أ. د. محمد الدسوقي - الإشهار مدخل لنقد النقد

معلوم أن الإشهار يمثل حالة من حالات التواصل الاجتماعي، الذي يجسده النموذج الثقافي العام، ويتم إغراء المتلقي عبر آليات إشهارية هامة متعددة ممثلة في جانب منها في الجسد الأنثوي بإيحاءاته وإغراءاته، عبر حركاته وقوامه، وتناسقه وطرائقه، عبر توظيف الألوان، وعبر الملْمَس، إلى غير ذلك مما يوظف لنجاح العملية الإشهارية.
لنطرح السؤال التالي: هل فهم الشاعر العربي القديم هذا النوع من الخطابات حين اتخذ الجسَدَ الأنثوي وسيلةً من وسائل الإشهار، ونموذجًا مثاليًا له؟! وما هو هذا المنتج الذي دفعه لأن يتخذ هذا الجسد وسيلةً لعرضه وترويجه، وجذب المتلقي نحوه؟ كيف اتخذ الشاعر العربي القديم الجسد الأنثوي وسيلة تواصلية مع الآخر بوصفه آلية من الآليات الفاعلة في مضمار هذا التفاعل، عبر هذه الإيحاءات التي تغيَّاها من وراء هذه الصور الإبداعية للجسد الأنثوي، عبر لغته الخلاَّقة الحيَّة التي لا تقل أثراً عن الصورة الفوتوغرافية أو الصورة المتحركة سينمائيا. فهل يمكننا – إذن – أن نقيم خطاباً موازياً بما فعله الشاعر العربي القديم مع ما فعله المحدثون ومتخصِّصِو الصورة الإشهارية بوصفها تقنيةً حديثةً في عرضها للموضوع . هل يمكننا من خلال رصد صوَر الخطاب البصري للجسد الأنثوي في بنية الشعر العربي القديم أن نَعدّهُ نوعاً من الإشهار، خاصة وأن الإشهار في الإعلان الحديث يتكئُ بصورة فاعلة وقوية – في جانب منه – على الجسد الأنثوي في تسويق المادة المعْلَن عنها.(طالع على سبيل المثال : د. محمد حسام الدين إسماعيل، الصورة والجسد ( دراسات نقدية في الإعلام المعاصر ) ط 1، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، يناير، 2008م)
هل هذا المنتج هو فَنُّه الذي اجتهد عبر(راوِيهِ) على نشره وذيوعه، هل هو هذا الشبق الذكوري والفحولة الرجولية، هل هو هذه المرأة غير الحرّة (الإماء والجواري)، هل هو كَسْرُهُ لهذا الجدار الحاجز بين المجتمع وبين هؤلاء الحرائر من النساء اللاَّئي لا يجب الاقتراب مِنْهُنَّ كما فعل الشاعر عمر بن أبي ربيعة " حيث كانت حبائبه من الحرائر ذوات الأحساب، استكمالاً لإحساسه بالاستعلاء على المرأة، وقدرته عليها، وإدْلالا بنفسه وحسبه، وثروته، ووسامته"( د 0محمد مصطفى هدارة، الشعر العربي في القرن الأول الهجري، ط1، دار العلوم العربية، بيروت، لبنان، 1988م، ص 54) أم هو هذا كله .
مرة أخرى هل كتب الشاعر العربي – خاصة في القرن الثاني وما بعده – هذا النوع من الخطابات مقاوماً ضغط الذهنية الثقافية السائدة التي تتهم مثل هذا السلوك حين يمسّها في ضوابطها الأخلاقية، بافتراض أن المرأةَ كيانٌ لا يجب الاقتراب منه، فوجود بشار وأبي نواس، وغيرهما ممن تمرّدوا على الواقع العربي، ساعدهم تحرر الحياة العربية، وتمثلها لمظاهر الحضارة الوافدة، كلُّ هذا أمْلَى عليهم التغنِّي بهذا الجسد الأنثوي. "إن موروثنا من الشعر الجاهلي يزخر بحضور الجسد الأنثوي الذي يمثل المنطلق والغاية وتحْكُمُهُ ثنائية الجسد (الرجل) والجسد المفعول به (المرأة) هذه الظاهرة لا تنحصر في الشعر الجاهلي، بل إننا نجد امتداداً لها في الشعر العباسي والأندلسي وغيرهما.." (رشيدة بن مسعود، الكتابة بالجسد من خلال السرد السينمائي (القصة القصيرة نموذجا) مجلة علامات، عدد:70، 1997م، (موقع سعيد بنكراد: تاريخ الإنشاء، نوفمبر: 2003م)
تقدم هذه المحاولة النقدية منحى بديلا عما رسخ في الدرس الأدبي والنقدي بما يسمى بالغزل بنوعيه، وتقويض هذا الاتجاه المتنوع الرُّؤى في هذا الفن، الذي ظل في جانب كبير منه مهارة في الوصف، ورسم الجسد الأنثوي في أدق تفاصيله.





تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى