عادل الاسطة - ترجمة الترجمة.. كسل المترجم

عول بعض المستشرقين الألمان علي في أن أكون صلة وصل بين الدارسين الألمان للأدبيات الفلسطينية والقراء الفلسطينيين ، واقترح من تعرفت إليه منهم علي أن أقرأ بعض دراسات لعلني أفيد منها وأنظر في طريقة كتابتهم . هذا التعويل أو التوقع دفعني لأن أولي الموضوع جانبا من نشاطي .
ولا شك أيضا أن هناك دافعا ذاتيا حثني على القيام بمهمة مثل تلك ، وبناء على ما سبق فقد دربت أصابع يدي على الترجمة . غير أني عزفت عنها وآثرت أن أدرس الأدب الفلسطيني وأدباء عربا وأتمكن من المصطلح النقدي الأدبي ، فقد يكون هذا أجدى .
في 90 القرن 20 ترجمت عددا من دراسات المستشرقين الألمان ، ثم درستها وأنجزت عنها دراسة عنوانها " في مرآة الآخر : استقبال الأدب الفلسطيني في ألمانيا " ، وبين فترة وفترة كنت أعود إلى ترجماتي أقرؤها فكانت أحيانا تروق لي وأخرى لا تروق ، ومع ذلك فقد تعلمت منها درسا في الترجمة يمكن إيجازه بالآتي :
- لقد آثرت ألا أترجم إلا ما كنت متمكنا من موضوعه.
- لقد ألزمت نفسي أن أعود إلى النصوص الأدبية الفلسطينية والعربية المنقولة إلى الألمانية أو الانجليزية ، فلا أترجم المترجم عن العربية .
- لقد رأيت أن أصوغ ما أترجمه بلغتي وأسلوبي وألا أحرص على الترجمة الحرفية - إن بدت الصياغة العربية ملتوية .
- وقد عزمت على أن أصبر وألا أتعجل وأن اسأل واسترشد .
مؤخرا أرسل إلي الشاعر والروائي الفلسطيني المقيم في الكويت محمد الأسعد دراسة كتبتها بالإنجليزية د.اناهيد الحردان من جامعة لندن ونقلها إلى العربية د.خالد الجنفاوي ، وطلب الشاعر مني أن أبدي رأيي فيها وأدون ملاحظاتي حولها ، ويرى الأسعد أننا في عالمنا العربي نفتقر إلى دراسات مثل هذه ، وهذه وجهة نظر .
وللشاعر والروائي وجهة نظر سياسية تقوم على فكرة وحدة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج ، فكلاهما يكمل بعضه بعضا .
قرأت الدراسة التي عنوانها " " المتشائل" و " أطفال الندى" ..تجربتان مختلفتان ومتكاملتان في الرواية الفلسطينية "( مجلة "نزوى " عمان/ اكتوبر 2009 ) ولاحظت ، وأنا أقرأ النصوص المقتبسة من "المتشائل " ، أنها مختلفة عنها في النص الأصلي ، وشعرت أنني أقرأ رواية أخرى غير الرواية الفلسطينية التي قرأتها ودرستها وكتبت عنها ، وكان العنوان أول ما التفت إليه . فالعنوان الأصلي هو "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل " وورد في الدراسة المترجمة " الحياة السرية لسعيد أبي النحس المتشائل " ، وثمة فارق كبير بين العنوانين .
الاختلاف بين العنوانين حثني على إمعان النظر في النصوص المقتبسة ، بل وفي الدراسة نفسها وما ظهرت عليه بعض آراء الدارسة في النص المترجم ، ولا أعرف إن كانت آراؤها في النص الأصلي لدراستها تتطابق وما ورد في الترجمة ، وهذا يحتاج إلى قراءة الدراسة بالانجليزية .
قبل أن أنقل نصوصا من الدراسة تعزز ما أذهب إليه أود لفت الانتباه إلى الأمر الآتي .
لم ألتفت إلى النصوص المقتبسة من " المتشائل " وحسب ، فلقد أمعنت النظر أيضا في النصوص المقتبسة من " أطفال الندى " ولاحظت أن اختلاف النص المترجم عن النص الأصلي في "أطفال الندى " ، خلافا له في " المتشائل " ، يبدو طفيفا ، ما جعلني أتساءل إن كان المترجم هنا عاد إلى " أطفال الندى " ونقل النصوص منها ، وإن لم يكن النقل دقيقا مائة بالمائة .
الملاحظة السابقة جعلتني أبحث عن تفسير لهذا الأمر .
إن كان المترجم عاد إلى النص العربي ل "أطفال الندى " فلم لم يعد إلى النص العربي ل " المتشائل "؟ وإن لم يعد إلى النص العربي وترجم المترجم فما هو سبب الاختلاف في ترجمة المترجم من الروايتين ؟
طبعا ليس هناك سوى تفسير واحد هو اختلاف اللغة اختلافا كبيرا لدى الكاتبين ، وهذا ما لا يختلف عليه قاريء حصيف ذو حس لغوي .
لغة حبيبي خارجة من رحم لغة "البخلاء" و"المقامات" و"رسالة الغفران" والتراث الأدبي العربي القديم ، ولغة الأسعد لغة شاعرية فصيحة ، ولكنها أقل اهتماما بالسجع والجناس والمحسنات البديعية التي تحفل بها لغة حبيبي ، فقد كتب الأخير بأسلوب تراثي جعل د.فيصل دراج يرى أنه يعمد إلى "ترهين التراث " - أي يجعل من التراث راهنا معاصرا .
سوف أنقل نماذج من النصوص المقتبسة من "المتشائل " ، كما كتبها حبيبي ، وكيف بدت هذه النصوص حين نقلت عن الترجمة الانجليزية - يعني ترجمة الترجمة .
لاحظنا ابتداء العنوان الأصلي وترجمة ترجمته ، والآن لننظر :
1- " سعيد يعلن أن حياته في إسرائيل كانت فضلة حمار " ( الرواية )
"حياتي اللاحقة في إسرائيل إذن كانت بالفعل هبة من من ذلك الحيوان السيء الحظ "( الدراسة)
2- " فكيف علينا أن نقوم حياتي يا أستاذ " ( الرواية)
"أية قيمة يجب أن تكون لحياة مثل حياتي إذن يا سيدي المحترم "( الدراسة )
3- " أغلقت وريثتها الشرعية ، من عهد نوح ، الباب في وجهها "
" ادعت ملكيته وريثتها الشرعية ( عائدة بالادعاء إلى زمن نوح )"
4- " سعيد يلتجيء لأول مرة إلى الحواشي "
" سعيد يلجأ إلى حاشية "
5- " و أيقنت صحة استنباطكم ، يا محترم ، بأن التاريخ ، حين يعيد نفسه ، يعيدها متقدما أماما ، من بلا شي إلى ليرة . إن الأمور ، حقا تتقدم.."
" حين يعيد التاريخ نفسه يا سيدي المحترم ، يجلب معه تقدما ، لأننا انتقلنا من المنح بالمجان إلى البيع بجنيه واحد . حقا إن الأشياء تتقدم " .
6 - " يا سعيد ، لا يهمك ، فإنني عائدة "
" هذا بلدي ، لا تقلق سعيد ، سأعود إليك " .
هل من ضرورة بعد ما أشرت إليه عن الفارق بين ترجمة نصوص الروايتين لملاحظة النصوص المقتبسة من رواية الأسعد ومقابلة شكلها في الرواية والدراسة ؟
لا أرى ضرورة لذلك ، ولكن إذا طلب مني قاريء ما أن أنجز هذا فسوف أنجزه .
حين ترجمت دراسة (اشتيفان فيلد )"اليهودية والمسيحية والإسلام في الشعر الفلسطيني " عدت إلى دواوين الشعراء كلها لأنقل النص الأصلي ، وكذلك فعلت حين ترجمت رسالة الماجستير لنادية عودة عن الشاعرة فدوى طوقان " الشعر جسر نحو العالم الخارجي " .
بقي أن أطلع على الدراسة باللغة الإنجليزية لأرى ماذا رأت الدارسة في سعيد . في الترجمة قالت إنه أحمق ،وهو في الرواية ليس كذلك. إنه متغاب وثمة فرق بين الأحمق والمتغابي.
وبقي أن اسأل عن ترجمة أنطون شماس لعبارة " كنت أحسبك حمارا فإذا أنت أحمر " لأرى دقة ترجمته.
قال أدباء عن الترجمة إنها خيانة ، فماذا يقولون عن ترجمة النص المعتمدة على ترجمة أولى أو ثانية؟
وإنني اجتهد .




الثلاثاء 7 آيار 2019 والأربعاء والخميس والجمعة وصباح السبت 11 آيار 2019

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى