مهند يونس - جلطة

كان حجمها برأس نملة لكنها كانت قادرة على التطويح بهذا الجسد الكبير وجعله يتهاوى دابًا الأرض، لقد كان الرجل في معرض بحثه عن الله في سنوات حياته الأخيرة، فقد أضحى يصلي بل ويصوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع. لا يريد للقطار أن يفوته. خمنت بفعلها هذا أنها قدمت اليه معروفًا، من يظفر بموتة كهذه، وهو ساجد الى ربه!؟ هذا ما فطنته وهي لم تحاول شيئًا سوى الخروج، كانت تسري في طريق الشرايين التي أُعدت لها مسبقًا وخُلقت لتجد نفسها فيه، وهو أيضًا مثلها تمامًا كان يسير في الطريق المعدة له. لم يكن يفكر أن السجود والركوع قد يكونا بهذه الصعوبة، لكنه عمرٌ طويل، كأنه انحنى وهو شاب ليلتقط شيئًا من الأرض حتى اعتدلت قامته بات في الستين من عمره، هكذا هرب العمر، وهو مضطرٌ الآن للهدوء والاستقالة من "الصخب والعنف" بعد أن استقال من عمله، وتقاعد براتبٍ يكفي لحفظ ضئيل إيمان الفقير بربه، واستكان. لقد استكان الآن للأبد، الأولاد يصرخون، لم يكبروا أبدًا، يحدث نفسه وهو مبتسم لكنه غير قادر على الحديث، وكأن أحدهم غرز سكينًا في صدره، يريد أن يصرخ من شدة الألم وأن يرى من هذا الذي غرزها، لكنه ألفى جسده ممددًا عن سجادة الصلاة أرضًا. وضعت زوجته بسرعة حبة تحت لسانه. اليوم الجمعة، كل الأولاد والأحفاد هنا من حسن حظه، أحد الصغار ينظر من بعيد وهو يحبو، عيناهما على مستوى واحد، يبتسم له، بنصف فم. الاسعاف يجوب شوارع المدينة الحالكة، المسعفون حلّوا أزرار قميصه وألصقوا أسلاكًا بصدره، إنه مسترخٍ تمامًا. لم ينته الأمر كما أراد، صحيح أنهم يلبسون أبيضًا ويُسمَون ملائكة الرحمة، لكن ماذا لو كان الاستقبال هكذا؟ إنه لا يدري، لكنه ما زال مبتسمًا، وهو يسمع كلمة "جلطة" تدور حوله وتتكرر كثيرًا. وينظر تجاه زوجته، ويستمر بالابتسام. يشعر الآن أنه أدى الأمانة، ويتمنى أن يفشلوا في انعاشه. يشعر بالتعالي الطفيف بمعناه الفلسفيTranscendenc -، وأنه محمول إلى مكان آمن.

مهند يونس

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى