مهند يونس

كانت هناك هذه السيدة الكبيرة في السن، خلال فترة تواجدي في الصيدلية، اعتدت على التعامل معها، فهي تأتي مساءً خلال مناوبتي، واعتادت على شراء كميات اضافية من الأدوية تقيها شر الخروج المتكرر في الشتاء، أو هذا ما أقنعتها به، خوفًا عليها ولا يخلو هذا الخوف من بعض الطمع في جعلها تشتري أكثر، أدوية الضغط...
ما زلت أذكر جيدًا ذلك اليوم الذي التقيتُك فيه لأول مرة، كنتُ في الثانوية العامة، وطوال الطريق إليك كنتُ- كعادتي قبل الذهاب إلى أي لقاء مهم- أتخيل كيف سيكون اللقاء، بل وأتمادى في رسم الحوارات والسيناريوهات المتوقعة. صافحتَني بحرارة ثم تحسست وجهي بين يديك. تنظر إليّ وتقول في نفسك، كيف تحوّل ذلك...
ينهض الروائي لمكبته، ليهمّ بإكمال الفصل الثالث من روايته، ينظر باستغراب، تجحظ عيناه، ينسحب بجسده إلى الخلف، يفرك عينيه أكثر من مرة، ويلقي باللائمة على نوع سجائره الذي قام بتغييره مؤخرا، لكن لا شيء بإمكانه فعله، يقلب الصفحات، يبحث هنا، يبحث هناك، كل أسماء الشخصيات وضمائر الملكية وضمائر الغائبين...
على الخريطة. تساقطت تباعًا كسماء أمطرت مقصلاتٍ في ليلة بلا غيم ٍ، ثم بطريقة ما أصبحت جزءًا من الشجر والبشر و الحجر ، لم يمت أي شيء ، ولم يعش ، ظل كل شيء معلقٌ على هاوية الحياة ، ولا تزال العنقاء تنتظر رمادًا كافيًا لتنتفض. والحدود مساحةٌ عابرةٌ لقضاء ما استعصى قضاءه خلفها أو أمامها ، كأن ينتقل...
التاسعة مساءً، لا كهرباء، اللّيدات تلقي بضوئها الخجول على الورقة، اعتدت الكتابة على اللابتوب، لكنه معطّل والايباد بطاريته نفذت، نصف سيجارة بيدي اليسري يتصاعد منها خيط أبيض نحو السقف ويدي اليمنى يحرّكها القلم الاسود. الآن سأكتب القصة، هل من السيء أنها تحتوي على الكثير من الحوار؟! أعددت كأس شاي...
تطلّ من شباك بيت الجيران- الذي لم ألحظه سوى الآن- فتاة تبتسم بمكرٍ، أبتسم لها ببلاهة، تلقي بماء الغسيل فوق رأسي، ألتفت مرة أخرى وأحييها، أمشي بضع خطوات، وأتحسّر على نصف سيجارة، تحتبس في صدري. أركب سيارة الأجرة، بجانب السائق الخمسيني، يبتسم لي، بثلاث أسنان أمامية، أستلُّ سيجارة لأشعلها، فيعترض...
"ابنتي العزيزة ، أعلم أنكِ عندما تصحين من أثر المخدر ، لن تجديني بجوارك ، وأنتِ تعلمين كم يؤلمني ذلك، اني خَجِلٌ من نفسي أمامك ، خجل من شعري أمام شعرك الناحل ، وجسدك الهزيل ، وعيناك الغائرتين . لا أستطيع مهما حاولت أن أبرر عدم وجودي بجانبك بعد الآن ، أتمنى لو كنت أمنية محققة لكِ ، أو صلاة لا...
ذلك الشاب الساخط المتذمر ، يُطِلُ من بين ماكينات التصوير ، رافعًا حاجبيه كدلالة على أنه لم يسمع ما يريده الطلاب ، ثم يعود ليدس رأسه في ماكينة التصوير ، التي أقامت وأصابعه علاقة طويلة الأمد ، حتى صار بامكانه التعامل مع آلتين في الوقت ذاته كأنه -ياني- حين يعزف على أكثر من أورغ في آن واحد . تلك...
كان السيد سين مهووساً بجمع الاسطوانات الموسيقية، لقد كان يمتلك حساً موسيقياً مرهفاً، ورغم ذلك فلم يتعلم الموسيقى أبداً. كل حبه للموسيقى تمثّل في الاستماع لها. كان يستمع كأنه يصلّي، الموسيقى الكلاسيكية بالذات. في منزله الصغير جداً، دائماً ما كان يُسمع من داخله صوت الإذاعة الكلاسيكية ليل نهار...
كنت أعرف امرأة استوطن السرطان رحمها. وهناك في رحمها، يختبئ كل الأطفال الذين لم تلدهم أمهاتهم، روضة أطفال رحمها، تُلصقهم صدرها، تلقُمهم ثديها، وتمد لهم ذراعيها بين الحبو والعَدْوِ، تدسُّ لهم شطائر الزعتر بحقائبهم عنوةً، تمشّط شعرهم، وتجدّل شعرهنّ في حضنها، تراقبهم من وراء الشباك يركبون الباص، بكل...
كان حجمها برأس نملة لكنها كانت قادرة على التطويح بهذا الجسد الكبير وجعله يتهاوى دابًا الأرض، لقد كان الرجل في معرض بحثه عن الله في سنوات حياته الأخيرة، فقد أضحى يصلي بل ويصوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع. لا يريد للقطار أن يفوته. خمنت بفعلها هذا أنها قدمت اليه معروفًا، من يظفر بموتة كهذه،...
في بلدة الحوادث يسكن الشاب العنيد، هذه صفته واسمه أيضاً، وهذه صفة البلدة واسمها أيضاً. من الطبيعي جداً أن تتصادم السيارات ببعضها البعض، يمر الناس دون اكتراث من فرط تكرار مثل هذه الأحداث، بل إن على مدخل البلدة ينتصب بشكل ملفت للزائرين الجدد، هيكل متبعج لسيارة قديمة يقال إنها أول سيارة تعرضت لحادث...
في طريق العودة إلى المنزل، هرباً من نصف محاضرة، سحبت نفسي خارجاً منها كالهارب من ساحة قتل، كانت بانتظاري سيارة أجرة، فوتُّ عدة سيارات قبل أن أركبها، لا أعلم لماذا، استقلّيتها، وكان في المقعد الأمامي بجانب السائق رجل خمسيني، يبدو أباً مثالياً بحلة وشعر أشهب يساعدانه على لعب ذلك الدور بحرفيّة...
صفع باب الكوخ ،كأنه يحمله معه خارجًا. مضى بخطى غير محسوبة نحو البحيرة التي تتوسط الغابة ، متعاركا مع أفرع الشجيرات المتهدلة وأوراقها المتشابكة في طريقه. عندما وصل جلس القرفصاء يبكي من داخله ولا تجاوبه الدموع. التقط حجرا وأرسل معه حظه العاثر قبل أن يرميه بالبحيرة كأنه يلوح بفأس. تقافز الحجر عدة...
كنت في السوق أعمل في أحد محلات الملابس النسائية، عندما رأيتها أو بالأصح: عندما رأتني- فهي ترى مني أكثر مما أرى منها. أعرف الشفاه التي تضحك، والخدود التي تُمَطُ وتُشَدُ والأَجْبُنٌ الغارقة في تجاعيدها من شدة الضحك، لكنّي لستُ معتادًا على العيون التي تضحك، كيف لك أن تعرف أن ثمّة عينان تضحكان بدون...

هذا الملف

نصوص
24
آخر تحديث
أعلى