حبيبتي، يحلو لي أن أناديك هكذا فأستأنس، كمن يناجي النجوم في السماء، وكمثلها أنتِ بعيدة. أردت أن أحكي لك كيف اكتشفوا الحب، قديمًا عندما كان أجدادنا يحتمون في الكهوف، بأدمغة أصغر قليلًا من أدمغتنا، لم يكن لديهم وقتٌ للحب، أو ربما لم يسجلوه أو يرسموه على جدران الكهوف كما وصلتنا أولى وسائل التعبير الإنساني التي تسرد معاركهم مع الطبيعة، فاحتفظوا بالحب لأنفسهم، لأنهم لم يستطيعوا التعبير عنه كما يجب، كانوا يعيشونه ولا يعبرون عنه. لم يكن لديهم حسابات تواصل اجتماعي ليجيبوا عن سؤال: بما تفكر الآن؟ آه أفكر فيكِ يا حبيبتي، أفكر كيف سأقدم لك قرنا غزال، وسلسلة من أسنان السنوريات، لأخبرك أن خاب سعيي في الطبيعة إن لم يكن مكرسًا لك، وأن معاركي في الحياة كلها صغرى أمام معركتي للبقاء بجانبك، أن صراع البقاء الحقيقي، ليس لحفظ جيناتنا ونقلها للأجيال التالية، وإنما "للبقاء" بجانبك، في ليلة مقمرة، ولا شيء يلفنا سوى السكون، وبنات آوى تعوي في الجوار، وأنتِ في حضني.
في نقطة غير محددة من الزمن، يلتقي رجل وامرأة، يتعارفان كأنهما ينظران لأنفسهم في المرآة لأول مرة. يشيران إلى تفاصيل جسديهما، إلى الصدر الذي يلقي خلفه بالعالم بأسره كمجلة قديمة، إلى الشفتين اللتين تعرضان كلام القواميس كلها دون أن تنبسا، إلى العينين والأنف، ما هذا الجمال! تسأل المرأة الرجل: منذ متى وأنت هنا؟ يجيب الرجل بأنه شعر بوجوده مذ رآها. كأنها الشمس، ذوّبت ما يحيطه من جليد كجنين محفوظ، لتنبض فيه الحياة لأول مرة. يسألها، هل ستبقين هنا؟ تجيب بأنها لا تعرف، لكنها تطلب منه البقاء الى جانبها. يشعران بالغرابة، أنا أيضًا أشعر بالغرابة إذ أراقبهما، شيء ما خفي يسرق الوجود بأسره ويصيّره ممسوكًا في قبضة كل منهما، العينان تتلاقيان دون أن ترمشا، انهما يتحركان باتجاه بعضهما البعض، وحول بعضهما البعض، دون أن يعيا مساحة البياض الذي وجدا فيه، غير عابئين بأي شيء ولا حتى بي، سوى ببعضهما البعض. كانا يرقصان، يولدان من جديد، ينبثقان من كيانيهما، يتعرّيان من كل الريش، ليطيرا لأول مرة بلا أجنحة. كانت الرغبة شمعة وقّادة تنتقل من يده إلى يدها ومن يدها إلى يده في عناق الأيدي. لم تكن الأجساد التي تعتصر بل الكون بأسره، كنت أراقبهما بشغف بينما تتفلت الأيدي، وتمد خيطًا لا مرئيا كخيط العنكبوت بينهما، لم يكن مرئيًا بالنسبة لي، لكني متأكد أنهما كانا يشعران به، يشدهما إلى بعضهما البعض. كانا يحلمان، عرفت ذلك من أعينهما المغمضة في ضياع آخر. كانت احتمالات اللقاء بينهما تتوالد مثل بيض السمك، بلا انتهاء، كانا يمسكان بلقاء أو برغبة، وسرعان ما يتركاه في تشوّش للحاق باللقاء الآخر. كانا يسابقان ليس بعضهما البعض، بل نفسيهما الاثنتين سوية، يلفيا نفسيهما يتحاببان في موضع، حتى يطيرا إلى موضع آخر. كان الكون كله مسرحًا للحلم، وكان الحلم سهلا ومنسابا كالماء، يتدفق بينهما، فيغرقان في شلالاته، لينجرفا مع أمواجه بحره، ليهدرا في جريان جدوله، كانا أحرارًا، كالسمك، والعالم الخارجي وديع كقط أليف. لم يكونا يملكان ذاكرة، كان الحب هو ذاكرتهم الخاصة المشتركة، عندما سألها: أستذكرينني؟ أجابت: سأتذكرك طالما ستتذكرني. الآن فقط فهمت منهما، ما الذي تعنيه جملة سأتذكرك طالما ستتذكرني، كانا على قناعة بأنهما سيلتقيان دائمًا، حتى وإن لم يعرفا بعضهما البعض، كان الحب هو الشجرة التي يلتقيان تحتها، وفي كل مرة كانا يقعان في حب بعضهما البعض من جديد، لم أكتشف الحب من مراقبتهما، اكتشفته بنفسي، لقد أحببت أنا أيضًا أجمل فتاة بالعالم بأسره، هذه ليست قصة عن أول اثنين اكتشفا الحب، فكل يتم اكتشافه كل يوم وكل يوم يولد الحب من جديد بين قلبين اثنين.
مهند يونس.
في نقطة غير محددة من الزمن، يلتقي رجل وامرأة، يتعارفان كأنهما ينظران لأنفسهم في المرآة لأول مرة. يشيران إلى تفاصيل جسديهما، إلى الصدر الذي يلقي خلفه بالعالم بأسره كمجلة قديمة، إلى الشفتين اللتين تعرضان كلام القواميس كلها دون أن تنبسا، إلى العينين والأنف، ما هذا الجمال! تسأل المرأة الرجل: منذ متى وأنت هنا؟ يجيب الرجل بأنه شعر بوجوده مذ رآها. كأنها الشمس، ذوّبت ما يحيطه من جليد كجنين محفوظ، لتنبض فيه الحياة لأول مرة. يسألها، هل ستبقين هنا؟ تجيب بأنها لا تعرف، لكنها تطلب منه البقاء الى جانبها. يشعران بالغرابة، أنا أيضًا أشعر بالغرابة إذ أراقبهما، شيء ما خفي يسرق الوجود بأسره ويصيّره ممسوكًا في قبضة كل منهما، العينان تتلاقيان دون أن ترمشا، انهما يتحركان باتجاه بعضهما البعض، وحول بعضهما البعض، دون أن يعيا مساحة البياض الذي وجدا فيه، غير عابئين بأي شيء ولا حتى بي، سوى ببعضهما البعض. كانا يرقصان، يولدان من جديد، ينبثقان من كيانيهما، يتعرّيان من كل الريش، ليطيرا لأول مرة بلا أجنحة. كانت الرغبة شمعة وقّادة تنتقل من يده إلى يدها ومن يدها إلى يده في عناق الأيدي. لم تكن الأجساد التي تعتصر بل الكون بأسره، كنت أراقبهما بشغف بينما تتفلت الأيدي، وتمد خيطًا لا مرئيا كخيط العنكبوت بينهما، لم يكن مرئيًا بالنسبة لي، لكني متأكد أنهما كانا يشعران به، يشدهما إلى بعضهما البعض. كانا يحلمان، عرفت ذلك من أعينهما المغمضة في ضياع آخر. كانت احتمالات اللقاء بينهما تتوالد مثل بيض السمك، بلا انتهاء، كانا يمسكان بلقاء أو برغبة، وسرعان ما يتركاه في تشوّش للحاق باللقاء الآخر. كانا يسابقان ليس بعضهما البعض، بل نفسيهما الاثنتين سوية، يلفيا نفسيهما يتحاببان في موضع، حتى يطيرا إلى موضع آخر. كان الكون كله مسرحًا للحلم، وكان الحلم سهلا ومنسابا كالماء، يتدفق بينهما، فيغرقان في شلالاته، لينجرفا مع أمواجه بحره، ليهدرا في جريان جدوله، كانا أحرارًا، كالسمك، والعالم الخارجي وديع كقط أليف. لم يكونا يملكان ذاكرة، كان الحب هو ذاكرتهم الخاصة المشتركة، عندما سألها: أستذكرينني؟ أجابت: سأتذكرك طالما ستتذكرني. الآن فقط فهمت منهما، ما الذي تعنيه جملة سأتذكرك طالما ستتذكرني، كانا على قناعة بأنهما سيلتقيان دائمًا، حتى وإن لم يعرفا بعضهما البعض، كان الحب هو الشجرة التي يلتقيان تحتها، وفي كل مرة كانا يقعان في حب بعضهما البعض من جديد، لم أكتشف الحب من مراقبتهما، اكتشفته بنفسي، لقد أحببت أنا أيضًا أجمل فتاة بالعالم بأسره، هذه ليست قصة عن أول اثنين اكتشفا الحب، فكل يتم اكتشافه كل يوم وكل يوم يولد الحب من جديد بين قلبين اثنين.
مهند يونس.
صفحة الكاتب والقاص مهند يونس
صفحة الكاتب والقاص مهند يونس. Gefällt 57.146 Mal. صفحة تهتم بجمع ونشر قصص الكاتب الصيدلي المبدع مهند يونس. ذهب إلى الرفيق الأعلى بجوار ربه في ٢٠١٧/٨/٢٩ عن عمر ٢٣ ربيعا. لروحه المحبة والسلام.
www.facebook.com