إبراهيم بجلاتي - العالم تحت الريح.. شعر

١-
العالم تحت الريح
ليس مجازا
وربما كان
لا اعرف بالضبط
لكنني أعرف أن المقابر كانت في آخر الشارع
قبل التعديلات الأخيرة
وأنهم نقلوا المقابر من هناك
إلى مكان آخر
ليس بعيدا
لكنه بالضرورة
تحت الريح
على قلق كأن الريح تحته
والمقابر تمشي.
٢-
بالأمس
اقلعت عن التدخين
ونمت في الثامنة مساء
صحوت مرتين للتبول
وأفقت في الثامنة من الصباح التالي
أشعلت سيجارة في السرير
يااااااه
اثني عشر ساعة دون تدخين
اثني عشر ساعة وأنا في مصح على شاطيء البحر
حيث يعاد تأهيلي
كدمية ناطقة
جمع الرئيس طاقمه الطبي
قال لهم؛ اليوم خمر وحشيش وحضن دافيء
وغدا
تستأصلون عظاما زائدة في ركبتيه
وتفصلون بالعدل بين الفقرتين: الرابعة والخامسة
علموه السباحة من جديد
ركوب الجمال
قراءة النجوم
واحتمال العطش
سيقطع مسافات طويلة
في الصحراء
سيبقى ليال كثيرة
يفكر
ويدرب نفسه
على اكتشاف الفارق الدقيق
بين التعاطف البسيط والعاطفة
سيصعد الجبل ليلا
يقف على القمة العالية
ومن هناك ينادي:
يا بنات الحور
هل هذا قمر مخنوق
أم قمر في عاصفة؟
٣-
أيتها الطفولة البعيدة الصامدة
حلم ليلة صيف
اطلت الإقامة في الخريف
الشتاء قريب وفيه لا أحسن الغناء
ربما
عزف منفرد
نقر جنائزي على ترابيزة السفرة
لا وقت لدينا للبكاء
(كأن أحدا سوف يبكي)
لا طعام للضيوف
شاي ثقيل
قهوة مرة
سجائر للمعزين
فطائر للصغار
تخيل أنك في جنازة نفسك
أنت في الأمام
ولا أحد خلفك
الطريق طويلة
تحت هذه الريح
والمقابر تمشي
٤-
في الفاصل بين مقطعين
فشلت في إقناع الصغير بثلاثة أشياء:
- أن يغسل أسنانه قبل أن ينام
- ألا يحمل التراب في قدميه إلى السرير
- أن يكف عن الكلام
وفِي الفاصل ايضا
وقفت مع الكومبارس في الشارع
أشاهد نهاية العالم
للمرة الألف
والغريب يا أخي
ورغم أنني لست مقتنعا
أن العالم سينتهي
بكوكب القرود
أو سلاحف النينچا
إلا أنهم
ينجحون في شد انتباهي
حتى اللحظة الأخيرة
كأنهم يعرفون
أن العالم لن ينتهي في غرفة المونتاچ
وأن اليوم الذي ينتهي بغسل المواعين
لا يعول عليه
تعبت من ملمس الزيت في سائل الغسيل
ومن النوم وحيدا كالغريب
ومن حل الواجب المدرسي لصديقة تدرس في الخارج:
قارن بين رسالة من امرأة مجهولة،
ورسالة من تحت الماء
٥-
اعتقد انهما رسالة واحدة
مواجهة؛
ثم معجزة لم تكتمل
في الانتقال السهل
من التنفس تحت الماء
إلى الغرق
٦-
الحياة ماكينة
يصنعون لها قطعا للغيار
ربما تحتاج رقبة طويلة كي ترى العالم من أعلى
أو ذراعا أقوى
كي تحمل الجبل من الصحراء إلى البحر
لكنها في الحقيقة تحتاج قلبا
أقل صلابة من الحجر الجيري
لعله يتفتت
من الحزن
أو عندما تنطبع عليه قبلة اليتيم
كعكة محلاة بالتوت والسكر
عجبة
والحياة ماكينة
تمد النوم بالأحلام
وتضع الحلم في مكانه الصحيح
لعله يجد التفسير
أو يلمس المعنى
في شريط الصوت
على الشجرة عش، وفِي العش بيض
وأفراخ تصوصو
قبل أن تموت
أو ينقذها طفل ضرير
يتعلم النجارة
يعرف بالقلب صبغة الله أو لون الجنة
قبل أن يسقط في النهر ويجرفه التيار
فيلم أم حلم،
كلاهما مر
في الغابة
ينقذ الأعمى الحياة من نفسها
فمن ينقذ الأعمى؟
٧-
المولودون في التسعينيات
لا أقول إنهم لا يعرفون معركةً بعيدة
مثل رأس العش
لكن أقول إنهم لم يلعبوا الكرة الشراب في الشارع
لذا لا يعرفون العمل الجماعي
ولا يجدون في "الحرّيف" مجازا لاتساع الهامش
ومصير الموهبة
حتى لا أقول مجازا
لانكسار الروح
في دوح الوطن
من هنا يأتي الشجن؟
ربما
وربما يأتي من انقطاع الكهرباء
عن غرفة العمليات أو العناية الفائقة
للمبتسرين
أطفال تصوصو
في صندوق زجاجي
عميان تقريبا
لكنهم
يشربون إصبعا باللمس
يقبضون عليه
بأكف صغيرة جدا
كي لا تقع
اترك لهم إصبعك
المكان تغير
اللقطة ثابتة
والمقابر
تمشي.



تعليقات

لا توجد تعليقات.
أعلى