د. مصطفى الضبع - البحث العلمي في ألفيته الثالثة (3) العنوان المنضبط علميا

خلافا لعناوين النصوص الإبداعية (تكون غالبا آخر ما يضع المؤلف وأول ما يتعامل معه القارئ)، خلافا لذلك يكون العنوان في البحث العلمي، محددا قبل البدء في العمل العلمي، ومنضبطا أثناء إعداد الخطة، وواضحا بعد انتهاء العمل، دالا على الموضوع وشاهدا على إجادة الباحث، ووفيا بقضية البحث وكاشفا عن أهدافه.
من رحم الفكرة يولد عنوان البحث، يحدد خطوات الباحث ويوجهه إلى منطقة عمله وهو مالا يتحقق دون عنوان منضبط علميا من سماته الوضوح، وكم من باحث يمثل العنوان مأزقه المنهجي المخل بعمله العلمي، فيضيع جهده ويفقد عمله انضباطه العلمي، فالصورة لم تكن واضحة في ذهن الباحث من البداية لذا جاءت التفاصيل غير واضحة وعاجزة عن تحقيق أغراضها.
أول مايقوم به العنوان المنضبط وظيفة التحديد:
1- تحديد نقطة البحث بوضوح.
2- تحديد مجال البحث.
3- تحديد منهج البحث بدرجة ما.
عنوان من مثل (الرجل في شعر فدوى طوقان، دراسة أسلوبية)
يضم ثلاثة محددات: نقطة البحث (الرجل) – مجال البحث (شعر فدوى طوقان) – نوع الدراسة (أسلوبية)، فإذا ما تحققت هذه الوظائف فإن العنوان – بشكل طبيعي سلس- يحقق المرحلة التالية المتمثلة في مجموعة من الوظائف المنضبطة أيضا :
- وضع الفصول وتشكيل مادة البحث.
- تحديد قائمة المصادر والمراجع والدراسات السابقة.
- تحديد نتائج البحث.
أولا: العنوان والفصول
عناوين الفصول هي عناوين فرعية تنبت من الجذع (عنوان الرسالة)
المنطقي علميا أن عنوان الرسالة يتفكك في عناوين فرعية (عناوين الفصول) بحيث يكون مجموع ما يطرحه الفرع يشكل الأصل (عنوانها) .
ثانيا : قائمة المصادر والمراجع والدراسات السابقة :
العنوان ينطلق من الخاص (الرجل) متجها إلى العام (شعر فدوى طوقان)، المراجع تسير عكس ذلك من العام إلى الخاص حيث يهتم الباحث بجمع ماكتب عن شعر فدوى طوقان، أو ماكتب عن الشعر بشكل عام، وتكون الدراسات السابقة بالنسبة له من كتب عن الرجل في شعر شعراء آخرين (من المنطقي ألا تكون هناك دراسات عن نقطته البحثية في مجال عمله المحدد ، أي لا تكون هناك دراسة عن الرجل في شعر فدوى طوقان ، ولكن من الممكن أن تكون عند شعراء آخرين ) .
لذا فإن تحديد المراجع يخص المجال العام يدخل فيها كل ماكتب عن الشعر بشكل عام بما فيه ماكتب عن الشاعرة موضع الدراسة، وتحديد الدراسات السابقة يخص النقطة البحثية الخاصة بي ولكن في مساحة مجاورة، مشابهة لمنطقة عملي بالأساس.
ثالثا: تحديد النتائج
عبر ثلاث خطوات يقوم العنوان بوظيفته في إنتاج النتائج وتحديدها :
1- عنوان البحث يطرح سؤاله الأهم (في مثالنا السابق يطرح العنوان سؤالين أساسيين: كيف صورت الشاعرة الرجل؟، وما الذي أضافته صورة الرجل للنتاج الشعري للشاعرة؟ وهما سؤالان جوهريان وأساسيان تتفرع منهما أسئلة فرعية تتردد في الفصول والمباحث) .
2- تطرح الفصول إجراءات الإجابة وكيفية إعدادها بصورة علمية .
3- تأتي النتائج للإجابة بشكل محدد وواضح حد الصرامة .
من مشكلات العناوين غير المنضبطة علميا:
- ظواهر أسلوبية في شعر دواوين عفيفي مطر (هنا مفردة دواوين زائدة أصابت العنوان بالترهل)، الخطأ هنا مشترك بين الباحث والمشرف والقسم العلمي الذي أقر اختيار الاثنين.
- المفردات التي تدل على العالم في شعر صلاح عبد الصبور ( اسم الفاعل الدالة أو الإضافة يغني عن الاسم الموصول والفعل معا ) فيكون العنوان : المفردات الدالة على العالم ، أو مفردات العالم .
من الأخطاء القاتلة:
عدد غير قليل يرتكب من الأخطاء ما يقلل من منهجية بحثه ومن الانضباط العلمي لعمله، وفي مقدمة هذه الأخطاء:
- انفراد عنوان فصل من فصول الرسالة بنص عنوان الرسالة (إذا كان عنوان الرسالة: صورة المثقف في الرواية العربية) فمن الخطأ المنهجي أن يكون العنوان عنوانا لفصل من الفصول مما يعني أن بقية الفصول لا قيمة لها ولا حاجة للرسالة بها.
- تكرار مفردة من مفردات العنوان في عناوين الفصول، فإذا كان عنوان الرسالة (اللغة في شعر صلاح عبد الصبور) فمن الخطأ المنهجي أن يتكرر اسم الشاعر في عناوين الفصول: المفردة في شعر صلاح عبد الصبور – التراكيب في شعر صلاح عبد الصبور .......إلخ) .
إن 70 % من الرسائل المتداولة في جامعاتنا العربية (النسبة تقريبية من واقع قواعد البيانات التي أعكف عليها منذ سنوات ) ، هذه النسبة تكمن مشكلتها في غياب الوعي بأهمية ضبط العنوان لذا أتوقف كثيرا أمام عناوين فقدت انضباطها العلمي ففقد البحث كثيرا من مقدراته ، وهي مسؤولية لا يتحملها الباحث بمفرده وإنما هي شراكة بين ثلاثة : الباحث – المشرف – القسم العلمي ، وهو ما يترتب على غياب الرؤية العلمية لضبط الأمور من البداية فلا بحث علمي بدون رؤية واضحة منذ خطواته الأولى.
وللحديث بقايا ...

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى