في صيفٍ لاهب .. مكتظٍ بالغضب و الأحلام .. و حيثُ الحصاد لا الزراعة مزاج العامة.
من شرفةٍ عالية مطلة على تلك الساحة الليلية تشهد بصمت ليلاً لم يحدث منذ أكثرَ من نصف قرن .. هناك حيث احتشدت الجموع لتغيرَ وجه الأرض .. لكن جاء الصباح حثيثاً و عادياً ككل يوم .. كأن شيئاً لم يكن !
من ثقب بابٍ ينظر الجسدُ الصغير و يراقب بخوفٍ تلك المسرحية الغريبة و النادرة في مثل هذه البلاد الصامتة.
لكنّ المشهد أوسعَ من ذاكرةٍ الأبواب، منفلتاً من عقال الخوف ، يردّدُ ما يظنّهُ حقيقة !
من يُنبت للحلمِ أنياب، فلا تدوسهُ حوافر الواقع !؟
لم تولد الثورات ل تلخّص ما نريد .. بل تولد ل تسكُب ما يفيضُ من كأس الصبر . لا يعرف الطفل أن يقول هذا .. لكنه فقط يقف في العتمة و يراقب ، مئاتُ البشر يصرخون و يضربون كعوب الطناجر مطالبين بحقوقهم المنهوبة. ينادون مستقبلهم رافعين أعلامهم كعصا موسى .. فهل يسمع ؟
تلك الساحة لأكبر مدينةٍ في العاصمة بشوارعها العريضة تصبح و لأول مرةٍ جوقةً كبيرة و بصوتٍ واحد تمزّق صمتَ الليل.
الليل الطويل الأرِق .. الذي يدفن الأحلام و يزرعها ،
فلا تتطابق المواقيت عند البشر !
أحدهم : ينسلّ بينَ الحشود ، يضع في جيبه معادلةً صعبة ، لم يجد سوى درباً واحداً لحلّها : أن يهرب نحو حلمه قتيلاً..
أحدهم : يذهب للحرب معتنقاً سلاحه، يجرفه نهر الواجب ليسقط أخيراً في دمِ الذنب.
الحلمُ و الذنبُ : توأمانِ يهبطان درج الانتقام.
إحداهنَ : ستفقد الإثنين معاً و تغرق في النحيب.
و لن يبقى على الشرفةِ سوى الطفل الذي راقبَ و شاهد كلَّ شيء و الطفلة النائمة رغم صخب تلك الليلة.
كأنَّ المشهد اسطورياً في مدنٍ لم تعرف سوى المسيرات.. في مدنٍ تصنعُ الحشودَ كما تصنعُ الدُمى و المقامات.
الوقتُ .. الثانية بعد منتصف الصرخة التي كُمّمَت.
جاء العسكر للتهدئة .. و لم تخرس الأفواه ..
الوقتُ .. الأشد حلكةً قبيل طلوع الضوء .. الصرخة تحولت لعواء و انفجارات .. تسعة عشرَ قتلوا بالرصاص الحي .. جاء الموت.
و خارجَ الوقت الرسميّ .. دُفنوا.
أجبروهم على دفن قتلاهم في وقت الحلكة و قبيلَ طلوع الضوء .. تفرقت الحشود .. و دونَ وداع ذهبَ الثائرونَ إلى نومهم الأخير.
الوقتُ .. تمامُ الصبحِ ، و الساحة نفَضت عن كتفيها هذا الكابوسَ و غسلت يديها من الدماء .. المدينة نظيفةٌ تماماً ككل المدن المتحضرة .. نزعت أقدامها من التراب الرطب ، خافيةً كلَّ الجثث و الذكريات ، ركبت موكبها و دخلت في دورة اقتصادها من جديد.
الوقتُ .. شمسُ الصباحِ التي تسيرُ إلى دوامها .. ساطعةً على الاسفلتِ المغسولِ و اللامع ..
الوقتُ .. طفلٌ نامَ على بول خوفه في العاصفة.
الوقتُ .. طفلةُ الفقد ، و أمٌّ لا تنام.
الوقت لا شيء
من شرفةٍ عالية مطلة على تلك الساحة الليلية تشهد بصمت ليلاً لم يحدث منذ أكثرَ من نصف قرن .. هناك حيث احتشدت الجموع لتغيرَ وجه الأرض .. لكن جاء الصباح حثيثاً و عادياً ككل يوم .. كأن شيئاً لم يكن !
من ثقب بابٍ ينظر الجسدُ الصغير و يراقب بخوفٍ تلك المسرحية الغريبة و النادرة في مثل هذه البلاد الصامتة.
لكنّ المشهد أوسعَ من ذاكرةٍ الأبواب، منفلتاً من عقال الخوف ، يردّدُ ما يظنّهُ حقيقة !
من يُنبت للحلمِ أنياب، فلا تدوسهُ حوافر الواقع !؟
لم تولد الثورات ل تلخّص ما نريد .. بل تولد ل تسكُب ما يفيضُ من كأس الصبر . لا يعرف الطفل أن يقول هذا .. لكنه فقط يقف في العتمة و يراقب ، مئاتُ البشر يصرخون و يضربون كعوب الطناجر مطالبين بحقوقهم المنهوبة. ينادون مستقبلهم رافعين أعلامهم كعصا موسى .. فهل يسمع ؟
تلك الساحة لأكبر مدينةٍ في العاصمة بشوارعها العريضة تصبح و لأول مرةٍ جوقةً كبيرة و بصوتٍ واحد تمزّق صمتَ الليل.
الليل الطويل الأرِق .. الذي يدفن الأحلام و يزرعها ،
فلا تتطابق المواقيت عند البشر !
أحدهم : ينسلّ بينَ الحشود ، يضع في جيبه معادلةً صعبة ، لم يجد سوى درباً واحداً لحلّها : أن يهرب نحو حلمه قتيلاً..
أحدهم : يذهب للحرب معتنقاً سلاحه، يجرفه نهر الواجب ليسقط أخيراً في دمِ الذنب.
الحلمُ و الذنبُ : توأمانِ يهبطان درج الانتقام.
إحداهنَ : ستفقد الإثنين معاً و تغرق في النحيب.
و لن يبقى على الشرفةِ سوى الطفل الذي راقبَ و شاهد كلَّ شيء و الطفلة النائمة رغم صخب تلك الليلة.
كأنَّ المشهد اسطورياً في مدنٍ لم تعرف سوى المسيرات.. في مدنٍ تصنعُ الحشودَ كما تصنعُ الدُمى و المقامات.
الوقتُ .. الثانية بعد منتصف الصرخة التي كُمّمَت.
جاء العسكر للتهدئة .. و لم تخرس الأفواه ..
الوقتُ .. الأشد حلكةً قبيل طلوع الضوء .. الصرخة تحولت لعواء و انفجارات .. تسعة عشرَ قتلوا بالرصاص الحي .. جاء الموت.
و خارجَ الوقت الرسميّ .. دُفنوا.
أجبروهم على دفن قتلاهم في وقت الحلكة و قبيلَ طلوع الضوء .. تفرقت الحشود .. و دونَ وداع ذهبَ الثائرونَ إلى نومهم الأخير.
الوقتُ .. تمامُ الصبحِ ، و الساحة نفَضت عن كتفيها هذا الكابوسَ و غسلت يديها من الدماء .. المدينة نظيفةٌ تماماً ككل المدن المتحضرة .. نزعت أقدامها من التراب الرطب ، خافيةً كلَّ الجثث و الذكريات ، ركبت موكبها و دخلت في دورة اقتصادها من جديد.
الوقتُ .. شمسُ الصباحِ التي تسيرُ إلى دوامها .. ساطعةً على الاسفلتِ المغسولِ و اللامع ..
الوقتُ .. طفلٌ نامَ على بول خوفه في العاصفة.
الوقتُ .. طفلةُ الفقد ، و أمٌّ لا تنام.
الوقت لا شيء