مهند يونس - السرطان

كنت أعرف امرأة استوطن السرطان رحمها. وهناك في رحمها، يختبئ كل الأطفال الذين لم تلدهم أمهاتهم، روضة أطفال رحمها، تُلصقهم صدرها، تلقُمهم ثديها، وتمد لهم ذراعيها بين الحبو والعَدْوِ، تدسُّ لهم شطائر الزعتر بحقائبهم عنوةً، تمشّط شعرهم، وتجدّل شعرهنّ في حضنها، تراقبهم من وراء الشباك يركبون الباص، بكل صخبهم الطفولي وشقاوتهم، يختبئون هناك، لا يلمسهم أحدٌ سواها، تبتسم لهم ماسحةً دمعها غير المفهوم، يقذفون بعضهم البعض بالحصى، ويتلكؤون في شرب كأس الحليب الصباحية، يقسّمون بعضهم فرقتين لكرة قدم، ويبتسمون إذ تطل عليهم من نافذتها السريّة، تبكي عندما يدقّ مسمارٌ قدم أحدهم، يركلون الأرض رافضين الذهاب للدوام المدرسي، يستلقون على بطونهم أرضاً لحل واجباتهم المدرسية وأقدامهم تلاعب الفراغ، يشد الأولاد منهم شعر أخواتهم الفتيات، يقرصون بعضهم، يختبئون منها، في براءة، خلف ستارة الشباك القصيرة، يرتكبون سيئات ملائكية، وكذبات بيضاء، يتقافزون فوق أسرّتهم لملامسة السقف، يصعدون على السلم المدرسي، يكبرون هناك ببطء الحياة الطبيعية وتسارعها، يتخرجون من المدرسة، يعودون بلهفةٍ ساعة الغداء، يتسع حضنها الرحب مهما كبروا، تخطّ شواربهم، وتغلظُ أصواتهم، تمسكهم متلبسين بالسيجارة الأولى، وبالحب الأول، تحنث بقسمها ولا تقول للأب شيئاً عن مصائب النهار ليلاً، يعرفون سر تلك الدمعة القديمة، تمسّد شعرهم نائمين، وترقي خطواتهم بالمعوذات، تقلّب في ألبوم صورهم القديمة، تشعر بتجاعيد وجهها في المرآة إذ يكبرون معها، وتمرر يدها على بطنها ثم تغلق الباب بهدوء، ليناموا هانئين، هناك، فيما تُكمل حياكة جوربين صغيرين.


تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى