لم تكن الزرافة قد ولدت بعد حينما أصدر الوالى محمد على مرسوماً بأسرها تمهيداً لإهدائها لملك فرنسا. كان محتماً أن يقتلوا أمها فبدون ذلك كان أسرها مستحيلاً. عندما أسروها كانت ابنة شهرين فقط: قصيرة القامة باعتبار أن طولها لا يزيد على قامة صياديها! وكانت تحتاج إلى خمسة وعشرين جالوناً من اللبن يومياً من ست بقرات حلوب صحبنها طيلة الرحلة!.
بعدها مكثت ستة عشر شهراً في الخرطوم حتى تم نضجها، ثم ركبت النيل حتى وصلت الإسكندرية في ضيافة الوالى محمد على شخصياً.
ومع حاشية مكونة من ثلاث أبقار حلوب بدأت رحلتها البحرية إلى فرنسا. وباعتبارها سفيراً فوق العادة رفعت السفينة العلمين المصرى والفرنسى. مع تعليمات مشددة للحفاظ على تلك الزرافة الثمينة. وإذا كنا اليوم نشاهد الزراف في كل حدائق حيوان العالم، فإن الأمر لم يكن كذلك بالتأكيد في بداية القرن التاسع عشر. كان اصطيادها بقامتها الفارعة، ثم نقلها، عملا شبه مستحيل.
وصلت ميناء مرسيليا بفرنسا يوم 31 أكتوبر عام 1826 حيث كان الحاكم في انتظارها. حيث كتب إلى وزير الداخلية يصفها بأنها المصرية الجميلة، الأنثى بمعنى الكلمة، والكنز الثمين.
خلبت لب الجميع بسحر عينيها الواسعتين وخجلها. برغم ذلك كانت تسمح لهم بالاقتراب فيما عدا أنها توجل من الضوضاء، ولا تحب أن يلمسها أحد. لكنها حين تطلق العنان لنفسها- في لحظة مرح مفاجئة- تعدو ساحبة معها حراسها الأشداء.
ولطباعها بالغة الرقة ومشاعرها شديدة الخصوصية فقد أضفى عليها ودها للبشر سحراً فوق سحرها. وتبدت مرارة غربتها في اهتمامها الودود- غير المتبادل للأسف- مع الحيوانات الأخرى: الخيول تخافها والبقرات الحلوب لا تبالى بها!.
ومع تحسن الطقس تم نقلها إلى باريس، حيث ينتظرها الملك بفارغ الصبر. كانت الزرافة تختال بينما تقرع الكنائس أجراسها، ويتدفق الأشخاص على طول الطريق لمشاهدة الأعجوبة. في باريس كان الملك حزيناً لأنه سيكون آخر شخص في فرنسا يشاهدها!. وأخيراً انتهت الرحلة التي استغرقت أكثر من عامين. أطلقت القرى اسمها على الشوارع والميادين تخليداً لمرورها. وتحولت هي إلى مادة للأغانى والاستعراضات المسرحية واعتاد الأطفال الذين يلعبون في حدائق باريس شراء كعك الزرافة، أما البنات فقد صففن شعورهن على شكل تسريحة الزرافة. وارتدى الرجال قبعات وأربطة عنق زرافية الشكل!.
الخلاصة أن الولع بها استشرى في كل شىء: المنسوجات، ورق الحائط، الصابون، وحتى تشذيب الأشجار!.
وكان ختام القصة على النحو التالى..
بعد كل هذه الشهرة لم تعرف الزرافة ألفة الوطن. لم تتذوق طعم أوراق الأشجار الاستوائية. لم تله مع رفيقاتها من الزراف في غفلة الطفولة. لم تعرف يوماً فرحة النجاة من أسد راكض وأنفاسها تتلاحق. لم تشرد يوماً وهى تتأمل البحيرة المسحورة بعينيها المتسعتين وقد حولها القمر بكيميائه المجهولة إلى فضة خالصة. لم يخفق قلبها للحب وذكر الزراف الظريف يخطب ودها. لم تمارس بهجة الأمومة وصغيرها العزيز يتعلم المشى ويتعثر. ولا علمته حيل الأمهات. كيف يشم رائحة النمر مع هبوب الريح؟ كيف يمد عنقه إلى أقصى حد لينال ورق الشجر العالى التي لا يظفر بها من كل مخلوقات الغابة إلا الزراف؟. ولا هي أيقظته مع أول شعاع شمس ليلحق بمدرسة الزراف المشتركة.
ضاعت حياتها سدى، لذلك اسميتها- رغم شهرتها- الزرافة الحزينة.
بعدها مكثت ستة عشر شهراً في الخرطوم حتى تم نضجها، ثم ركبت النيل حتى وصلت الإسكندرية في ضيافة الوالى محمد على شخصياً.
ومع حاشية مكونة من ثلاث أبقار حلوب بدأت رحلتها البحرية إلى فرنسا. وباعتبارها سفيراً فوق العادة رفعت السفينة العلمين المصرى والفرنسى. مع تعليمات مشددة للحفاظ على تلك الزرافة الثمينة. وإذا كنا اليوم نشاهد الزراف في كل حدائق حيوان العالم، فإن الأمر لم يكن كذلك بالتأكيد في بداية القرن التاسع عشر. كان اصطيادها بقامتها الفارعة، ثم نقلها، عملا شبه مستحيل.
وصلت ميناء مرسيليا بفرنسا يوم 31 أكتوبر عام 1826 حيث كان الحاكم في انتظارها. حيث كتب إلى وزير الداخلية يصفها بأنها المصرية الجميلة، الأنثى بمعنى الكلمة، والكنز الثمين.
خلبت لب الجميع بسحر عينيها الواسعتين وخجلها. برغم ذلك كانت تسمح لهم بالاقتراب فيما عدا أنها توجل من الضوضاء، ولا تحب أن يلمسها أحد. لكنها حين تطلق العنان لنفسها- في لحظة مرح مفاجئة- تعدو ساحبة معها حراسها الأشداء.
ولطباعها بالغة الرقة ومشاعرها شديدة الخصوصية فقد أضفى عليها ودها للبشر سحراً فوق سحرها. وتبدت مرارة غربتها في اهتمامها الودود- غير المتبادل للأسف- مع الحيوانات الأخرى: الخيول تخافها والبقرات الحلوب لا تبالى بها!.
ومع تحسن الطقس تم نقلها إلى باريس، حيث ينتظرها الملك بفارغ الصبر. كانت الزرافة تختال بينما تقرع الكنائس أجراسها، ويتدفق الأشخاص على طول الطريق لمشاهدة الأعجوبة. في باريس كان الملك حزيناً لأنه سيكون آخر شخص في فرنسا يشاهدها!. وأخيراً انتهت الرحلة التي استغرقت أكثر من عامين. أطلقت القرى اسمها على الشوارع والميادين تخليداً لمرورها. وتحولت هي إلى مادة للأغانى والاستعراضات المسرحية واعتاد الأطفال الذين يلعبون في حدائق باريس شراء كعك الزرافة، أما البنات فقد صففن شعورهن على شكل تسريحة الزرافة. وارتدى الرجال قبعات وأربطة عنق زرافية الشكل!.
الخلاصة أن الولع بها استشرى في كل شىء: المنسوجات، ورق الحائط، الصابون، وحتى تشذيب الأشجار!.
وكان ختام القصة على النحو التالى..
بعد كل هذه الشهرة لم تعرف الزرافة ألفة الوطن. لم تتذوق طعم أوراق الأشجار الاستوائية. لم تله مع رفيقاتها من الزراف في غفلة الطفولة. لم تعرف يوماً فرحة النجاة من أسد راكض وأنفاسها تتلاحق. لم تشرد يوماً وهى تتأمل البحيرة المسحورة بعينيها المتسعتين وقد حولها القمر بكيميائه المجهولة إلى فضة خالصة. لم يخفق قلبها للحب وذكر الزراف الظريف يخطب ودها. لم تمارس بهجة الأمومة وصغيرها العزيز يتعلم المشى ويتعثر. ولا علمته حيل الأمهات. كيف يشم رائحة النمر مع هبوب الريح؟ كيف يمد عنقه إلى أقصى حد لينال ورق الشجر العالى التي لا يظفر بها من كل مخلوقات الغابة إلا الزراف؟. ولا هي أيقظته مع أول شعاع شمس ليلحق بمدرسة الزراف المشتركة.
ضاعت حياتها سدى، لذلك اسميتها- رغم شهرتها- الزرافة الحزينة.