كيف يختار الأدباء عناوين الكتب التي يؤلفون

الكثير من الكتاب باتوا يرون في العناوين الغريبة وسيلة لإغراء القارئ، إذ نجد مثلا في واجهات المكتبات في مصر كتبا بعناوين غريبة مثل ”إيجو مينيا” و”نابروجادا” و”نيكروفيليا” و“باراكوسيا”، وكلها عناوين لروايات صدرت في القاهرة خلال الأعوام الأخيرة.



الغرابة نسبية



الروائية سلوى بكر، التي تحمل أغلب رواياتها عناوين غريبة، تقول إن العنوان شيء هام في الرواية، إذ هو مدخل القارئ إلى العالم الروائي، والعنوان الأفضل هو الذي يستطيع تكثيف الخطاب الروائي، وتلخيصه ودفع القارئ في اتجاه هذا الخطاب، مشترطة في ذلك أن يكون العنوان مجازيا ومصاغا بشكل فني بعيد عن المباشرة، فالمباشرة ضد الفن، وكذلك تعمد الغرابة أو اللجوء إليها لمجرد الترويج، ولا بد أن يراعي الكاتب ضرورات الفن وهو يختار عنوان عمله حتى وإن بدا غرائبيا، فتلك مسألة نسبية وقد لا يدرك المتلقي معنى العنوان لنقص في معرفته.

أما الروائى والأكاديمي محمد سليم شوشة فيشترط أن يكون العنوان محفزا للقارئ أو مثيرا لدهشته وباعثا على طرح الأسئلة حتى وإن بدا غريبا، فهذا أمر طبيعي ويظنه مقبولا، أما أن تكون غرابته مقصودة لذاتها، وليس بينه وبين المتن الروائي صلة بحيث يكون مجرد كلمة غريبة غامضة، فهو كما يقول “نوع من الافتعال الذي أحسبه يؤدي إلى إفشال التواصل مع القارئ وكسب ثقته، والمعروف نقديا وصار من البديهيات، أن العنوان مدخل أو عتبة لبقية النص الروائي، فهو جزء من بنية النص وربما يكون الجزء الأكثر أهمية أو الوحدة ذات الاشتغال المنفصل/ المتصل في الوقت نفسه، فهو يعمل منفردا على الغلاف وبعيدا عن تلقي النص، ثم يعمل كذلك وقت القراءة والاندماج مع بقية النص الروائي، حيث تستدعيه ذاكرة القارئ بشكل من الأشكال أو يتكرر حضور العنوان كليا أو جزئيا داخل المتن”.

وعن تجربته كروائي مع العناوين يقول شوشة “عن نفسي، الأساس عندي دائما هو أن يكون العنوان ذا صلة قوية بالمتن السردي، وقد يتكرر حضوره في الداخل ولو مرة واحدة على الأقل في نوع من الربط المباشر بين النص وعنوانه. ولكنني لا أميل إلى النمط الشائع من التسمية بكلمة واحدة أجنبية غامضة كاسم دواء أو مادة كيميائية أو أي شيء على هذا النحو”.

الروائي ناصر عراق يقول “أظن أن لا مشكلة في غرابة العنوان في حد ذاته، المهم أن يكون معبرا عن محتوى الرواية، ولنا في إحسان عبدالقدوس أسوة حسنة، بوصفه أكثر الكتاب المصريين جرأة في ابتكار عناوين غريبة، لكنها معبرة وذات دلالات عميقة، خذ عندك: الوسادة الخالية، لا تطفئ الشمس، أبي فوق الشجرة، أنف وثلاث عيون، علما بأن هذه العناوين عمرها تجاوز نصف القرن”.

وبخصوص عناوين رواياته يقول “إنني أبذل جهدًا كبيرًا جدًا كي أصل إلى عنوان يرضيني، ولك أن تتخيل أن رواية مثل ‘العاطل‘ وضعت لها أربعين عنواناً مختلفاً قبل أن أستقر على ‘العاطل‘، وكذلك رواية ‘نساء القاهرة. دبي‘، خصصت لها نحو خمسة وعشرين عنوانا قبل أن أجنح إلى العنوان الذي نشرت الرواية به.

ويضيف عراق “في تخيلي العنوان يجب أن يكون معبرًا عن محتوى الرواية، وأن يكون جذاباً للقارئ، كما أظن أنه من غير اللائق أن يظل الروائي معتمدًا على صيغة معينة في العنوان، بمعنى أن تكون عناوين رواياته كلها مكونة من كلمة واحدة، أو مكونة من مضاف ومضاف إليه”.

أما الروائي إبراهيم عبدالمجيد فيولي العنوان عناية فائقة، وقد وصفه المنسي قنديل بأنه يحسن دائما اختيار عناوين رواياته، فيقول “بالنسبة إلى مسألة العنوان لا توجد قاعدة ثابتة ولا طريقة واحدة، فقد تبدأ الكتابة وهناك عنوان يلح عليك، ويكون واضحا تماما في ذهنك مثلما حدث مع رواية ‘الصياد واليمام‘ لأن التطور الرئيسي في الرواية هو صياد اليمام”.

ظاهرة تكرار العناوين لأعمال سابقة لاقت نجاحا، أو تعمد اختيار عنوان غريب لجذب القارئ هو ظاهرة غير جيدة
لكن عبدالمجيد يقر أن الأمر يختلف من رواية إلى أخرى، ويقول “هناك روايات كنت أشرع في كتابتها وليس في ذهني أي تصور للعنوان، وإنما أعمل وفق تصور عام للموضوع. أيضا الشخصيات في الرواية قد تلعب دورا في اختيار العنوان بمعنى أن العنوان يتخلق أثناء الكتابة، ولكن السائد هو الحيرة في اختيار العنوان، وهذا يأخذ مني وقتا كبيرا”.



ظاهرة غير جيدة



يضع الدكتور مدحت الجيار شروطا لاختيار العنوان أولها أن يكون دالا على معنى داخل النص وأن يحمل جانباً سواء كبيراً أو صغيراً من دلالة الفكرة التي يتحدث عنها العمل الإبداعي. وثانيها في رأي الجيار أن يكون اختيار العنوان كأحد مفاتيح الدخول إلى النص وليس شرطاً أن يكون هو المفتاح الوحيد لقراءة واستكشاف النص ولكن من الضروري أن يكون أحدها. وعن توقيت اختيار العنوان سواء قبل الكتابة أو بعده، يؤكد الجيار ”ليست هناك قاعدة ثابتة لذلك ويعود هذا الأمر إلى المبدع ذاته وهو يختلف من مبدع إلى آخر”.

ويؤكد الدكتور حسام عقل أستاذ النقد الأدبي بجامعة عين شمس على وجود الظاهرة، يقول ”للأسف نجد أن بعض الروائيين يفكر في العنوان ربما أكثر من تفكيره في موضوع الرواية نفسها وفي بنائها الفني ولغتها، وكلها عناصر لا بد من الاهتمام بها إن كان يرغب في تقديم أعمال جيدة تدوم طويلا، لكنه يعتبر العنوان وسيلة الجذب الوحيدة للقارئ، فيختار عنوانا غريبا قد لا يفهمه القراء، ولا يدركون معناه، لكنهم ينجذبون إليه لغرابته، وقد يلجأ الكتاب أيضا إلى اختيار عنوان لعمل ناجح في آداب وثقافات أخرى، وتلك ظاهرة قديمة ففي الأربعينات من القرن الماضي أصدر الدكتور يوسف عزالدين عيسى رواية بعنوان “العسل المر”، وهو نفس عنوان رواية ذائعة الصيت للروائي الإيطالي ألبرتو مورافيا، وسواء كان دافعه التأثر بعنوان رواية مورافيا أو الرغبة في استثمار نجاحه إلا أن ظاهرة تكرار العناوين أو تعمد اختيار عنوان غريب هي ظاهرة غير جيدة”.

وفي رأي القاص سعيد الكفراوي لا يمكن لكاتب أن يقدم على كتابة عمل جديد وهو على معرفة بعنوان هذا العمل، فالعنوان دائما يأتي عبر الكتابة، وعبر اكتشاف عالم يسعى الكاتب إلى تحقيقه من خلال النص الذي يكتبه، وربما يجيئ العنوان بعد الانتهاء من كتابة العمل، فعنوان أي عمل فني هو الضوء الكاشف للدلالة والمعنى، وبالطبع هناك أعمال أكد قيمتها العنوان وأسهم في نجاحها، وهناك روايات كثيرة لم يبق في ذاكرة القارئ منها إلا العنوان، فالعنوان الجيد يثير دهشتنا دائما، ويعلق بذاكرتنا، ويستقر في ضمير المتلقي.

ويضيف الكفراوي متحدثا عن تجربته الذاتية ”العنوان عندي يأتي في آخر مراحل الكتابة فأنا لا أبدأ كتابة قصة وأقول ستكون بعنوان كذا، فالعمل هو الذي يكتب نفسه، ومن الإيقاع والملامح الأساسية للشخصيات، ومما يمكن أن يبقى من العمل الإبداعي في القلب، من هذه الأشياء كلها يتم اختيار العنوان أو حتى المفاضلة بين أكثر من عنوان”.

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى