مرة .. كلام واحد والله واحد .. عرس ما بعرس .. أكان بدورني بلا عرس .. أنا زولك .. غير كده ما عندي كلامن تاني ..
- هووي يا راجل .. هووي .. العديل راي .. والأعوج راي .. كمان بتدورني أبقى ليك سرية .. كلامك ده أعَّوج .. ماك راجلن حُر .. أكان حُر ما بتسوي النّي ..
أم درمان – السودان (مايو 2003م).