الشارع شبه فارغ .. تقف عند ناصيته صامتا ..تلتفت حول نفسك ..تنفث دخان سيجارتك العاشرة ،تمر شاحنة متهالكة فتطلق دخان عادمها في وجهك ،تلعن الشاحنة وسائقها ،تبصق على الإسفلت في غضب.
تمد لك متسولة يدها المعروقة وتفتح فمها الأدرد طالبة حسنة، تشيح عنها بوجهك وترد بجفاء :"الله يجيب ألاألا1".تحس أنك أضعت الكثير من تلك القيم التي عشت تَعُبُّ من معينها ، لم تعد عندك تلك النزعة الإنسانية التي طالما نظرت وتحمست لها في حواراتك وسجالاتك مع زملائك المثقفين والمهتمين بالفكر الإنساني ،لا شيء يجبرك الآن على الندم.
أشعل سيجارة جديدة، نظر الى ساعته ،مضت ساعة على وقوفه، لم تحضر نازك كانت لديه قناعة مسبقة أن حضورها مشكوك فيه ،ولكنه رغم ذلك حضر وانتظر حدوث المعجزة.
أنت تتذكر أن نازك كانت جزءا من ماض مثير للجدل ،عرفتَها في ظروف صعبة , منحتك جسدها ومالها ..كنت يومها طالبا مفعما بالحياة يطمح إلى الغد و يُمنّي النفس بتحقيق ذاته، أما هي فكانت امرأة ناضجة تجاوزت الثلاثين، رغم عامل فارق السن انجذبتما الى بعضكما، وتحاببتما.
بعد شهر من التعارف انتقلت للإقامة معها في شقتها الفاخرة ،عشتما أشبه بزوجين، ثم فجأة حدثت القطيعة بلا مقدمات وبلا تفصيل ذهب كل الى حال سبيله، ربما كان الملل سببا للفراق، وربما كان نزق الشباب دافعا لذلك ،لا علينا الانفصال حدث، ومضى كلّ الى غايته يستحث الخطى نحو المجهول.
بعد عشرين سنة ،التقاها صدفة بأحد الأسواق الممتازة ، في البداية لم يصدق نفسه، لكن تقاسيم وجهها البهي وسحر عينيها الزرقاوين وتلك النظرة الحالمة التي تونق منهما ،جعلته يدرك أنها هي ،وأن عامل الزمن لم يغير شيئا فيها بل ربما زادها نضجا وجمالا،اقترب منها وناداها باسمها، فتجاهلته لكنه ألَح في مناداته وقال بصوت أقرب للرجاء والاستعطاف: "نازك" أرجو ان تمنحيني فرصة الحديث إليك ولو للحظة لا تنسي أننا أكلنا خبزا وملحا معا.
قبلت الاستماع إليه بعد لأي ،فحدثها عن ضياعه واغترابه ..أسرّت إليه بترملها منذ شهر فقط ،بعد زواج لم ترزق منه أطفالا أحس أن الحياة تبتسم له ، طلب ودّها من جديد , لكنها صدته بلطف ،وطلبت منه احترام الظروف التي تمر منها ألح في طلب موعد منها , وافقت دون حماس..
............
بدأ الملل يتسرب إليك ..قلت لنفسك ..قد تجمعنا الأيام غدا أو بعد غد، ثم هممتَ بمغادرة المكان.
فجأة توقفت سيارة أجرة ،ترجّلت منها سيدة بلباس أسود ونظارات معتمة،التفتتْ إلى اليمين ثم إلى اليسار واندفعت نحوك .كانت نازك ..لقد جاءت إلى الموعد. إنها فرصتك الاخيرة.
-1 لَالَّا: تعني سيدة باللغة الدارجة المغربية
محمد محضار . خريبكة
تمد لك متسولة يدها المعروقة وتفتح فمها الأدرد طالبة حسنة، تشيح عنها بوجهك وترد بجفاء :"الله يجيب ألاألا1".تحس أنك أضعت الكثير من تلك القيم التي عشت تَعُبُّ من معينها ، لم تعد عندك تلك النزعة الإنسانية التي طالما نظرت وتحمست لها في حواراتك وسجالاتك مع زملائك المثقفين والمهتمين بالفكر الإنساني ،لا شيء يجبرك الآن على الندم.
أشعل سيجارة جديدة، نظر الى ساعته ،مضت ساعة على وقوفه، لم تحضر نازك كانت لديه قناعة مسبقة أن حضورها مشكوك فيه ،ولكنه رغم ذلك حضر وانتظر حدوث المعجزة.
أنت تتذكر أن نازك كانت جزءا من ماض مثير للجدل ،عرفتَها في ظروف صعبة , منحتك جسدها ومالها ..كنت يومها طالبا مفعما بالحياة يطمح إلى الغد و يُمنّي النفس بتحقيق ذاته، أما هي فكانت امرأة ناضجة تجاوزت الثلاثين، رغم عامل فارق السن انجذبتما الى بعضكما، وتحاببتما.
بعد شهر من التعارف انتقلت للإقامة معها في شقتها الفاخرة ،عشتما أشبه بزوجين، ثم فجأة حدثت القطيعة بلا مقدمات وبلا تفصيل ذهب كل الى حال سبيله، ربما كان الملل سببا للفراق، وربما كان نزق الشباب دافعا لذلك ،لا علينا الانفصال حدث، ومضى كلّ الى غايته يستحث الخطى نحو المجهول.
بعد عشرين سنة ،التقاها صدفة بأحد الأسواق الممتازة ، في البداية لم يصدق نفسه، لكن تقاسيم وجهها البهي وسحر عينيها الزرقاوين وتلك النظرة الحالمة التي تونق منهما ،جعلته يدرك أنها هي ،وأن عامل الزمن لم يغير شيئا فيها بل ربما زادها نضجا وجمالا،اقترب منها وناداها باسمها، فتجاهلته لكنه ألَح في مناداته وقال بصوت أقرب للرجاء والاستعطاف: "نازك" أرجو ان تمنحيني فرصة الحديث إليك ولو للحظة لا تنسي أننا أكلنا خبزا وملحا معا.
قبلت الاستماع إليه بعد لأي ،فحدثها عن ضياعه واغترابه ..أسرّت إليه بترملها منذ شهر فقط ،بعد زواج لم ترزق منه أطفالا أحس أن الحياة تبتسم له ، طلب ودّها من جديد , لكنها صدته بلطف ،وطلبت منه احترام الظروف التي تمر منها ألح في طلب موعد منها , وافقت دون حماس..
............
بدأ الملل يتسرب إليك ..قلت لنفسك ..قد تجمعنا الأيام غدا أو بعد غد، ثم هممتَ بمغادرة المكان.
فجأة توقفت سيارة أجرة ،ترجّلت منها سيدة بلباس أسود ونظارات معتمة،التفتتْ إلى اليمين ثم إلى اليسار واندفعت نحوك .كانت نازك ..لقد جاءت إلى الموعد. إنها فرصتك الاخيرة.
-1 لَالَّا: تعني سيدة باللغة الدارجة المغربية
محمد محضار . خريبكة