د. مصطفى الضبع - البحث العلمي في ألفيته الثالثة.. الكلمات المفتاحية

عندما تتقدم ببحث لمجلة علمية يكون عليك أن تحدد الكلمات المفاتيح للبحث (كل المجلات العلمية الآن تطلب من الباحث تحديد الكلمات المفتاحية لبحثه )، و هي كلمات ليست عشوائية وليست حلية تزين البحث أو مجرد كلمات ينتقيها الباحث ليستكمل (بريستيج) البحث ، وإنما هو ضرورة تفرضها ظروف التطور العلمي وطبيعة اللحظة الراهنة ، ففي ظل اتساع مساحات البحث العلمي وتعدد مصادره، واعتماد البحث العلمي على شبكة الانترنت بوصفها الكتاب الأكبر الذي عرفته البشرية، أصبح من الأهمية بمكان اعتماد طرائق تسهل الوصول إلى مصادر المعرفة والبحث في غابة من العناوين اتجه العالم إلى اعتماد كلمات مفاتيح، الكلمات الأكثر دلالة على موضوعك، كلمات هي صلب الموضوع ومدار متنه الأساسي، تمنح الآخرين فرصة الوصول إلى بحثك عبر محركات البحث، وتخدم بحثك بنفسك خدمة ما بعد النشر (هي خدمة غائبة عن ساحتنا العلمية والمعرفية).
الكلمات المفتاحية لا تنتمي لمعاجم اللغة بقدر ما تنتمي لمعاجم المصطلحات، والموضوعات ورؤوس الموضوعات، لا تشرح بقدر ما تختزل، ولا تلمح بقدر ما تحسم المعاني والدلالات .
بداية يبدو أن غالبية الباحثين لا يدركون كنه الكلمات المفتاحية أو وظيفتها أو ما تحققه للبحث أو الباحث خاصة أو ما تضيفه للبحث العلمي عامة، فللأسف على غير هدى وبدون مرجعية وفي غياب واضح للمنطق يحدد الباحث الكلمات المفتاحية لبحثه، فتجد من الكلمات مالا علاقة له بالأمر على الإطلاق: مثلا – حقيقة – جدا – علم – سؤال (ضع كلمة جدا في محرك البحث فلن تدلك على شيء (ستكون النتائج 553 مليونا)، ولكن لو وضعت كلمة المفارقة مثلا ستكون النتائج خمسة ملايين وهو فارق شاسع بين الكلمتين).
من أهم شروط الكلمات المفاتيح كونها:
1- مستمدة من البحث وكلما كانت مباشرة كان ذلك أفضل.
2- مفردة (كلمة واحدة): المجتمع – السرد – الأنثروبولوجيا – الراوي – الاستعارة، مركبة (من كلمتين): فضاء النص – الدراسات البينية – السارد العليم، وغيرها من مصطلحات دالة على موضوعاتها.
إن سؤالا عليك طرحه على نفسك وأنت تحدد كلمات بحثك المفتاحية: لو أنني مكان باحث يعد بحثا عن الاستعارة في شعر أحمد شوقي مثلا، فعن أي الكلمات المفتاحية سأبحث؟ (للأسف في الألفية الثالثة مازال هناك باحثون يعجزون عن الوصول إلى مادتهم العلمية رغم توافرها على شبكة الانترنت) (كلام في سرك هناك باحثون يعدون المصطلحات رجس من عمل الغرب).
كثير من الرسائل العلمية تفتقد كتب المصطلحات المتخصصة، أو العامة، وفي مقدمتها كتاب " الكلمات المفاتيح " للناقد ريموند وليامز الصادر (1979)، الكتاب ترجمه للعربية: نعيمان عثمان وراجعه الدكتور محمد بريري وصدر في طبعته الأولى عن المشروع القومي للترجمة بالقاهرة (2005) ، وفي طبعته الثانية عن المركز الثقافي العربي ببيروت (2007) ، والكتاب متاح في طبعتيه ورقيا والكترونيا .
الخلاصة:
لا أحد يولد عارفا أو عالما ولكنها المعرفة تراكمية، والعلم اجتهاد وكلاهما لا يتحققان من فراغ أو في ظل مركبات التكاسل، والبحث العلمي يضعنا على أعتاب المعرفة ويعلمنا كيف ننجز وكيف نحقق ما نريد وفق أنظمة لم يعد من الممكن تجاهلها.
لا أحد يعجز الآن عن الوصول إلى المعرفة ولكن القضية هل أنت تريد، بكل يقين أؤكد لك: لو توفرت الإرادة لتحققت المعرفة، مشكلة باحث الألفية الثالثة لا تكمن في كونه لا يستطيع أن يعرف ولكن في كونه لا يريد أن يعرف .

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى