د. صبرى محمد خليل خيرى - تفعيل الوظيفه الروحيه- القيمية للفلسفة فى الحكمة كمفهوم اسلامى للفلسفة

تمهيد
(ملخص الدراسة):

تهدف الدراسه الى بيان ان المفهوم الاسلامى للفلسفه ، والمتمثل فى مفهوم الحكمه القرانى، يساهم فى تفعيل الوظيفه الروحيه – القيميه للفلسفه، المتصله بالابعاد الروحيه والقيميه للوجود الانسانى، من خلال سعيه لتحقيق غايات روحيه وقيميه، قررها المنظور الروحى والقيمى الاسلامى ، واهمها غايات الطمانينيه والسكينه، وهذا الموقف المفعل لهذه الوظيفه للفلسفه هو محصله لتاكيده للعلاقه التكامليه " المتجاوزه لعلاقتى الخلط والفصل" بين الحكمه التكليفيه " الدبن"، والتكوينيه " الفلسفه " . فهذه الوظيفه الروحيه - القيميه تعرضت للتعطيل فى تعريف الفلسفه فى المدارس الفلسفيه الغربيه "القديمه والحديثه والمعاصره" التى تبنت مواقف "ميتافيزيقيه" شكيه او الحاديه ، كرد فعل " انفعالى غير عقلانى " على كون الاديان الوضعيه الشرقيه واليونانيه القديمه – التى كانت نقطه بدايتها - كانت مختلطه بانماط التفكير الخرافى والاسطورى،وما لزم من ذلك من فصل للفلسفه "الحكمه التكوينيه " عن الدين " الحكمه التكليفيه" . فركزت هذه المدارس الفلسفيه فى تعريفها للفلسفه على الوظيفه المنهجيه للفلسفه، المتصله بالابعاد المعرفيه العقليه للوجود الانسانى، وتجاهلت الوظائف الاخرى للفلسفه والمتضمنه للوظيفتها الروحيه القيميه. وهذا الموقف المعطل لهذه الوظيفه للفلسفه يتعارض مع كون هذه الوظيفه كانت متحققه فى الحكمه الشرقيه القديمه - التى تمثل الاصل التاريخى للفلسفه- لان الفلسفه فيها كانت غير منفصله عن الدين، رغم ما شابها من اوجه قصور ،نتيجه لاسباب متعدده ، منها التصور الخاطىء للعلاقه بين الدين والفلسفه "علاقه خلط وليست علاقه ارتباط وتمييز"، والانطلاق من تصورات غير صحيحه للعلاقه بين الخالق والمخلوق" كمفهوم وحده الوجود". كما يتعارض هذا الموقف المعطل للوظيفه الروحيه – القيميه للفلسفه مع كون هذه الوظيفه كانت متحققه فى الدلاله الاصليه لمصطلح فلسفه فى الفكرالفلسفى الغربى ( لفظ يوناني مشتق من كلمتي "فيلو" و "سوفيا" أي محبة الحكمة )، ففيه تقرير للحكمه كمفهوم روحى – قيمى . وهناك العديد من الفلسفات الوضعية والدينية الغربية والشرقية- كالرواقيه والابيقوريه والبوذبه الجينيه- تلتقي مع المفهوم الاسلامى للفلسفه ممثلا فى مفهوم الحكمه القرانى، فى تفعيل الوظيفه الروحيه – القيمه للفلسفه ، باتخاذها تحقيق مضمون الطمأنينة والسكينة غايات لها ، من خلال بحثها عن فاعليه روحيه – معرفيه – نفسيه، تهدف إلى ضبط أو التحكم بالانفعالات السالية كالحزن والخوف.. . ولكنها استندت خلال بحثها إلى مفاهيم خاطئه " كمفاهيم الوحده المثاليه والماديه"، وهو ما أدى بها إلى تبنى تصورات سلبيه لمضمون المفهومين، يلزم منها إلغاء بعض أبعاد الوجود الانسانى “كالوعي أو إدراك الواقع،أو الاراده…”.
الحكمه الشرقيه القديمه كاصل تاريخى للفلسفه:
تعددت الاراء حول نشاه الفلسفه، غير ان هناك رايين اساسسين:
الرأي الأول:إنها ذات نشأة يونانية خالصة، أي أن الشعب اليوناني القديم هو الذي أنشأ الفلسفة، ولم يتأثر في هذا الإنشاء بأي شعب من الشعوب الأخرى المعاصرة له، وبالتالي لم تلعب هذه الشعوب أي دور في هذه النشأة، لذا أطلق أنصار هذا الرأي على الفلسفة اسم (المعجزة اليونانية).
نقد:هذا الرأي يضمر نظرة عنصرية ترى أن الشعوب الوحيدة التي يمكن أن تنتج فلسفة هي الشعوب الأوربية ، كان الدافع ورائه تبرير الاستعمار الأوربي للمجتمعات الشرقية بدعوى نقل الحضارة لهذه الشعوب التي تفتقر إليها.كما أن هذا الرأي يقوم على إنكار قانون (السنة الإلهية) التأثير المتبادل أي أن أي مجتمع لابد أن يؤثر في غيره ويتأثر بغيره.
الرأي الثاني: إن الفلسفة محصلة لإسهامات العديد من الشعوب ولا ينفرد بها شعب معين،ولكن للشعوب الشرقيه القديمه الاسبقيه الزمنيه فى انشاء الفلسفه، والفلسفة اليونانية ذاتها ما هو إلا محصلة أخذ وتنمية وتطوير لما يسمى بالحكمة الشرقية القديمة. ويمكن إيراد العديد من الأدلة لإثبات صحة هذا الرأي منها ما يلي:
إن الفلسفة اليونانية بدأت بمدرسة أيونية (ملطية) وهي جزيرة بها موانئ تجارية وذات علاقات بالشرق.
إن أعداد كبيرة من الفلاسفة اليونانيين قد زاروا الشرق منهم طاليس وأفلاطون وبالتالي من غير المعقول عدم تأثرهم بأفكار الشرقيين.
إن أغلب أفكار مدرسة أيونية كانت موجودة عند الشعوب الشرقية ، غير أن الشعوب الشرقية كانت تسلم بصحة هذه الأفكار دون دليل حسي (خرافة) أو دليل عقلي (أسطورة) ، فأخذ الفلاسفة اليونانيين هذه الأفكار فأوردوا عليها أدلة تجريبية (لتتحول إلى علم) أو أدلة عقلية (لتتحول إلى فلسفة)، لكنهم لم يقروا- غالبا - بهذا الاخذ.
الوظيفه الروحيه للفلسفه فى الحكمه الشرقيه القديمه: ومما سبق نخلص الى ان الحكمه الشرقيه القديمه هى الاصل التاريخى للفلسفه، وفيها كانت الوظيفه الروحيه القيميه متحققه، لان الفلسفه فيها كانت غير منفصله عن الدين،رغم ما شابها من اوجه قصور، نتيجه لاسباب متعدده منها التصور الخاطىء للعلاقه بين الدين والفلسفه" علاقه خلط وليست علاقه ارتباط وتمييز" ، والانطلاق من تصورات غير صحيحه للعلاقه بين الخالق والمخلوق" كمفهوم وحده الوجود".
الدلالة الاصليه لمصطلح " فلسفة" فى الفكر الفلسفى الغربى والوظيفه الروحيه القيميه للفلسفه : تعددت تعريفات الفلسفة فى الفكر الفلسفى الغربى، طبقاً لتعدد الفلسفات ومناهج المعرفة المستخدمة في تعريفها. اما الدلالة الأصلية لمصطلح " فلسفة" فيه فترجع إلى لفظ يوناني مشتق من كلمتي (فيلو) و (سوفيا) أي محبة الحكمة. وهناك من يرى أن هذا اللفظ قال به فيثاغورس ، الذي رأى أن الإله وحده الحكيم ، أما الإنسان فيجب أن يكتفي بمحبة الحكمة. غير أن هذا الرأي رفضه البعض لأن فيثاغورس كان معروف عنه الغرور وعدم التواضع . وهناك من يرى أن سقراط هو أول من استخدمها. وعلى أي حال استخدمها أفلاطون ليميز بين حب الحكمة عند سقراط وادعاء الحكمة عند السفسطائيين .
ومن مما سيق نخلص الى ان الوظيفه الروحيه القيميه للفلسفه كانت متحققه فى الدلاله الاصليه لمصطلح فلسفه فى الفكرالفلسفى الغربى متمثله فى تقريرها الحكمه كمفهوم روحى – قيمى"، ولكن تم تعطيل هذه الوظيفه فى تعريف الفلسفه فى المدارس الفلسفيه الغربيه "القديمه والحديثه والمعاصره" التى تبنت مواقف "ميتافيزيقيه" شكيه او الحاديه ، كرد فعل " انفعالى غير عقلانى " على كون الاديان الوضعيه الشرقيه واليونانيه القديمه – التى كانت نقطه بدايتها - كانت مختلطه بانماط التفكير الخرافى والاسطورى،وما لزم من ذلك من فصل للفلسفه "الحكمه التكوينيه " عن الدين " الحكمه التكليفيه" . فركزت هذه المدارس الفلسفيه فى تعريفها للفلسفه على الوظيفه المنهجيه للفلسفه، المتصله بالابعاد المعرفيه العقليه للوجود الانسانى، وتجاهلت الوظائف الاخرى للفلسفه والمتضمنه للوظيفتها الروحيه القيميه.
بعض دلالات مصطلح الحكمه القرانى كمقابل للدلاله الاصليه لمصطلح الفلسفه فى الفكر الغربى: إذا كان القدماء اليونانيين قد اكتفوا بوصف الإنسان بأنه محب للحكمة ، فان القران الكريم قد جمع بين وصف الله تعالى بالحكمة، كما في قوله تعالى(والله عزيز حكيم) (المائدة: 38)، ووصف الإنسان بالحكمة، كما في قوله تعالى( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ )( البقره: (269 ، مع وجوب أن نضع فى الاعتبار أن الحكمه إلهيه مطلقه ، والحكمة الانسانيه محدودة . بناء على هذا فإننا نرى ان بعض دلالات مصطلح "حكمة " القرآني ، هى المقابل للدلاله الاصليه لمصطلح " فلسفة" في الفكر الفلسفى الغربي . وهذا ما يمكن استنباطه من ورود مصطلح الحكمة في القرآن بدلالات متعدده منها دلالات كالعقل والعلم والفهم والإصابة في القول ...والتى اشار اليها -على سبيل المثال لا الحصر - ابن فى معرض اشارته لاقوال العلماء المتعدده فى تفسير قوله تعالى" يؤتي الحكمة من يشاء " ( ....وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : يعني بالحكمة : الإصابة في القول .... وقال إبراهيم النخعي : الحكمة : الفهم . .. وقال ابن وهب ، عن مالك ، قال زيد بن أسلم : الحكمة : العقل .)( تفسير القرآن العظيم).
الحكمه كمفهوم اسلامى للفلسفة :وينطلق المفهوم الاسلامى للفلسفة - ممثلا في مفهوم حكمة – من المفاهيم الكليه القرانيه التاليه:
[/SIZE]
مفهوم التوحيد وافراد الحكمه المطلقه لله تعالى: طبقا لهذا المفهوم الكلى القرانى فان الحكمة هى صفه إلوهية " اى مضمونها دال على كونه تعالى غايه مطلقه "، فقد ورد فى القران الكريم اسم " الحكيم" عَلَماً مُطلقاً مُعرفاً كاسمٍ من أسماء الله الحسنى (38) مرة، كما وردت فيه صفة حكيم (40 ) مرة. وبالتالي فان أولى نتائج تطبيق هذا المفهوم هو إفراد الحكمة المطلقة لله تعالى ، وإسنادها لسواه تعالى هو شرك " اعتقادي او عملى " في الإلوهية. وبالتالي فانه إذا كان من الممكن في المفهوم الاسلامى للفلسفه إطلاق صفه حكيم – فيلسوف - على شخص معين فانه لا يجوز إطلاق صفه الحكيم – الفيلسوف – (ب "ال" التعريف)"كما فى الفلسفه الهيجليه مثلا" على اى شخص- مع وجوب تقريرأن الحكمة الإلهية مطلقة والحكمة الإنسانية محدودة- فى الحاله الاولى -
[SIZE=18px]اشكال ظهور الحكمه الالهيه المطلقه : وللحكمة الإلهية " المطلقة" شكلين من أشكال الظهور:
اولا: ظهور ذاتي في الحياة الآخرة: وردت الاشاره اليه فى الايات التى تصف الله تعالى بالحكمه عند تعرضها للاخره كقوله تعالى: (وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ ۚ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (الحجر:25).
ثانيا: ظهور صفاتي في الحياة الدنيا: وردت الاشاره اليه فى الايات التى تصف الله تعالى بالحكمه عند تعرضها للدنيا كقوله تعالى ( وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) (النور : 10)
وللأخير شكلين:
ا/ شكل تكويني: يتمثل في إيتاء الله تعالى الإنسان العقل بما هو نشاط او فاعليه معرفيه محدودة تكوينيا وتكليفيا، كما فى قوله تعالى( يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ( (البقرة : 269 )
ب/ شكل تكليفي يتمثل في المفاهيم والقيم والقواعد الكليه التى مصدرها الوحي، كضوابط موضوعية مطلقة للعقل بما هو نشاط او فاعليه معرفيه ، تحده كما يحد الكل الجزء ، فتكمله وتغنيه ولكن لا تلغيه كما فى قوله تعالى( ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ( (الإسراء: 39)
مفهوم التسخير واظهار الكون للحكمه الالهيه المطلقه على وجه الاجبار: وطبقا لمفهوم التسخير فان الأشياء والظواهر التي لها درجه التسخير تظهر الحكمة الالهيه المطلقة على وجه الإجبار ، فهي دائماً آيات دالة على حكمته المطلقة تعالى،ويتصل بذلك اقرار منهج المعرفه الاسلامى للسببية "التكوينيه" ، والتى هى مضمون السنن الالهيه الحتميه،التي تضبط حركه الوجود الشهادى، كظهور صفاتى للفعل الالهى المطلق "الربوبيه" ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴾ ,
مفهوم الاستخلاف واظهار الانسان للحكمه الالهيه المطلقه على وجه الاختيار: و مضمون مفهوم الاستخلاف هنا هو إظهار الإنسان لصفة الحكمة الالهيه المطلقة في الأرض "أي في عالم الشهادة المحدود بالزمان والمكان"،على وجه الاختيار ،وهو ما يتحقق بالاتى: اولا: افراد الحكمة المطلقة لله تعالى كما سبق بيانه، ثانيا: اتخاذ صفة الحكمة الإلهية المطلقه، مثل أعلى مطلق يسعى الإنسان إلى تحقيقه في الأرض،دون ان تتوافر له امكانيه التحقيق النهائي له ، فضلا عن تجاوزه ، وهوما يندرج تحت اطار العباده طبقا لمفهومها العام والذى يعنى كل نمط فعل او سلوك او تفكير او انفعال ... الغايه المطلقه منه الله تعالى، يقول ابن تيمية ( العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة... ). ولا يعني هذا إلغاء الحكمة الإنسانية بل تحديدها،وذلك باتخاذ مقتضى صفة الحكمة الإلهية المطلقه التكويني (السنن الإلهية الكلية والنوعية التي تضبط حركه العقل كفاعليه معرفيه ) ،والتكليفى (المفاهيم والقيم والقواعد الكليه التي جاء بها الوحي والتي تحدد العقل كفاعليه معرفيه) ، ضوابط موضوعية مطلقة للحكمة الإنسانية.
الحياه الاخره والظهور الذاتى للحكمه الالهيه : والحياة الاخره قائمه على الظهور الذاتى للفعل الالهى المطلق- والذي عبر عنه القران بمصطلح التجلي- بخلاف الحياة الدنيا القائمة على الظهورالصفاتى ، وفيها تظهر الحكمة الالهيه المطلقة ظهورا ذاتيا لا صفاتيا، يدل على هذا جمله من الآيات التي تصف الاخره، وتقرن هذا الوصف بإسناد صفه الحكمة إلى الله تعالى( خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم )(لقمان: 2) ،( وان ربك هو يحشرهم انه حكيم عليم)(الحجر:25).
الحكمة التكوينية والحكمة التكليفيه : من العرض السابق للمفهوم الاسلامى للفلسفة المستند إلى مفهوم الحكمة، نخلص الى ان للحكمة شكلين :
الأول: الحكمة التكوينية (الوظيفه المنهجيه المتصله بالابعاد المعرفيه والعمليه): ومضمونها:
فاعليه او نشاط معرفي، ذو وظائف " اهداف " متعدده، بتعدد ابعاد الوجود الانسانى التى تتناولها.
منها وظيفه منهجيه ( ركزت عليها اغلب المدارس الفلسفيه الغربيه )، تتصل بابعاد للوجود الانسانى : المعرفيه - العقلانيه"على المستوى النظرى"بالاصاله، والعمليه "على المستوى التطبيقى" بالتبعيه، وتهدف إلى محاوله حل ذات المشاكل التي يطرحها واقع معين، لكن على مستوى معين، يتصف بالكلية والتجريد (خصائص قضايا الفلسفة فى الفلسفه الغربيه، وهى متضمنه فى مصطلح "الاصول"فى الفكر الاسلامى).
وهى تهدف هنا إلى معرفه"نظريه المعرفة" الوجود: كما هو كائن "نظريه الوجود"، وكما ينبغي ان يكون " نظريه القيم"( فروع الفلسفة الاساسيه فى الفلسفه الغربيه) .
ومن خلال منهج استدلالي (استنباطى بمصطلح الفكر الاسلامى)، مضمونه الانتقال من مقدمات عقليه إلى نتائج عقليه(دون انكار ما يسبق هذه المقدمات العقليه من مسلمات مصدرها الوحى) .
وهذا المنهج يتصف بخصائص معينه(خصائص المنهج الفلسفي فى الفلسفه الغربيه) وهى:
ا/العقلانية (التى تستخدم الادراك العقلى المجرد كوسيله للمعرفه، على وجه لا يتناقض مع استخدام الحواس والوحى كوسائل اخرى للمعرفه).
ب/المنطقية (التى تجمع بين المنطق التكوينى"السنن الالهيه النوعيه التى تضيط حركه الفكر، او ما يقابل علم المنطق" ، والتكليفى"المفاهيم الكليه للوحى كضوابط موضوعيه مطلقه لحركه الفكر،او ما يقابل فلسفه المنطق الاسلاميه )
ج/النقدية (التى تفسر فى سياق مفهوم "التقويم " الاسلامى)
د/الشك المنهحى(الذى يفسر فى سياق مفهوم"التحقق" الاسلامى)، وهو يتسق مع منهج المعرفه الاسلامى لان الغايه فى كلاهما الوصول الى اليقين.
وهى تشكل بذلك احد اشكال نمط تفكير معين(هو نمط التفكير العقلاني)،المحدود تكوينيا"بالسنن الالهيه التى تضبط حركه الوجود"، وتكليفيا"بالمفاهيم والقيم والقواعد الكليه للوحى".
و العلاقة بين هذا النمط للتفكير وبين انماط التفكير الأخرى(كنمط التفكير الديني ونمط التفكير العلمي) هي علاقة تحديد وتكامل وليست علاقه إلغاء وتناقض(كما فى بعض مدارس الفلسفه الغربيه).
الثاني: الحكمة التكليفية(الوظائف الروحيه والقيميه المتصله بالابعاد الروحيه والقيميه): وهى اتخاذ المفاهيم والقيم والقواعد الكليه للوحى ، ضوابط موضوعية المطلقة للحكمة التكوينية " الفلسفه".
العلاقة بين الحكمة التكليفيه والحكمة التكوينية : يترتب على ما سبق ان العلاقه بين الحكمة التكليفيه "الدين" والحكمة التكوينية"الفلسفه" في المفهوم الاسلامى للفلسفة، والمستند إلى مفهوم الحكمة القرانى، ليست علاقة فصل ( كما في بعض المدارس الفلسفيه الغربية ، التى تبنت مواقف " ميتافيزيقيه شكيه والحاديه...) ، وليست علاقة خلط (كما في بعض الفلسفات الغربية: كالفلسفات المثاليه والدينيه الوسيطه وامتداداتها المعاصره . والفلسفات الدينيه الشرقية القديمة كالهندوسيه )، بل هي علاقة تمييز من جهه(لانها تميز بين الحكمه الالهيه المطلقه والحكمه الانسانيه المحدوده) ، وارتباط من جهه اخرى (لان الحكمه التكليفيه تحد الحكمه التكوينيه كما يحد الكل الجزء، فيكمله ويغنيه ولكن لا يلغيه). فهى علاقه تحديد وتكامل وليست علاقه الغاء وتناقض.
الوظائف الروحيه – القيميه للحكمه التكوينيه: والعلاقه التكامليه بين الحكمه التكليفيه والتكوينيه تضمن تحقيق لفلسفه لوظائف اخرى، ومنها الوظيفه الروحيه "المتصله بالبعد الروحى للانسان"، والقيميه"المتصله بالبعد القيمى للانسان" .
الطمأنينة والسكينة كغايات للوظيفه الروحيه- القيميه للفلسفه طبقا لمفهومها الاسلامى:فالمفهوم الاسلامى للفلسفه ، المتمثل فى مفهوم الحكمه القرانى، يضيف وظيفه روحيه – قيميه للفلسفه،تهدف الى تحقيق غايات روحيه وقيميه - قررها المنظور الروحى والقيمى الاسلامى، واهمها غايات الطمانينيه والسكينه.
أولا:مفهوم الطمأنينة: ورد لفظ ” الطمأنينة” في القران الكريم فى العديد من المواضع بصيغ متعددة، بدلالات غير متطابقة ولكنها متقاربة " كالهدوء وعدم الاضطراب بعد انزعاج والدعّة وهدوء البال" (م. م. صلاح الدين سليم محمد/ السكينة والطمأنينة في القرآن الكريم : دراسة دلالية / مجلة كلية العلوم الإسلامية / المجلد السادس / العدد الثاني عشر 1433 ه – 2012 م)..وقد أورد العلماء تعريفات متعددة متقاربة للمفهوم أما التعريف المنهجي للمفهوم – والذي يشمل ما هو مشترك بين هذه التعريفات – فمضمونه أن الطمأنينة فاعليه معرفيه ذاتيه ” قلبيه” ، ذات بعد روحي، مضمونه الوثوق”الإيمان – اليقين ” بالفعل الالهى المطلق “الربوبية”، وهو ما يلزم منه تقييد الفعل الانسانى المحدود به تكوينيا وتكليفيا.
[/SIZE]
ثانيا: مفهوم السكينه: وردت مادة ” س ك ن” في القران الكريم بصيغ متنوعة ، وهذه الصيغ ذات دلالات غير متطابقة ولكنها متقاربة ، تتحدد أساسا طبقا للاستعمال السياقي القرانى. وقد أورد العلماء تعريفات متعددة ومتقاربة لمفهوم السكينة. أما التعريف المنهجي للمفهوم – والذي يشمل ما هو مشترك بين هذه التعريفات – فمضمونه أن السكينة هي فاعليه روحيه – نفسيه، تهدف إلى ضبط أو التحكم بالانفعالات السالية كالحزن والخوف…من خلال وقف امتدادها التلقائي ، وهو ما يتحقق عند تقييد الفعل الانسانى المحدود بالفعل الالهى المطلق”الربوبية” تكوينيا وتكليفيا.
مقارنه مع بعض الفلسفات الوضعيه والدينيه الأجنبيه: وهنا يجب الاشاره الى ان هناك العديد من الفلسفات الوضعية والدينية الغربية والشرقية، تلتقي مع المفهوم الاسلامى للفلسفه ، ممثلا فى مفهوم الحكمه القرانى، فى اقرار الوظيفه الروحيه – القيمه للفلسفه باتخاذها تحقيق مضمون الطمأنينة والسكينة غايات لها ، من خلال بحثها عن فاعليه روحيه – معرفيه – نفسيه، تهدف إلى ضبط أو التحكم بالانفعالات السالية كالحزن والخوف.. ،ولكنها استندت خلال بحثها إلى مفاهيم خاطئه “كمفاهيم الوحده المثاليه والماديه”، وهو ما أدى بها إلى تبنى تصورات سلبيه لمضمون المفهومين، يلزم منها إلغاء بعض أبعاد الوجود الانسانى “كالوعي أو إدراك الواقع،أو الاراده …” . ففي الفلسفة الغربية مثلا تحدث الفيلسوف الروماني سكستوس إمبيريكوس عن الطمأنينة (أتاراكسيا) أو راحة البال . وكانت غاية الفلسفة بالنسبة لإبيقور كانت الوصول للحياة السعيدة والمطمئنة . وتحدث البوذية الجاينية عن ال (نيرفانا) التى تحرر الانسان من المشاعر السلبية من الاكتئاب والحزن والقلق وغيرها.

الموقع الرسمي للدكتور/ صبري محمد خليل خيري | دراسات ومقالات الموقع الرسمي للدكتور صبري محمد خليل خيري

تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى